عمليات تحرير خرمشهر ملحمة تاريخية خالدة

2007-08-19

من الطبيعي أنّ ذكريات فترة الحرب لن تمحى من ذهن أهالي آبادان وخرمشهر وخوزستان ، ولا من ذاكرة الشعب الإيراني ، بل ولا من ذاكرة تاريخ الإنسانية؛ إذ تعرّض خلالها شعب غريب وحيد لا لشيء إلاّ لقوله «لا إله إلاّ اللّه» وإرادته في الاستقلال ، لهجوم شامل وبربري دموي على يد التحالف الإستكباري المعادي .

فقد تحالف أقطاب الكتلة الشرقية يومذاك ابتداءً من الاتحاد السوفيتي المنحل إلى اُوربا الشرقية الشيوعية وإلى حلف الناتو ، وإلى أمريكا ، وحتّى الدول الرجعية في المنطقة والتي كانت تدعي مناصرة القومية العربية ، وهجموا على هذا الجزء الصامد من بلدنا العزيز ، وفعلوا كل ما اُتيح لهم فعله .

اللّهم أنت شاهد على ما خطر على قلبي يوم جئت وشاهدت هذه المدينة ، عبر هذا النهر الخالد الذي يفيض على هذه المحافظة بالحياة ، وشاهدت أيضاً عن بعد مدينة خرمشهر المحتلة المغتصبة ، وكيف اعتصرتني مشاعر الغربة والألم والأسى ، واستشعرت في الوقت نفسه معاني القوة والعزم والإرادة تخفق في سماء هذه المدينة؛ فقد هب رجالها ونساؤها للذود عنها ، وسطّر الشبان وحملة القيم الإسلامية الرفيعة وأبناء حزب اللّه الحاملين أرواحهم على الأكف ـ سواء من أهالي هذه المحافظة أم من الذين وفدوا إليها من سائر الأرجاء ـ ملاحم خالدة في الصمود ، حتّى غدى صمود ومقاومة الشعب الإيراني مثالاً للشبان وللشعوب والجماعات التي تحمل مبادئ لهذا العالم .

لا يمكن لأحد اليوم ولا غداً أن يؤاخذ الشعب الإيراني قيد انملة؛ لأنّ صمود الشعب الإيراني تجلّى للجميع .

لقد تواجد آلاف المضحّين الواعين، في ضوء فهمهم للظروف واستيعابهم لمتطلبات المرحلة حيثما كان يجب أن يتواجدوا، وكانت نتيجة ذلك أن سجلت ملحمة تاريخية خالدة إلاّ وهي ملحمة تحرير خرمشهر في عمليات بيت المقدس التي ستبقى ذكراها خالدة في تاريخ هذا البلد، سواء في اليوم الذي وقعت فيه هذه الحادثة، أم في أي وقت آخر يعاد فيه عرض هذه الحوادث على اذهان الشعب وبيانها كاُسلوب لتجديد الحياة الوطنية وتسهيل طريق العزّة والمجد امام الشعب.

واليوم حينما ننظر إلى هذه السهول ، وإلى هذه الطرق ، وإلى هذه المدن ، نجدها تعبّر بأجمعها عن العزم الشامل على محو آثار العدوان . ولكن الذي نحصل عليه ـ بعد محو آثار ومعالم العدوان ـ هو غير الذي كان قبل العدوان ، إنما نحصل على خوزستان ثبتت بأيدينا بالاتكال على قدرة الإيمان؛ وتكون خوزستان مظهر شجاعة وتضحية الشعب الإيراني.

تحرير خرمشهر المعجزة الكبرى

2007-08-19

إن واقعة خرمشهر تمثل عن بُعدٍ حدثاً تاريخياً للحماس ومبعث فخرٍ بالنسبة للشعب الإيراني لا غير؛ لكن هذه القضية عن قرب كانت أشبه بمعجزة كبرى، فعندما شنَّ النظام العراقي هجومه على حدودنا بتحريض من الحكومات المعادية، كان دقيقاً في هدفه، وخرمشهر كانت الخطوة الأولى والمؤثرة للغاية في هذا الهدف.

كان هدفهم باختصار: انهم كانوا يتصورن أن إيران حين إنتصار الثورة لم تعد تمتلك قوات مسلحة تذود عن حدودها أولاً، وأنها تفتقر للنظام الإداري والإجتماعي السليم الذي يتكفل الدفاع عن البلاد والمصالح الوطنية ثانياً، وليس هنالك مَنْ يؤيد الثورة عالمياً ثالثاً؛ فمن جانب كانت أمريكا العدو الذي يتصبب حقداً وضغينة على الثورة لأنها قضت على الهيمنة الأمريكية على هذا البلد، ولهذا فقد كانوا يطفحون حنقاً وضغينة على الثورة والنظام الإسلامي، ومن جانب آخر كان الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان مناوئاً للثورة لأسباب أخرى؛ فاتحدت كلمة كلتا القوتين الكبريين على معاداة إيران ـ وهما القطبان اللذان اختلفا فيما بينهما على العشرات من القضايا ـ وقامتا بكل ما أوتيتا من قوة بدعم النظام العراقي والدفاع عنه.. كما دعم حلف "الناتو" والدول الأوربية العراق أيضاً؛ فزوّدوه بالدبابات والأسلحة الكيمياوية والمروحيات والصواريخ؛ وقامت أوربا الشرقية التي كانت خاضعة يومذاك لهيمنة الحكومة السوفيتية وتابعة لها بتزويد العراق بما يريد.

وعليه فقد كان العراق طرفاً يحظى بدعم أميركا والاتحاد السوفيتي والناتو ووارشو ـ وهو الحلف الذي كان يضم أوربا الشرقية والدول الشيوعية ـ وكذلك الحكومات العربية في المنطقة التي كانت تضع تحت تصرف حكومة بغداد الأموال والسلاح والإمكانيات والمستشارين العسكريين وكل ما كانت تطلبه لتحقيق مآربها من هذا الهجوم؛ وكان نظام الجمهورية الإسلامية طرفاً آخر.

لقد كانت أمريكا تناوئ هذا النظام وتُحصي اللحظات للقضاء عليه، وكذا الاتحاد السوفيتي كان معادياً له، فيما كان الأوربيون لا يقيمون علاقة معه ولا يبدون إزاءه أي اهتمام، وهكذا الحال بالنسبة للحكومات الرجعية.

كانت الإمكانيات المادية للبلاد ضعيفة للغاية، والقوات المسلحة تعاني عدم الانسجام، والتجهيزات العسكرية كان بعضها قد تهرأ فيما كان البعض الآخر ينتظر قطع الغيار التي أبَوْا بيعها لنا، فلقد كنا نمتلك الطائرات والدبابات لكنها كانت تفتقد قطع الغيار التي أبى العالم بيعها لنا ولم يكن يُنتج منها شيء في الداخل.

في مثل هذه الحالة ماذا كان واقع القضية؟ إنه عين ما تصوّره العراق، من الهجوم واحتلال خرمشهر أولاً ثم الأهواز ثم دزفول وبالتالي اقتطاع خوزستان عن إيران، ومن ثم يبدأ بالمساومة وعدم إعادة خوزستان إلى الأبد ويستولي على المصادر النفطية في البلاد وإجبار الحكومة الثورية على الجلوس حول طاولة المفاوضات ذليلة ضعيفة.. كانت تلك خطة النظام العراقي، وهي خطة أمريكا والاتحاد السوفيتي في واقع الأمر!

في الوهلة الأولى حققت القوات العراقية تقدماً ووصلت على بعد ثلاثة أو أربعة عشر كيلومتراً من الأهواز، لكنهم حينما حاولوا الهجوم على خرمشهر ـ وهي الأقرب إلى الحدود ـ جوبهوا بالموانع، والسبب كان هو نزول القوى الشعبية والشباب المؤمنين والثوريين من الرجال والنساء إلى الساحة؛ أي أن الثورة بدأت تطل بنفسها هناك.. وعليه فقد توقف العدو على مقربة من الأهواز؛ إذ وقفت القوات المسلحة من الجيش والقوى الشعبية متعاضدةً كالطود أمام العدو، فكانت تلك أول ضربة توجه إليه، بيد أن الحزن قد استولى على قلوب الشعب الإيراني لأن آلاف الكيلومترات من تراب الوطن كانت تحت سيطرة العدو، ولقد كنت خلال الأشهر الأولى من الحرب في تلك المناطق وكنت أشاهد وضع الشعب ووضع القوات المسلحة التي كانت تتمتع بالعزيمة والحزم، لكن حزناً ثقيلاً كان يملأ أفئدتهم، وشيئاً فشيئاً برزت عظمة القوى الشعبية.

وسرعان ما بادر الحرس الثوري لتنظيم نفسه وأخذت القوى الشعبية وقوات التعبئة بالتشكل تدريجاً؛ أي إن جوهر الثورة والإيمان قد تجسّد في ميدان الخطر هذا، بالإرادة والعمل وقدرة الإنسان على الإدارة.