فلسطين .. بين الدكتاتورية الدولية والموقف الإسلامي المطلوب

2007-08-26

 

المناسبة: يوم المعلم والعامل في الجمهورية الإسلامية

الزمان والمكان: 18 صفر 1423هـ ـ طهران

الحضور: جموع غفيرة من المعلمين والعمال  

 

أجواء الكلمة

خصّص سماحة السيد ولي أمر المسلمين (دام ظله) جلّ كلمته في يوم المعلم والعامل للقضية الفلسطينية باعتبارها أهم القضايا التي لها مساس مباشر بقضايا الجمهورية الإسلامية.

وتطرق سماحته في بداية الكلمة إلى الظلم والإرهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، واستنكر سكوت المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، ووضع سبيلين لمواجهة هذا الظلم:

1ـ مواصلة انتفاضة الشعب الفلسطيني وصموده.

2ـ دعم العالم بأجمعه وبالخصوص الإسلامي والعربي لهذا الشعب.

ثم وجّه سماحته جانباً من خطابه لحكومة الجمهورية الإسلامية ومسؤوليها بالحذر من دعوات المغرضين للتقارب وإجراء المحادثات مع أمريكا! مشيراً إلى يقظة الشعب الإيراني المسلم وصموده قبال مثل هذه المؤامرات.

العناوين الرئيسية في كلمة سماحته:

ـ فلسطين.. سيادة الدكتاتورية الدولية والغطرسة

ـ سبيلان للعلاج

ـ النظام الإسلامي لن يتراجع عن قوله الحق

ـ أية محادثات مع أمريكا؟!

ـ العمال والمعلمون من دعائم البلاد

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية أرحب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء، ولاسيما عوائل الشهداء المكرّمة وكذلك الإخوة والأخوات القادمين من المناطق البعيدة وسائر المدن.

إن هذا الاجتماع في نظري في غاية العظمة، وذلك لعظمة شريحتي المعلمين والعمال؛ فالمعلمون الآن وفي المستقبل هم هداة وسراة أجيالنا، والعمال هم الركائز والدعائم الأساسية لتقدم البلاد. وعلى هذا فإن جمعكم هذا في نظري جمعٌ ممتاز ومرموق؛ وحقاً يجب أن يُعتبر يوم العامل ويوم المعلم ـ الحادي عشر والثاني عشر من شهر ارديبهشت[1] ـ من الأيام البارزة والمرموقة لأسباب عديدة.

لنا كلامٌ كثير معكم ومع أبناء شعبنا العزيز؛ فلقد مضى شهر ولم يحالفني التوفيق للتحدث مع جماهيرنا الحبيبة وذلك لإصابتي بآلام في الظهر وأعراض أخرى، فهنالك كلامٌ كثير وأنتم خيرُ مخاطَب.

هنالك قضايا جمّة جديرة بالطرح؛ منها داخلية من قبيل العمل والشريحة العاملة، وقضية المعلمين، وقضايا متعددة أخرى من الضروري اطلاع شعبنا العزيز عليها؛ فلقد مزج شعبنا حركته لحد الآن بوعيه، وإذا ما امتزج الإيمان بالوعي صنعا المعاجز، وحيثما استثمر أعداؤنا حالات الغفلة كان النجاح حليفهم.  

فلسطين.. سيادة الدكتاتورية الدولية والغطرسة

إن قضايا العالم الإسلامي مهمة أيضاً وينبغي عدم تصور فقدان الترابط بين قضايا العالم الإسلامي ـ من قبيل القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط ـ وبين قضايانا المصيرية في الداخل؛ فالقضايا العالمية اليوم مترابطة مع بعضها، وقضايا الشعوب تتشابك مع بعضها أيضاً، وإن السياسات العالمية التي تثير المصاعب أمام الشعوب لا تُميَّز لتمرير أهدافها ومآربها بين هذا الشعب وذاك؛ وسوف أتحدث قليلاً حول كلٍّ من هذه القضايا بما يسمح به الوقت.

إن أهم القضايا الخارجية التي هي على مساس مباشر بالقضية الحالية لبلدنا هي قضية فلسطين؛ فقضية فلسطين ليست قضية شعب وحسب، بل هي قضية سيادة الدكتاتورية الدولية والغطرسة. انظروا لما يجري الآن داخل الأراضي الفلسطينية؛ إننا نشهد اليوم أكثر الأحداث الدامية مأساوية في فلسطين، إذ حاصرت دويلة إسرائيل الغاصبة اللقيطة بقواتها وبدباباتها وطائراتها ونيران ظلمها المدنَ الفلسطينية، واجتاحتها الواحدة تلو الأخرى، وأخذت بإبادة أهلها وتدمير بيوتها؛ فيوم رام الله، ويوم نابلس، وآخر جنين، والآن الخليل وغيرها من المدن. وإن الكوارث التي حلّت بهذه المدن مما يعجز عنها الوصف؛ قوات عسكرية تقتحم المدينة فتعتقل النساء والرجال والأطفال فيها وتقتلهم أو تجرحهم؛ فهنالك عشرات الآلاف من الجرحى وآلاف من الشهداء في هذه المدن، واختطفوا الآلاف من الشباب من ديارهم وساقوهم إلى مناطق مجهولة، ودمّروا ما لا يُحصى من البيوت، وقد سمعتُ أن 70% من البيوت في مدينة جنين قد دُمِّرت، إذ تتقدم الدبابات لتدمير 70% من بيوت مدينة واحدة! إنها جرائم تقع على مرأىً من البشرية.

ماذا تعني هذه الممارسات؟ إنها تعني أن حكومةً ظالمةً ترتكب هذه المآسي دون اكتراث بالقوانين البشرية ولا الإنسانية ولا الدينية أو الإلهية، سعياً وراء مطامعها واستمرار ظلمها عشرات من السنين، وهنالك دولة مثل أمريكا تؤيدها بشكل تام، ويطوي النسيان شعارات حقوق الإنسان والدفاع عن الشعوب وعن الديمقراطية والحرية؛ ولقد اهتز لذلك الضمير العالمي غير أن ضمير أقطاب أمريكا والبيت الأبيض لم يصبه أدنى تأثّر!

إن هؤلاء يحاولون بيان أمرين للعالم: أحدهما وجوب بقاء هذه الغدة السرطانية مهما كلف الثمن. والثاني أنهم يريدون القول للدنيا ويفهمونها بأن أحوالها اليوم تدار بالقوة، ونحن الذين نريد ممارسة القوة، ومن شاء التكلم فليقل ما يقول! أي إنهم يحاولون إقناع الدنيا بعجز أي قولٍ أو فعلٍ في قبال قوة أمريكا وقدرتها العسكرية، وهم ـ بطبيعة الحال ـ قد قُهروا لحد الآن، وبالرغم من التظاهر بالقوة لم يبلغوا أهدافهم؛ لماذا؟ لأن فلسطين لم تستسلم.. إنهم يحاولون عبر ممارسة الضغوط وأعمال القتل والقسوة وسحق المعالم الإنسانية إرغام الشعب الفلسطيني على الاستسلام والخضوع لهم بشكل تام والتخلي عن تطلعاته المشروعة، لكنهم عجزوا لحد الآن؛ وخلافاً لما تتصوره أمريكا وإسرائيل فليست القوة هي المتفوّقة، بل إن قدرة إرادة الشعوب وإيمانها هي صاحبة القول الفصل في جميع القضايا، وهكذا الحال في هذه القضية.  

 

سبيلان للعلاج

ثمة سبيلان للعلاج لمواجهة الظلم الفظيع الذي يُمارس هذه الأيام بحق الشعب الفلسطيني، وهذان السبيلان مما لا يمكن الحياد عنهما، وعلى الجميع الإذعان لهما وسلوكهما:

الأول: مواصلة انتفاضة الشعب الفلسطيني وصموده، وهو إلى الآن صامد والحمد لله، وذروة هذا الصمود هذه العمليات الاستشهادية.. فذروة الفخر والشجاعة والشهامة أن يضحي رجل، أو شاب، فتىً أو فتاة، بنفسه من أجل مصلحة شعبه ودينه؛ وهذا ما يرهبه العدو. ولهذا فإنكم شاهدتم مَنْ حاولوا جاهدين إيقاف العلميات الاستشهادية عبر الشماتة واللوم والتفلسف، بدءاً من الرئيس الأمريكي إلى الناشطين على الخط الأمريكي في أقوالهم وأفعالهم! كلا، إن العمليات الاستشهادية تمثل ذروة عظمة وملاحم أي شعب.

أوَ ليس من العمليات الاستشهادية أن تنبري قوة عسكرية للتضحية دفاعاً عن وطنها؟! وحيثما تعدى جيشٌ ظالمٌ على بلدٍ فهبّ أبناؤه للتصدي لهذا الجيش؛ أوَ ليس هذا من العمليات الاستشهادية؟! فمن ذا الذي يجرؤ على إدانة مثل هذا الفعل؟! ومن ذا الذي له القدرة على الحطّ من عظمة هذا العمل وشأنه أمام أنظار ذوي الضمائر والمنصفين من البشر؟! إن العلميات الاستشهادية ذروة عظمة هؤلاء؛ ولكن البعض الآن يصرح ويكتب بما فيه لومٌ لشعب اضطر للنزول إلى الساحة بمُهَجِه لإحياء حقوقه بعد خمسين عاماً من تخاذل أسلافه وغفلة أجياله السابقة عن مصالحها البعيدة المدى! فهل لذلك تأثير على وضع هذا الشعب؟! إن الشعب الفلسطيني شعبٌ حيٌّ ومتيقّظ وماضٍ في طريقه.

السبيل الثاني: هو الدعم؛ فيتعين على العالم بأسره تقديم الدعم لهم، والشعوب قد أعلنت عن دعمها لهم، حتى في أوربا أعلنت الشعوب عن دعمها أيضاً فنظمت المسيرات وعبّرت عن إرادتها القلبية بشتى السبل، كما برز هذا الدعم داخل الولايات المتحدة أيضاً، وستستمر هذه النشاطات لاحقاً أيضاً، ولكن على الحكومات أن تنهض بواجبها، والأكثر مسؤولية هي الحكومات الإسلامية، وبالذات العربية منها.

إن ما صرّحنا به من قضية قطع النفط لمدة شهر واحدٍ يعدّ أمراً أساسياً، فلا يصحّ التعاطي معها تعاطياً سطحياً، وهي ليست قضية استعراضية بحيث تقف دولة واحدة وتعلن عن إيقاف نفطها، وليس واضحاً ما إذا كانت توقفه أم لا؛ إنها قضية حقيقية، وعلى الجميع اتخاذ القرار إزاءها.

لقد قالوا إن إيقاف تصدير النفط يلحق الضرر بالدول التي توقف تصدير نفطها! في حين أن الأمر ليس كذلك، وهذا خطأ في الحسابات؛ فليس قطع النفط في ضرر الشعوب، بل هو في صالحها. إنكم تشاهدون الآن سعر النفط قد ارتفع خلال هذه الأيام إلى أربعة وعشرين أو خمسة وعشرين دولاراً للبرميل الواحد، لكنه بعد أيام سينخفض إلى خمسة عشر أو ستة عشر دولاراً، فالشعوب تتضرر من ارتفاع أسعار النفط وانخفاضها لأن الخيار بيد الآخرين؛ وبإيقاف النفط ستتجلى القدرة على اتخاذ القرار لدى الشعوب الإسلامية، وستبرهن الشعوب والحكومات الإسلامية قدرتها على المبادرة في مقابل الدكتاتورية الدولية والمتغطرسين الذين يعوّلون على الحراب فقط؛ وما عليهم إلاّ المبادرة لذلك، فهو مما لا يصحّ تركه.

لقد اتخذت بعض الدول مواقف جيدة، إذ كانت للحكومتين السورية واللبنانية وقفة شجاعة واتخذتا موقفاً جيداً، ولكن على كافة الحكومات العربية والإسلامية، ومنها المنتجة والمصدرة للنفط، أن تعي عِظَم مسؤوليتها التاريخية، فسيكون للتاريخ حكمه بشأن هذه المواقف الحاسمة في المستقبل، كما أن للشعوب حكمها في الوقت الحاضر. وفي ضوء ما يجري الآن تبني الشعوب قراراتها إزاء حكوماتها وما هي عليه من صدقٍ وحرصٍ ونزاهة.

هذا ـ بطبيعة الحال ـ أحد سبل الدعم وهو مؤثر جداً، كما أن هنالك سبلاً أخرى للدعم؛ فعلى الشعوب أن تقدم الدعم المالي وهذا ما ناشدنا به شعبنا وسائر الشعوب خلال صلاة الجمعة؛ فيجب الدفاع عن هذا الشعب المظلوم الذي يدافع عن وطنه ودينه وعن بيت المقدس وهويته الإسلامية ساعياً لقطع النفوذ الاستكباري في هذه المنطقة، وعلى الدول المجاورة لفلسطين وكذلك القوى الجماهيرية المقاومة أن تنبري للدفاع أيضاً، وعلى كل من له القدرة على تقديم العون النهوض بهذه المهمة، فهي مسؤولية الجميع.

لقد ساندت الحكومة الأمريكية إسرائيل بالرغم من مزاعمها التي طالما تشدقت بها وسائل الدعاية التابعة لها على صعيد قيادة العالم وحقوق الإنسان وغير ذلك. وإن المرء ليعجب حقاً لما يراه من صفاقة ووقاحة بعض أقطاب الاستكبار العالمي، إذ إنهم يرون ذلك دفاعاً عن العدالة! فهؤلاء لا يفهمون معنى العدالة، والحكومة الأمريكية لا تدرك مفهوم العدالة؛ أيّ أعمال هؤلاء ينطبق مع العدالة؟! إنهم يعدون هذه الجرائم حرباً عادلة وحرباً ضد الإرهاب، في وقت يؤيدون بصراحة أبشع الممارسات الإرهابية! إن جبين البشرية ليندى خجلاً لذلك.  

 

النظام الإسلامي لن يتراجع عن قوله الحق

إن الأمريكان اليوم ـ وبسبب تصرفهم الأهوج هذا ـ قد سقطوا أمام أنظار شعوب العالم وأصبحوا موضع كراهية لديهم وباؤوا بسخط القلوب الطاهرة والضمائر النزيهة في كافة أنحاء العالم.

إن أية دولة تتخذ مواقف محقة فهي مرفوضة وفق الرؤية الأمريكية، وما حنق أمريكا على الجمهورية الإسلامية إلاّ لقولها الحق وعدم وقوعها تحت طائلة الرهبة من أمريكا وعدم خوفها منها، وعدم تضحيتها بنهجها وإرادتها من أجل مآرب وأهواء حكام أمريكا ورفضها التفريط باستقلالها. وفي الماضي عندما كانوا يتحدثون عن الجمهورية الإسلامية كانوا يلوحون بشعار نقص حقوق الإنسان هنا، بيد أن كل شيء قد افتضح الآن، واتضح السبب وراء مناوأتهم للجمهورية الإسلامية، وهو عدم رضوخ الجمهورية الإسلامية لمنطقهم في الغطرسة والتجبر، ولن ترضخ أبداً.

إن مواقف الجمهورية الإسلامية واضحة وجليّة ومنطقية تماماً، وهي المواقف التي أعلن عنها مسؤولو البلاد مراراً؛ وخلال هذه الأيام أدلى رئيس الجمهورية بها كراراً أمام أنظار الشعوب الأخرى والمحافل الدولية. ولو قُدِّر لكم التحرك في أوساط العالم الإسلامي لوجدتم أن هذه المواقف تحظى بالثناء والتقدير القلبي من لدن أبناء الشعوب؛ فالشعوب تنشد الحق.

يقوم بناء الاستكبار والغطرسة في العالم على إرغام الحكومات وبالتالي الشعوب جميعاً على الإذعان لمنطقه في التجبر والظلم والاجحاف والتحرك وفق هذا الخط، ولقد أرسوا البناء العالمي على الظلم محاولين إدارة العالم بما يصبّ في مصلحة الشركات وكبار التجار والمهيمنين على الثروات المالية الكبرى من صهاينة وغيرهم وبما يتنافى مع مصلحة الشعوب، ويطمعون بأن تنقاد الحكومات والشعوب لهذه المواقف. أوَ يُمكن هذا؟! ربما تستسلم بعض الحكومات من أجل المصالح الشخصية لمسؤوليها، ولكن هل تستلم حكومة وشعب ينطقان باسم الإسلام ويتخذان موقفهما ويقولان الحقيقة ويدعوان للحق تمسكاً باستقلالهما وهويتهما الوطنية؟!  

 

أية محادثات مع أمريكا؟!

في الوقت الحاضر أصبح حديث البعض هو المحادثات مع أمريكا! فأية محادثات هذه؟! إنهم يقولون: ادخلوا في محادثات مع أمريكا كي تكفّ عن تحرشاتها وضغوطها وتهديداتها وتقوم برعاية مصالحنا الوطنية! أوَ ليست الدول التي تتعرض حالياً للتهديد الأمريكي ـ عدا الجمهورية الإسلامية ـ ممن تتباحث مع أمريكا وتربطها علاقة معها؟! إن المحادثات والعلاقة لا تمثل مانعاً دون ممارسة الضغوط والتهديد والإساءة والأطماع؛ إنها لا تحل مشكلة؛ فالحكومة الأمريكية تلوّح صراحة بعدائها للنظام الإسلامي والهوية الإسلامية والإيمان الإسلامي لشعبنا، والسبب في ذلك هو أن الإسلام أصبح دافعَ ثباتٍ وصمودٍ لهذا الشعب على مواقفه وعدم رضوخه لهم؛ فهدف أمريكا إعادة هيمنتها التي كانت قد بسطتها على ربوع بلادنا خلال العهد البهلوي المشؤوم ولاسيما خلال السنوات الثلاثين الأخيرة من عمره، ومن الواضح أن الشعب الإيراني وبعد هذه الثورة العظيمة وهذه التضحيات والبطولات وتقديمه للشهداء لن يستسلم لمثل هذه العنجهية. كلا، فالمحادثات لا تحلّ مشكلة.

إن المحادثات مع أمريكا مفيدة للحكومة الأمريكية؛ فهي تحصل ـ من خلال المحادثات ـ على موطئ قدمٍ تتمكن من خلاله فرض المزيد من مآربها ومطامعها على شعبنا وحكومتنا، والمحادثات تُفضي إلى نجاح الحكومة الأمريكية في فرض تهديداتها التي تلوّح بها عن بعد وأطماعها الهوجاء التي تنمّ عن العنجهية والتي تصرّح بها عن طريق الحوارات الخبرية أو التصريحات ضد مسؤولينا من خلال مائدة المحادثات وبحجم أكبر وبمزيد من التساوم؛ فالمحادثات لا تعني استعداداً أمريكياً للاعتراف بهوية هذا الشعب وبنظام الجمهورية الإسلامية وإيمان هذا الشعب ومواقفه، إنهم يخالفون هذا المبنى ويعارضون تواجد هذا الشعب المؤمن ويسعون لإعادة تلكم الأساليب التي كانت تمارس في زمن الحكومة البهلوية من فساد وهيمنة وقهر، وهذا ما لا يمكن علاجه بالمحادثات. وهل يسمح هذا الشعب لمسؤولي البلاد ـ بدءاً من القائد وانتهاءً بسائر المسؤولين ـ بالتراجع خطوة واحدة عن المواقف الإسلامية وعن مصالحه الجوهرية المصيرية؟!

ليس لنا أن نلقي تبعات ضعفنا على كاهل الشعب؛ فشعبنا شعب قوي حيٌّ ومؤمن، وشبابنا مؤمنون، وإن مختلف الطبقات في بلادنا تعرف قدر الثورة وقدر هذا النظام الجماهيري. ولو كان هنالك في العالم من يصدّق ما تقوله وسائل الإعلام المعادية من أن هذا النظام نظام قسري لا شعبية له، فإن هذا الشعب يرى ما يجرى داخل البلد ويشهد أن هذا النظام قائم على رأي الجماهير وعواطفها وإيمانها وإرادتها؛ ومثل هذا النظام نظامٌ متماسك لا يهزّه تهديد قوة معينة أو مسؤول معين أو عبوسة زعيم أو سياسي معين. إن سبيل الحل يتمثل في صمود الشعب والحكومة بوجه مطامع أمريكا وأية قوة ناهبة مستكبرة.

ذات يوم كانت تسود العالم قوتان عُظميان هما أمريكا والاتحاد السوفيتي، وكلتاهما تناوئ الجمهورية الإسلامية خلال الحرب المفروضة، غير أن الجمهورية الإسلامية لم ترضخ لأيٍّ منهما، بل وقفت على قدميها وحققت أهدافها دون أن يجرؤ أحد على ارتكاب أية حماقة، وهكذا سيكون الحال فيما بعد أيضاً.

إنّ شعبنا شعب حيٌّ وواعٍ ومتيقظ، وإن أفضل ما يسع المسؤولين والمتصدين في مختلف مرافق البلاد القيام به هو خدمة هذا الشعب؛ فهنالك العديد من القضايا المهمة التي تخص مختلف الشرائح ومنها شريحة المعلمين والعمّال وكذلك سائر الطبقات فلكل منها مطالبها. لاحظوا يا أعزائي أن هذا الشعب يزخر بثروات جمّة مادية وجوفية وإنسانية، والأهم منها أننا نمتلك عشرات الملايين من الشباب، وهي ثروة ضخمة جداً، ولدينا مواهب مرموقة، وأيّما منظومة تتمكن من استثمار هذه المواهب وتوظيفها باتجاه المصالح الوطنية تكون قد قدمت أكبر خدمة لهذا البلد.

نحن لسنا بحاجة إلى الأجنبي وإن كنا نرتبط مع العالم بأسره، فنحن لم نوصد أبواب الاقتصاد وغيره من نشاطات البلاد بوجه سائر الشعوب والبلدان، وإننا نستفيد من التجارب ولدينا مبادلات، لكننا نرتكز على أصولٍ وقيمٍ وعلى منافع هذا الشعب وهويته الإسلامية، وهذا مما لا ينبغي أن يطاله التهديد لأنه رمز اقتدارنا؛ والعدو يحاول سلب عناصر الاقتدار من بلدنا، فيجرّد الشعب من روح الدفاع ويسلب منه الإيمان والفهم والوعي، ويجرّد المراكز الأساسية في نظام الجمهورية الإسلامية من تأثيرها ويجمّدها، حتى إذا ما أراد التعرض لهذا الشعب عجز الشعب عن الدفاع عن نفسه! ففي المقابل علينا التمسك بقيمنا ومواقفنا ومصالحنا الوطنية.  

 

العمّال والمعلمون من دعائم البلاد

من القضايا المهمة في الوقت الحاضر هي قضية الاقتصاد الوطني التي يتعين على كافة المسؤولين الاهتمام بها، ولقد صرحت مراراً فيما يتعلق بقضية العمل، والمسؤولون يجهدون في هذا المجال، وبوسعي أن أقول لكم بكل ثقة إن رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وغيره من المراكز يبذلون مساعيَ وجهوداً حثيثة في هذا المضمار، ويجب مواصلة هذا الدرب على كافة المستويات وفي كافة القطاعات؛ وإن سبيل بلوغ هذا الشعب لأهدافه السامية مهمة لا تعرف الملل، ينهض بها مسؤولو البلاد بكل إخلاص، سواء الحكومة أو مجلس الشورى الإسلامي أو سائر المرافق ذات الصلة بهذه المهمة، وبوسعها التأثير في مجال اتخاذ القرار.

إننا بحاجة إلى أن تستطيع شريحة المعلمين ـ كما أشار وزير التربية المحترم ـ ممارسة مهمة التربية والتعليم براحة بالٍ بعيداً عن شتى الهواجس، ونحن بحاجة إلى أن تخضع طبقتنا العمالية لتقييم صحيح ويدرك الجميع أن عماد تطور البلاد إنّما يرتكز على دعائم من أهمها الطبقة العاملة؛ فالعامل الكفوء المؤمن العارف بمسؤوليته، الذي إن أُوكل إليه عملٌ سعى لإنجازه على أفضل وجه، هو من أفضل عناصر المجتمع. وإن لهاتين الشريحتين وغيرهما من الشرائح مطالب وحاجات لابد من تأمينها بما تسمح به إمكانيات وقدرات البلاد. ونحن لا نتأمل من المسؤولين ما هو كثير، فينبغي تجنب الإسراف؛ فيحرم إنفاق أموال البلاد وأرصدتها في الموارد غير الضرورية والكمالية الزائدة، والاهتمام حالياً بالأمور التي ليست على مساس بالجوانب العملية لمعيشة الشعب يعد إسرافاً. وإنها لغفلة فاحشة أن يحوّل البعض جوّ البلاد إلى جوّ سياسي بالقدر الذي يلقي بظلاله على القضايا الجوهرية للبلاد، وهذا ما تقوم به ثلّة قليلة عامدةً، وهي بذلك ترتكب خيانة، وهنالك مَنْ يصاب بالغفلة أيضاً.. فليس هناك مصلحة في إثارة قضية سياسية كل يوم داخل البلاد ـ وهذا ما نراه في مجلس الشورى الإسلامي بصورة وفي غيره من المراكز بصورة أخرى ـ وإلهاء الأفكار والعقول عن إنجاز الأعمال التي تخص الشعب، بل يجب على الجميع تركيز عقولهم على الأعمال الضرورية لتطوير البلاد وحل مشاكلها من قبيل الشؤون المعاشية والاقتصادية للجماهير وقضية العمل، ويتعين على كافة الأجهزة مؤازرة بعضها بعضاً لإنجاز هذه المهام؛ فالعمل قائم لكنه بحاجة إلى المزيد من السرعة والشمولية.

ينبغي الاحتراز عن الشعارات التضليلية، وكأنّ البعض قد استلم مكافأة لإلهاء أفكار المسؤولين عن إنجاز الأعمال الأساسية والتوجه نحو وجهة أخرى! ومما يؤسف له هو التأثير الكبير لبعض الصحف في هذا المجال، فكل ما يكتب فيها يتنافى مع إيمان الشعب وعقائده ومصالحه ويجانب الحقيقة، وإن هؤلاء يكتبون وينشرون بكل حرية، غير أنهم يصرخون: ليس هناك حرية! إنهم يستغلون الحرية ليدّعوا زيفاً عدم وجود الحرية! فما معنى كل هذا النعيق وإثارة الإشاعات والأكاذيب التي تعجّ بها الصحف وغيرها من الأجهزة إن لم تكن هنالك حرية؟! وإننا لا تعترينا الرهبة من هذه الأباطيل، فشعبنا شعب مؤمن.

لقد سعوا لثني الطبقة العاملة عن أعمالها، وحاولوا تسييس مطالب المعلمين المشروعة ودفع المعلمين للوقوف بوجه النظام، لكنهم عجزوا ولن يقدروا أيضاً؛ فمعلمونا وعمالنا ميزتهم الإيمان والالتزام، وقد نهضوا منذ مطلع انتصار الثورة بأعباء باهظة وتحملوها، وعلى مرّ السنوات الماضية حاول العدو مراراً استغلال مشاعرهم، لكنه فشل والحمد لله، فكان أن جوبه العدو بصمود ووعي وإيمان هذه القطاعات وأرغم على التقهقر، وهكذا سيكون الحال فيما بعد؛ فعلى المسؤولين الشعور بذلك وعرفان قدره.

على الصحافة تجنب إثارة الأجواء وشحنها، فحسَنٌ تذكير الحكومة والمسؤولين وتقديم النصح لهم، ولكن من الخطأ والسوء تصوير الأجواء على أنها متوترة وغامضة، وهي خيانة إن كانت عن عمدٍ؛ فإن أجواء وآفاق الوطن ليست معتمة، بل هي زاهرة؛ فشعبنا حيٌّ ومتيقظ وذو عزيمة وإرادة؛ ومسؤولونا يتميزون بالاندفاع وعرفان التكليف وهم منّا، وإذا ما كان هناك بعض العناصر غير الموثوق بهم والغرباء في ثنايا المراتب الثانية والثالثة من المسؤولين وعاشوا لأيام معدودات، فلابد من التصدي لهم، وعلى المسؤولين أنفسهم ومختلف الأجهزة المسؤولة التصدي لهم.

نسأل الله تعالى أن يسبغ على هذا الشعب ما يليق به من رحمته وبركاته، ويُنزل هدايته وخيراته عليه، ويمنّ علينا بمزيد توجهات بقية الله الأعظم "أرواحنا فداه" ويجعلنا ممن يشملهم دعاؤه.

وندعوه تعالى أن يرفع درجات إمامنا العظيم وشهدائنا الكرام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

ـــــــــــــــــــــــ

 

[1]  الشهر الفارسي الثاني.