موقفنا من الكيان الصهيوني

2007-08-25

 

المناسبة: الخطبة الثانية لصلاة الجمعة العبادية السياسية

الزمان والمكان: 18 رمضان 1421هـ ـ طهران

الحضور: جموع المصلين الصائمين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين سيما على أمير المؤمنين والصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف القائم المهدي؛ حججك على عبادك وأمنائك في بلادك، وصلِّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأستغفر الله لي ولكم.  

 

قضية فلسطين القضية الأولى

يتركز حديثنا في هذه الخطبة حول القضية الفلسطينية، ويرجع السبب في ذلك إلى أن قضية فلسطين تمثل اليوم القضية الأولى بالنسبة للعالم الإسلامي، وثمة مؤامرة يتعين على الأمة الإسلامية بأسرها، لاسيما الدول القريبة من فلسطين ومنها شعبنا وبلدنا، الحذر منها، وهي أن الصهاينة الغاصبين لفلسطين وحماتهم يحاولون الايحاء بأن ما يجري داخل فلسطين إنما هو مسألة داخلية تهم حكومة اسرائيل الغاصبة؛ وهي ليست كذلك أبداً؛ فلو أن أحداً لم يَثُر داخل فلسطين من أجل القضية الفلسطينية فإن العالم الإسلامي يحتفظ بما يكنّه من عداء للصهاينة وحماتهم، فما بالك وقد ثار الشعب الفلسطيني ودخل ساحة المواجهة بكل وعي!

إن فلسطين هي القضية المركزية بالنسبة للعالم الإسلامي، وذلك لسببين:

الأول: أنها جزء من التراب الإسلامي؛ ولا خلاف بين المذاهب الإسلامية المعروفة أو بين الفقهاء على أنه لو اقتُطع جزء من أرض الإسلام من قبل أعداء الإسلام ومارسوا سلطتهم عليه، يتوجب حينذاك على جميع المسلمين أن يهبّوا للجهاد لاستعادة ذلك الجزء. من هنا فإن الشعوب الإسلامية حيثما كانت تدرك هذه الفريضة؛ وبطبيعة الحال فليس الجميع لديهم القدرة على الفعل، ولكن على كل مسلم العمل بما وسعه.

من أجل ذلك فإنكم تشاهدون ما يبديه العالم الإسلامي من اهتمام بيوم القدس العالمي الذي عيّنه الإمام الراحل في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وستشهدون ـ بفضل الله ومنّته ـ أن مراسيم يوم القدس لهذا العام ستفوق ما جرى خلال السنوات الماضية جلالاً وعظمة على امتداد العالم الإسلامي.

والثاني: هو أن اقامة الدويلة اليهودية، أو بتعبير أدق الصهيونية، في هذه البقعة من العالم الإسلامي كان لغاية استكبارية بعيدة المدي؛ فالغاية من زرع هذه الدويلة في هذه المنطقة الحساسة ـ التي تمثل قلب العالم الإسلامي تقريباً وتربط الشطر الغربي من العالم الإسلامي وهو أفريقيا بشطره الشرقي وهو الشرق الأوسط وآسيا والمشرق الإسلامي، وتؤلف مثلثاً بين آسيا وأفريقيا وأوربا ـ إنما تتمثل في إبقاء هيمنة المستعمرين في تلك الحقبة وفي مقدمتهم بريطانيا على العالم الإسلامي والحيلولة دون قيام دولة إسلامية مقتدرة تتصدى لنفوذ المستعمرين من فرنسيين وإنجليز وغيرهم في هذه المنطقة كما فعلت الدولة العثمانية؛ من هنا فقد أقاموا هذه القاعدة. واستناداً للوثائق التاريخية فقد كانت إقامة الحكومة الصهيونية طموحاً استعمارياً راود الحكومة البريطانية قبل أن يكون رغبة تراود اليهود، وهنالك قرائن تؤكد شعور الكثير من اليهود بعدم الحاجة لهذه الدولة لأنها لم تكن ذات فائدة لهم، وكان ذلك دافعاً لتملّصهم عنها. من هنا فلم يكن ذلك حلماً وفكرة يهودية وإنما هو دسيسة استعمارية بريطانية، وأصبحت بعد ذلك تركةً استلّتها أمريكا بعد استحواذها على الإرث الاستعماري حينما اختطفت من بريطانيا مقاليد السياسة الاستعمارية.

بناءً على ذلك، فإن انقاذ فلسطين والقضاء على الدويلة الصهيونية الغاصبة قضية تنسجم ومصالح شعوب المنطقة، ومنها مصالح بلدنا العزيز إيران، وان الذين وضعوا مقارعة النفوذ الصهيوني والتصدي له في جدول أعمالهم منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية إنما التزموا ذلك بعد تمعّن وتدقيق.

لقد اتُّخذ هذا النهج في ضوء المصالح العامة للجمهورية الإسلامية في إيران والشعب الإيراني، وهكذا شأن سائر الدول؛ فجميع المثقفين والسياسيين ذوي الأفكار الحرة في الدول الإسلامية ومَن لم تتدنّس أيديهم بالعمالة لأمريكا يرون وجوب التصدي لإسرائيل؛ أي أنهم يرون ذلك جزءاً من مصالح بلدانهم.

إن قضية فلسطين ليست قضية داخلية بالنسبة لتلك الدويلة الغاصبة اللقيطة، إنها قضية عالمية رئيسة، وما هو جدير بالاهتمام هو ان الجيل الفلسطيني الصاعد قد أدرك الحقيقة، وأية حقيقة هذه؟ إنها حقيقة إذا ما أراد التغلّب على الذل والصَّغار والاحتقار والضغوط المفروضة عليه فلا سبيل لذلك سوى الجهاد والمقاومة وليس الجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ فلم يجن المفاوضون شيئاً.

لقد بلغ سلوك الصهاينة من الوحشية والبعد عن موازين الرحمة والمروة حدّاً بحيث أثار حالة من السأم لدى الشباب الفلسطيني؛ فلم يعد لديهم القابلية على التحمل والصبر، فيما يتوهم الصهاينة أن بإمكانهم إسكات الشعب الفلسطيني إذا ما تشبّثوا بالمزيد من العنف ولجأوا إلى الدبابات والمدفعية والأسلحة الكيمياوية. نعم؛ بإمكانهم ممارسة المزيد من الضغوط وإسكات الشعب الفلسطيني لفترة من الزمن، غير أنهم يعجزون عن القضاء على عقدة الغضب الكامنة في القلوب، فهي مما لا يمكن القضاء عليه، وهي التي ستتمخض عن زمجرة وغضب يطيح بعروشهم؛ ولا قدرة لهم للقضاء على هذا التحرك.

الأمر الآخر الذي يحظى ببالغ الأهمية هو أن هذه النهضة قد أطاحت بكل حسابات الدويلة الصهيونية الغاصبة؛ تلك الحسابات التي قامت على أساس أن الشعب الفلسطيني لم تعد لديه القابلية والإرادة والفاعلية والاندفاع للمواجهة بعد أن مورست بحقّه كل تلك الضغوط منذ البداية وتمّ تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني إلى الخارج ومضت سنوات متمادية، وقد أصبحت هذه الحسابات سراباً وانهارت دعائمها؛ فإذا ما صممت الآلاف المؤلفة من أبناء الشعب الفلسطيني ـ وليس الفصائل التي تقيم خارج الحدود سواء في لبنان أو الأردن أو غيرهما ـ على مواجهة هذا الكيان يومها لم يبق أي أثر لتلك الأجواء الآمنة التي اتخذوها على أنها الجنة الموعودة بالنسبة لهم واستقطبوا المهاجرين اليهود من شتى اصقاع الدنيا.

لقد انهارت حساباتهم فاضطرت حكومتهم للاستقالة، وهذا هو الاجبار والاذعان بعينه، وقد يتصور أولئك الذين مارسوا الضغوط لإجبار الحكومة الصهيونية على تقديم استقالتها، وجوب استخدام المزيد من القوة والعنف والمجيء بحكومة أكثر قسوة، غير ان ذلك خطأ فادح؛ فليست القضية بتلك البساطة، بل هي من العظمة بمكان، فعليها يتوقف مصير العالم الإسلامي ودوله، لاسيما الدول التي هي على مقربة من بؤرة الخطر ومن هذه الغدة السرطانية.

لقد تمادى الصهاينة في ارتكاب الجرائم خلال شهر رمضان، وانكم تشاهدون الأطفال الصغار ذوي السنة أو السنتين واليافعين والشباب والكهول والمرضى يشكلون ضحايا هذه الأحداث، ممّا يكشف عن مناهضة هذا العدو اللدود للإسلام والمسلمين ـ أي الزمرة المتسلطة على هذا الجزء من العالم الإسلامي ـ للأعراف الإنسانية وحقوق الإنسان، وفي نفس الوقت يعلن أعضاء الكونغرس وأرباب السياسة في أمريكا بوقاحة عن دعمهم لهؤلاء الصهاينة! إنهم يقومون بذلك ويعبّرون عن مكنوناتهم التي تمثل عين سياستهم وطبيعتهم في دعمهم لهؤلاء المفسدين ذوي الطبيعة الشيطانية الوحشية ولا يتوقع منهم أكثر من ذلك، بيد أن المطلوب من شعوب العالم أخذ العبرة والدروس من هذا الموقف، ولحسن الحظ فإن شعبنا يتحلى بكامل الوعي واليقظة.

على شعوب العالم التي طالما طرقت أسماعها شعارات الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق الأكثرية والدفاع عن الديمقراطية ـ كما يحلو لهم التعبير ـ التي تطلقها أمريكا وتتبجح بها، عليهم أن يشاهدوا الوجه القبيح للسياسة الأمريكية من خلال مرآة فلسطين.  

 

موقفنا تجاه الكيان الصهيوني

لقد أفصحت الجمهورية الإسلامية في إيران ـ منذ اليوم الأول ـ عن موقفها تجاه هذا الكيان اللقيط، فطالما صرّح الإمام الراحل والمسؤولون في البلاد ولطالما أكدنا أنه يجب استئصال هذه الغدة السرطانية ـ إسرائيل ـ من المنطقة. ولهذا المبدأ معياره الإنساني الذي يحظى بالقبول أيضاً، ويتمثل في عودة جميع أبناء الشعب الفلسطيني ـ لا أولئك الناس الذين قدموا إلى فلسطين من شتى بقاع الدنيا ـ الذين يعيشون في المجتمعات وسائر دول العالم إلى فلسطين، فهم الذين يتحملون مسؤولية إقامة دولتهم وتقرير مصيرهم، وليس هنالك فلسطيني سواء كان مسلماً ـ حيث أن الأغلبية من المسلمين ـ أو مسيحياً أو يهودياً ـ حيث يشكلون الأقلية ـ يرتضي أو يسمح بأن تأتي شرذمة من صعاليك أزقّة لندن أو العوائل السائبة في موسكو أو أمريكا ليقيموا دولة في فلسطين ويتحكموا بأبنائها؛ ومن البديهي أن الشعب الفلسطيني والعالم الإسلامي يرفضان أن تأتي تلك الحفنة من الأراذل الذين لا يحسنون سوى الاعتداء والضرب والعمل بما يمليه الصهاينة واليهود للتحكم بفلسطين، فهذا مما يرفضه الفلسطينيون والعالم الإسلامي أيضاً.

أين الذين يزعمون احترامهم لآراء الشعوب ويتبجحون بالديمقراطية؟! حسناً، هذه هي الديمقراطية! فهنا بقعة من العالم لها أهلها الذين ما يزالون أحياء وهنالك بضعة ملايين يحيون في تلك الديار، وبضعة ملايين أخرى تتوزع على المنافي ـ في لبنان والأردن وبقاع أخري ـ فليأتوا ويجتمعوا وينتخبوا حكومتهم بأنفسهم، وهذا أسلوب في غاية الصواب.

من المسلَّم به ان الحكومة الصهيونية التي تقبض على مقاليد السلطة حالياً وأية حكومة صهيونية أخرى لا حقّ لها في البقاء والتسلط على أرض فلسطين.

إننا نقول لإخواننا الأعزاء في فلسطين الذين يكابدون المصاعب: إذا ما قاومتم وصبرتم فإنكم ستنالون الأجر والثواب بالإضافة إلى الانتصار؛ فالنصر يقترن دائماً بالصبر والسير في سبيل الله {ولينصرن الله مَن ينصره} ولاشك في ذلك، وعليه فإن النصر لا محالة آتٍ، غاية الأمر أن عليكم التحلي بالصبر والجلد.

ونقول للشعوب والدول الإسلامية أن المسؤولية الشرعية المفروضة على الشعوب والدول الإسلامية تتمثل اليوم في مدّ يد العون لتلك الجماعة المؤمنة وذلك الشعب المظلوم وان لا يتركوهم لوحدهم في الميدان، على أمل أن توضع هذه المساعدات في محلها وأن يكون لها الأثر النافع في التخفيف من آلام الشعب الفلسطيني بإذنه تعالي.

ندعو الله تبارك وتعالى أن يمنّ على الإسلام والمسلمين وعلى الشعب الفلسطيني بالغلبة على مشاكلهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

{إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته