1. من الملاحظ ان خطاباتكم وبياناتكم قلما تخلوا من التذكير بالقضية المهمة في الشارع الإسلامي وهي القضية الفلسطينية وبالتالي فانتم ملمون بالقضية الفلسطينية منذ بدايتها نرجو منكم توضيحا مقتضبا عن نشأة الكيان الصهيوني ؟

أساسها هو أن حفنة من اليهود المتنفذين في العالم راودتهم فكرة تأسيس وطن مستقل لليهود، وقد استغلت الحكومة البريطانية هذه الفكرة من أجل حل مشكلتها. وكان اليهود قبل ذلك يفكرون في التوجه إلى أوغندا وتأسيس وطن قومي لهم هناك. وفي وقت آخر كانوا يفكّرون في تأسيس وطن لهم في طرابلس عاصمة ليبيا، وتقدّموا بطلبهم ذاك إلى الإيطاليين الذين كانوا يحتلون طرابلس في حينها، إلاّ أن الإيطاليين رفضوا طلبهم. وفي ختام المطاف اتفقوا على هذه الغاية مع الإنجليز الذين كانت لهم في ذلك الوقت أغراض استعمارية خطيرة للغاية في الشرق الأوسط، ورأى الانجليز حينذاك أن من المفيد بالنسـبة لهم استقـدامهم إلى المنطقة كأقليـة في أول الأمـر ثم يزدادون تدريجياً ويتخذون لهم بقعة من الأرض في موقع حساس ـ لأن فلسطين تقع في منطقة حساسة ـ ثم يقيموا لهم دولة فيها لتصبح في المستقبل حليفاً لبريطـانيا وتحول دون ظهور اتحاد بين دول العالـم الإسـلامي وخاصة بين الدول العربية في المنطقة. صحيح أن الآخرين إذا كانوا واعين يصبح العدو سبباً لاتحادهم، غير أن العدو الذي يتلقّى كل هذا الدعم الخارجي يستطيع بث بذور الاختلاف والفرقة بواسطة أساليبه الجاسوسية وغيرها من الأساليب الأخرى. وهذا هو ما فعله تماماً؛ فهو يقترب من جهة ويضرب الجـهة الأخرى، وينكل بجهة ثالثـة، ويَغير على جهة رابعة.

وخلاصة القول هي أنهم تلقوا الدعم من بريطانيا بالدرجة الأولى، وبعض الدول الغربية الأخرى، ثم إنهم انفصلوا تدريجياً عن بريطانيا وارتبطوا بأمريكا، وقد احتضنتهم أمريكا تحت جناحها حتى وقتنا الحاضر. لقد جاءوا واحتلوا أرض فلسطين وأوجدوا لهم دولة بهذه الصورة. وكان الأسلوب الذي اتبعوه لبسط سلطتهم على هذه الأرض هو أنهم لم يأتوا في بداية الأمر عن طريق الحرب وإنّما جاءوا عن طريق الحيلة، وعملوا على شراء الأراضي الفلسطينية الواسعة الخصبة التي كان الفلاحون والمزارعون العرب يعملون فيها، بأسعار مضاعفة من مُلاكها ـ الذين كانوا يعيشون في أمريكا وأوربا ـ وكانوا يترقّبون مثل هذه الفرصة، فسارعوا إلى بيع أراضيهم لليهود. وكان لهم سماسرة طبعاً ساعدوهم على شراء تلك الأراضي، حيث يُنقل أن أحد سماسرتهم كان السيد ضيـاء شريك رضا في انقلاب عام 9921[هـ ش] الذي ذهب من إيران إلى هناك وعمل كسمسار لشراء الأراضي من المسلمين لليهود والإسرائيليين. وما أن أصبحت تلك الأراضي ملكاً لهم حتى عملوا تدريجياً على إخراج المزارعين منها بأساليب وحشية وقاسية، كالضرب والقتل. وعملوا حينذاك على استمالة الرأي العـام العـالمي إلى جانبهم بأساليـب الكذب والتضليل.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

2. كيف يمكن دعم القضية الفلسطينية وصمود إخواننا المسلمين هناك ؟

 

من الإجراءات المهمة التي يبدو لي قدرة الدول العربية ــ المصدرة للنفط ــ اتخاذها هي استخدام النفط، وليس صحيحاً ما روّج له الغربيون في العالم أن لا تستخدموا سلاح النفط، فلقد استخدم الأمريكان القمح والمنتوجات الغذائية سلاحاً، وكذا يُفعل في الكثير من بلدان العالم؛ فلماذا تحرم البلدان الإسلامية والعربية من هذا الحق؟! فليقطعوا النفط لمدة شهر واحد ولو رمزياً عن الدول التي تجمعها علاقات ودّية مع إسرائيل، فما تتمتع به الدنيا من حركة في مصانعها بعناصرها الثلاثة الطاقة الضوئية والكهربائية والحرارية إنما هي من نفطنا، فلو لم يصلهم نفطنا لتوقفت حركة مصانعهم ومصادرهم الضوئية والحرارية، أَوَ قليل هذا؟! فلتبادر الحكومات العربية لذلك من أجل مصلحتها، وليفعلوا ذلك لمدة شهر واحد وليس على الدوام وبصورة رمزية دعماً للشعب الفلسطيني، سيهتز العالم حينها؛ وهذا من الإجراءات التي بوسعهم اتخاذها.

الإجراء الآخر الذي بوسعهم اتخاذه هو قطع كافة العلاقات والمعاهدات السياسية والاقتصادية التي تربطهم بالدويلة الصهيونية وإيقاف التعاون معها، وبذلك سيعم السرور الشعوب العربية وستقف خلف الحكومات التي تقدم على هذا الإجراء الشجاع، وذاك ما تصبو إليه الشعوب. والويل لتلك الحكومة التي يعلم شعبها أنها تقيم علاقات سرية أمنية وغيرها مع إسرائيل!

إن الحكومات الإسلامية تتحمل المسؤولية أيضاً، ومسؤوليتها ليست أقل وطأً من الحكومات العربية، فالقضية ليست عربية فقط بل هي أوسع مدى، فهي قضية إنسانية وإسلامية، والحكومات الإسلامية تمتلك القدرات النفطية وما شابهها وبإمكانها القيام بمثل ذلك؛ وإن مؤتمر وزراء الخارجية في ماليزيا لم يكن مؤتمراً ناجحاً، وإنهم ــ بطبيعة الحال ــ قد عبروا عن مواقفهم وأثبتوا وجودهم لكن ذلك كان ضعيفاً، فكان عليهم المبادرة لما هو أقوى منه؛ إذ كان على الحكومات والدول الإسلامية اتخاذ إجراء أقوى مما اتخذوا وهم يشاهدون المحنة التي يعانيها أخوتهم المسلمون.

وللشعوب القدرة على التأثير والمشاركة في هذه القضية، والشعوب الإسلامية بمقدورها تقديم العون المالي للفلسطينيين، فذلك لا يقتصر على الحكومات بحيث تقول حكومة: لقد سددت عشرة ملايين دولار، وأخرى عشرين مليون، وأخرى خمسين مليون، وليس واضحاً أين وكيف سددوها وإلى من أعطوها، والشعب الفلسطيني بحاجة الآن إلى الغذاء والدواء، وهو ليس بمتسول، بل سيد رازح تحت سلطة العدو، والجميع مكلفون بإعانته، فافترضوا أن كل فرد من أبناء العالم الإسلامي ــ في بلدنا وسائر البلدان ــ يتبرع بألف تومان فقط للشعب الفلسطيني فسترون ماذا سيحصل، وأي تأثير سيتركه مبلغ ألف مليار تومان على حياة الشعب الفلسطيني!

لتساهم كل عائلة حسب أفرادها بألف تومان في هذا العمل الخيري ــ وهذا هو الحد الأدنى، ومن أراد أن يعطي المزيد فليعطِ ــ وإيصالها إلى الشعب الفلسطيني لتوفير الطعام والدواء والإمكانيات الضرورية للصمود والمقاومة، وهذا ما يسع الشعوب القيام به، ولا داعي لأن تعلن الحكومة الفلانية أنها تعطي هذا المقدار، ما هو مقداره وكيف تمنحه، تعطيه أو لا تعطيه، وقد تتعرض لتهديد إحدى الدول الكبرى. كلا، فلتساهم الشعوب في هذا الأمر. فما الذي بوسعهم القيام به تجاه الشعوب؟! وإذا رغب أبناء شعبنا في المبادرة إلى هذا الإجراء فبإمكانهم جمع هذه الآلاف من التومانات في مراكز الإغاثة من قبل الهلال الأحمر ولجنة الإمام للإغاثة وغيرها حتى تتحول إلى مبلغ طائل بوسعه إعانة الشعب الفلسطيني.

والأسمى من العون المادي هو العون المعنوي، إذ الشعب الفلسطيني يشعر بأن قلوب الشعوب معه؛ فالتظاهرات التي عمت العالم الإسلامي هذه الأيام في غاية الاهمية، وأن المسيرة التي ستقومون بها حتى ساحة فلسطين ومقابل السفارة الفلسطينية لهي خطوة ثمينة للغاية، فحينما تنعكس أخبارها يشعر الشعب الفلسطيني المظلوم بوقوف الشعوب خلفه، وان شعبنا لم يتوانَ أبداً في هذا المجال ــ والحمد لله ــ فحيثما صدرت دعوة تخص هذه القضية سجل حضوره وأعلن موقفه.

وأخيراً، على المحافل الدولية والأمم المتحدة أن تتحرك، وعلى منظمات حقوق الإنسان التي طالماً أو غالباً ما تخدم الأهداف الاستكبارية التدخل ــ خلافاً لإرادة الدوائر الاستكبارية ــ لصالح الشعوب ولو مرة واحدة، وتستقطب الرأي العام العالمي نحوها في إدانة الظالم المعتدي وتأييد الشعب الفلسطيني المظلوم، فإذا ما مورست هذه الضغوط سيتحقق عملياً المشروع الذي تطرحه إيران بشأن القضية الفلسطينية وسيصبح العدو مرغماً عليه.

وإذا ما تحركت الحكومات العربية والإسلامية وتحرك المسلمون والمحافل الدولية في هذا الاتجاه صار هذا الإجراء عملياً، ومن المسلّم به أن من يتقاعس في هذا المجال سيكون مؤاخذاً ومسؤولاً أمام الشعوب والتاريخ، وأدهى من ذلك أمام الله سبحانه وتعالى، فكلنا نتحمل المسؤولية.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

3. من الواضح ان الصهاينة استطاعوا تحقيق نجاحات متعددة من اجل تكريس وجودهم في فلسطين فقد اسسو دولة واخترقوا الكثير من حكومات المنطقة وصار العالم يهابهم فما هي تلك الاساليب الشيطانية التي اتبعوها من اجل الوصول الى مآربهم الشيطانية ؟

 

لقد قام التسلط الصهيوني الغاصب على فلسطين، على ثلاثة أسس، هي:

أولاً: استخدام اسلوب الشدّة والقسوة مع العرب، حيث اتسّم اسلوب تعاملهم مع أصحاب الأرض الأصليين بالعنف والهمجية، وبعيداً عن كل أساليب اللين والمرونة.

ثانياً: الكذب على الرأي العام العالمي، وقد اتخذ اسلوب الكذب هذا طابعاً مثيراً للدهشة. ومارسوا أساليب الكذب والتضليل قبل اغتصابهم لأرض فلسطين وبعده، حتى أن الكثير من الرأسماليين اليهود صدقوا تلك الأكاذيب، بل إنهم خدعوا بها أشخاصاً كالكاتب والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي “جان بول سارتر” الذي كُنا في أيام شبابنا ولهين به وبأمثاله؛ فهذا الفيلسوف ألّف كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة كتب فيه “شعب بلا أرض، وأرض بلا شعب”. أي أن اليهود كانوا شعباً بلا أرض وجاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب. كيف يدعي أنها كانت أرض بلا شعب؟ بل كان فيها شعب يسكن ويعمل، وهناك شواهد كثيرة تثبت هذا الرأي. فقد ذكر أحد الكتاب الأجانب أن أراضي فلسطين كانت تغطّيها مروج خضراء على امتداد البصر من مزارع الحنطة. فكيف يزعم أنها أرض بلا شعب؟! لقد صوّروا للعالم وكأن فلسطين كانت أرضاً بائرة وبائسة ومهجورة، وهم جاءوا وعمرّوها. هذا هو الكذب على الرأي العام.

حاولت تلك الجماعة أن تصور نفسها على الدوام وكأنّها مظلومة، ولازالت تتبع هذا الاسلوب في الوقت الحاضر. فالمجلات الأمريكية مثل مجلتي “التايم” أو “نيوزويك” اللتين أراجعهما في بعض الأحيان، إذا وقعت أدنى حادثة لعائلة يهودية، تسارع إلى نشر صور وتفاصيل وعمر القتيل وتضخّم مظلومية أطفاله، ولكنها لا تشير حتى بأدنى أشارة إلى مئات وآلاف المآسي والمصائب التي تحل بالشباب الفلسطينيين، والعوائل الفلسطينية، والأطفال الفلسطينيين، والنساء الفلسطينيّات في داخل الأرض المحتلّة وفي لبنان!

ثالثاً: اسلوب الاتصالات وتكوين العلاقات والتواطؤ وممارسة الضغوط، وهو ما يسمونه باللوبي. ويقوم هذا الاسلوب على مبدأ الاتصال والتفاوض مع الساسة والمثقفين والكتاب والشعراء واستمالتهم إلى جانبهم والتواطؤ معهم. وهذه هي الأساليب الثلاثة التي استطاعوا بواسطتها الاستيلاء على هذا البلد.

وفضلاً عن كل ذلك فقد وقفت القوى الأجنبية إلى جانبهم؛ وأهم تلك القوى هي بريطانيا والأمم المتحدة. وقبل الأمم المتحدة عصبة الأمم التي أنشئت بعد الحرب لإقرار ما يُسمى بقضايا السلام. وحصل الصهاينة دوماً على دعم تلك القوى، إلاّ في حالات معدودة. ففي عام 1948 أصدرت عصبة الأمم قراراً قسّمت بموجبه فلسطين بدون أي سبب، وأعطت لليهود سبعة وخمسين بالمائة من أرض فلسطين، في حين لم يكن لهم قبل ذلك التاريخ سوى خمسة بالمائة منها. ثم إنهم أقاموا دولة هناك وأخذوا يشنون الهجمات على القرى والمدن والبيوت وعلى المواطنين العزّل الأبرياء. إضافة إلى أن الدول العربية قصّرت بعض الشيء. ثم وقعت بعد ذلك عدة حروب؛ ففي حرب 1967 استطاع الإسرائيليون أن يحتلوا بمساعدة أمريكا والدول الأخرى مساحات من أراضي مصر وسوريا والأردن. وبعد حرب عام 1973 استطاعوا بمساعدة تلك القوى أن يكسبوا نتيجة الحرب لصالحهم ويستحوذوا على أراضٍ أخرى.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

4. ما هي بنظركم اكبر خيانة ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني وبماذا تجيبون من يعتبر القضية الفلسطينية شأنا فلسطينيا خاصا يجب حله بيد الفلسطينيين وحدهم ؟

إنّ الخيانة التي يرتكبها الذين يمارسون هذا العمل باسم الفلسطينيين أسوء وأبشع وأنكى من جميع الخيانات التي اقترفت ضد فلسطين حتّى يومنا هذا! ولم يقدّموا للشعب الفلسطيـني شيئاً ولن يستطـيعوا أن يقدّموا له أي شيء. وقد كتب كاتب فلسطيني عربي مقيم في أمريكا أن جماعة عرفات لـم تتمكن إلى الآن من جمع القمامة من شوارع مدينة غزة، لكنهم استطاعـوا خلال هـذه المـدّة إيجـاد خمـسة أجهـزة أمنية ومخـابراتية أخذت تمارس نشاطها في التجسس على أبناء الشعب! فهل هذه هي الدولة الفلسطينية؟ وهل هذه هي عودة الشعب الفلسطينـي؟ وهـل هذا هـو احقـاق حقوق الفلسطيـنيين؟ إنهم عديمـو الحـياء إلـى هذا الحد!

لقد قلتُ عندما دخل هذا الشخص في أول مباحثات له مع الإسرائيليين، إنه شخص خائن وأحمق؛ فهو لو كان خائناً ولكنه عاقل، لقام بعمل أفضل من ذلك! وأنا لا أدري على وجه الدقّة ولكنني أحدس أن الأمريكيين وأجهزة التجسس الإسرائيلية تستغل نقاط ضعفهم؛ فهم يعانون من نقاط ضعف كثيرة، ومنغمسون في حب الدنيا. فحينما ينعدم الدين، تجري الأمور على هذه الشاكلة، والله وحده يعلم بمدى المشاكل التي تورطوا فيها مالياً وسلوكياً وأخلاقياً طوال هذه السنوات التي مضت، ويبدو أن أولئك [الأمريكيين والإسرائيليين] قد ركزوا على نقاط الضعف هذه. ومن جهة أخرى فإن الإعياء والتوقف عند منتصف الطريق والتراجع عن الأهداف هو الذي أدى بهم إلى الوقوع في هذه الورطة الرهيبة، وهذا المستنقع المهلـك، وهذا الشقـاء، وهـذه اللعنة الأبدية. فهل تتصورون بوجود شخص فلسطيني لا يلعنهم مـن أعماق قلبه، إلاّ أن يكون في عداد جلاوزتهم، وشريك لهـم في المصالـح؟ يوجد بين أربعة إلى خمسة ملايين فلسطيني مشرّد خارج أرضه، وحوالي ثلاثة ملايين يعيشون داخل الأرض المحتلّة، وهـؤلاء يجـب أن يؤخذ رأيهم حول فلسطين بنظر الاعتبار؛ فهؤلاء قبضاتهم مشدودة وقلوبهم مليئة غيضاً.

  هذه التحـديات كنـت قد عرضتها عـلى بعض الدول العـربية منذ عهد رئاسـتي للجمـهورية، وأَثَرتُ هـذه الأمـور أمامها، إلاّ أن حكومـات تلك الدول كانت تقول إننا لسنا فلسطيـنيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، ويجب القبول بما يريدونه هم. وطبعاً لم تكن مفاوضات السلام مطروحة حينها على هذه الصورة، إلاّ أن معالمها كانت تلوح في الأفق.

أجل، إن القضية الفلسطينية تمثل أولاً قضية العالم الإسلامي. وفضلاً عمّا فيها من جوانب أمنية وسياسية واقتصادية، فهي قضية تكليف إسلامي، والأهم من كل ذلك هو أنّها قضية إلهية. أمّا إذا كان الشخص لا يؤمن بالله ويريد العمل من أجل الشعب الفلسطيني فقط يجب عليه الامتثال لإرادة الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني اليوم هم أولئك المعتقلون في سجون الكيان الغاصب، والعشرات من أمثالهم الذين يردّدون الهتافات وينفّذون العمليات ضد إسرائيل في المسجد الأقصى وفي الأسواق والشوارع وفي كل أرجاء الأرض السليبة. وإذا كانت هناك أقلية صغيرة دفعتها الأطماع إلى الدخول في مفاوضات التساوم فهي لا تمثل الشعب الفلسطيني كي نقول إننا لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم. لازلت أتذكر أن هذا الكلام قالته قبل أربع عشر سنة دولة عربية ـپپلا أودّ ذكر اسمها ـ لم يكن يبدو إنها آيلة إلى الفســاد بسبب ما لهم من ماضٍ ثوري، وشعرتُ منذ ذلك الوقت إنها أخـذت في الانحراف، ثم أخذ انحرافها يتجلى أكثر فأكثر. ولا أريد الإشارة هنا إلى خصائصها الأخرى.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

5. ما هو الفارق بين شعار السلام الذي يرفع اليوم لحل القضية الاسلامية في فلسطين وشعار السلام الذي ترفعونه انتم حيث تنادون بالسلام ايضا ؟

 

إن من جملة الأساليب التي يستخدمها الصهاينة وحماتهم وعلى رأسهم أمريكا، هو استغلال مصطلح “السلام” الجميل. فهم يدعون إلى السلام ويشيدون به كثيراً. ولكن أين هو السلام، ومع من؟ فالذي يدخل دارك بالعنف ويضربك وينكل بزوجتك وأطفالك ويحتل غرفتين ونصف من مجموع الغرف الثلاثة التي في دارك، ثم يتوجّه إليك باللوم على معارضته أو التشكّي منه، ويدعوك إلى التصالح معه وإقرار السلام. فهل هذا سلام؟ السلام هو أن يخرج المحـتل من الدار المغصـوبة وإذا بقـيت بين الجانبين حرب، يمكن التصالح بعدئذ. أما إذا بقي الغاصب جاثماً في الدار وبعد كل الجرائم التي ارتكبها، ولو كان بمقدوره لما تورّع عن أية جريمة أخرى؛ فها هو العدو الصهيوني يهاجم في كل يوم جنوب لبنان، وهو لا يغير على المقاتلين اللبنانيين، وإنما يستهدف قراه ومدارسه، كما حدث قبل عدّة أيام حين هجم على مدرسة هناك وقتل عدداً من الأطفال؛ وهؤلاء لم يحملوا السلام ولم يقوموا بأي عمل عسكري. ولكن هذه هي طبائع المعتدي. فالصهاينة حينما دخلوا لبنان ارتكبوا فيها المجازر، وهكذا فعلوا أيضاً في دير ياسين وغيرها من الأماكن الأخرى، وقتلوا أناساً لم يقوموا بأي عمل ضدّهم، أو أن أولئك الضحايا على الأقل لم يقوموا بأي عمل ضدهم. إلاّ أن الشباب العربي الغيارى هبّوا لمحاربتهم بسبب احتلالهم لأرضهم وما ارتكبوه من أعمال اجرامية. أما الناس الذين لاقوا كل ذلك الاضطهاد والظلم منهم وذبحوهم وأخـرجوهم مـن ديـارهم ومـزارعهم فإنهم لـم يكـونـوا قـد مارسـوا أي عمل عسكري ضدّهم. ومعنى هذا أن طبيعة هذا النظام طبيعة عدوانية.

لقد أقيم الكيان الصهيوني أساساً على العنف والقهر والقسوة، وبدون هذه الأساليب لم ولن يكون قادراً على البقاء. فأي سلام هذا الذي يدعون إليه؟ إذا اقتنعوا بحقّهم وأعادوا فلسطين إلى أصحابها وذهبوا على سبيل حالهم، أو استأذنوا من الحكومة الفلسطينية بالعيش على هذه الأرض، كلهم أو بعضهم، فلن يحاربهم أحد. أما الحرب الحالية فهي لأنهم اقتحموا دار غيرهم واستولوا عليها بالعنف وشرّدوا منها أهلها ولازالوا يضطهدونهم ويمارسون عدوانهم ضد دول المنطقة ويشكلون تهديداً لها. وعلى هذا فهم يدعون الى السلام من أجل اتخاذه كمقدمة لعدوان لاحق يشنّونه على نحو آخر.

  من جملة الأمور المطروحة في الوقت الحاضر من أجل وضع القضية الفلسطينية في أدراج النسيان والحيلولة دون تداولها على صعيد الرأي العام للأمة الإسلامية هي المباحثات المسماة بمباحثات السلام الجارية حالياً بين فئة من الفلسطينيين ـ وهم عرفات وجماعته ـ وبين الإسرائيليين؛ أي موضوع المساومة وما يسمى بإدارة الحكم الذاتي الفلسطيني وما شابه ذلك من هذه المزاعم. وهذه بحد ذاتها واحدة من أقبح ألوان الخداع والتضليل الإسرائيلي التي وقع في حبائلها وللأسف عدد من المسلمين وعدد من الفلسطينيين أنفسهم. فمن جملة الأمور التي يتحدثون عنها في الوقت الحاضر هي المباحثات الجارية بين هذه الجماعة وقادة إسرائيل، وهي واحدة من أقبح وأبشع تلك الأساليب؛ وذلك لأن التعهدات الإسرائيلية التي قدّموها في آخر مباحثات لهم ـ وهي مباحثات (واي ريفر ـ 2)، على حد تعبيرهم ـ لو تحققت بأجمعها فلن تنال هذه الجماعة الفلسطينية المسكينة سوى أكثر قليلاً من أربعة بالمائة من مجموع الأرض الفلسطينية. أي أن الأرض الفلسطينية التي تعود كلها للشعب الفلسطيني، يقدّمون له أربعة بالمائة منها. وهذه الأربعة بالمائة ليست كلها مجتمعة في مكان واحد، وإنما تتألف من حوالي عشرة مواضع متفرقة، يقدّمونها لجماعة سوداء الوجه دعوها لتشكيل حكومة على تلك الأرض، ولكنهم لم يسمحوا لها بممارسة مهامّها كحكومة، وإنّما استخدموهم ضد الفلسطينيين لكي لا يقوموا بعمل مضاد لإسرائيل في تلك المناطق. أي أنهم قدّموا لهم مساحة صغيرة ومحدودة ومتفّرقة وغير قابلة للإدارة وبشكل ناقص ليقيموا عليها دولة، ويجب عليهم مقابل ذلك القيام بواجبات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضد المناضلين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، هذا فضلاً عن الدور الذي تمارسه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نفسها هناك. فهل هناك خيانة أسوأ من هذه؟!

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

6. لقد مضى على الاحتلال الصهيوني الغاشم للارض الاسلامية في فلسطين اكثر من نصف قرن وما زالت القضية لم تحل بل كلما بدأت  مسيرة سياسية ما لحل القضية نراها تتعثر ثم تتوقف  فما هو الحل الذي ترونه عادلا خاصة وان الدول العربية والاسلامية اما انها لا تريد ان تتحمل الصعوبات او انه لا يسمح لها بمزاولة النشاط المطلوب لحل القضية ؟

 

لا توجد قوة في العالم بوسعها إخماد شعلة الحرية ولهيب عودة فلسطين إلى أصحابها الأصليين في نفس كل العالم وفي صدور الشعوب الإسلامية، ولاسيما في صدر الشعب الفلسطيني، وليس هناك سوى طريق واحد للحل، ونحن نقول لأولئك الذين يعتبرون مشكلة الشرق الأوسط أزمة دولية ويقولون بأنه لابد من السعي للتغلب على أزمة الشرق الأوسط وإنهائها، نقول لهؤلاء جميعاً بأنه لا يوجد سوى طريق واحد وهو استئصال شأفة الأزمة. فما هي جذور هذه الأزمة؟ إنها الكيان الصهيوني المفروض على المنطقة. فما زالت جذور الأزمة لم تقتلع فإن الأزمة ستظل قائمة. إن طريق الحل هو السماح للمشردين الفلسطينيين في لبنان وفي أي مكان آخر بالعودة إلى فلسطين، فليعد الشعب الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين ويهود من أصحاب فلسطين الأصليين إلى بلادهم، ويقوموا بإجراء استفتاء وانتخاب نظام للحكم في فلسطين. إن الغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني هم من المسلمين بالإضافة إلى عدة من اليهود والمسيحيين الذين هم من سكان فلسطين الأصليين والذين كان آباؤهم يعيشون هناك، فليقم هؤلاء بتقرير مصير نظام الحكم في بلادهم، ثم يتخذ هذا النظام قراراً بشأن أولئك الذين احتلّوا فلسطين طوال أربعين أو خمسة وأربعين أو خمسين عاماً، فهل يبقي عليهم، أو يعيدهم من حيث جاؤوا، أو يسكنهم في منطقة أخرى، فهذا كلّه يرتبط بالنظام الجديد الذي يحكم في فلسطين، وهذا هو سبيل حل الأزمة. فمادام هذا الحل لم يُنفّذ، فلن يكون هناك حل عملي آخر، ولن يكون باستطاعة الأمريكيين القيام بشيء آخر مع كل ما لديهم من استعراض للعضلات؛ لقد فعل هؤلاء كل ما كان بوسعهم، وهذه هي النتيجة. وبالطبع فإنهم يشعرون بالسخط والاستياء إزاء أحداث الأسابيع الثلاثة الأخيرة في فلسطين المحتلّة، وحيال ثورة الشباب، وشجاعة الرجال والنساء، وتلك الإرادة القوية والعزم الراسخ الذي أظهره ذلك الشعب المظلوم، فراحوا ينحون باللائمة على هذا وذاك!

إن تلك الاتفاقيات التي عُقدت في «شرم الشيخ» وما إلى ذلك بين الأطراف اللاّمسؤولة في القضية لا جدوى لها ولا تأثير، وستكون مدعاة لخجل المشـاركين فيها والموقعـين عليها، ولن تكون لها أدنى فائدة أو تأثير.

من القضايا المهمة في هذه الأيام ـ وقد جرى الاهتمام بها جيداً في بلدنا والحمد لله ـ هي قضية فلسطين، وخلال هذه الأيام سعى الأصدقاء فأقاموا المؤتمر العالمي لفلسطين بمناسبة ذكرى رحيل الإمام العظيم، وفيه جرت أحاديث ضرورية ومفيدة.

إن قضية فلسطين أهم قضايا العالم الإسلامي، وليس هنالك قضية دولية في العالم الإسلامي تفوقها أهمية لأن استحواذ مغتصبي التراب الفلسطيني ومدينة القدس على هذا الجزء من جسد الأمة الإسلامية يمثل مصدراً للكثير من حالات الضعف والمشاكل في العالم الإسلامي.

إن أمريكا الآن شريكة إسرائيل في إجرامها، وإن الرئيس الأمريكي الذي يصف نفسه بالوسيط يؤكد بكل صلافة ووقاحة أمام العرب والزعماء العرب والمسلمين انحيازه لإسرائيل الغاصبة لأرض فلسطين.

أيّها الإخوة والأخوات، لقد استقرّ جهاد الشعب الفلسطيني اليوم حول محوره الذي يكمن في التزامه الأملُ بتحقيق الانتصار؛ أي ان الشعب قد نزل إلى الساحة؛ وإن إسرائيل كيان لقيط غير شرعي وغاصب، فهؤلاء قد جاؤوا وسلبوا بلداً من أبنائه متوسلين بالقوة والتآمر. وبناءً على هذا فإن أية مفاوضات تقوم على قاعدة الاعتراف بوجود هذا الكيان لا شرعية ولا دوام لها.

لقد أدرك الشعب الفلسطيني الآن جيداً حقيقة الأمر، وعرف أن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها محتلو القدس وأرض فلسطين، والشعب الفلسطيني يعرف أن أية مفاوضات واتفاقيات تبرم ستجلب له الخسران، لذلك فقد اقتحم الميدان. وإن الصراع الذي انطلق به الشعب الفلسطيني الآن ليس صراعاً بين جيش وآخر، كي نتساءل كم يمتلك هذا من الدبابات وكم يمتلك ذاك؟ ومَنِ المتفوق؛ هذا أم ذاك؟ إنه صراع أبدان وأجساد وأرواح أناس لا يرهبهم الموت، وإن كل شاب فدائي يقف أمام الكيان الغاصب فهو يدخل فيهم الرعب بقدر ما يدخله جيش بأكمله، ولم تعد الدبابة والصاروخ ومروحيات الاباتشي تمثل الرد على هذا الإنسان؛ فعندما لا يرهب الموتَ إنسانٌ ـ ولو كان لوحده ـ وتأهّب للتضحية في سبيل الله، وأداءً لواجبه، فهو يمثل أعظم خطر بالنسبة لأهل الدنيا عديمي الإنصاف. ولهذا فإنكم تشاهدون الأمريكيين وعلى أعلى المستويات قد بادروا لاتّخاذ موقفهم في مواجهة هؤلاء الشباب الاستشهاديين.. وإنني أعلنها أن هذه المواقف لا تجدي نفعاً؛ فحب الاستشهاد هذا ليس عاطفياً، بل هو نابع من الإيمان بالإسلام والقيامة والحياة ما بعد الموت، والإسلام أينما قام بمعناه الحقيقي فهنالك خطر يهدد الاستكبار، والاستكبار لا مناص له من دخول الصراع مع الإسلام لفرض هيمنته على فلسطين، والصراع مع الإسلام يعني الصراع مع العالم الإسلامي، وهذا صراع لن يفضي إلى شيء.

إن سبيل الحل للقضية الفلسطينية ليس من شاكلة الحلول القسرية والكاذبة، فالحل الوحيد لقضية فلسطين يتمثل في انتخاب أهل فلسطين الأصليين ـ وليس المهاجرين الغاصبين المحتلين ـ مَنْ كان منهم داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، للنظام الذي يحكم بلادهم، فإن كان الاعتماد على رأي الشعب صحيحاً كما يراه مدّعو الديمقراطية في العالم فإن الشعب الفلسطيني شعبٌ أيضاً وله اتخاذ القرار؛ وإن الكيان الصهييوني المتسلط الآن على التراب الفلسطيني لا يمتلك حقاً يمارسه على هذه الأرض، فهو كيان لقيط مزّيف وصنيع القوى الظالمة؛ وعليه يجب أن لا يطلب من الشعب الفلسطيني الاعتراف به.

من أخطأ في العالم الإسلامي واعترف بهذا الكيان الجائر، فهو بالإضافة إلى وصمة العار التي يلصقها على جبينه يكون قد بادر لفعلٍ لا طائل منه، لأن هذا الكيان لا دوام له، والصهاينة يتوهمون استحواذهم على فلسطين وأنها لهم إلى الأبد! كلا، فليس الأمر كذلك، وإن مصير فلسطين لابد وأن ينتهي يوماً ما بقيام دولة فلسطينية، وفي هذا الدرب تأتي ثورة الشعب الفلسطيني؛ ومسؤولية الشعوب الإسلامية تتمثل في تقليص هذا الفاصل الزمني والعمل على أن يبلغ الشعب الفلسطيني ذلك اليوم.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

7. حسناً، ما هو الآن طريق الحل يا ترى؟

لدينا حل لهذه القضية، وإن ما يطرح من سبل للحل هي ليست سبل حل، فلقد كانت فلسطين القضية المهمة في العالم والشرق الأوسط على مدى الخمسين عاماً الأخيرة، ولغرض إيجاد حل لهذه القضية والمشكلة المهمة طرح مشروعان للحل، أحدهما خاطئ والآخر صحيح؛ أما الخاطئ فهو الدخول في مفاوضات مع هذا الغاصب الذي لا عهد له بالقيم الإنسانية ولا القوانين الدولية ولا يذعن للقرارات التي تصدرها المنظمات الدولية والوصول إلى اتفاق معه. وهذا حل خاطئ بأي صورة يبدو عليها؛ فلقد برهنت إسرائيل عدم التزامها بأي عهد تعطيه، وإذا ما وافقت ووقعت فهي لا تفي بالتزامها، وأقوى وأكبر دليل على هذا الكلام الوضع الحالي في رام الله، فهم الذين جلسوا في أوسلو ووقعوا على الاعتراف رسمياً بالسلطة الفلسطينية، وها هو تعاملهم مع السلطة الفلسطينية والطرف الذي فاوضهم ــ أي ياسر عرفات ــ، انهم لا يلتزمون بعهدهم، فهم يسحقون كل عهد يقدمه الطرف المقابل لهم ويتقدمون خطوة إلى الأمام، وهذه هي طبيعتهم، فهذا حل خاطئ. وإنني إذ أتحدث بهذا إنما لا أعني في خطابي الذين يحاولون الإبقاء على هذه الغدة السرطانية مهما كلف الثمن، فهؤلاء لا يقبلون هذا الكلام ونحن نعرف ذلك، لكنني أوجه خطابي إلى الحكومات العربية والإسلامية وإلى الشعوب الإسلامية والضمائر الحيّة في أرجاء المعمورة، وإنني أتكلم معهم، فهذا الحل يضع لقمة سائغة في فم هذا الغازي لتجعله أكثر مكراً ويكون قادراً على أن يخطو الخطوات اللاحقة، فهذا ليس حلاً؛ وهذه تجربة خمسين عاماً مرت على القضية الفلسطينية، إذ أصدرت الأمم المتحدة القرارات، وبالرغم من مصادقة أمريكا المدافعة عن الصهاينة عليها ظاهرياً، إلا أن هذا الغازي لم يعمل بها ولم يقل له أحد "على عينك حاجب"، فأية مفاوضات يجريها المرء مع مثل هذه الدويلة وهذا الخصم؟! هذا الحل ليس صحيحاً.

ولكن هنالك حلاً منطقياً لهذه القضية تتبناه الضمائر الحية في العالم والمؤمنون بالمفاهيم العالمية المعاصرة، وعليهم القبول به، وهو ما صرحنا به قبل عام ونصف وطرحته حكومة الجمهورية الإسلامية مراراً في المحافل والحوارات الدولية، ونحن نعيده اليوم ونصر عليه، ويتمثل في إجراء استفتاء للشعب الفلسطيني بضمنهم اللاجئون الراغبون منهم في العودة إلى ديارهم ووطنهم، وهذا أمر منطقي حيث يعود الراغبون من اللاجئين في لبنان والأردن والكويت ومصر وسائر البلدان العربية إلى وطنهم وديارهم في فلسطين ــ ولا أقول أن يعاد أحد منهم بالقوة ــ وأولئك الذين كانوا في فلسطين قبل عام 1948 حيث قامت دويلة إسرائيل اللقيطة من مسلمين ومسيحيين ويهود، ومن ثم يجري استفتاء عام يحددون من خلاله النظام الذي يحكم فلسطين، وهذه هي الديمقراطية. أَوَ تصلح الديمقراطية للعالم بأسره لكنها لا تصلح للشعب الفلسطيني؟! وكيف يحق لشعوب العالم التدخل في تقرير مصيرها ولا يحق ذلك للشعب الفلسطيني؟! لا يراود الشك أحداً في أن الكيان المتسلط على فلسطين حالياً إنما جاء بالقوة والمكر والخداع والضغوط؛ فالصهاينة لم يأتوا مسالمين، وإنما جاؤوا تارة بالحيلة والخديعة، وأخرى بقوة السلاح والضغوط؛ لذلك فهو كيان مفروض.

فليُجْمَع الشعب الفلسطيني ويصوّتوا لانتخاب طبيعة النظام الذي يحكم بلادهم، ثم يبتّ ذلك النظام أو تلك الحكومة بشأن الذين قدموا إلى فلسطين بعد عام 1948 أياً كان القرار، فإن قررت لهم البقاء بقوا وإن قررت ترحيلهم رحلوا؛ وفي ذلك رأي الشعب والديمقراطية وحقوق الإنسان وما ينسجم مع المنطق السائد في العالم حالياً. هذا هو الحل الذي يفترض تنفيذه، وإن العدو إذ يرفضه صراحة، هنا يتعين على الأطراف المعنية بالمشكلة تحمل مسؤوليتها سواء الدول العربية أو الإسلامية والمسلمون في أرجاء العالم وبالذات الشعب الفلسطيني وكذلك المحافل الدولية، فلكل مسؤوليته في الاصرار على وجوب تنفيذ هذا الحل المنطقي، ومن السهولة تحقيقه، ولا يقولنّ البعض هذا ضرب من الخيال والأحلام ومتعذر، كلا فهو ممكن؛ فلقد عادت دول بحر البلطيق مستقلة بعد أكثر من أربعين سنة كانت فيها جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق، ودول القوقاز كانت رازحة تحت نير روسيا القيصرية منذ مائة عام أي قبل قيام الاتحاد السوفيتي لكنها نالت الاستقلال؛ فها هي كازاخستان وآذربايجان وجورجيا تعيش مستقلة حالياً. إذن إنه ممكن وليس متعذراً، غاية الأمر أنه يستدعي إرادة وعزيمة وشجاعة وبطولة، ولكن من الذي عليه التحلي بالشجاعة؟! الشعوب أم الحكومات؟! إن الشعوب تمتلك الشجاعة ولا تعرف الخوف وقد عبرت عن أهبتها. إذن فالمسؤولية هنا مسؤولية الحكومات وفي مقدمتها الدول العربية، وإن مؤتمر القمة العربية الذي عقد في بيروت لم يكن مؤتمراً جيداً؛ فقد كان بإمكانهم الخروج بفوائد جمّة من هذا المؤتمر لا تقتصر على الشعب الفلسطيني بل تصب في صالح الحكومات العربية أيضاً، فالحكومات العربية بوسعها الآن الوقوف في المقدمة ونيل مساندة شعوبها؛ فإذا ما حظيت حكومة بمساندة شعبها على صعيد القضية الفلسطينية فلم تعد لأمريكا القدرة على المساس بها ولم تعد ترهب أمريكا ولن ترى ضرورة محاباة أمريكا، فلقد كان بوسع الحكومات العربية الاضطلاع بأعمال إيجابية جمّة على صعيد هذه القضية وبمقدورها العمل أيضاً.

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

8. ما هي النصيحة التي تقدمونها للشباب المجاهد في فلسطين والذين هم اخوة لنا يجب ان ندعمهم ولو بالنصيحة ؟

إنني أناشد الإخوة والأخوات الفلسطينيين: أن واصلوا جهادكم، واستمروا في صمودكم، واعلموا أنه ما من شعب يستطيع الحفاظ على شرفه واسترداد هويته واستقلاله إلاّ بالصمود والنضال. وإن أي شعب لن يكون بوسعه تحقيق أي إنجاز عن طريق التصاغر والانحناء أمام العدو، فالعدو لا يمنح شيئاً بوسيلة الضعة والتذلل والرجاء. إن كل شعب بلغ طموحاته وحقق أهدافه في هذا العالم لم ينجز ذلك إلاّ بالعزم والإرادة والصمود والمواجهة ورفع الرأس عالياً. وإن بعض الشعوب تفتقر إلى هذه الإمكانية، ولكنّ شعباً يؤمن بالإسلام والقرآن والوعد الإلهي وقوله تعالى {لينصرن الله من ينصره} لخليق بهذه الإمكانية.

إن نصيحتي الأخرى هي أن العدو يبذل قصارى جهده اليوم لإشعال فتيل الاختلاف بين الأوساط الفلسطينية، حتى إن تلك العناصر الفلسطينية الخائنة تسعى هي الأخرى لزرع بذور الخلافات؛ فكونوا على حذر من هذه المؤامرة التي ينسج العدو خيوطها. وعلى عناصر حماس، والجهاد الإسلامي، وفتح ـ شباب فتح الذين نزلوا إلى الساحة حديثاً ـ ألاّ يغادروا الميدان، وأن يكونوا جميعاً يداً بيد. كما ينبغي عليهم ألاّ يُلقوا سمعاً لأولئك الرؤساء والزعماء الذين يتحدثون لصالح العدو ويقومون بتوجيه الأوامر. وعلى أبناء الشعب الفلسطيني أن يجتمعوا حول محور العناصر المخلصة والمؤمنة والمضحية. وليعلم الشعب الفلسطيني ـ الذي يستقطب اليوم انتباه العالم الإسلامي ـ أن قلوب الأمة الإسلامية معه، وأنها تدعو له، ولو كان هناك طريق لمد يد العون والمساعدة لما تأخرت الأمة الإسلامية لحظة في تقديمه، شاءت الحكومات أم أبت.. إن الأمة الإسلامية لن تتخلّى عن فلسطين، ولن تجفو شعب فلسطين، ولن تتجاهل شباب فلسطين

 

جديد وهام

 

الإمام القائد حفظه الله تعالى يجيب بشكل واف على أسئلة حول فلسطين

 

9. مر على اغتصاب فلسطين واقتطاعها من جسدنا الاسلامي خمسون عاما مرت بين مد وجزر فتارة يعلوا صوت النضال والجهاد واخرى يكاد يخبو فهل ثمة اختلاف ما يجعلنا اليوم وفي ظل الجهاد الذي اشتعل في السنوات الاخيرة ننظر بعين الامل لاستعادة هذه الارض المقدسة ؟

فقضية فلسطين قضية كبرى، والعالم الإسلامي يواجهها منذ أكثر من نصف قرن، وعلى مدى هذه العقود مرّت فترات لو كان زعماء العالم الإسلامي ومَن كان بإمكانهم اتخاذ القرار قد أحسنوا اتخاذ القرار، لربما كانت هذه المشكلة قد حُلّت أو تيسّر حلها على أقل تقدير. ولقد ارتكبت الكثير من الأخطاء خلال السنوات المتمادية؛ واليوم يعد من الفترات المصيرية التي ربما يستطيع الشعب الفلسطيني شق طريقه نحو ما يتطلع إليه العالم الإسلامي، وذلك لولادة جيل جديد في فلسطين، فقد يتيسر قمع حزب ما أو اخراج فئة ما من الساحة، وقد تتراجع طائفة من الناس عن جهادها ومواقفها البطولية، بيد أنه من غير الممكن ثني جيل بأكمله عمّا يتطلع إليه وعن الطريق الذي عرفه مهما كان الثمن؛ فالجيل الذي تحمل أعباء القضية الفلسطينية اليوم هو جيل واعٍ وعارف بالحقيقة، وأي حقيقة؟ إنها حقيقة ما أراد السلطويون وأرباب السياسة وأرباب الثروة في العالم ـ وفي غفلة من الزمن ـ من محو شعب بأكمله من الأرض، وإزالة بلد من الخارطة الجغرافية. وقد توهّموا نجاحهم في إنجاز تلك المهمة؛ فقد قتلوا طائفة وطردوا ثانية وقمعوا أخرى، وتصوروا أن القضية قد انتهت.

إن شعباً كالشعب الفلسطيني بما لديه من تاريخ مشرق وثقافة إسلامية ثرّة ومتأصلة وكفاءات متألقة كامنة عند أبناء هذا الشعب، وهو شعب ممتاز يزخر بالقابليات والشخصيات البارزة؛ مثل هذا الشعب الذي يتميز بهذه الخصائص، حاولت القوى الكبرى في العالم مثل انجلترا وأمريكا والصهاينة وهذا الرأسمالي أو ذاك المحفل العالمي، إلغاءه من الوجود، وهذا مستحيل، وهو ما ليس بحاصل.

لقد أخطأوا حينما توهموا فناء الشعب الفلسطيني وزوال فلسطين؛ ففلسطين باقية والشعب الفلسطيني باقٍ، ومع وجود الشعب الفلسطيني هنالك عملية اغتصاب، إذ تجمعت شرذمة من البشر من أكناف الدنيا فأقاموا شعباً لقيطاً وزائفاً وجهّزوه بوسائل القوة، وها هو اليوم يثبت وجوده إلى جانب حقيقة قائمة اسمها الشعب الفلسطيني. وهذه الحقيقة أدركها الجيل الفلسطيني المعاصر بكل كيانه؛ فالخطوة الأولى هي المعرفة، وقد حصلوا عليها، حيث أدركوا أن هذا الكيان اللقيط الذي يحظى بالدعم العالمي ليس متعذراً إلحاق الهزيمة به. لقد أحسنوا الإدراك فنزلوا إلى الساحة، ويتعين على الحكومات الإسلامية والشعوب الإسلامية تقديم أقصى ما بوسعهم من دعم لهم.

إنني لا أزعم أن قضية فلسطين ستنتهي على المدى القريب، بيد أنني أجزم بأنها ستعود إلى أهلها بلا

 أدنى شك، ربما يمتد بنا الزمن أو يقصر، وقد تضاعف الخسائر وتزداد، غير أن هذا الأمر واقع لا محالة.

، كما وأخاطب الشعوب الأخرى أيضاً، وأقول بأن تلك الحادثة وتلك الواقعة، وتلك التجربة القرآنية العظيمة والمتكررة منذ صدر الاسلام في انتصار الامم ذات الهمم العالية  من الممكن أن تحدث مرة أخرى، أين؟ في فلسطين نفسها. إن المحللين السياسيين اليوم يعتبرون ذلك أمراً مستبعداً. ولو قال أحد بأنه من الممكن أن تتغلب قوة الإيمان والإرادة الشعبية هذه على الكيان الصهيوني الغاصب والمستكبر والجائر، لاعتبر البعض ذلك أمراً بعيداً جداً، بل لعدّه البعض أمراً مستحيلاً. غير أن ذلك ليس مستحيلاً أبداً، وهو أمر ممكن الوقوع؛ فهو تكرار لنفس تلك التجربة التي حدثت في صدر الإسلام عدة مرات، والتي حدثت في الثورة الإسلامية، وفي الحرب المفروضة، وفي الاستقرار السياسي والاقتصادي والإجتماعي الذي تميزت به حكومة الجمهورية الإسلامية على طول واحد وعشرين عاماً، وفي نفس التجربة التي حدثت أخيراً في لبنان؛ فكله تكرار لنفس تلك التجربة. إن تكرارها لا يحتاج إلا إلى عنصر واحد، ألا وهو اعتماد الشعب الفلسطيني على قوته الذاتية وعدم رضوخه للكلل، وألاّ يُسلب منه إيمانه وإرادته وأهدافه <