في خضم صراع تحالف دولي ضد جماعات إرهابية تتخذ من الدين الإسلامي غطاء لها، ومحاولة قوى دولية توجيه هذا الصراع مع الأفكار الدينية المتطرفة وبأساليب ملتوية، جاءت رسالة الإمام الخامنئي قائد الثورة الإسلامية إلى شباب الغرب في خطوة منه لرمي الكرة في ساحة الدول الغربية .

أكدت الرسالة على امتلاك الإسلام رؤية حضارية متفوقة على الحضارة العلمانية الغربية التي لم تستطع تشكيل موقف أخير ونهائي من التعامل مع الدين ، وتعثرت إن لم نقل فشلت في تقديم أنموذج موحد للتعامل مع الدين كظاهرة بشرية مستمرة مع الوجود الإنساني وعلى مستويات مختلفة، كما اصطدمت الحضارة الغربية بمشكلات جديدة داخليا وخارجيا باتجاه فقدان الثقة بمفهوم التقدم الغربي، سواء على صعيد بروز الأنانية لدى الإنسان الغربي أو شعوره بجفاء التقدم المادي أو انه أصبح ضحية هذا التقدم وعلى حسابه، والذي ينعكس على بروز التطرف في أوروبا والدول الشرقية بعناوين مختلفة ولأسباب متباينة تجمعها العامل الأساس وهو الاقتصاد أو التقدم بمفهوم اشمل واعم، حيث بروز مشكلات اقتصادية جمة لدى الغرب ، وشعور شرقي بتباين كبير في التقدم ووجود فجوة كبيرة بين الشرق والغرب أو ما يسمى بالشمال والجنوب .

رسالة الإمام الخامنئي تأتي تزامنا مع الذكرى السادسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وهو يريد أن يؤكد من خلال هذه الرسالة بأن الثورة الإسلامية لا تزال تواصل حمل مشعل النور والهداية للعالم اليوم ، وأنها لا تزال تشكل محورا مهما من محاور الصراع الحضاري بين نماذج مختلفة في العالم .

أشارت رسالة القائد الخامنئي إلى تركيز الغرب منذ انهيار الكتلة الشرقية قبل عقدين من الزمن على إظهار الإسلام كعدو جديد لهم، وإلى تكريس (الفوبيا) أي الخوف من الدين، داعيا الشباب الغربي إلى قراءة الإسلام بنفسه، بالرجوع إلى المنابع الدينية الأصيلة كالقران الكريم، وإلى تجربة الرسول محمد (ص) ليقف على حقيقة الإسلام وتعاليمه السمحاء، وكيف استطاعت القيم الأخلاقية والإنسانية للإسلام من صناعة أكبر حضارة علمية وفكرية في العالم منذ قرون متمادية .

وأكد الإمام الخامنئي في ختام رسالته إلى الشباب الغربي أن العولمة وتطور وسائط التواصل قد اخترقت اليوم الحدود الجغرافية بين الدول، داعيا هؤلاء الشباب إلى أن يشكل رؤيته بنفسه عما يمثله الإسلام، ولا يسمح للدعايات الغربية أن تشكل وعيه ورؤاه ومواقفه، وإلى طرح أسئلة جديدة عسى أن تشكل فرصة جيدة للاستنارة، وعدم الوقوع في المطب الذي يراد إيقاعه فيه بعزله عن معرفة حقيقة الإسلام، بعيدا عن الأحكام المسبقة، وأن يؤدي هذا الجيل من الشباب دوره ومسؤوليته في تنوير الأجيال القادمة على حقيقة التعامل الغربي مع الإسلام بضمير حي وبعيدا عن جلد الذات.

الثورة الإسلامية لا تزال في دائرة الضوء

رسالة الإمام الخامنئي تأتي في وقت لا تزال الثورة الإسلامية تحظى بأولوية خاصة في مختلف الساحات المحلية والإقليمية والدولية، وقدمت ولا تزال تقدم المزيد من البحوث والدراسات لمعاينة هذه الثورة بكل تفاصيلها وتجلياتها ، وفي مختلف الأبعاد وذلك بهدف دراسة هذه الظاهرة الكبيرة التي أسدلت بظلالها على مختلف الأرجاء، ولقيت مقاربات على جميع الأصعدة بهدف استجلاء كل جوانبها واستشراف مستقبلها، وكان البعد الثقافي والمعرفي في الثورة هو البعد الأهم في مقاربات ودراسات النخب المثقفة ، ولعل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي توفي عام 1984كان في طليعة المفكرين الحداثويين الذي اهتم بظاهرة الثورة الإسلامية وخاصة في بعدها الثقافي ، حيث وجد في الثورة الإيرانية بأنها بمثابة نهوض للقوة الناعمة في قبال القوة الصلبة وقوة الجيش الذي اعتمده شاه إيران في قبال الثورة الإسلامية الشعبية، وبمثابة تكريس للبعد الرابع من أبعاد الإرادة السياسية، ألا وهي الروحانية السياسية التي حققت اكبر انتصار للإسلام في هذا العصر.

لقد وجد فيها كبار المفكرين من الشرق والغرب بشائر الخلاص وتغيير وجهة العالم باتجاه إعادة البناء الروحي والأخلاقي للإنسان المعاصر وعدم الولوغ كثيرا في الحياة المادية المجنونة التي يجد الإنسان فيها نفسه كترس صغير في آلة كبيرة، عليه أن يكون بليد المشاعر والأحاسيس ليتحمل هذه الحياة المادية التي اتخذت الإنسان محورا وهدفا لها ولكنها انتهت إلى معادلة أصبح الإنسان الغربي ضحية لها .

لعل الكثير من أدعياء الثقافة لا زلوا يجهلون ينابيع القوة في الثورة الإسلامية الإيرانية ولم يفهموا بعد هذه الطاقة الهائلة التي لعبها العامل الديني الإسلامي في مقاومة الاستبداد والتخلف والاستعمار والتبعية وكل ذلك كان بسبب العامل الديني الذي لم ينزلق إلى الإرهاب والاستبداد كما انزلقت بعض القوى المحسوبة وللأسف على التيار الديني إلى دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية وخسرت الكثير من مصداقيتها .

كما وساهمت إيران الإسلام في إيجاد صحوة إسلامية كبيرة في العالم رغم محاولات القوى السلطوية بزعامة أميركا إفشالها وتشويهها من الداخل بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها المشؤومة من الخارج وعبر استخدام الإقصاء والتهميش ضدها .

إن الخصوصيات التي ساعدت إيران في انجاز مشروعها الثوري الإسلامي وعدم الرضوخ للقوى السلطوية هو التلاحم بين الفكر والإنسان، وبين العقيدة والسلوك، وقدرة الأفراد الرهيبة من خلال الأفكار الثورية على تغيير مجرى التاريخ والتأثير في الأشخاص والعقول وتحريرهم من الأوهام والخوف والدفع بهم إلى المشاركة في صنع المستقبل وترغيبهم في التضحية في سبيل الشأن العام. ومن خلال هذا الإصرار على مواجهة كل الصعوبات استطاعت الثورة في إيران الإسلام أن تصون مكاسبها على مختلف الأصعدة، المحلية والإقليمية والدولية، وعلى صعيد البناء المجتمعي وبناء ركائز الدولة المستقرة ضمن مؤسساتها وتشكيلاتها، وتركت الثورة بصماتها على مختلف النواحي، وذلك لأنها ثورة جذرية ولا تلامس السطح فقط، وتحول حقيقي وليس شكلي كما رأينا في التغييرات السياسية التي تحدث هنا وهناك .

تحية إكبار وإجلال للثورة الإسلامية في ذكراها الخالدة، ولتحيى الجمهورية الإسلامية في مواقفها المشرفة والمناصرة للشعوب في تحقيق آمالها وتطلعاتها في حياة حرة كريمة .

 

بقلم: عبد الجبار كريم