12. ما هو مدى الارتباط بين القضية الفلسطينية وقضايا العالم الإسلامي الأخرى وهل تؤثر هذه القضية على الشعوب الإسلامية ؟

إن القضية الفلسطينية تمثل اليوم جرحاً أليماً وغائراً في جسد الأمة الإسلامية، والآية التي تُليت بشأن نبي الإسلام الأكرم تقول {عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}، فإن آلام العالم الإسلامي ـ وأبرز مفاصلها قضية فلسطين ـ تؤذي القلب المقدس لرسول الله؛ {عزيز عليه ما عنتمّ}، فروح النبي الطاهرة وهي بالعوالم العليا من عالم الملكوت تطفح حزناً للوضع الذي تمرّ به فلسطين حالياً؛ ولكن ما هو سبيل العلاج؟ إنه سبيل الجدّ والجهاد.

إن قضية فلسطين تمثل اليوم قضية العالم الإسلامي، وسواء علمنا ـ نحن المسلمين في البلدان الإسلامية ـ أم لم نعلم، فهمنا أو جهلنا، فإن مصير فلسطين مصيرنا جميعاً، وإذا ما ظفر الشعب الفلسطيني في ميدان المواجهة البطولي هذا الذي صنعه لنفسه ففي ذلك ظفر للعالم الإسلامي بأسره؛ ولكن كلّما استمرت محنة هذا الشعب ففي ذلك مدعاة للمزيد من إذلال المسلمين.

على العالم الإسلامي أن يعتبر هذه القضية قضيته بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ فصحيح أننا نتحمل واجباً شرعياً وقد فرض علينا الإسلام تقديم العون للشعب الفلسطيني، غير أن كلامي اليوم أبعد من الواجب الشرعي، فإنني أقول إن كل حدث تشهده فلسطين وأينما انتهت هذه القضية فذلك مما يمسّ بشكل مباشر مصير البلدان الإسلامية القريب منها والبعيد ويترك تأثيره عليها، وأيّما فعل تقدم عليه الشعوب الإسلامية الآن من أجل فلسطين إنما تكون قد عملت لنفسها ولصالحها؛ فعندما اقتطعت هذه البقعة الدامية من الجسد الإسلامي بمؤامرة من الاستعمار البريطاني لم يكن هدفهم يومذاك الاستحواذ على هذه البقعة، بل كان هدف المستعمرين يومها التسلط على المنطقة برمّتها، حيث كانت تمثل قلب العالم الإسلامي؛ وعليه فإن المسؤولية اليوم مسؤوليتنا جميعاً.

لقد أدّى الشعب الفلسطيني ما هو خليق وجدير بأي شعب شجاع وغيور على صعيد أدائه لواجبه وكان صامداً؛ وليعلم الجميع أن الحكومة الصهيونية الغاصبة الحالية قد هُزمت لحد الآن في عملياتها ولم تحقق أي نجاح، بل غدت مقهورة بإرادة الفلسطينيين؛ فلقد كان الهدف من هذه العمليات إخماد انتفاضة الأقصى، وأن يرفع الفلسطينيون أيديهم مستسلمين، وقتل دافع التحرر والغيرة لدى الشعب الفلسطيني.. لكنّ ما حصل يعاكس هذا الأمر تماماً.

إن عزيمة وتصميم الشعب الفلسطيني وفهمه لقضيته يفوق الآن ما كان عليه حين لم تكن الانتفاضة قد اندلعت بعد، فاليوم قد اتضح للشعب الفلسطيني مدى عداء وخبث وهمجية هذا الكيان الغاصب وشريكته أمريكا.

إذا ما وصل الحال بشعبٍ يرى فيه أن لا مناص من استقبال الموت البطولي فمن غير الممكن لأي شيء الوقوف بوجهه؛ فلا قوة الصهاينة ـ بما فيها من دبابات ومدفعية وماكنة حربية ظاهرية ـ ولا القوة السياسية والمالية التي تدعمهم ـ وهي أمريكا ـ لها القدرة على التأثير؛ لقد انتهى زمان تطميع الشعب الفلسطيني للجلوس على طاولة المفاوضات والحصول على ما يسمى بالحقوق، إذ اتضح عدم جدوى الجلوس حول طاولة المفاوضات والحوار مع العدو.

 

واجب العالم الإسلامي تجاه قضية فلسطين

لقد استوعب الشعب الفلسطيني الأمر ـ اليوم ـ وها هو يمارس مهمته، وها هي الأمهات والشباب ونساء فلسطين ورجالها قد نزلوا إلى الساحة.. والمهم أن يقوم العالم الإسلامي بواجبه؛ والعالم الإسلامي إنما يعني الشعوب والحكومات، وربما تفترض الحكومات وجود محاذير بالنسبة لها، بيد أن الشعوب لا تطالها هذه المحاذير التي لا وجود لها بالنسبة للعلماء والمثقفين والسياسيين وذوي التأثير على أذهان الجماهير؛ فعليهم المبادرة، وهذا مما يقدّم العون للحكومات أيضاً.

لو عبّرت الشعوب الإسلامية ولاسيما الشعوب العربية داخل بلدانها عن عزيمتها وإرادتها في دعم الشعب الفلسطيني بوضوح واستمرار لكان ذلك في صالح حكوماتهم أيضاً، لأن الحكومات ستستثمر هذه الأداة لممارسة الضغوط على العدو سياسياً.

لقد أحسن إمامنا العظيم إدراك الحقيقة ورؤيتها؛ فمنذ انطلاق هذه النهضة عام 1341هـ.ش [1(ص)62م] ـ أي قبل أربعين سنة ـ حيث لم تكن القضية الفلسطينية قد انتشرت حتى بين أوساط الخواص في إيران، يومها كان منطق الإمام وجوب أن يشعر الجميع بالخطر إزاء الهيمنة الإسرائيلية، وعلى الجميع الوقوف والتصدي لها، ومن ثم واصل ذات الدرب، وكان هذا أحد الشعارات الكبرى التي رفعها ذلك الرجل الإلهي الملكوتي.

نسأل الله تعالى أن يمنّ باليقظة على الشعوب الإسلامية كافة، وأن يعرّفنا واجباتنا ويعيننا على سلوك طريق أدائها، ويمنّ على الأمة الإسلامية بمزيد التقارب فيما بينها وإزاحة عناصر الفرقة من أوساطها، ويعزز عناصر الوحدة والتآلف بينها.