كتب الإعلامي الاردني هشام الهبيشان مقالاً حول رسالة الإمام الخامنئي إلى شباب البلدان الغربية مؤكدا على أن هذه الرسالة جاءت في وقتها داعيا إلى اعتبارها بمثابة مرجعية فكرية وثقافية ودينية لإيجاد التقارب بين الشرق والغرب في ظل المرحلة الخطيرة التي تمر بها صورة الإسلام السمح المعتدل في العالم الغربي.

جاءت رسالة آية الله الخامنئي عقب هجمات باريس وبالتزامن مع هجمة شرسة من قبل بعض الجماعات المتطرفة بالغرب وبتحريض ودعم من "جماعات اللوبي الصهيوني التلموذية الماسونية" تستهدف تشويه صورة الإسلام والمسلمين وخصوصاً بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة في لبنان وفرنسا، ومن هنا وفي ذروة هذه الهجمة الشرسة على الإسلام جاءت هذه الدعوة للشباب الغربي بضرورة البحث عن حقيقة الإسلام بعيداً عن من يحاولون تشويه صورته الحقيقية، وقام الإمام الخامنئي بتوجيه الرسالة للشباب الغربي تحديداً لأنه يدرك ويعرف أن هذا الشباب هم قادة المستقبل، فالسيد الخامنئي قال برسالته مخاطباً الشباب الغربي "إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدكم قادرون، باستلهام الدروس من محن اليوم، على أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن"، فوجه حديثه للشباب الغربي لأنه يدرك أن أي حديث مع بعض ساسة الغرب لن يجدي نفعاً ، لأن بعض هؤلاء الساسة هم بالأصل هم جزء من هذه المؤامرة والحرب التي تشن على الإسلام والمسلمين اليوم .

أما على الصعيد العربي فإن هذه الرسالة لقيت أصداء جيدة وكبيرة بين الكثير من الأوساط العربية إعلامياً وسياسياً ، ولاسيما بالصحافة العربية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي العربية ،وخصوصاً بين صفوف الشباب العربي المثقف، حيث أوجدت ردود فعل مجتمعية وفكرية وثقافية عربية صاخبة وايجابية حول مضامينها .

ولقد وضح السيد الخامنئي برسالته للشباب الغربي الكثير من التفاصيل حول معاناة الشعب الفلسطيني باعتبارها القضية الأساسية للأمة العربية والإسلامية جراء الإرهاب الصهيوني الممارس بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، والمقصود هنا بحديث السيد الخامنئي هو تصوير حقائق الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستين عاماً على يد المحتل الصهيوني ومقارنة هذا الإرهاب بالإرهاب الحديث الممتّد لأوروبا نتيجة سياسات بعض الأنظمة الأوروبية الداعمة للإرهاب بالمنطقة والداعمة للإرهاب الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.

واعتقد أن رسالة السيد الخامنئي وحديثه عن القضية الفلسطينية وحجم الإرهاب الصهيوني بحق الفلسطينيين سيكون لها أثر ايجابي بتركيز فكر الشباب الغربي والمجتمع الغربي بعمومه وتوضيح الصورة الحقيقية لهم عن ما يجري بفلسطين بشكل واضح .

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مواجهة الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين هي من صلب عقيدة الثورة الإسلامية الإيرانية، وقائد الثورة الإسلامية عندما يتحدث عن هذا الموضوع بالتحديد، فالهدف هو توعية وزراعة فكر راسخ بعقول النشئ والجيل المسلم الجديد لتبقى قضية فلسطين وتحريرها هي قضية كل جيل مسلم قادم، وما المناورات العسكرية الأخيرة للجيش الإيراني والتي تحاكي تحرير المسجد الأقصى إلا دليل واضح على أن فلسطين وقضيتها هي الشغل الشاغل للسيد الخامنئي وللمجتمع وللقيادة والجيش بالجمهورية الإسلامية الإيرانية .

ومن جانب آخر أن رسالة الإمام الخامنئي إلى الشباب الغربي تمهد الطريق لتخفيف حدة التوتر والتعصب الثقافي والديني في الغرب ضد المسلمين، فقد جاءت هذه الرسالة بحسب اغلب المتابعين بوقتها، و من المتوقع أن تساهم إلى حد كبير في تخفيف حدة الهجمة على الإسلام والمسلمين بالعالم ونشر فكرة التسامح والاعتدال وقبول الآخر بين مختلف الأديان، ومن هنا يبدو واضحاً أن الرسالة كان لها صدى جيد وقد حققت مرحلياً جزء من أهدافها ، وكذلك نجحت في تحقيق نوع من التقارب الفكري والثقافي بين المجتمعات الإسلامية الشرقية والمجتمعات الغربية المسيحية. فهذه الرسالة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للسيد الخامنئي الذي يسعى جاهداً اليوم لتحقيق حالة من التقارب والتوازن الفكري والثقافي بين مجتمعات الشرق والغرب.

أما على الصعيد الدولي جاءت الرسالة في ظروف قامت قوى التحالف الغربي بدعم الإرهاب من خلف الكواليس وخصوصاً بسورية والعراق، وهذا ما أكد عليه السيد خامنئي برسالته للشباب الغربي عندما قال: "إن هذا العنف كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القوى الكبرى بشكل مؤثر وبأساليب متنوعة، قلّما يوجد اليوم من لا علم له بدور الولايات المتحدة الأمريكية في تكوين وتقوية وتسليح القاعدة، وطالبان، وامتداداتهما المشؤومة، وإلى جانب هذا الدعم المباشر، نری حماة الإرهاب التكفيري العلنيين المعروفين كانوا دائماً في عداد حلفاء الغرب بالرغم من أن أنظمتهم أكثر الأنظمة السياسية تخلفاً، بينما تتعرض أكثر وأنصع الأفكار النابعة من الديمقراطيات الفاعلة في المنطقة إلى القمع بكل قسوة، والازدواجية في تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الإسلامي هي نموذج بليغ للتناقض في السياسات الغربية". والواضح اليوم أن هذه الدول والحكومات التي ذكرها وتحدث عنها قائد الثورة الإسلامية في إيران برسالته وغيرها ، مازالت لليوم تحارب أي جهد فعلي دولي – إقليمي يسعى بشكل حقيقي للقضاء على الإرهاب بالمنطقة العربية، ولهذا لا نرى نوايا صادقة من القوى الغربية للانضمام لأي جهد وجبهة دولية موحدة تسعى لمحاربة الإرهاب الذي بات فعلياً يهدد المنظومة الغربية بفرنسا وغيرها ،بينما الجهد الروسي – الإيراني – السوري سيكون له أثر فاعل بمحاربة هذا الإرهاب، وهناك بالتأكيد قوى عربية وإقليمية ودولية ستنضم لجهد هذا الثلاثي لمحاربة الإرهاب.

 

هشام الهبيشان

عمان-الأردن