مشاعر قادة الحركة الصهيونية الحقيقية تجاه القدس

2007-08-26

 

ـ هيرتسل: القدس مدينة ملعونة..

ـ جولدا مائير: عندما أدخلها أشعر بالانقباض

ـ وديان يسخر ممن يختارون العيش فيها

من المفارقات الغريبة في تعاطي اليهود مع القدس أن قادة الحركة الصهيونية ومفكريها وأدبائها كانوا من ناحية عاطفية يكرهون القدس ويعبرون عن ذلك صراحة لدرجة تثير الاستغراب مقارنة مع ذلك التشدد الذي تبديه الدوائر الصهيونية في كل ما يتعلق بمستقبل المدينة السياسي. ثيودور هيرتسل مؤسس الحركة الصهيونية زار أواخر القرن التاسع عشر القدس وتجول في شوارعها وبعدما عاد الى أوروبا كتب خواطره الخاصة حول ما شاهده في المدينة فقال كما يروي المؤرخ اليهودي افيشاي ريجمان « مدينة أشباح تلك التي يقدسونها، لقد كرهتها منذ أول نظرة، لا أدري كيف يطيقون العيش فيها، كل ما فيها يثير التقزز لم أشعر أنني في يوم من الأيام يمكن أن أحن إليها، من هذا الكذّاب الذي روى لنا أن في هذه المدينة سحراً أخاذاً ؟!، من هذا الكذاب الذي روى أن رائحة القدسية في جبالها تزكم الأنوف؟، أي شعراء أفاكون أولئك الذين تغنوا في تلك المدينة الملعونة ؟، لا جمال هناك لا سحر هناك، لا قدسية هناك، حاخامات في حائط المبكى تدور رؤوسهم كما الرحى، منظر يثير الاشمئزاز لعيون ترقب منظراً آخر، مع أنني أقول في العلن إن تلك المدينة المقدسة التي صلى اليهود منذ ألفى عام لكي يعودوا لها وحلموا أن يكونوا في قلبها وأطرافها وسأظل أقول ذلك إلا أنني كدت اشعر بالاختناق عندما شاهدتها من بعيد ولأنني سياسي لا مجال للعاطفة في التأثير على تفكيري، ولأنني يهودي يهدف إلى تحقيق حلمه القومي، فالقدس هي قلب الخطاب القومي للصهاينة، فسأبقى أكرر أن القدس هي قلب الشعب اليهودي النابض ومحط أنظار أبنائه في كل بقاع المعمورة، لكن في الحقيقة فإنني لا أقبل بالقدس كنعال لي».

أما الكاتب اليهودي الفرنسي جاك فابيوس الذي زار القدس بعد حرب عام 67، بعدما سقطت في أيدي الصهاينة وكان من أكثر المنظرين للفكر الصهيوني القومي، فيعترف بأنه لم ير أي أثر لذلك الحنين الذي تحدث عنه اليهود للقدس، ويقول في رسالة بعث بها إلى أحد أصدقائه من نشطاء الحركة الصهيونية « سأظل أقول لأطفالي إن القدس لنا وسأظل أقول لهم هلموا للقدس وسأظل أدافع عن حقنا بالاحتفاظ بالقدس إلى أبد الآبدين، لكن صدقني : إنني لم أطق أن أظل فيها ساعة، لن أعود هناك لن أعيش فيها أبدا سأبقى أتغنى فيها أمام الجماهير اليهودية وسأظل أحكي لليهود الذين لم يهاجروا بعد عن سحر القدس وجمالها لكنني أعرف أنني أخونهم أيما خيانة».

لم يقتصر تعبير قادة ومفكري الصهاينة عن «كرههم للقدس» على خواطرهم الخاصة التي كانوا يبوحون بها لأصدقائهم المقربين، بل تعداه إلى مجاهرة بعض الشعراء والمفكرين اليهود بكرههم للقدس علنا والتعبير عن ذلك شعرا ونثرا وعلى صفحات الجرائد، يستغرب الشاعر اليهودي ابراهام جينوم أن يعقد أحد ما أي مقارنة بين القدس وتل أبيب ويستغرب أن يترك أحد تل أبيب ويتجه للقدس، ففي قصيدة نظمها أوائل الثمانينيات، يتحدث جينوم عن مشاعره نحو القدس وتل أبيب، ويقول « تحدث أيها الأبله ما شئت عن القدس فهذا ليس يعنيني، لست في حاجة للاستماع لتلك الترهات، دعك من هذا الحديث الفارغ عن القدسية والسحر فهذا طعام الجهلة والمخبولين، أما أنا فاذبحني في تل أبيب، نعم في تل أبيب أريد أن أحيا، في تل أبيب أريد أن أمرح، في تل أبيب أريد أن أسكر حتى الثمالة.

 

الساسة يعترفون

ويروى أن الساسة الصهاينة المعاصرين الذين بالغوا في الحديث عن القدس، كانوا يكنون مشاعر أخرى للقدس، إذ إن رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة جولدا مائير كانت تقول في مجالسها الخاصة :إنه لو ترك الأمر لها لما وطأت قدمها أرض القدس على الإطلاق، وأنها عندما تطأ أرض القدس يصيبها الانقباض والضيق والضجر، أما إسحاق رابين والذي يوصف بأنه «الذي حرر القدس» لأنه كان رئيس أركان الجيش الصهيوني في عام 67 عندما نشبت الحرب، يقال إنه كان يقول: إنه على الصعيد الشخصي ولو تجاهل الاعتبارات السياسية لأبقى على مقار الحكومة "الإسرائيلية" في تل أبيب وليس في القدس، ويقال إنه كان يفضل الحضور بشكل كبير في مبنى وزارة الدفاع وليس في مكتبه برئاسة الوزراء لأن وزارة الدفاع توجد في تل أبيب. أما وزير الدفاع الصهيوني الأسبق موشيه ديان فكان يجاهر بكرهه للقدس حتى أمام قادة الأحزاب المتدينة، وكان يسخر من أولئك الذين يتركون تل أبيب ومدن الوسط ويقدمون للعيش في القدس.