الإمامة وعاشوراء، محاضرة للإمام موسى الصدر

قدم الإمام موسى الصدر محاضرة تحت عنوان الإمامة وعاشوراء خلال ندوة أدبية انعقدت في مدرسة الآداب العليا ببيروت، مبينا في الحلقة الأولى معنى ومفهوم الإمامة وعاشوراء. 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولًا، الإمام والإمامة:

في تحليل لغويّ، عند العلامة العلائلي في كتاب "المرجع" واستنادًا إلى دراسة له طويلة، يفسّر الإمام بميزان خشبي كان يستعمله البناؤون لمعرفة استقامة البناء أو انحرافه، والذي تحوَّل في ما بعد إلى ميزان الزيبق، هو المعنى الأصيل.

وفي مصطلحنا المعاصر يُطلق الإمام على علماء الدين القادة في التفكير والقول والسلوك، مع ما يشوب الألقاب في مجتمعاتنا من المجاملات والمبالغات والتمنيات.

ولكن الغاية من هذا البحث تفرض أن نفسّر كلمة الإمام بمعناه المصطلح المذهبي عند الشيعة- الشيعة الإمامية- أنه إنسان، لا إله ولا نصف إله، بلغ الكمال الذي يريده الإسلام، الإنسان الفائق وليس ما فوق الإنسان، إنسان بلغ الكمال وبنفس الوقت القائد المسؤول لتوجيه الأمة.

وفي المتون الشيعية: الإمام حجّة الله على الأرض، كتاب الله الناطق، المرآة التامة للإسلام، الإسلام المتجسد، الإنسان الذي تحوَّل في أحاسيسه، وفي تفكيره، وفي أحكامه، وفي أقواله، وفي أعماله وحتى في سكوته، الإنسان الذي تحوَّل إلى مستوى الميزان كما ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "أنا ميزان الأعمال وعليٌّ لسانه"، وبكلمة، إنه الإنسان الفائق القمة وليس ما فوق الإنسان، إنه وصيٌّ وليس نبيًا.

 

ثانيًا، عاشوراء:

عاشوراء يوم مقتل الإمام الحسين في كربلاء. والمقصود في هذه الدراسة أو في محاضرتي على الأقلّ، المقصود من عاشوراء محتوى ذلك اليوم من أحداث مرتبطة بأسباب وبنتائج والذكريات الاحتفالية التي بدأت منذ الأيام الأولى بعد المأساة واستمرت ونَمَت وتطورت حتى يومنا هذا. إذًا، نحن في هذه الدراسة، أمام عاملين قائمين حيين فاعلين ولسنا أمام حدثين تاريخيين. فالإمام كما عرفناه تجسيدٌ للرسالة، فهو باقٍ في مركز القدوة وفي مركز القيادة، حيًّا كان الإمام أو ميتًا، قوله وسلوكه وسكوته ورضاه سندٌ نستند عليه في كتبنا الفقهية كجزء من المذهب. فالإمام حكم متجسد وإيمان متجسد، انتصر في المعركة أو هُزِمَ أو عُزِلَ لا فرق، عامل فاعل مستمر حتى الآن، وعاشوراء أيضًا شهادة والشهادة في منطق القرآن خلود وتحرك وقيادة -أُعيدُ إلى ذاكرتكم الآية: ﴿ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا﴾  [آل عمران، 169] -أرجو الانتباه إلى هذه النقطة- ﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ [آل عمران، 169]: النموّ المستمرّ، ﴿فرحين بما آتاهم الله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم﴾ [آل عمران، 170]: القيادة الدعوة.

إذًا، نحن أمام عاملين قائمين لا أمام حدثين تاريخيين، فنصل إلى تفاعل العاملين الموجودين في عنوان هذا الحديث لكي يفرز هذا التفاعل لنا عناوين ثلاثة:

الأول شهادة الإمام،

والثاني إمامة الشهيد،

والثالث الشهادة الإمام.

أما شهادة الإمام فهي الترابط العميق بين الإمام وبين الشهادة، حتى إن الشهادة جزء أساس من مسؤولية الإمام القيادية.

الثاني، إمامة الشهيد، فالشهيد في سبيل الله إمام، ومعنى ذلك أن الشهادة بحدّ ذاتها القدوة وقيادة وهما في درجتيهما العاليتين أساسان لمفهوم الإمامة، والشهيد العادي يتمتع بصفتين أساسيتين من صفات الإمام فهو في موكب الإمام.

أما الثالث، الشهادة الإمام، وأعني بها أن مستوى شهادة الحسين في عاشوراء إذا درسناها بأسبابها ودوافعها النفسية وتفاصيلها ونتائجها تفوق الشهادات كلّها. ولذلك، نسمي الحسين "سيد الشهداء" أو على حدّ تعبير العقاد "أبو الشهداء"، والحديث يقول: "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"(1)، كلمة وردت في كثير من الآثار الدينية الشيعية.

 إذًا، الشهادة الحسينية يوم عاشوراء أمام الشهادات، الشهادة الإمام.

ـــــــــــــــــــــــ

1- محمد صادق محمد الكرباسي، دائرة المعارف الحسينية: قالوا في الحسين عليه السلام، ط1، المركز الحسيني للدراسات، لندن، 2014.