القضية الفلسطينية عند الإمام الخميني

2007-08-25

 

الانطلاق من القاعدة الدينية لمواجهة الكيان الصهيوني

يمكن القول إن مسألة فلسطين أو القضية الفلسطينية شكلت عند الإمام الخميني (رض) واحدة من المفردات المهمة والقضايا الجوهرية التي كان يوليها اهتماماً خاصاً لا يقل مستوى عن القضايا الأخرى الملحة التي كانت تمثل هاجس الحركة اليومية السياسية عند الإمام (رض).

ويمكن ان نكشف حين نراجع أحاديث الإمام الخميني (رض) حول فلسطين وما يتعلق بها أو يرتبط من مواقف وتداعيات وتطورات، الاهتمام المبكر بهذه القضية ومتابعة دقيقة لكل ما يتعلق بها.

وسنكشف أيضاً مدى الاهتمام الكبير لدى الإمام (رض) بهذه القضية على الرغم من أننا لا نستطيع ان نعزل مواقفه بعضها عن البعض الآخر كونها جميعاً تصدر عن الأولويات.

ففلسطين عند الإمام (رض) قضية إسلامية قبل ان تكون قضية قومية محدودة، وعندما يكون الأمر كذلك فان من الطبيعي ان تشكل عنده مفردة من المفردات المهمة في حركته ورؤاه وطروحاته.

حضور دائم

هناك فرق بين من يتعامل مع القضايا من خلال الحدث المؤقت، وبين من يتعامل مع القضايا كونها قضية ثابتة أو حدثاً مستمراً يتفاعل مع كل مفردات الحياة الاجتماعية.

ولا ننكر ان هناك من تعامل مع القضية الفلسطينية من موقع الدفاع عن الأمة المظلومة والمقهورة فيها، ومن موقع ادانة الاحتلال الصهيوني وكل القوى المساندة له. وإذا راجعنا مواقف المرجعيات الدينية الشيعية المعاصرة خلال نصف قرن مضى، نجد أن اغلب تلك المرجعيات الدينية تفاعلت مع الحدث الفلسطيني وتداعياته، لكن الملاحظ ايضاً أن هذا التعامل أو التعاطي يرتبط دائماً بحدث ما على الصعيد الفلسطيني، لكننا مع الإمام الخميني (رض) نجد ان هذه القضية اكثر حضوراً في خطابه السياسي مما يجعلنا نسجل للإمام (رض) ميزة إضافية هي التي نسميها بميزة التعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية ثابتة متفاعلة ومستمرة، وليست قضية حدث جزئي.

الذي يراجع تراث الإمام وخطاباته المتنوعة، يجد ان الموضوع الفلسطيني يحتل حيزاً مهماً سواء ارتبط ذلك بمناسبة خاصة أم لم يرتبط، المهم ان فلسطين كانت على الدوام حاضرة في خطاب الإمام (رض).

وإذا عبر هذا عن شيء فانه يعبر عن ان الإمام الخميني (رض) كان يرى في القضية الفلسطينية مفتاحاً مهماً من مفاتيح الانطلاق نحو عالم جديد يكون فيه للمسلمين دور أساسي ومهم في خارطة العالم المعاصر.

وقد كان الخطاب السياسي للإمام الخميني (رض)، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكل الاطراف ذات الصلة المباشرة بها، يكشف عن غنى في الطروحات والتشخيصات، وهو بذلك يعبر عن رؤية شاملة لهذه المسألة؛ فالإمام في الوقت الذي يحدد فيه أسباب المأساة الفلسطينية والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، فانه أيضاً يقدم الحلول المناسبة، وفي الوقت الذي يحدد دور العامل الخارجي في صنع هذه المأساة، فانه أيضاً يكشف عن دور العوامل الداخلية المساهمة بدورها في صنعها…

ومثلما يعتبر الابتعاد عن الدين سبباً مهماً من أسباب صنع هذه المأساة، فانه يعتبر التبعية للغرب سبباً مباشراً كذلك، ومثلما يدعو (رض) إلى العودة إلى الإسلام والاعتماد على إرادة الشعب، فانه يدعو إلى استخدام النفط والعوامل الاقتصادية والثروات الطبيعة كسلاح مهم من أسلحة المواجهة ضد الكيان الصهيوني.

وبهذا فان الإمام(رض) لم يتحدد في خطابه السياسي بعامل واحد من العوامل، كما لم يتحدد بسلاح واحد من الأسلحة في مواجهة الصهيونية والقوى العالمية المساندة لها.

وهذا هو الذي نعنيه بالشمول في الرؤية والمعالجات، ولكي نقف عند ملامح هذه الشمولية سنتوقف عند العناوين التالية التي تشكل إطلالة بسيطة على رؤية الإمام الخميني (رض) ومعالجاته للقضية الفلسطينية.

 

هوية (إسرائيل)

لتحديد هوية (إسرائيل) والصهيونية يؤكد الإمام (رض) على ضرورة الفصل بين اليهودية كعقيدة دينية إلهية، وبين الصهيونية كحركة سياسية استخدمت اليهودية غطاء لها. يقول الإمام الخميني (رض) "إننا نعتقد بضرورة التمييز في معاملة اليهود من جهة، والصهاينة والصهيونية من جهة أخرى، فالصهاينة ليسوا من أهل الديانة اليهودية أصلاً…". القضية الفلسطينية في كلام الإمام الخميني (رض)، ص49.

ويقول أيضاً: "لا يخفى ان الموقف من المجتمع اليهودي يختلف عن الموقف من مجتمع هؤلاء الصهاينة، ونحن ضد هؤلاء لأنهم ضد كل الأديان ولأنهم ليسوا يهوداً، إنهم ساسة يقومون بارتكاب كل ما هو شائن باسم اليهود…". نفس المصدر، ص50.

وإذا كانت النصوص المتقدمة قد عالجت ببساطة وعمق أيضاً الهوية الايديولوجية لإسرائيل، فان الإمام لم يتوقف عند تلك المعالجات، بل انطلق في كل مناسبة تخص فلسطين أو غيرها إلى معالجة المضمون السياسي لإسرائيل وخطر مكونات ذلك المضمون على حياة البشرية عموماً وشعوب المنطقة من العرب والمسلمين بشكل خاص.

يقول الإمام عن ذلك: "على الجميع ان يعلموا ان هدف الدول الكبرى من إيجاد إسرائيل لا يتحدد باحتلال فلسطين، فهم ـ والعياذ بالله ـ يحاولون عبر هذا المخطط إيصال البلدان العربية لنفس المصير الذي انتهت إليه فلسطين…" نفس المصدر، ص35.

ويرى الإمام (رض) ان خطر إسرائيل لا يهدد العرب فحسب وانما خطرها يشمل المنطقة بأسرها، حيث يقول في ذلك: "على قادة الدول ان ينتبهوا إلى ان جرثومة الفساد التي زرعت في قلب العالم الإسلامي لا يراد من خلالها القضاء على الأمة العربية وحسب، بل ان خطرها وضررها يشمل الشرق الأوسط بأسره، فالمخطط المرسوم يقضي بقيام الصهيونية بالسيطرة والاستيلاء على العالم الإسلامي واستعمار أوسع للأراضي والمنابع الغنية للبلدان الإسلامية…". نفس المصدر، ص37.

هذه النصوص وغيرها نجد فيها التحذير الصارخ والواضح جداً من كيان يعتبره الإمام (رض) من أخطر ما يهدد حياة شعوب المنطقة، وهو تحذير ضروري في وقت كانت ومازالت تتحرك فيه حكومات ومؤسسات ثقافية وسياسية تنادي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني!

لقد أراد الإمام الخميني (رض) ان يضع حاجزاً كبيراً بين الكيان الصهيوني ومحيطه الإقليمي العربي والإسلامي، لأن مثل هذا الجدار سيكون كفيلاً بمحاصرة إسرائيل داخل شرنقتها وبالتالي منعها من الامتداد.

إن الهوية العدوانية لإسرائيل التي يحددها الإمام (رض) يجب أن تشكل عامل خسارة لإسرائيل على صعيد علاقاتها بالمنطقة لا العكس، لذلك نجد ان الإمام (رض) كثيراً ما كان يشن هجومه العلني الصريح على الحكومات والرؤساء الذين تبدو منهم حتى أقل بادرة للقبول بإسرائيل. ومثلما هي عامل خطر على أمن شعوب ودول المنطقة فان إسرائيل أيضاً عدوانية توسعية تنفذ مخططاً كبيراً لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.

وحول هذا الموضوع يقول الإمام (رض):

"إسرائيل لن تكتفي بالجولان، فقادتها يتوهمون تفوقهم على جميع البشر ويعتبرون الأراضي الواقعة بين الفرات والنيل ملكاً لهم ـ ويجب ـ ان تعود إلى إسرائيل…"! نفس المصدر، ص38.

ويقول أيضاً: "لقد كررت القول مراراً بان إسرائيل لن تتوقف عند حدود معينة، فهي تتقدم خطوة خطوة، وكلما تقدمت خطوة قالت: هذه حدودنا…"! نفس المصدر، ص39.

ويقول أيضاً:

"ليعلم المسلمون ـ وخصوصاً المظلومون في المنطقة ـ بان إسرائيل، رغم قيامها بتحريك بيادقها وتغيير مواقفها من أجل استغفال المجاهدين الفلسطينيين واللبنانيين، لن تنصرف أبداً عن السعي لتحقيق أهدافها المشؤومة وهي: التسلط على بلاد المسلمين من النيل إلى الفرات…". نفس المصدر، ص40.

إن تحديد الهوية بهذه العناوين الصارخة "عدوان وتوسع"، وهي تحديدات صائبة وواقعية، يجب ان يدفع دول وشعوب المنطقة إلى التمتع بحساسية عالية جداً تجاه إسرائيل، فهذا الكيان الذي يتستر تحت غطاء الدين لأهداف سياسية عدوانية وتوسعية يمثل خطراً جاثماً ودائماً ضد دول المنطقة وشعوبها.

لقد شاهدنا ومنذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين تغييرات عديدة على صعيد القضية الفلسطينية تمثلت بهرولة اغلب الأنظمة العربية نحو ما يسمى بالسلام مع إسرائيل! في حين ظلت الشعوب العربية والإسلامية تقف مواقف مضادة لحكوماتها. وعلى الصعيد العملي يمكن الآن ان نقيّم ما تم إنجازه خلال السنوات التسع الماضية، فماذا حقق العرب من مكاسب على صعيد التطبيع مع إسرائيل؟

هل عادت حقوقهم؟! هل تخلى الصهاينة عن الجولان؟! هل انسحب الصهاينة من جنوب لبنان؟! وهل كفت إسرائيل من شن عدوانها المتكرر ضد لبنان؟!

مواقف وحلول

ومثلما كان الإمام (رض) دقيقاً في تحديد هوية الكيان الصهيوني، فانه أيضاً كان دقيقاً في تقديم الحلول المناسبة لمواجهته.

الوحدة أولاً

فينطلق الإمام (رض)، في تحديد الأساليب الصحيحة لمواجهة إسرائيل من خلال تحصين البناء الداخلي للأمة، فيدعو للوحدة بين جميع الشعوب والحكومات العربية والإسلامية "الوحدة في المواقف" قبل الوحدة السياسية.

يقول الإمام (رض) عن الوحدة: "لقد أكدت دائماً على وحدة المسلمين في العالم لمواجهة الأعداء بما فيهم إسرائيل، ولكن الأنظمة المختلفة التي حكمت البلدان الإسلامية لم تسمع دعوتنا مع الأسف، إنني آمل ان تجد هذه الدعوات بالنتيجة آذاناً صاغية، وسوف أواصل الثبات على هذا المبدأ من أجل تحقق هذا الهدف…". نفس المصدر، ص188.

وفي مناسبة أخرى يقول: "لقد مر ما يقارب العشرين عاماً وأنا أوصي البلدان العربية بالوحدة للقضاء على بؤرة الفساد هذه…". نفس المصدر، ص189.

وفي نداء وجهه للشعوب العربية يقول:

"إنني أدعو الأخوة العرب والمسلمين ان يضعوا الاختلافات جانباً ويمدوا يد الأخوة لبعضهم بعضاً، وان يكونوا على طريق واحد ونهج واحد مع جميع الأخوة المسلمين من غير العرب…". نفس المصدر، ص192ـ193.

العودة إلى الإسلام

يشترك الإمام الخميني (رض) مع مرجعيات دينية شيعية أخرى في اعتبار العودة إلى الإسلام، ووضع القضية الفلسطينية في إطارها الإسلامي، حلاً صحيحاً لهذه المشكلة.

إن الإسلام بكل ما يمثله من قيم ومثُل ومبادئ أخوة ونصرة للمظلومين على قاعدة "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم" هو وحده القادر على تعبئة مليار إنسان مسلم لمواجهة عدو شرس يستهدف الإسلام بالدرجة الأولى وليس العرب وحدهم.

وعلى هذا الصعيد يحدد الإمام الخميني (رض) المفهوم العملي لهذا الإطار؛ انه ليس بحثاً نظرياً أو ايديولوجياً، بل هو مواقف ومسؤولية. وهكذا فكان الإمام (رض) عندما يدعو إلى اعتماد الإسلام كإطار للمواجهة، فانه في نفس الوقت يدعو المسلمين لتحمل مسؤولياتهم على هذا الصعيد؛ يقول الإمام الخميني (رض):

"على كل مسلم ان يُعدّ العدة لمواجهة إسرائيل…". نفس المصدر، ص217.

ويقول أيضاً: "على الدول الإسلامية ان تتخذ موقف العداء من إسرائيل المحتلة ـ التي تعد العلة الأساسية في أغلب المشاكل التي تتعرض لها البلدان ـ وان تدافع بكل قوة عن المطالب الفلسطينية وعن لبنان العزيز…". نفس المصدر، ص217.

ويخاطب سماحته (رض) مسلمي العالم:

"يا مسلمي العالم، ويا أيها المستضعفون الناهضون، ويا أيها البحر البشري اللامتناهي، انهضوا ودافعوا عن كيانكم الإسلامي والوطني. لقد أخذت إسرائيل من المسلمين بيت القدس وقوبلت بتساهل الحكومات…"! نفس المصدر، ص218.

إن العودة إلى الإسلام هي مفتاح الحل كما يراه الإمام الخميني (رض) حيث يقول بهذا الصدد: "ما لم نعد إلى الإسلام ـ إسلام رسول الله ـ فسوف تبقى مشاكلنا على حالها، ولن نستطيع حل قضية فلسطين…". نفس المصدر، ص222.

ويقول أيضاً: "ان تعداد المسلمين يقارب المليار مسلم، فلماذا يجب ـ ونحن بهذا العدد ـ ان تأخذ الصهيونية قدسنا، وتسيطر أيضاً على الحكومات الأخرى؟! في حين ان المسلمين لو اجتمعوا لأصبحوا قوة كبرى.. لتبق كل مجموعة في مكانها، لتبق الحكومات على حالها، فقط ليكن الجميع معاً تحت راية الإسلام…". نفس المصدر، ص223.

إن وضع القضية الفلسطينية في إطارها الإسلامي الصحيح ووحدة المسلمين وعودتهم إلى الإسلام ستكون كفيلة حتماً بتحقق الأساليب والآليات التي تقرب المسلمين من تحقيق النصر في اكثر معاركهم. ان استخدام النفط والعوامل الاقتصادية الأخرى، وتقديم الدم للعمل الجهادي الفلسطيني، هما من النتائج الطبيعية لتوحيد المواقف لدى الدول الإسلامية تجاه موضوع فلسطين.

وقد أكد الإمام الخميني (رض) على هذه المواضيع، ودعا حكام الدول الإسلامية والعربية إلى اتخاذها كمواقف استراتيجية في سياسة التعامل مع إسرائيل ومع القضية الفلسطينية. وقد جسد الإمام (رض) هذه الدعوات بمواقف عملية حيث منع من تصدير النفط لإسرائيل وقطع التعامل التجاري معها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

كما أدان كل اعتراف بدويلة إسرائيل، كما نالت القضية الفلسطينية وفصائل الجهاد الفلسطيني من الدعم المعنوي والمادي من الإمام الخميني (رض) ما لم تنله من أي نظام عربي وإسلامي.

كما حول الإمام (رض) ـ من خلال موقعه ـ الاهتمام بالشأن الفلسطيني من موضوع سياسي يتعاطاه الحكم في إيران إلى موضوع عقائدي يتداوله الشعب الإيراني في حياته اليومية وفي منتدياته الثقافية والسياسية.

بيان الإمام الخميني في يوم القدس العالمي

بتاريخ 7/8/1979م، اقترح الإمام الخميني قائد الثورة في بيان وجّهه إلى مسلمي العالم، أن تكون آخر جمعة من شهر رمضان المبارك "يوم القدس"، ودعا كافة مسلمي العالم ان يعلنوا في هذا اليوم الذي هو من أيام القدر تأييدهم للحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم، وفيما يلي نص بيان الإمام:

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد نبّهت المسلمين ـ منذ سنين طويلة ـ خطر إسرائيل الغاصبة التي شدّدت هجومها الوحشي على الأخوة والأخوات الفلسطينيين وخصوصاً في جنوب لبنان لغرض إبادة المناضلين الفلسطينيين، حيث تنهال القنابل باستمرار على بيوتهم ومساكنهم.

إني أدعو عامة المسلمين في جميع أرجاء العالم والدول الإسلامية إلى أن يتّحدوا من أجل قطع يد هذا الغاصب ومساعديه.

وأدعو جميع المسلمين في العالم إلى ان يعلنوا آخر جمعة من شهر رمضان المبارك الذي يعتبر من أيام القدر ويمكنه أن يلعب دوراً هاماً في مصير الشعب الفلسطيني "يوم القدس"، وان يعلنوا ضمن مراسم هذا اليوم اتحاد المسلمين بجميع طوائفهم في الدفاع عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم.

أسال الله تعالى ان ينصر المسلمين على الكافرين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روح الله الموسوي الخميني