11 شباط 1979 حدث تاريخي قلب الموازين الاستراتيجية إقليمياً ودولياً فارضا واقعاً سياسياً مغايراً، بعيداً عن تلك الاصطفافات التي كانت موجودة في تلك الفترة.

ثورة حدثت في توقيت حساس حيث كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع (العربي - الإسرائيلي)، تمخضت عبر خروج مصر من حلبة الصراع مكبلة باتفاقية كامب دايفد معلنة الانقلاب على شعار "حرب التحرير واستبداله بحرب التحريك".

أما على الصعيد الدولي جاءت ثورة الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) في زمن كان شاهداً على حمأة الصراع (الأميركي - السوفيتي) الذي شطر دول العالم بشماله وجنوبه في انقسام عامودي، متخندقا خلف عقليات متصارعة شيوعية - اشتراكية ورأسمالية - ليبرالية، عندها انبلج تيار ثالث من بين ثنايا الدجى رافعاً شعار " لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية"، تقوده الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الخميني الموسوي.

36 عاماً من الصبر والحصار والعمل الدؤوب انتقلت إيران من درك الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة من خلال انجازاتها النووية والفضائية فارضة نفسها وبقوة أمام العدو والصديق دولة إقليمية عظمى، وعزز هذا الحضور انخراطها في الحرب على الإرهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومدها يد العون والدعم للمقاومات العربية وخصوصاً اللبنانية والفلسطينية قافزة فوق جدار الطائفية والمذهبية العفنة.

وفي إطار رؤية تقييمية لمنجزات الثورة على مدى 36 عاماً لابد من الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور هي:

- أهداف الثورة الإسلامية.

- الأوضاع قبل انتصارها.

- إمكانات البلاد الذاتية.

- الضغوط ومؤامرات أعداء الثورة على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وفي الإمكان دراسة منجزات الثورة الإسلامية في مرحلتين زمنيتين مختلفين وفي ذات الوقت بشكلين متفاوتين.

وعلى سبيل المثال فإن إسقاط النظام الملكي الشاهنشاهي وإحلال نظام الجمهورية الإسلامية محله والحصول على الاستقلال السياسي هو من ابرز منجزات الثورة الإسلامية في إطارها العام والتي على أساسه تحققت باقي المنجزات، كان بمثابة الأرضية الصلبة والمتينة للتأسيس لرحلة إيران الطويلة وانتقالها من طور إلى طور.

في زمن الانتصار يعد جانب من أهداف الثورة الإسلامية مثل الاستقلال الاقتصادي من المنجزات التي تحتاج إلى زمان ومساعي أكثر.

ويمكن لنا أن نشير هنا إلى منجزات الثورة الإسلامية في إيران من الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

 

* المنجزات الثقافية والاجتماعية

وفرت الثورة الإيرانية الأجواء المناسبة لتنمية القيم الأخلاقية والإنسانية، والعودة إلى الذات، عبر إزالة مظاهر الفساد من المجتمع، وعملت على رفع مستوى الوعي العام والمعنويات، من خلال مكافحة الأمية، التي حققت أغراضها إلى حد كبير، في سبيل توفير الأمن الاجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب، والعمل على تنميه روح الوحدة والإخاء وإشاعة الأدب الثوري – الديني.

كما ساهمت الحكومة الإيرانية بعد الثورة في زيادة عدد المطبوعات والمجلات والصحف والدوريات، وكان لها اليد الطولى في "اسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والعسكرية والسياسية".

وأحيت الفكر الديني محدثة تحولات في القيم الاجتماعية ومفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والإخلاص والحج السياسي، والتضحية والإيثار.

وعملت على ترسيخ مبدأ التنسيق بين الالتزام والتخصص والتدين والثقافة، من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الأكاديمية ومراكز البحوث والدراسات وزيادة إمكانياتها.

نجحت الثورة في إيران في تحويل القوات المسلحة إلى قوات مؤيدة للشعب وإيجاد قوة التعبئة الشعبية، وعملت على التعريف بنموذج المرأة المسلمة- الثورة الإسلامية من خلال إعداد الأجواء لإقامة مهرجانات مختلفة حول النساء.

وتمكنت الجمهورية الإسلامية من نشر الصحف والمجلات النسوية، وتأسيس الجمعيات الخاصة بهن، هذا بالإضافة إلى مشاركة فاعلة للمرأة في الرياضة وتواجدها في الحياة السياسية الذي يتجسد فيما يتجسد في الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلديه والقروية.

وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجاً جديداً للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للإسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.

ونجحت الثورة في إيران من ترسيخ مبدأ الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الإسلامية ومنطقة العالم الثالث، والتأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.

 

* المنجزات السياسية

لعل من أهم المنجزات السياسية للثورة الإسلامية في إيران، هي القضاء على الحكم الشاهنشاهي ورفع الظلم عن الشعب الإيراني، من خلال الاتكاء على عائدات البترول، والجيش والأجهزة الأمنية، حيث كان الشاه يسعى وبدعم الأجانب له إلى إظهار نظامه بشكل مقتدر، مزيلاً من الأذهان حتى مجرد التصور بزلزلته فكيف بسقوطه، لكن إرادة الله سبحانه وتعالى قد شاءت غير ما أراد الشاه إذ تمكن الشعب الأعزل من السلاح من إسقاط الحكم البهلوي المستبد.

وتمكنت الحكومة في إيران من بلورة تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف، من اجل تحقيق وتعزيز الاستقلال السياسي للبلاد، وقطع أيادي التسلط الأجنبي عنها، عن طريق المساهمة في نمو الوعي السياسي والوعي العام للشعب وتواجده في مختلف المجالات، والحركة نحو التقنين والمجتمع المدني الديني.

وعملت على إرساء دعائم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران فبعد انتصار الثورة، تحققت إرادة الشعب في إيجاد النظام الإسلام، وان لفظ الجمهورية يحدد نوع الحكومة، أما لفظ الإسلامية فيحدد مضمون نظام الحكم الجديد في إيران، حتى أن تسمية كلمة الجمهورية الإسلامية لم تفرض على الشعب الإيراني بل جاءت عبر استفتاء نزولاً عند رغبة الشعب الثائر وهذا يسجل لأول مرة في تاريخ الثورات بان تسمية النظام لا تفرض أو تسقط على الشعب بل أتت عبر إرادة حرة وخالصة نابعة عن قناعات الجماهير الثائرة.

ومن وجهة نظر الأمام الخميني "قدس سره" فأن نظام الجمهورية الإسلامية ينسجم مع نظام الحكم الإسلامي ونظرية ولاية الفقيه العادل، وفي نظام الجمهورية الإسلامية يؤدي أبناء الشعب دورهم في تعيين مصيرهم من خلال إبقاء باب الحريات السياسية مفتوحاً على مصراعية ومن خلال إجراء الانتخابات العامة الحرة والنزيهة.

وعمق النظام الجديد أواصر الارتباط بين الدين والسياسة وعرض النموذج الزاهي للحكومة الدينية، بحيث كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة "الدين أفيون الشعوب"، أما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة "عزل الدين عن السياسة"، وجاءت الثورة الإسلامية لتثبت أن الدين ليس أفيوناً للشعوب بل هو "المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع".

وعلى صعيد الانتخابات حصلت في إيران بعد الثورة حوالي 8 انتخابات نيابية (مجلس شورى) بالإضافة إلى الاستحقاقات الرئاسية وتناوب شخصيات متعددة على سدة الرئاسة في حين لم تشهد دول الجوار أي انتخابات فضلا عن تعيين موظفي الفئة الأولى.

نجح النظام الجديد بـ "كسر شوكه الغرب والشرق"، وان انتصار ثورة الشعب المسلم في إيران قد حقق هذا الأمر، على أن عدة عوامل قد ساهمت في انتصار الثورة الإسلامية مثل روح التضحية والإيثار وعدم الخنوع والخضوع للظلم والاستبداد، وعززت الثورة تجديد الحياة السياسية للإسلام في العالم ومنح العزّة للشعوب المستضعفة والعالم الثالث.

نعم لقد حملت الثورة الإسلامية في إيران على أجنحتها الشفافة بشرى الحرية من نير الظلم والاستبداد حتى لغير المسلمين في العالم.

ولا ننسى قيام السياسة الخارجية لإيران على مبدأ "لا شرقية لا غربية" بحيث إنها قطعت العلاقة مع الكيان الصهيوني حيث قامت بطرد السفير الإسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني بدل علم العدو.

إن السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية في إيران تقوم على أساس رفض كل أنواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم، عبر تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم. ويرى اغلب الباحثين بل أكثرهم في الشؤون الإسلامية والشرق أوسطية والعالم العربي، أن "الثورة الإسلامية في إيران هي اكبر محرك للحركات الإسلامية السياسية".

لقد تأثرت بعض الدول في العالم مثل لبنان والعراق ودول حوض الخليج وأفغانستان وباكستان وتونس وفلسطين ودول شمال إفريقيا بشكل مباشر بالثورة الإسلامية، كما تأثرت دول أخرى في العالم بشكل غير مباشر بهذه الثورة مثل سوريا ونيكاراغوا وجنوب إفريقيا.

ونجح نظام الحكم الجديد في إيران من خلال ثورته المباركة برسم معالم الوجه الحقيقي للإسلام واثبات مظلومية الشعب المسلم في إيران في الحرب المفروضة، وعرض نظرية حوار الحضارات والعمل على إيجاد العلاقات بين شعوب العالم، وإزالة أشكال التوتر على المستوى الدولي، ومثل هذا المشروع حاز بسرعة على قبول الجمعية العامة للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، بحيث اعتبر العام 2001 للميلاد عاماً "لحوار الحضارات".

 

* المنجزات الاقتصادية

لقد حققت الثورة الإسلامية في إيران العديد من المنجزات على الصعيد الاقتصادي ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين والحؤول دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال، والانكباب على العمل والاهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، وتدعيم البنى التحتية للتنمية وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة وتطوير طرق إنتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكه الطرق والمواصلات والمواني وإشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة، من اجل تحقيق هدف الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري، والطبي والمدني كصناعة السيارات والصلب والتكنلوجيا كتقنية "النانو"، وصولاً إلى الفضاء وفي مجالات اقتصادية أخرى.

لكن التطور الاقتصادي في إيران سار في طريقه إلى الإمام رغم وجود بعض الموانع والعقبات مثل المقاطعة الاقتصادية وحرب الثمانية أعوام التي كان نظام العراقي السابق قد فرضها ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث كانت تلك الحرب الظالمة قد تسببت في خسارة قدرت بـ 1000 مليار دولار أو ما يعادل نفقات البلاد على مدى 70 عاماً.

 

* منجزات عسكرية

لم تقتصر منجزات الثورة في إيران على البعد الثقافي والاجتماعي والسياسي إنما شملت أيضا البعد العسكري حيث شهدت إيران نقلة نوعية على صعيد تطوير الأسلحة لديها لا بل تجاوزت هذه الحقبة رغم الحصار وغاصت في صناعة الأسلحة كافة بمجهودها الذاتي كصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الاصطناعية وصناعة المدرعات والسفن الحربية والمقاتلات الجوية، بالإضافة إلى صناعة الرادارات والدفاعات الجوية وصولاً إلى امتلاك تقنية التشويش الاليكتروني المتطورة، لتصل الجمهورية الإسلامية بفضل ثورتها الصادقة إلى مرحلة الجهوزية لخوض الحروب الاليكترونية وعلى نطاق واسع ومثال على ذلك عملية السيطرة وإنزال الطائرة الأميركية التجسسية RQ170.

والآن الجمهورية الإسلامية في إيران، إيمانا منها بمبادئ ثورتها وأهدافها النبيلة، تعد نفسها لمقارعة الدول الكبرى في حرب النجوم وخير دليل على ذلك الوتيرة الزمنية المتسارعة لإطلاق الأقمار الاصطناعية على اختلاف أنواعها ومهامها إلى الفضاء في برنامج يشهد تطورا مضطردا وصولاً إلى إرسال أول رائد فضاء إيراني إلى سطح القمر بحلول عام 2020.

إبراهيم عبد الله