كتب الإعلامي اللبناني البارز علي شهاب في مقال بصحيفة "السفير" نشرته اليوم الجمعة، قائلا: ما إن أنهى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله كلمته في «يوم الجريح» المقاوم (12 أيار) ، حتى رفع مصطفى بدر الدين «ذو الفقار» سماعة الهاتف الداخلي، معربا لـ«السيد» عن تأثره الشخصي بالكلمة، وخصوصا حين دمعت عينا الأمين العام وخنقته عبراته، بعدما استذكر أبا الفضل العباس؛ شقيق الإمام الحسين عليهما السلام .

أفاض «ذو الفقار» في الاتصال بالكلام الوجداني، وهو المقاوم الذي يحمل علامة جرح في ساقه منذ ريعان شبابه ، لكأنه كان يودّع الأمين العام في تلك الليلة ، في اتصال كان الأخير بينهما .

اليوم ، يترقب جمهور المقاومة وأعداؤها على حد سواء، إطلالة السيد نصرالله في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد القائد العسكري للمقاومة في سوريا مصطفى بدر الدين («ذو الفقار»).

هو موعد ليس للرثاء ، وحسب ولا لتعداد إنجازات تحتاج إلى مجلدات . جمهور «حزب الله» ينتظر من «السيد» أن يميط اللثام عن الكثير من الملابسات التي أحاطت بشهادة بدر الدين في هذا التوقيت الحساس، وما رافقها من ظروف فهمها البعض إرباكا في لحظة ما، قبل أن يقدم بيان الحزب الرواية الرسمية العامة، من دون أن يضع حدا للتحليلات والتأويلات والشائعات.

ولئن كان متوقعا أن يتطرق نصرالله إلى الظروف التي واكبت الإعلان عن الخبر وطبيعة ما حصل ولو من ضمن الخطوط العامة، فإن الأهم ما سيكشفه من محطات في تاريخ «ذو الفقار» ، بما يوفي هذه الشخصية الاستثنائية بعضا من حقها في وجه حملات التشويه و«الشيطنة» المتواصلة لها، فضلا عن السياق الذي سيتناوله الخطاب لناحية توقيت الحدث وحجمه في الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات.

وبعد مرور اسبوع على شهادة بدر الدين، يمكن لأي مراقب أن يلحظ نوايا «الشيطنة» في طيات معظم ما كتب ونُشر، ومنها الآتي:

  • أولا، قيل أن الاستهداف تم بناءً على معلومات استخبارية هائلة الدقة:

لا يوجد أي دليل على صحة هذا الادعاء. بل إن المكان الذي كان يتواجد فيه بدر الدين يدحض بقوة هذه النظرية. ومن المعلوم أن تلك المنطقة القريبة من مطار دمشق تتعرض بشكل دائم لقصف مدفعي من المجموعات المسلحة. أما عن سبب إصرار بدر الدين على النزول في هذا المكان تحديدا، فهو عائد لموقعه الجغرافي الذي يسهل عليه التواصل والانتقال إلى محطات أخرى، مع الإشارة إلى أن التركيز على الإيحاء بأن العملية ناجمة عن تخطيط محترف هدفه الإشارة إلى مسؤولية جهات كبرى، وهو ما لا يخفيه «حزب الله» عادة كما حصل في السابق حين كان يشير صراحة بإصبع الاتهام إلى المسؤول مباشرة عن الاغتيال، خصوصا أنه يمتلك خيارات كثيرة للرد في التوقيت والبقعة الجغرافية وفقا لما يراه مناسبا، وبالتالي فإن الكلام عن أن الحزب يخشى اتهام «إسرائيل» لا يعدو كونه خروجا عن أدبيات المقاومة وأخلاقياتها، وهذا ما ستجيب عنه كلمة السيد نصرالله اليوم.

  • ثانيا، قيل إن الاستهداف حصل بغارة جوية أو صاروخ مجنح دقيق التوجيه:

السؤال المطروح هو أية غارة جوية تلك التي تحافظ على معالم المكان بعد وقوعها؟

 لقد ذهبت بعض التحليلات التي تبنت هذه الرواية إلى القول بأن الغارة شبيهة بالغارة التي استهدفت الشهيد سمير القنطار، علما انه تم نشر صور مكان الغارة في الإعلام السوري. ولعل نشر صور من المكان الذي كان يتواجد فيه بدر الدين كفيل بدحض هذه الرواية، فضلا عن غياب أية وثيقة مصورة تثبت صحتها حتى الساعة.

  • ثالثا، قيل إن نوع القذيفة (أو القذائف) التي سقطت على المكان وتحديد مسار سقوطها من شأنه أن يكشف الجهة المسؤولة:

بطبيعة الحال، هذا الأمر يخضع لحسابات ميدانية لا يمتلك احد حق الإجابة عنها سوى قيادة المقاومة ، خصوصا أن ليس كل ما بحوزة الحزب من معطيات عسكرية أو أمنية يمكن أن يكون صالحا للنشر بصورة دائمة. وهذا لا يتقاطع بأي شكل من الأشكال مع مسألة اتهام «إسرائيل» بشكل مباشر لو ثبت لدى المقاومة أنها الفاعل.

  • رابعا، قيل إن لدى «حزب الله» مخاوف من أن اختراقا أمنيا «إسرائيليا» أدى إلى اغتيال بدر الدين :

تم تداول هذه الفرضية من دون تقديم دليل واحد على صحتها أو ارجحيتها . الرد على اغتيال الكوادر هو احد الخطوط الرئيسية في عمل المقاومة، لا من خلفية ثأرية، بل من منطلق علمي وجهادي وعقائدي وأخلاقي؛ إذ أن عدم الرد من شأنه إضعاف معنويات الجسم والإيحاء بأنه مكشوف أمنيا، فضلا عن أنه يعطي حافزا لأعداء المقاومة لتنفيذ المزيد من الاغتيالات. وأي فرضية من هذا النوع ستحظى أولا بالتمحيص لناحية «البصمة» في التنفيذ. والمقاومة تمتلك سجلا حافلا في تقفي الأثر «الإسرائيلي» . لذلك، لم يستبعد «حزب الله» بطبيعة الحال هذه الفرضية في اللحظات الأولى لورود الخبر، غير أن ظروف الحادثة، وما أعلنه رسميا، وما سيعلنه أمينه العام كفيل ببت حقيقة ما جرى.

  • خامسا، قيل إن مصطفى بدر الدين كان مشاركا في اجتماع قيادي حضره قائد «فيلق القدس» في "الحرس الثوري الإيراني" الجنرال قاسم سليماني:

تم تداول هذه الرواية على أنها محسومة وأن نتائج الحادثة كانت ستكون «كارثية» على «حزب الله» وإيران وسوريا لو أن سليماني كان حاضرا لحظة القصف. بحسب هذه الرواية، فإن القصف حصل بناءً على معلومات استخبارية دقيقة نتيجة اختراق إسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى استهداف بدر الدين وحده من بين الحاضرين، لكن المقصود كان شخصا آخر!

بكلمات أخرى، يراد من التداول بهذه الرواية القول بأن المقاومة وإيران وسوريا نجوا جميعاً من ضربة تفوق بحجمها ما حصل، لولا أن «القذيفة الذكية»، وفق الروايات أعلاه، لم تصب سوى بدر الدين!

الغاية من تركيز البحث في هذه النقطة إثارة البلبلة وقلق الرأي العام، فضلا عن أنها تشكل بحد ذاتها طعمًا يهدف لجس النبض وجمع المعلومات تلجأ إليه جهات استخبارية معنية، علما انه لا يخفى على أحد أن تنسيقا عاليا يقوم بين قيادة «الحرس الثوري» في سوريا عبر الجنرال سليماني وبين قيادة «حزب الله» التي يمثلها «ذو الفقار» ، ومن الطبيعي أن تشهد العلاقة بينهما تواصلا شبه يومي. ومن الطبيعي أن يكون سليماني أول من رأي جثمان بدر الدين ومن بين أول من حضروا إلى المكان لمعاينة ما حصل، وفق رواية أحد المعنيين.

  • سادسا، تم تحميل بدر الدين المهام التالية في الوقت نفسه: هو القائد العسكري لـ «حزب الله»، وهو المسؤول عن حماية الرئيس بشار الأسد، وهو المسؤول عن كامل الوحدات العسكرية والأمنية للحزب خارج لبنان!

طوال أكثر من 30 عاما، جهدت «إسرائيل» في دراسة وفهم «حزب الله» لتخلص إلى انه يعمل وفق تشكيلات وهيكليات مؤسساتية ومنظومة قادرة على إنتاج أجيال جديدة تكمل العمل، حتى أن معظم المحللين «الإسرائيليين» لا يتوانون عن القول، قبل الالتزام بما تطلبه الرقابة العسكرية، عقب أي حادثة شبيهة بما حصل مع السيد «ذو الفقار»، أن الحزب سيستجمع قواه في وقت قصير ويتابع ما يقوم به، ذلك أن هذه السمة صارت معروفة في الوعي الأمني والعسكري الإسرائيلي.

ومع الأهمية الكبيرة لبدر الدين كشخصية قيادية استثنائية، إلا أن تاريخ المقاومة غير المحكي يصنعه عشرات الآلاف بدءًا من أصغر عنصر في الكشافة أو التعبئة إلى منصب الأمين العام.