ثورة الإمام الخميني

2009-01-25

إن استيعاب ثورة الإمام الخميني والمفهوم التطوري الذي تستند عليه يتطلب ابتداء إدراك الخصائص المتميزة لهذه الثورة.

إن هذه الثورة لا تُشبه أي ثورة أخرى، فالثورة الفرنسية، على سبيل المثال، هي ثورة سياسية نقلت سلطة الدولة من الطبقة الارستقراطية إلى طبقة هرمية اجتماعية جديدة ترتكز على مبدأ الثورة.

كما أن الثورة الروسية تتشابه بشكل من الأشكال في نقل السلطة الاقتصادية من الطبقة البرجوازية إلى طبقة الكادحين.

بيد أن الثورة الإسلامية تجمع بين الثورتين الاقتصادية والسياسية في آن واحد. ولكن ما يُميزها أيضا أنها ثورة فكرية امتدت شامخة أمام مفاهيم الإنسان والحضارة السائدة في الرب منذ قرون، والتي يمكن من خلال ذلك أن تكون الثورة الوحيدة التي ينطبق عليها اسم الثورة ((العصرية)) بكل ما في الكلمة من معنى.

يبدأ التأريخ الغربي بالعصر الحديث الذي سُمي بعد ذلك بعصر النهضة, وهو العصر الذي تزامنت فيه ولادة الرأسمالية capitalism مع ولادة الاستعمار colonialism, حيث شَرَعت منذ بداياتها الأولى بسن قانون القطيعة بين الغرب وبين جميع الثقافات العالمية الأخرى.

وعلى ذلك فإن لعام 1942م أهمية مُستثناة. فقد شهدَ هذا العام بالتحديد سقوط غرناطة، آخر الممالك الإسلامية في أوروبا، وفي الوقت نفسه شهد كذلك احتلال وتدمير حضارة الأميركيين الأصليين بعد وصول كريستوفر كولومبس Christopher Columbus إليها. وقد تبع ذلك في القرون الخمسة اللاحقة الغزو الاستعماري لكل من أفريقيا وآسيا بوسائل العدوان العسكري نفسها، والاستغلال الاقتصادي مضافاً إلى محاولة إلغاء الثقافات والتقاليد الروحية التي تتميز بها هذه المناطق، وتدميرها تدميراً شاملاً.

وقد اعتبرت أوروبا نفسها مُنذ هذه الفترة الزمنية بالخصوص صاحبةَّ المشروع الثقافي الأصيل، وباعثةَّ لتجديد عصري متفرد.

ويمكن تصنيف هذه النهضة العصرية بفرضيات ثلاثة :

1- دعوى الإنسان على إدارة الحكم على الأرض بقدراته الذاتية دون التدخل الغيبي، أو الإلهي المطلق.

2- إحلال مفهوم سيطرة الأسواق الاقتصادية بدلاً من مفهوم النظرية الإلهية باعتبار أن الأسواق هي المنظم الوحيد لجميع العلاقات القائمة بين الأفراد والشعوب.

وعلى أساس هذه القاعدة فإن جميع الأفراد يتنافسون فيما بينهم طبقاً لمقولة الصراع التي أشار إليها المفكر توماس هوبز Thomas Hobbes في قوله ((الإنسان ذئب لا يعدم الافتراس)) Man is a wolf preying upon man.

3- لا تعدو الطبيعة إلا أن تكون خزاناً من المواد الضرورية غير قابل للنفاذ، ومستودعاً للإنتاج والاستهلاك على حد سواء. وقد لخص ذلك ديكارت بقوله : ((جُعلنا أسياداً على الطبيعة، ومُلاَّكاً لها)).

بيدَ أن الثورة الإسلامية في إيران اعتمدت على ركائز أخرى مختلفة تمتد بجذورها إلى أقدم حضارات العالم. وقد عبر قائدها الإمام الخميني في حديثه عن هذه الثقافة بأنها ثقافة تمتد لآلاف السنوات.

فلقد حثَّت الأحاديث النبوية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن ثقافة الإيرانيين وأدبهم تستلهم الكثير من هذه المبادئ والقيم العليا كما ورد على لسان الشاعر الفردوسي ما كان سائداً في زمانه من أنّ فضيلتي الشجاعة والاستشهاد هما قرينتا الخلود. ومن خلال عالمية الإسلام كما عُرف ذلك من تعاليم القرآن وكذلك الرسل الذين هم مُقدمون على الخلق كمبلغين لرسالة واحدة، هي رسالة الله، يظهر أنّ الإسلام لم يكن قد دخل إيران كعقيدة غريبة غير مألوفة، ولكن بشكل يقترب من خلفيات ذهنية الإيرانيين، ويتوافق مع نقاء القرآن الأصيل.

وقد كان النزاع قائماً بين الخليفة علي، ومعاوية (نظراً للمفاسد التي أدخلها في الإسلام)، وقد ظهر ذلك من خلال :

1- عدم الإقرار بمبدأ القضاء والقدر. حيث أنّ الإقرار بهذا المبدأ الذي ينصُ على أن عمل الإنسان محتوم من الأزل سوف يُلغي مفهومي الثواب والعقاب. كما سيجعل من الوعد والوعيد الإلهيين لا معنى لهما – كما ذكر الإمام علي في نهج البلاغة – ذلك لأن الله في واقع الأمر كان قد أمر خلقه أن يتصرفوا طبقاً لإرادة حرّة و مسؤولة.

أما فقهاء السلطة – كما يسميهم الإمام الخميني – فإنهم يختلقون الأحاديث التي من شأنها أن تشيع التطاحن بين المسلمين الحقيقيين الذين وقعوا فريسة لسلطة معاوية المستبدة.

فقد ادّعى معاوية – اعتماداً على هؤلاء الرواة – أنّ الرسول قال : بما معناه : إذا سُلط عليكم من يحكمكم فإنها مشيئة الله، فعليكم طاعته والصلاة خلفه.

2- المبدأ القرآني الرافض لمبدأ المباهاة بالثروة. كما نص القرآن على ذلك بقوله تعالى : { إذا أردنا أن نُهلِك قريةً أمرَنا مُترفِيها ففسقوا فيها فحَقَّ عليها القولُ فدمرناها تدميرا}.

فقد مجد عليُّ المثل الذي ضربه أبو ذر، المدافع الأول عن المفاهيم الثورية للإسلام، وسعيه لتقديم الأولوية لحماية الثروة، والانتصاف للفقير مذكراً بقول الرسول فيه : ((ما أظللَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء أصدق ذي لهجة من أبي ذر)).

3- ممارسة الاجتهاد : أعاد القرآن إلى الأذهان التذكير بمبادئ الشريعة الخالدة التي نُقلت منذ عهد إبراهيم الخليل إلى النبي محمد، كما ذكر القرآن ذلك : {شرع لكم مِن الدينِ ما وصَّى بهِ نُوحاً والذي أوحينَا إليكَ وما وصَّينا بهِ إبراهيمَ وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كَبُرَ على المُشركِينَ مَا تدعُوهُم إليهِ اللهُ يجتَبى إليهِ مَن يشاءُ ويهدى إليهِ مَن يُنِيبُ}.

كما ترك مسؤولية تطبيق مبادئها الثابتة للإتباع اعتماداً على الظرف التاريخي لكل حُقبة زمنية، ولكل مجتمع، الأمر الذي سيُصدر أحكاما فقهية تتناسب مع كلا هذين الفرضين.

وقد أعطى الرسول نفسه مثالاً من خلال مائتي آية قرآنية تختصُ بالتشريع من ضمن ما يزيد على ستة آلاف آية (تمثل سور القرآن). وقد كان ذلك عمل الأنبياء قبله، ((فلكلّ زمان كتاب)).

وقد طُبقت هذه الأمثلة بعد رحيل الرسول (ص) الذي كان صاحب الكلمة، ومطبق الرسالة محتذين بمثاله التكاملي عبر مسارات التأريخ في تطبيق الشريعة العالمية الخالدة التي صمًّمها الخالق، واعتماداً على الظروف التاريخية التي هي دائما في تجدد مستمر.

وهذه هي مسؤولية الناس في الاقتداء بالمثال الذي ضربه الرسول (ص).

وعلى ذلك فقد استطاع الإمام الخميني ممارسة دوره كقائد موجه دون أن يكون ذلك على حساب استبعاد المعرفة لتقنيات العالم الحديث على شرط أن تكون مندرجة في طريق الله، والتي تكون منصبّة على ازدهار الإنسان والبشرية جمعاء وليست ساعية على فنائهما.

وعلى هذا الأساس فإن هذه الطريقة تُبدد النقولات التي تزعم أن الإسلام هو عدو للعلم والتقنية، بينما الإسلام في حقيقته هو المحرك الرئيس والمحفز لهذين الأساسين، العلم والتقنية.

كما أن طريقة الإمام الخميني هذه بدًّدت الإشاعات الغربية غير المسؤولة التي تربط الإسلام بالعنف والإرهاب.

لم يكن الإمام الخميني قد دعا للعودة إلى الأهداف الصحيحة للثورة الحقيقية فحسب، وإنما كان قد حدَّد الوسائل أيضاً. وهذه الوسائل تندرج في نبذ العُنف من جانب، والاعتقاد من جانب آخر، أن الخلود البشري تمنحه سلطة (الشهادة).

إن المثال النموذجي لهذه الطريقة الجديدة ظهر من خلال نظرته إلى الجيش، فقد كان هذا الجيش خاضعاً لسلطة الشاه حيث امتلك قوة ربما كان يُعدُّها أبدية لا تقهر.

أما الإمام الخميني فكان يحملُ تصوراً آخر للسلطة، فهو لا يراها متمثلة بالمُعدات العسكرية الظاهرة، وإنما تتمثل بالقوة العرفانية المعتمدة على الوجدان الصوف الذي يتسلّح به المقاتلون.

وقد كانت جميع توجيهاته من خلا زمن المواجهة والحرب مُستوحاة من هذه المبادئ، فهو يقول:

((لا توجهوا بنادقكم إلى صدور الجنود، بل خاطبوا عقولهم)) (حتى لا يتضاعف عدد الفارين).

إن مبدأ اللاعنف هذه هو شبيه بمبدأ غاندي في مقاومة أفتك قوة عسكرية واقتصادية، الأمر الذي يدعو إلى خلق عالم مزدهر، (وهكذا فليزدهر العالم).

(((إن دم الشهيد سيوقظ ضمير الآلاف من الأحياء)).

ومن هنا فقد انتصر الشعبُ الأعزل وساد على مثل هذا الجيش المحصن القوي.

إن الاستراتيجيات العسكرية والسياسية في العالم كلّه التي تحسب حسابها للقوة بناء على المعايير المادية قد ارتكبت خطأ في ذلك حيث أنها أهملت حقيقة أن السلاح مهما كان فعّالا فإنه سوف يُدار بواسطة الرجال. فإذا حدث أمر غير منطقي في عقل أو قلب هؤلاء الرجال فإن الأسلحة ستسقط من أيديهم. وهذه الاستراتيجيات لا مكان للإيمان في كمبيوتراتها، أو في مدارتها الإلكترونية. إن طريق الغرب يقود إلى طريق مسدود Dead end.

في حين أن طريق الإسلام لا يقتصر على حجب النفس على مُسلّماتها التراثية، أو تكرار صيغ الفقهاء الكبار الذين أوجدوا حلولاً للمشكلات المتعلقة بالزمان الذي كانوا فيه حيث وجدوا أنه لا يمكن لبعض مفرداته أن تحل المشاكل المتعلقة بالزمن الذي نحن فيه.

فمن هنا كان حريا متابعة طرائقهم ذات الحلول التشريعية الفقهية على مرتكزات من مبادئ الشريعة العالمية الخالدة التي تمكن الفرد من تطبيقها في جميع الفترات التاريخية.

{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.

يعلمنا القرآن أن الله جعل الخلق في تطور مستمر وأنه موجود في جميع الأشياء المستجدة. فإننا – والحال هذه – لا ستطيع ملازمة الجمود أمام متطلبات الخلق الجديد من خلال تكرار ما فرضه العلماء المحافظون علينا منذ قرون مدعين أن باب الاجتهاد قد أُغلق بينما كانوا هم أنفسهم قد استأثروا هذا العمل لمصالحهم الذاتية.

وسعيا لإيجاد حداثة خارجة عن حداثة الغرب اقترح الأسد آبادي (جمال الدين الأفغاني) العودة إلى الإسلام المتجدد الذي يمكّن الفرد أن يُوَلّد فقها متجددا يقوم على مبادئ الشريعة العالمية الخالدة. وهذا الطريق هو الذي كان الغزالي العظيم قد سلكه من قبل في مؤلفاته خصوصاً كتابه ((إحياء علوم الدين)) الذي أعطى للإسلام أبعاداً روحانية استلهمها بعض المتصوفة أمثال فريد الدين العطار، وجلال الدين الرومي.

ويظهر جليا فيما ورد من مفاهيم رائقة من كتاب (الإحياء) خصوصا ما يتعلق في الحُبَ (في القسم السادس والثلاثين من الكتاب) حيث أن تطبيق الشعائر ليست إلا وسيلة لتطهير القلب عن الأدران، ومن ثم تهيئة الفرد للتكامل من خلا مسيرته في خدمة الله والمجتمع.

هذا الارتباط التكاملي كان الإمام الخميني قد تبنّاه، حيث ذكر أن الشعائر الإسلامية تحتل نسبة الثمن من الشريعة في حين أن ما تبقى من النسبة تندرج في خدمة المجتمع طبقاً لقيم الإسلام، وهي الفكرة التي لخصها بقوله : ((العدالة والحرية)).

من هنا فإن أعمال الإمام الخميني تعد الذروة بين أعمال مجددي الفكر الإسلامي ابتداءً من (إحياء علوم الدين)، وانتهاء

بـ (تجديد الفكر الديني) لمحمد إقبال.

لقد استطاع الإمام الخميني أن يضع القاعدة الأساسية للإسلام المتحرك موضع التطبيق كبديل وحيد عن التقدم الزائف الذي يدين به الغرب modernity of the west false.

إن هذا الدين الذي يدين به الغرب لم يحُدد له أسم سوى ما يُطلق عليه من مصطلحات أمثال ((السوق الموحدة)) أو تلك التي ترتكز عليها الرأسمالية الأميركية والتي يُسميها لوتواك Luttwak ((القانون الإلهي للسوق)) والتي تتحكم بجميع علاقات المجتمع، كما تتحكم أيضا بجميع العلاقات الدولية.

وتقود هذه الممارسة إلى تقسيم العالم إلى شمالي، وآخر جنوبي، وبين هذين التقسيمين تتناثر الأقطار المُسماة بالنامية، والتي هي دائما تخضع لنفوذ الأقوى، وتتأرجح بين طبقتي المالكين والمحرومين تحت ذريعة (التحرر الاقتصادي)، أي

((التحرر)) الذي يقوم على افتراس الضعفاء.

ومثل هذا التقدم إذا ما تم النصر له فإنه سيقود البشرية جمعاء إلى الانتحار في لحظة تندلع فيها الثورة على يد أولئك المحرومين الذين قادهم أصحاب ((السوق الموحدة)) إلى الجوع والموت.

إن هذه الانفجارات الاقتصادية (التي يقوم بها الكبار) ربما لا تقل عن تلك الانفجارات التي أحدثتها قنبلة هيروشيما، لكنها تنفجر بانتظام على مدى كل يومين متعاقبين، وكذلك الانتحار البيئي الناتج عن التلوث أو المخلفات، أو دمار الطبيعة.

ومنذ بداية القرن المنصرم حاول بعض المصلحين أمثال الأسد آبادي أن يشخصوا مصادر الشر، ويعينوا الأعمال غير المسؤولة التي يقف وراءها دعاة السوء. فقد دعا الأسد آبادي في العدد العاشر من مجلة (العروة الوثقى) المسلمين إلى نبذ الجمود العلمي الذي خلفته آراء العلماء السابقين على مراحل القرون.

كما ميز في العدد السابع عشر أيضا بين المبادئ الخالدة للشريعة عن تطبيقاتها في المجال الفقهي والذي يظهر من خلالها الاختلاف طبقاً للفترات الزمنية ولمجتمع تلك الحُقبة بالذات.

ودعا المسلمين جميعهم إلى إعادة اكتشاف حيوية الإسلام الخلاقة في عصره الأول، وفي عصوره الأخرى التي بلغ فيها ذروته.

إن الإسلام الحي الخلاق – كما ذهب الأسد آبادي – هو الإسلام النابع في القرآن والذي لا يقبل تقليد الغرب، كما لا يقبل الرجوع إلى الماضي. وقد برهن تأريخ القرن العشرين على صحة مقولته.

 

تقليد الغرب

ومثاله الفاجع ما قام به مصطفى كمال أتاتورك في تركيا عندما سعى ليجعل تركيا واحدة من الدول الأوروبية بما قام به من استيراد للمفاهيم الغربية الخالصة من القومية والعقلانية التي هي شبيهة بتلك المفاهيم التي شوهتها يدُ أوغوست كونت auguste conte العدو اللدود والمستميت للأديان جميعها.

 

الرجوع إلى الماضي

وذلك بالرجوع إلى فقهاء السلطة. وقد ظهر ذلك واضحاً في طريقة شيخ الأزهر المحيرة عندما أفتى أنّ الحرب ضد إسرائيل مقدسة، ثم عاد ليصدر فتوى للسادات يعتبر فيها الصلح المنفرد مع إسرائيل مهمة مقدسة أيضا.

إن مثل هذه الانتهازية هي التي جعلت الإمام الخميني يصدر ملاحظاته ضد من يسميهم بفقهاء السلطة. وأمثال هؤلاء الفقهاء هم الذين حجبوا أنفسهم عن التراث الشامخ الذي قدمه الأسد آبادي، والشيخ محمد عبده.

لقد بدأ الإمام الخميني – معتمداً على مفاهيم الإسلام الواقعية الأصيلة- ثورته الإسلامية الواثقة. ففي حديث نُقل عن أبي ذر، حدَّد النبي (ص) أشياء ثلاثة تعود لجميع أفراد المجتمع، وهي (النار، الكلأ، والماء).

وهذه المصطلحات بلغة عصرنا تعني القطاع الصناعي، وجانب الملكية الأساس.

من هنا يمكن القول أن التقدم المطلوب، الذي طرحه الإمام الخميني، هو تقدم معكوس تماما عما هو موجود فعلا، فلا تتشابه حتى مصطلحاته مع المصطلحات الشائعة.

ويتميز هذا التقدم عن التقدم الغربي من خلال مرتكزات ثلاثة :

 

الأولى : التوحيد

لا يعني التوحيد إثبات وحدانية الله المطلقة، أو اتحاد العالم الذي أنشأه فحسب، بل إنّ كل فرد من الأفراد، ومجتمع من المجتمعات ليس عليه إلا واجب الخضوع لله بالطريقة التي يؤدي خدمته فيها للمجتمع العالمي للإنسان.

 

الثانية : معارضة الفردانية

خلافاً للفردانية التي تسعى لجعل الفرد مركزاً ومقياساً لجميع القضايا، وخلافاً لتحويل نمط (المعيشة) إلى غابة تخضع لحسابات الربح والخسارة كمجال يتنافس فيه الفرد مع الآخرين، فإن ذلك يتطلب الوصول إلى حقيقة أن أي عضو مسؤول بشكل لا إرادي عن جميع أعضاء هذا المجتمع كما نص القرآن على ذلك {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}.

 

ثالثاً : الاهتمام بالطبيعة

لا يمنك اعتبار الطبيعة خزانا، أو مستودعا غير فعّال، بل هي مجموعة آيات، ولغة من خلالها تكلَّم الله فأرانا عظمته فيها لغرض أن نتحمل المسؤولية للحفاظ عليها، إنّ احترام الطبيعة يجعلها طبيعة خلاقة مثمرة.

ومن هنا يمكن تلخيص المردودات الجوهرية لرسالة الإمام الخميني بأنها رسالة يمكن أن يرتكز على قواعدها تقدم جديد، لكنه تقدم حقيقي وصحيح.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

* فيلسوف فرنسي

المحاضرة التي ألقاها الفيلسوف روجيه غارودي باللغة الانكليزية في المركز الإسلامي بلندن بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية في إيران.