الهيكل بدلاً من المسجد

2007-08-26

 

إسرائيل وخرافة "البقرة الحمراء"

سمحت المحكمة العليا في" إسرائيل" في 25/7/2001 لحركة أمناء جبل الهيكل، بوضع الحجر الأساس للهيكل الثالث قرب باب المغاربة في القدس القديمة. إن وضع حجر الأساس لإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم ولو رمزيا، يعني بالعبارة المختصرة، اقتراب موعد تدمير أساسات مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى معا.

 

ما قصة هذا الهيكل؟ وما هي خرافة البقرة الحمراء؟  

في عيد الأنوار اليهودي سنة 1996 اجتمعت لجنة حاخامي المستوطنين في الضفة الغربية وغزة، وأصدرت بناء على اقتراح الحاخام حغاي يكوتئيل، فتوى تحث الناس على الحج إلى "جبل الهيكل"، وجاءت هذه الفتوى مفاجئة لجمهور اليهود المتدينين، وانقلابا في موقف الحاخامين، لأن التقليد الديني سار على منع اليهود، ماعدا الكاهن الأكبر من زيارة "جبل الهيكل" قبل تطهيره برماد بقرة حمراء مقدسة، وكانت الأوامر الدينية تمنع اليهود من زيارة المكان خشية وطء قدس الأقداس بالأقدام، لأن مكان الهيكل غير معروف على وجه الدقة، وفي قدس الأقداس يوجد تابوت العهد.

أطلقت هذه الفتوى صافرة الإنذار بين اليهود المؤمنين، ومع أن الكثير من اليهود يسعى إلى بناء هيكل سليمان مجددا، إلا أن "الحر يديم" (أي الأصوليين) وإن كانوا يعتبرون إعادة البناء ذروة الخلاص اليهودي فهم لا يرغبون البتة في هدم مسجدي الصخرة والأقصى وبناء الهيكل فوق أنقاضهما، بل أنهم يحرمون هذا الأمر تماما، فهذه المهمة، بحسب اعتقادهم، سيقوم بها المسيح المنتظر حينما يأتي العالم، لا البشر.

إن الصهيونيين وبعض الحاخامين هم فقط من يسعى إلى هذا الأمر بقوة وإصرار، وأبرز هؤلاء شلومو غورين الحاخام الأكبر للأشكناز سابقا (توفي)، وغيرشون سلومون مؤسس "أمناء جبل الهيكل" ومردخاي الياهو الحاخام الأكبر للسفاراد، ويسرائيل أريئيل.

في مستوطنة بيت شلومو توجد الآن مزرعة أبقار، وفي هذه المزرعة معهد للتجارب، يشرف عليه يسرائيل أريئيل، ووظيفة هذا المعهد إجراء البحوث الوراثية التي من شأنها التوصل إلى إنتاج بقرة حمراء "لاشية فيها " لاستخدام رمادها في تطهير جبل الهيكل (منطقة الحرم القدسي) قبل إعادة بناء الهيكل، وفي لويزيانا بالولايات المتحدة الأميركية يجري الآن أعداد قطيع من الأبقار الحمر جاهز للنقل الفوري إلى إسرائيل جوا، وتنكب عائلة نتيف في القدس على إنتاج أدوات العبادة، وتقوم أسرة ألفي بإعداد كسارة الحجارة التي تملكها في جنوب البلاد لإنتاج مواد بناء الهيكل من عناصر طبيعية لم تمسسها مطرقة أو أزميل، وأنجز بعض العاملين في مصانع البحر الميت طرازا مثيرا لمذبح جبل الهيكل. وخاطت أسرة تسورفيم أدوات الهيكل القماشية من نوع واحد، ويعرض "معهد أبحاث الهيكل" الذي يديره يسرائيل أريئيل، والموجود في شارع مسغاف لداخ في الحي اليهودي في القدس قبالة حائط البراق، مجسما للهيكل ولأدوات العبادة وملابس الحاخامات وصور ذبح القرابين وبوق المناداة. والجولة تكلف 12 شيكلا أو نحو ثلاثة دولارات. وجلبت حركة أمناء جبل الهيكل في تشرين الأول 1997 صخرة كبيرة لم تمسسها مطرقة أو إزميل ووزنها نحو أربعة أطنان استعدادا لصنع العرش، وتحولت مستوطنة يتزهار إلى مركز روحي للخلاص اليهودي حيث تحتل مسألة بناء الهيكل المكانة الأولى في تفكير المستوطنين فيها.

تشير هذه الشواهد إلى نوع من الاستعداد الجدي لتدمير مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى معا، فالأمور لم تبق عند حدود النيات والتصريحات فقط، بل تجاوزت تخومها إلى التهيئة العملية لتنفيذ هذا الشأن الخطير، فالتنظيم السري اليهودي في الضفة الغربية يكدس كميات كبيرة من المتفجرات في الحي اليهودي في القدس استعدادا لهذه الغاية. ويهودا عتسيون بات يرأس اليوم حركة "حي وقيوم" وهو الذي كان أحد أعضاء هذا التنظيم، وحاول في سنة 1984 نسف قبة الصخرة والحاخام غيرشون سولومون لا يتردد في الإفصاح عن موقفه بالقول : "أن من غير المعقول أن يبقى المسجد الأقصى منتصبا بعد 1300 سنة، بينما شعب إسرائيل يعود إلى وطنه".

يستند اليهود في تعلقهم بالقدس إلى خرافة رائجة تقول أن هذه المدينة بناها الملك داود، ثم أقام الملك سليمان فيها "هيكل الرب" وهو قدس الأقداس لدى اليهود قاطبة، لكن بعد اثنتين وثلاثين سنة على احتلال المدينة ونحو 150 سنة على بداية التنقيب الأثري فيها، لم يعثر أحد على أي دليل يشير إلى الهيكل أو إلى أي أثر يهودي فيها. بل صار من المقبول علميا لدى أوساط واسعة من العلماء، أن "الإسرائيليين" لم يدخلوا فلسطين بحروب ومعارك مثل معركة أريحا ومعركة عاي الواردتين في مرويات التوراة، وإنما بالتسلل التدريبي، فالحفريات دلت على أن أسوار أريحا لم تكن موجودة في العصر المفترض لدخول يوشع بن نون إليها، فهي تحطمت قبل ذلك بثلاثة قرون ولم يعد بناؤها. أثبتت كاتلين كينون في حفريتها التي أنجزتها بين 1952 – 1958 أن أريحا لم تكن مأهولة قط في تلك الفترة، كذلك كانت عاي مهجورة قبل أحد عشر قرناً من عصر يشوع، أما الهيكل فهو واحدة من الخرافات اليهودية الأخرى الواردة في التوراة. فحتى الآن لم يكتشف اليهود أي أثر لهذا الهيكل الأسطوري. وبالطبع فلن يكتشفوه أبداً، فالتوراة تذكر أن الملك سليمان صرف في بنائه سبع سنين وقام بالعمل فيه ثلاثون ألف رجل من لبنان و80 ألفا كانوا يقطعون الحجارة و70 ألفا يحملونها ،وعلى رؤوس هؤلاء كان يوجد 3300 وكيل، أي أن مجموع من شارك في البناء بلغ نحو 184 ألف شخص على مدى سبع سنوات لكي يبنوا هيكلا طوله 60 ذراعا وعرضه عشرون وارتفاعه ثلاثون بحسب وصف التوراة، أي أن أبعاده 31 ضرب 5 ،10 ضرب 15متر هذا يساوي 325 مترا مربعا فقط أي مجرد شقة واسعة في أيامنا هذه.

يروي الجنرال عوزي نر كيس الذي كان على رأس القوات الإسرائيلية التي احتلت القدس سنة 1967 أن شلومو غورين حاخام الجيش الإسرائيلي يوم ذاك تقدم منه قائلاً "الآن حان الوقت لكي نضع مائة كلغ من المتفجرات القوية وننسف مسجد عمر حتى نتخلص منه إلى الأبد".    

لقد صح منهم العزم لكن الدهر أبى، غير أن عزم اليهود على تدمير المسجد الأقصى لن يتوقف أبداً. فثمة جماعة يهودية أنجزت تصميم هيكل سليمان وهو موجود الآن في إحدى مناطق البحر الميت بانتظار نقله إلى القدس، ويثور الجدل اليوم بين المتدينين اليهود على خرافة البقرة الحمراء التي يعتقد اليهود أنها إشارة إلى بدء بناء هيكل سليمان في موضع الحرم القدسي وعلى الحاخام الأكبر أن يقوم، عند بلوغها ثمانية أشهر، بتقديمها قربانا ليهوه، ثم ينثر رمادها في المكان لتطهيره قبل القيام بعملية البناء، ويجري الآن حفر نفق ثان تحت المسجد الأقصى في الوقت الذي تعمل فيه وزارة الأديان "الإسرائيلية" على تحويل رباط الكرد وهو جزء من الأقصى إلى المبكى الصغيرة " الذي سيخصص لصلاة النساء المتدنيات.  

ليس مستبعدا أو غريبا أو غير متوقع، أن يأتي يوم نسمع فيه أحد "المجانين" اليهود نسف المسجد الأقصى وسوف تستنكر حكومة "إسرائيل" هذا العمل وستحاكم الشخص الذي أقدم عليه، لكنها ستشرع فورا في جرف الركام. وعندما يتم تمهيد المكان لن يكون في إمكان العرب أن يعيدوا بناء ما تهدم أبدا.

إنهم يستعدون لهذا اليوم، فماذا أعد العرب للحيلولة ؟