حاول المثلث الأمريكي - السعودي - الإسرائيلي وبعد سقوط النظام البعثي إثارة الاحتقان الطائفي في العراق وإلهاءه بالنزاعات المذهبية وإثارة الأحقاد بين السنة والشيعة للتأثير على المناسك الشيعية التي يشارك فيها كافة المكونات العراقية .

 

بقلم : محمد إبراهيم رياضي

مما شك فيه أن مراسم الأربعينية التي تمت بسلام وبدون أي حادث امني في العراق وبمشاركة نحو 15 مليون زائر، حسب آخر الإحصائيات الرسمية، قد تجاوزت الحدود الجغرافية والعرقية والقومية وحتى الانتماءات المذهبية والدينية، لان المقصود رمز الحرية والعدالة ومكافحة أنواع الظلم والاضطهاد وكذلك مكافحة الانحراف والفساد الحكومي، وحماية كرامة وعزة الإنسان والدفاع عن حقه في تقرير مصيره وحقه في الانتخاب .

 

من الأمور التي يجب أن نذكرها في إطار هذه المسيرة البشرية العظيمة :

 

1 . وحدة الأمة الإسلامية

مفهوم الوحدة وكما أكد عليه كثير من رواد التقريب ودعاة الوحدة الإسلامية وتم التأكيد عليه في كثير من المؤتمرات والملتقيات التي عقدت في هذا المجال هو ليس بمعنى انصهار سائر المعتقدات والتوجهات السياسية ومنها المذاهب الإسلامية الإسلامية في مذهب وتوجه سياسي واحد، لان هذا لا يتحقق أبداً لان ثراء الفكر الإسلامي وتطوره وتحوله يكمن في الاختلاف الفكري بكل مستوياته وأنواعه، أن كان الاختلاف اختلاف مذهبي أو اختلاف في التوجه السياسي شريطة أن يكون التوجه السياسي حريص على مصالح الأمة وغير منحاز أو متأثر بالدوائر الأجنبية .

كثير ما حاول أعداء مشروع التقارب والتعاضد بين أتباع المذاهب الإسلامية وتوحدهم في خندق واحد ومشروع واحد وموقف سياسي واحد ضد كل ما يهدد مصلحة الأمة الإسلامية على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي، وفي مقدمتهم الوهابية التكفيرية السعودية ومن تبعهم من المتشددين والسلفيين التكفيريين وكذلك الإعلام المضلل الغربي، حاولوا حرف الأذهان عن المفهوم الحقيقي للوحدة الإسلامية بهذه الالقاءات بان هدف مقترحي هذه الفكرة ومنها الجمهورية الإسلامية هو القضاء على سائر المذاهب السنية وصهرها في المذهب الشيعي ليثيروا الأحقاد والضغائن بين المذهبين الرئيسيين في العالم الإسلامي وهذا ما تحقق إلى حد ما في الحرب الأهلية في سوريا وعلى اثر العمليات الانتحارية في العراق وسببه جهل الجماعات التي وقعت في فخ هذه المؤامرة الغربية السعودية الصهيونية .

وهنا المسيرة الأربعينية أبطلت كل هذا الإعلام العميل وأفشلت كل محاولات التشويه والتضليل وكل مخططات إثارة البغضاء والكراهية بين المذاهب وحتى بين الأديان وكذلك محاولات الترويع والتخويف. فقد سار الشيعي إلى السني والمسلم إلى جنب المسيحي والكليمي والصابئي والإيراني إلى جنب العراقي والخليجي وباقي القوميات من أنحاء العالم بكل هدوء وسلام ومحبة وهم بهذه المسيرة البشرية السلمية قد حققوا السلام العالمي المفقود .

 

2 . الوهابية

المعروف عن الوهابية التي تأسست على يد المستعمر البريطاني منذ مئة عام، تكفيرها لسائر المذاهب الإسلامية وعلى الأخص المذهب الشيعي وإفتاءها بتحريم التعبد بهذا المذهب على الرغم من فتوى الراحل الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الكبير بمشروعية هذا المذهب وجواز التعبد به .

فقد حاولت هذه الفرقة طوال التاريخ إسقاط مفهوم كربلاء والمجالس الحسينية ولذلك من خلال حملاتها المتكررة والوحشية قامت بتدمير المرقد الشريف لعدة مرات ولكن دون جدوى واليوم شاهد على ذلك .

بعد سقوط النظام البعثي وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة ذات الأغلبية الشيعية وبسبب تعاونها ووقوفها إلى جانب الجمهورية الإسلامية بدأ الحقد الوهابي من جديد بإصدار فتاوي تكفر الشيعة ومناسكهم وخاصة زيارة المراقد والاحتفاء بذكرى الأئمة الأطهار خاصة ذكرى واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام خاصة المسيرة الأربعينية التي كان يشارك فيها ولا يزال سائر أتباع المذاهب الإسلامية .

هذه الظاهرة أي مشاركة أتباع المذاهب السنية من علماء وعوام الناس في المسيرة الأربعينية أثار سخط وغضب الفرقة الوهابية ولكي تفشل هذه المراسم، حاولت عن طريق إرسال الانتحاريين الذي وصل عددهم حسب رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلى خمسة آلاف انتحاري أن تثير الخلافات والنزاع بين الشيعة والسنة وانشغال الشعب العراقي بهذه النزاعات وإحلال الحقد والكراهية والحرب المذهبية محل التآلف والمحبة والإخوة بين الشيعة والسنة .

ومن جملة ما أثاره الإعلام الوهابي ضد هذه المسيرة بأنها مقدمة لنفوذ وتسلط الجمهورية الإسلامية على الشؤون الداخلية للعراق أو أن هذه المراسم تحولت إلى حركة سياسية طائفية تشدد الاحتقان الطائفي وهدفه إقصاء السنة عن المسرح السياسي .

وآخر ما توسل به الإعلام السعودي وما تبعه بعض الإعلام الخليجي والعربي المنبطح أمام البترودلارات هو ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط خبر يدل على وقاحة وعجز هذه الصحيفة أمام عظمة المسيرة الأربعينية عنوانه "تحذير أممي من حالات الحمل "غير الشرعي" في كربلاء" الذي كذبته فورا منظمة الصحة العالمية عام 2016 والتي استنكرت بشدة في بيان لها استغلال الصحيفة لاسم هذه المنظمة لتوثيق خبرها السخيف، واعتبرته خبر عار عن الصحة يسيء إلى الزيارة المليونية في كربلاء المقدسة.

والهدف واضح هو تشويه الشعائر الحسينية بعد أن فشلت كل محاولات وسياسات الحكومة السعودية لزرع بذور الفتنة بين أبناء العراق قبل معركة تحرير الموصل واثناءها. فلا الانتحاريين ولا الإعلام الوهابي الغير ملتزم والبعيد كل البعد عن المهنية لم يتمكنا من التأثير على عزيمة وإصرار محبي أهل البيت (ع) من الشيعة والسنة في العراق وخارجه من الاستمرار في إحياء هذه المراسم العظيمة التي لا نظير لها في العالم .

فمحاولات الوهابية الفاشلة قد زادت من إصرار وعزيمة أتباع الحسين (ع) ومحبيه وكل أحرار العالم من كل المذاهب والأديان من المشاركة في المسيرة الأربعينية وازدياد عدد المشاركين عام بعد عام .

 

3 . إثارة الفتنة بين الشعبين الإيراني والعراقي

آخر محاولات أعداء الشعبين العراقي والإيراني من قبل المثلث الأمريكي السعودي الصهيوني هو استفزاز الشعبين واحد ضد الآخر من خلال إشاعة أخبار مفبركة يثير مشاعر وغيرت العراقي ضد الإيراني وبالعكس .

فقبل محرم الحرام وبدء المراسم الحسينية وخاصة المسيرة الأربعينية أثار الإعلام المضاد وعن طريق شبكات التواصل الاجتماعي والفضاء الافتراضي فتنة هدفها زعزعة العلاقات بين الشعبين العراقي والإيراني التي تربطهما أواصر تاريخية وحضارية ودينية .

 

الإعلام بدأ بتحريف الحقائق عن الزوار العراقيين في مدينة مشهد في محافظة خراسان شمال شرق إيران بان هؤلاء الزوار هدفهم التمتع بالنساء الإيرانيات . فقد اتخذوا هذه القضية كذريعة للتحريض الإعلامي ضد الشيعة لكنهم حينما رأوا بأن هذه المؤامرة الغادرة لم تتكلل بالنجاح وفشلت، تسللوا إلى العراق وحاولوا جاهدين لتأليب الأحاسيس الإيرانية عبر الاعتداء على القنصلية الإيرانية في البصرة وبعد ذلك شاهدنا حضور بعض العناصر المندسة على الحدود الإيرانية_العراقية يرددون شعارات مناهضة للعراقيين".

وفي هذا السياق ومن خلال إثارة أخبار مفبكرة عن العراقيين في إيران خاصة الطبقة الشابة بأنهم أتوا إلى إيران لأهداف جنسية أثارت غضب وسخط بعض الجهلة والمتأثرين بالإعلام الوهابي الصهيوني . ولكن وعي ودراية المسؤولين الحكوميين في البلدين ودخول الإعلام الهادف والمسؤول على الخط أبطل هذا المخطط الذي كان هدفه التأثير على المسيرة الأربعينية وعدم استطاعت الشعب الإيراني من المشاركة في هذه المسيرة، والذي يشكل الحجم الأكبر من بين الشعوب، بسبب ما أثاره إعلام أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الشعبين العراقي والإيراني من فبركات كاذبة لزعزعة العلاقات الأخوية بين الشعبين .