لم تكن الظروف سابقاً كما هي عليه الآن حيث كانت الظروف صعبة للغاية ولم يكن المحيط الذي يعيش فيه الشباب محيطاً مناسباً وأنا لا أخص نفسي بالحديث لأنني في ذلك الوقت كنت طالب علوم دينية وحتى فترة دراستي الإبتدائية قضيتها داخل الحوزة العلمية حيث كانت المدرسة ضمن الحوزة وحتى فترة دراستي الابتدائية قضيتها داخل الحوزة العلمية حيث كانت المدرسة ضمن الحوزة التي درست فيها وإنما أقصد كل الشباب الذين كانوا يعيشون في ذلك الوقت، لم يكن أدنى اهتمام بالشباب فمواهبهم كانت مكبوتة حيث كنا نشاهد هذه الحالة بأم أعيننا ورأيت هذه الظاهرة أيضاً ضمن المحيط الدراسي الذي كنت أدرس فيه ولم يقتصر هذا الإهمال في المحيط المذكور بل تعدّاه إلى المحيط الجامعي كيف كان طلاّب الجامعة يعانون من نفس هذه المشاكل كانت مواهبهم وقدراتهم وطاقاتهم مهملة ومتروكة وشاهدت هذه الظاهرة عن كثب لأن علاقتي مع الجامعيين في ذلك الوقت كانت قوية وحميمة فلربما كان البعض لا يملك مواهب وطاقات في مجال الفرع الدراسي الذي يدرس فيه وإنما طاقاته ومواهبه كانت في مجالات أخرى غيرها، ولكن الوضع السائد كان له الأثر الأكبر في انضمار مثل هذه القدرات الموهوبة.

إنّ فترة شبابي قبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة قضيتها مع شباب ذلك الوقت فمن سن الثامنة عشر من عمري إلى زمان انتصار هذه الثورة كنت مع شباب الحوزة العلمية وشباب خارج الحوزة ـ والشيء الذي لاحظته ولمسته خلال وجودي مع هذه الطبقة المثقفة من الشباب، هو أن نظام الشاه المقبور كان يحاول سوق الشباب نحو الرذيلة والفساد لمسخ الهوية الأصيلة وجرّها نحو الفساد والانحلال.

وأنا لا أستطيع أن أدعي أن النظام السابق كان يضع الخطط والبرامج لإفساد الشباب وجرّهم نحو الرذائل الأخلاقية والمفاسد الاجتماعية ولربما يكون الأمر كذلك؟

ولكني أستطيع أن أقول أن هذا النظام المقبور قد وضع برامج وخطط في إدارة الدولة كانت نتيجتها فصل السياسة وإبعادها عن مسار الحياة اليومية ولربما لا تصدقون أن أمثالي من شباب ذلك الوقت وعندما كنّا في العقد الثاني من العمر لم نكن نعرف حكومة زماننا, ومن هم حكّام بلادنا؟! ولكن هل تستطيعون في وقتنا الحاضر أن تجدوا من لا يعرف من هو وزير التربية والتعليم؟ أو من هو وزير الاقتصاد؟ أو مثلاً من هو رئيس الجمهورية؟ الكل يعرف وحتى الذين يقطنون في مناطق نائية في بلادنا الإسلامية وهذا على عكس ما كان عليه الناس في ظل النظام السابق حيث كان أكثر الناس ومن بينهم الشباب غافلين وبعيدين عن المسائل السياسية، غارقين في المسائل اليومية وكسب المعيشة حيث كان البعض يسعى ويجهد من أجل كسب الرزق والحصول على لقمة عيش تناسبه ولكن ومع هذا نجده يصرف مرتّبه على أشياء عشوائية لا تضر ولا تنفع.

وإذا طالعتم الكتب التي كانت تصف أوضاع أمريكا اللاتينية وأفريقيا أمثال كتب(فرانتس فانون) تجدون أن أوضاع إيران في تلك الفترة لم تكن تختلف عن أوضاع أمريكا اللاتينية وأفريقيا ولكن لم يكن لأحد الجرأة على وصف أوضاع إيران المتردية التي كانت تماثل أوضاع أفريقيا وشيلي والمكسيك ـ بل كانوا يصفون الأوضاع المتردية لتلك الدول فقط.

فبعد أن طالعت تلك الكتب وجدت أن أوضاع إيران تماثل أوضاع تلك الدول البائسة فالعامل في إيران بعد أن كان يتقاضى الشاهي" أو الصّنار"[1] (عملة في ذلك الوقت) مقابل كده وتعبه اليومي كان يصرفها في اللهو واللعب والتسكع في الشوارع.

وهذا عين ما كنا نقرأه في تلك الكتب التي كانت تصف أوضاع الدول البائسة الأخرى في الحقيقة والواقع لم يكن الجو العام آنذاك مناسباً للشباب الذين هم عبارة عن نشاط وحركة وأمل.

وأما أنا شخصياً فقبل انتصار الثورة الإسلامية المباركة وبسبب نشاطاتي الأدبية والفنية كانت فترة شبابي مليئة بالأحداث المثيرة والهامة ففي سنة 1341هـ[2].ش كنت لا أتجاوز سن الثالثة والعشرين من عمري بدأت فترة الجهاد والكفاح ضد النظام الحاكم آنذاك وفي سنة 1342هـ.ش اعتقلت مرتين وكما تعلمون أن فترة الاعتقال والسجن فترة مليئة بالأحداث، تعطي للإنسان زخماً ودافعاً للنشاط والعمل أكثر فأكثر، وبعد أن يخرج الإنسان من قيود السجن وقضبانه ويواجه هذا السيل العظيم من الناس الذين يتشوقون لمثل هذه الأمور وأخبارها وبعد أن يواجه قائداً عظيماً ومرشداً شجاعاً كالإمام الخميني(رض) تزداد عزيمته للنضال والجهاد والكفاح، هكذا كانت حياتي وظروفي وهكذا كانت حياة أمثالي.

كلها أحداث مهمة ومغامرات عجيبة. أما حياة الآخرين لم تكن تتضمن مثل هذه الأحداث والظروف.

عندما يجتمع الشباب ويجلسون مع بعض وبسبب طراوتهم وطبيعتهم المرحة يشعرون بلذة كل شيء يدور حولهم، إن الشاب يلتّذ ويشعر بالطعام الذي يأكله، يشعر بلذّة الكلام الذي ينطقه وحتى بالنظر إلى المرآة، يلتذ بالفسحة والاستجمام.. الخ ولربما لا تصدقون إن الإنسان وكلما تقدم به العمر لا يلتذ بالأشياء التي كان يلتذ بها ويستشعرها أيام شبابه.

فعندما تتناولون طعاماً لذيذاً لا يستطيع الشيخ الكبير أن يشعر بنفس شعوركم ولذتكم للطعام، فكان الكبار ممن كان سنهم يُقارب سني الحالي يذكرون لنا هذه الحقيقة ولكننا لم ندرك ما يقولون والآن لمست هذه الحقيقة ووصلت إلى صدق ما كان يقولون لنا، وطبعاً لم أترك نفسي تستسلم للسنين والأيام كما فعل السابقون فلا أزال أملك وأشعر بشيء من روح الشباب ونشاطها[3]، وأنا لا أستطيع أن أدعي بأن جو الحزن والأسى هو الذي دفع بالسابقين إلى الإستسلام والإبتعاد عن روح النشاط التي يملكها الشباب وإنما الغفلة وفقدان الهدف والإبتعاد عن الحقائق هي التي لعبت دورها في هذا الأمر.

أما في مجال الجهاد والعمل الإسلامي فنحن كنا نفكر بجدية وعمق في هذه المسألة حيث كان سعينا وهدفنا صون الشباب وحفظهم من تسلط ونفوذ ثقافة الحكم الجائر آنذاك، فأنا شخصياً كنت أذهب إلى المساجد وأدير جلسات تفسير القرآن والوعظ وخاصة بعد أداء الصلوات، وفي بعض الأوقات كنت أذهب إلى المحافظات والمدن الأخرى لعقد مجالس الخطابة والوعظ وكنت أهدف من وراء هذه النشاطات والتحركات أولاً: صون الشباب وحفظهم من نفوذ ثقافة وأفكار النظام المقبور. حيث كنت أطلق إسم" الشبكة الخفية" على هذه الثقافة المنحرفة وكنت دائماً أقول أن هناك شبكة خفية تحاول سحب الشباب وجرّهم إليها وأنا كنت أحاول تمزيق هذه الشبكة لأخلص الشباب من الوقوع في حبالها.

وكنت أقول أيضاً أن من يصون نفسه ويعبر هذه المصيدة يكسب مناعة تصونه من تلك الأفكار المنحرفة أولاً: متدين وثانياً معتقد بأفكار الإمام الخميني(رض) التي تعطيه مناعة من الوقوع في حبال هذه الأفكار المنحرفة. هكذا كانت الظروف الحاكمة في ذلك الوقت وأنا أستطيع أن أجد الآن في مجتمعنا الكثير من أفراد ذلك الجيل المجاهد الذي صان نفسه وشيّد قواعد أسس الثورة الإسلامية المباركة وحكم جذورها سواء كانوا أو لم يكونوا يعرفونني. فأنا أستطيع أن أميزهم وأعرفهم.

فأستطيع الآن أن أقول بأن الجو السائد وفي ظل هذه الحكومة المباركة أفضل بكثير مما كان عليه سابقاً ولكن لا أستطيع أن أدعي بأن كل مستلزمات ومتطلبات الشباب متوفرة وكاملة لكن الظروف الحالية أفضل وأحسن مما كانت عليه سابقاً فالشاب يستطيع وفي ظل هذه الظروف أن يجد هويته الإنسانية وشخصيته الحقيقية ويستطيع أن يعيش حياة مناسبة ومتوازنة.

ــــــــــــــــــ

[1]  عملة إيرانية كانت متداولة في ذلك الوقت.

[2] 1962  ـ 1963 في الجمهورية الإسلامية التقويم بالهجري شمسي وبالهجري قمري ولكن المعروف أكثر الهجري شمسي.

[3]  يتمتع سماحته بروح الشباب ويمارس رياضة تسلق الجبال ويروي عنه مدير مكتبه أنه لا يستطيع بعض الشباب اللحاق به عند التسلق لما يتمتع به من قوة.

 

 

من كتاب اللقاء المفتوح