نظرة لمسار الثورة الحلقة الخامسة

2009-01-28

 

كان لنا حديث عبر الحلقات الماضية عن بعض أسباب قيام الثورة الإسلامية في إيران، التي غيرت وجه التاريخ المعاصر في هذا البلد وفتحت فصلاً جديداً من العلاقات بين إيران ودول المنطقة بشكل خاص ودول العالم بشكل عام، جعل إيران لها مكانتها الإستراتيجية في الساحة الدولية بلد يستمد قوته من قوة الإسلام والدعم الجماهيري فيه.

من العوامل الأخرى التي ساهمت في قيام الثورة الإسلامية في إيران الهجمة الثقافية التي شنها نظام الشاه ضد الأصول والمعتقدات الدينية للشعب الإيراني المسلم. جدير أن نذكر هنا أنّ 98% من أبناء إيران هم من المسلمين الذين لهم مشاعرهم الدينية المتجذرة في النفوس ومن هنا فإن التهاجم الثقافي لنظام البهلوي من مختلف الجوانب ضد الدين الإسلامي الحنيف قد واجه ردود فعل واعتراضات واسعة النطاق من قبل الشعب الإيراني.

ولو أردنا أن نتتبع تاريخ هذه الهجمة الثقافية المعادية للدين في إيران، لرأينا أن النظام البهلوي ومنذ بدايات تأسيسه على يد رضا شاه وبدعم من بريطانيا قام بانتهاك حرمة العقيدة الإسلامية، وكان يحول دون أداء الفرائض التي يوجبها الإسلام.

ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن النظام البهلوي وفي بدايات تأسيسه قام بمحاربة الشعائر الدينية التي يؤديها المسلمون في إيران في شهري محرم وصفر بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) وفي إطار الحملة ضد القيم الدينية قام رضا شاه والد الشاه محمد رضا الذي سقط عرشه في عام 1979 ميلادي قام بإشاعة السفور بين النساء وحارب الحجاب وهو من ضروريات الدين، وجاءت هذه الخطوة البهلوية تماشياً مع الخطة العلمانية التي طبقها مصطفى كمال أتاتورك في تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى.

لم يسكت الإيرانيون المسلمون إزاء هذه الهجمة الشرسة ضد دينهم، بل قاوموها بأشكال المقاومة المختلفة. بيد أن الحكم البهلوي لم يتوقف عن هجمته ضد الدين والفضائل الأخلاقية، حين راح يروج فكرتين معاديتين للدين الأولى فكرة التغرب، والثانية فكرة التفرس إن صح منا التعبير.

ووظف الحكم البهلوي وسائل إعلامه المختلفة لنشر هاتين الفكرتين وكان يريد من وراء ذلك إشاعة الفكر الغربي والفكر القومي في المجتمع الإيراني المسلم، عله يتمكن من وراء ذلك من تحقيق أهدافه المعادية للإسلام.

ولو أردنا أن نحدد معالم شخصية الشاه محمد رضا بهلوي لوجدناه شخصاً متغرباً بهرته الثفافة الغربية، وكان يسعى إلى فرض هذه الثقافة المادية على المجتمع الإيراني.

وفي رأينا أن الفكر الغربي الذي كان يحمله الشاه ويبطن به حكمه كان يعكس رؤية ضيقة للثقافة، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار إن إيران لها حضارتها وثقافتها التي تختلف عن الثقافة الغربية، وحضارة إيران، حضارة ضاربة الجذور في قدم الزمان.

في عهد الشاه كانت وسائل الأعلام وبأشكال مختلفة وأساليب متعددة تروج للثقافة الغربية وحتى المراكز التعليمية في البلاد والتي يدرك كل واحد منا خطورة مهمتها كانت تشيع الثقافة الغربية الـتي فيها نأى بطبيعة الحال عن الثقافة الإسلامية الثرة فضلاً عن انعدام أوجه الأشتراك ونقاط التلاقي بين الثقافتين.

وحول معارضة الشعب الإيراني للتغرب قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ينقل عن المستشرق الفرنسي، والخبير في الشؤون الإسلامية «يان ريتشارد» قوله: بعد عقد الستينات من القرن الماضي تزايد المد الغربي في إيران، الأمر الذي جعل الشعب الإيراني المسلم يقف بوجه هذا المد إنه كان يريد العودة إلى هويته الثقافية الأصيلة ومن هنا جعلها في أولويات مهامه.

وكمحصلة لما ذكرنا فإن العامل الثقافي يقف الى جنب العاملين السياسي والأقتصادي للتمهيد لقيام الثورة التي كانت تنشد تغيير الأوضاع وتغيير نظام الحكم، لتعيش إيران مرحلة جديدة من حياتها هي مرحلة الجمهورية الإسلامية فالملكية بادت والقيم الغربية انصهرت، ولنا عودة لمتابعه هذا الحديث.