اهتمت الثورة الإسلامية الإيرانية منذ انطلاقتها وانتصارها في العام 1979 بالقضية الفلسطينية. وتجلى ذلك من خلال اهتمام مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني (ره) عبر تأييده ومؤازرته للثورة الفلسطينية في وقت مبكر من انطلاقها.

وبعد انتصار الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية أخذت القضية الفلسطينية بعدها الخاص في أدبيات الثورة الإيرانية. حيث اتسمت القضية الفلسطينية بيوم القدس العالمي، ومسيرة البراءة من المشركين، والموقف الإسلامي من الحوار والعلاقة مع الكيان الصهيوني، وغيرها من التعبيرات الجهادية الثورية التي وقفت بصف القضية الفلسطينية.

 ولم تكن رؤية الإمام الخميني بعيدة عن الثورة الفلسطينية منذ بواكيرها وانطلاقها في ستينيات القرن الماضي، فمنذ ذلك الحين كان الإمام يحرص على دعم الثورة الفلسطينية بشقها الجهادي الثوري المقاوم بكل الإمكانات الممكنة، ويحث في الوقت ذاته كل القوى والمنظمات التحررية والدول الإسلامية على دعم هذا العمل ومؤازرته وعدم التخلي عنه وتركه وحيدا في مواجهة العدو الصهيوني.

من نافل القول إن الامام الخميني كقائد إسلامي بارز تميّز عن غيره بأساليب داعمة خاصة للثورة الفلسطينية ولاسيما في نصوص الفتاوى التي تجسد مدى وعي المرجعية السياسية وتعاطيها مع الاستحقاقات التاريخية الهامة للأمة الإسلامية وأسلوب علاجها للقضايا المصيرية ولا سيما القضية الفلسطينية.

ويذكر أنه في جواب له على سؤال وجهه إليه مجموعة من الثوار الفلسطينيين حول جواز أو عدم جواز صرف الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة على موارد تسليح المسلمين، قال الامام :«كنت قد ذكرت سابقا أن دولة إسرائيل الغاصبة خطر عظيم على الإسلام والدول الإسلامية، والذي نخشى منه أن يهمل المسلمون هذا الكيان، ويضيعوا الفرصة من بين أيديهم، وبعد ذلك لا يمكنهم فعل شيء، وبما أن الخطر على الإسلام موجود فيجب على الدول الإسلامية خصوصا وسائر المسلمين عموما أن يدفعوا جرثومة الفساد هذه بأي نحو كان وأن لا يقصروا بمساعدة العاملين لهذا الغرض ويجوز الصرف من الزكاة وسائر الصدقات لهذا الأمر..».

ومن الملاحظ من هذا الجواب كيفية الاستعانة بالشرع لدعم حقوق المستضعفين في الأرض بما يخدم مصالح الأمة، وأيضا سعي الامام الخميني لشحذ الطاقات الإسلامية من اجل إنقاذ فلسطين من مستنقع الاحتلال الصهيوني.

لقد تحولت إيران بعد الثورة وبعد القضاء على حكم الشاه إلى قلعة متقدمة في صفوف الأمة الإسلامية لدعم القضية الفلسطينية.

فقضت على التواجد الإسرائيلي الذي كان متغلغلا في إيران إبان حقبة الشاه وأبدلت سفارة إسرائيل بسفارة فلسطين، واستمر التأييد والدعم للقضية الفلسطينية لتحولها إلى هتاف يومي على لسان ملايين الثوار داخل إيران وخارجها من خلال شعار (الموت لإسرائيل)، والذي يتردد عقب كل صلاة في مساجد إيران وأيضا يتردد في معظم المناسبات الوطنية والقومية الإيرانية. لقد أخذت القضية الفلسطينية حيّزا من دعاء كل المسلمين في العالم بعد كل فريضة صلاة ولم تقتصر على هذا فحسب بل ونظرا لأهمية فلسطين لدى الامام الخميني(ره) أعلن يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك كيوم تضامني مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية لينتقل هذا الشعور من الداخل الإيراني إلى الخارج وعبر فضاءات العالم الإسلامي اجمع. لقد تحوّل هذا اليوم بدلالاته الزمانية والمكانية التي تكمن في شهر رمضان المبارك والعشر الأواخر منه التي تضم ليلة القدر، وخصوصية يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر إلى قيمة معنوية إنسانية لدى المسلمين وواقعة تعبوية ثورية لدى المجاهدين وهو في تعاقبه واستمراره كل عام يعبر بشكل واضح عن عمق التضامن الإسلامي بين الدول والمجتمعات الإسلامية. وفي هذا الإطار يقول الامام الخميني: «نحن على موعد في آخر جمعة من الأيام المباركة من يوم القدس، يوم قضية هامة تحتاج إلى توعية».

لقد انتقلت الثورة الإيرانية بالقضية الفلسطينية من التنظير إلى الترجمة العملية التي طالما أشبعها الآخرون تنظيرا وخطابات لغوية لا جدوى منها. ولا ريب أن تحتل القضية الفلسطينية بعد قيام الجمهورية الإسلامية مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية على مستوى البعد الإيديولوجي القيمي وعلى مستوى السياسات المتبعة للتعاطي معها.

لقد كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أول مسؤول أجنبي يزور طهران، وتحول مبنى السفارة الإسرائيلية إلى مقر لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن قطعت القيادة الإيرانية الثورية علاقاتها مع الكيان الصهيوني ثم بعد ذلك قطعت علاقاتها مع مصر بسبب معاهدة السلام المبرمة بين القاهرة وتل أبيب.

بقيت فلسطين والدعوة إلى الجهاد والاستشهاد في سيبل تحريرها من الأبعاد الثورية المؤسسة في الخطاب الإيديولوجي الإيراني الرسمي بالرغم من عدم التداخل بين محددات السياسة الخارجية الإيرانية ومعظم المبادئ الإيديولوجية الثورية من قبيل تصدير الثورة وغيرها.

فخلاصة الحل النهائي للقضية الفلسطينية لدى الثورة الإسلامية الإيرانية يكمن في الجهاد الحقيقي ضد النظام الصهيوني. فلم تؤمن إيران في يوم من الأيام بقدرة النهج السلمي وقدرة الاتفاقيات المبرمة على حسم الصراع لصالح الفلسطينيين فدائما ما كانت تعلن أن "السلام مع إسرائيل ليس إلا سرابا". وأن "النظام الصهيوني لإسرائيل هو المصدر الرئيسي للأزمة في الشرق الأوسط، ولذا لا بد من محوها، فالهدف الرئيسي وراء خلق إسرائيل في المنطقة هو زرع الخلاف بين المسلمين".

ويستمر أبناء الثورة الإيرانية وقادتها على درب الإمام الخميني في دعمه لقضية فلسطين فلم يتوان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران القائد الإمام السيد علي الخامنئي عن نصرة القضية الفلسطينية في سياساته حيث قال في إحدى مناسبات يوم القدس العالمي:« أيها الإخوة المسلمون في كافة أنحاء العالم، أيها الشعب الإيراني العظيم، إن حلول اليوم العالمي للقدس يؤكد مرة أخرى واجب المسلمين الغيارى لأن يهبوا لنجدة ودعم الشعب الفلسطيني المظلوم والدفاع عنه.

والآن وفي الوقت الذي ترى فيه الشعوب في أوروبا تمزق الاتفاقيات المشينة الناجمة عن الحرب العالمية الثانية فإنها تفرض اليوم حق سيادتها وإرادتها الوطنية على كل القوى التي انتصرت بالأمس». ويتضح انه على مستوى الخطاب الإيديولوجي الرسمي الذي يمثله المرشد الأعلى للثورة الإيرانية بأنه ما زال هناك أهدافا مثالية مثل القضاء على إسرائيل، وهو تصور يضفي خصوصية على النهج الإيراني حتى ولو انحصر على مستوى الخطب الرسمية، في الوقت الذي تخلى فيه غالبية النظام الرسمي العربي عن هذه التصورات إزاء إسرائيل.