عيد الفطر هو عيد العودة للذات

2008-08-27

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر عيد الفطر عيداً لاتحاد الأمة وتآلفها. والسبب في ذلك أنّ الأفئدة رقّت واستضاءت بنور الإيمان طوال شهر رمضان المبارك، وتضاءلت عوامل الاختلاف الشيطانية بين بني الإنسان.

كما أنّ عيد الفطر هو في الواقع عودة إلى الفطرة، الفطرة الإنسانية التوّاقة إلى الله تعالى والى ذكره وتوحيده, وإلى المحور الواحد المتعالي الذي يمكن أن تجتمع عنده كل آمال الإنسان وإحساساته متآلفةً بعضها مع البعض الآخر في وحدة وانسجام.

إنّ عيد الفطر هو مظهر لهذه الوحدة في أي نقطة من نقاط العالم الإسلامي.

ولهذا فإننا نقول في دعاء القنوت من صلاة العيد: (الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً).

فالعيد ذخر ووسيلة لشرف وكرامة نبينا محمد صلى الله عليه وآله، كما ويعتبر زيادة في علو ورفعة مكانته الشامخة المقدسة. فمتى تتحقق هذه الخصوصيات؟ عندما يكون العيد مناسبة لتآلف قلوب المسلمين والتصالح فيما بينها.

إنّ عيد الفطر هو عيد العودة للذات ونبذ جميع أنواع الخلافات والأحقاد والنفاق والازدواجية وسحق ما قد يقرّ منها في أعماق القلوب. لقد ساعدتنا الثورة على الإسراع في التقدم والحركة، ولكن الطريق مازال أمامنا طويلاً.

إنّ اليوم هو يوم عيد الفطر الذي حلّ علينا بعد ثلاثين يوماً من شهر رمضان العامر بالبركات والنِعَم الإلهية.

فطوبى لكم. لقد أمضيتم شهراً مباركاً، واليوم هو يوم عيد فطر سعيد. فاجعلوا من ذلك خطوة للسمو الحقيقي في مدارج الكمال الإنساني،

من كلمة له في عيد الفطر المبارك بتاريخ 1/10/1428هـ.ق

* إنّ عيد الفطر هو في الحقيقة عيد الشُكر، شُكر الله على توفيقه لنا لقضاء شهر في ضيافته الكريمة، وشُكر الصوم، وشُكر التوفيق للعبادة والذكر والخشوع ومناجاة الحق المتعال سبحانه. ومن أجل هذا الشُكر، فقد وجب على الإنسان المؤمن حقيقةً أن يتخذ له عيداً.

* إنّ علينا أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة الكبرى، وهي نعمة الإيمان وإقبال الشعب المسلم على الدين والحقائق العقائدية والإسلامية. وهذه هي إحدى سمات الشعب الإيراني.

* إنّ لنا في شهر رمضان عِبَراً ودروساً، وهي ليست كتلك الدروس التي نتلقّاها من المعلم أو نقرأها في الكتب، بل كتلك الدروس التي يتعلّمها الإنسان في التمارين العملية والنشاطات الجماعية الكبرى.

ويتمثل أول هذه الدروس في الصلة بالله والحفاظ على علاقتنا القلبية بالذات الأحّدية المقدسة وعشقنا للمحبوب.

لقد تذوقتم حلاوة هذا الدرس, ووجدتم كم أنه من السهل اليسير أن توثق الصلة بالله تعالى.(وإنّ الراحل إليك قريب المسافة، وإنك لا تحتجب عن خلقك إلا أن يحجبهم الأعمال دونك).

إنّ الطريق إلى الله قصيرة، ولقد لاحظتم هذا في ليلة القدر وعند التوسل والزيارة والدعاء، ولدى التضرّع والمناجاة، ووهبتم قلوبكم للمحبوب الأوحد، وازددتم حُبّاً لله تعالى.

فهذا هو الدرس الأول.

وأما الدرس الثاني: فهو اجتماع كافة الأطياف الشعبية حول محور الدين والتوحيد. وعندما نتحدّث حول الانسجام الوطني، وعندما نقول: بأن الشعب الإيراني يمثّل نسيجاً واحداً، فإن هذا لا يأتي من فراغ، بل إنّ لهذا التآلف جذوراً عميقة، وليس لمجرد النصيحة والأمر والنهي. وإنّ محور هذا الاتحاد هو الإيمان بالعقيدة الدينية.

إنّ الدين والعقيدة هو الذي يشدّنا نحو مركز واحد، وهذا المركز هو التوجّه لذات الله الأقدس جلّ وعلا. إنها روح الوحدة الوطنية هي تلك التي تقرّب بين القلوب وتكسبها الرقّة.

إنّ الجالس بجواركم في صلوات الجماعة والجمعة أو مراسم إحياء ليلة القدر ووضع القرآن على الرأس والانهماك في التضرع والدعاء، هو رفيقكم أمام الله تعالى وجلّ شأنه، أيّاً كان هذا المرافق، ومن أي فئة اجتماعية وأي طيف ومشرب وطائفة، كما يُعدّ أخاً لكم وصاحباً وفيّاً عند المولى سبحانه.

فعليكم بالحفاظ على هذه الصلة القلبية.

وهذا هو الدرس الثاني.

وأما الدرس الثالث: فهو الإيثار والإنفاق على الآخرين.

إنّ الجوع والعطش والصوم منذ أذان الفجر وحتى أذان المغرب يُعدّ كبحاً لجماح النفس.

لقد التزم الكثيرون منّا بالصوم إيثاراً وإنفاقاً على المعوزين بشتى الأشكال الممكنة.

إنّ مما يدخل السرور على قلب الإنسان أن يشاهد لافتة معلّقة على أحد المخابز ليلة الخامس عشر من شهر رمضان ـ ذكرى مولد الإمام الحسن المجتبى(عليه الصلاة والسلام)ـ وقد كُتب عليها: إن الخبز بالمجّان هذه الليلة للجميع، فخذوا منه ما شئتم.

إنّ تلك الدعوات على الإفطار في المساجد وسواها من قِبَل أناس مجهولين لمن المبادرات الخيرية التي يتميز بها شعبنا، وإنها تنطوي على درس آخر، وتمثل تمريناً آخر.

إنه الإيثار على النفس وإعطاء الآخَرين.

فعلينا أن نأخذ هذه العبرة من شهر رمضان المبارك وأن نعمل بها إن شاء الله.

في صلاة عيد الفطر المبارك بتاريخ 1/10/1428هـ.ق