السلام عليك يا بنت حبيب الله؛ 

منزلة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

يوافق اليوم العشرون من شهر جمادى الآخرة الذكرى العطرة لولادة بضعة الرسول الأكرم فاطمة الزهراء عليها السلام، وبهذه المناسبة الميمونة نسلط الضوء على بعض ما ورد في شأنها ومنزلتها. 

مما لا شك فيه أن نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وآله): (لاَ يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) ، ( النجم : 3 - 4 ).

فما يصدر منه مع خاصَّة أهله مما فيه الميزة على ذوي قرباه، وأمته منبعث عن سِرٍّ إلهي، رُبَّما يقصر العقل عن إدراكه .

وقد ورد عنهم (عليهم السلام) في المتواتر من الآثار: (حديثُنا صَعبٌ مُستَصْعَب، لا يتحمَّلُهُ إلا مَلَكٌ مُقرَّب، أو نَبيٌّ مُرسَل، أو عَبدٌ امتحَنَ اللهُ قَلبَهُ بِالإِيمَان).

فما ورد في الروايات من مميِّزات آل الرسول (صلى الله عليه وآله) – مما لا تحيله العقول – لا يُرمى بالإعراض، بعد إمكان أن يكون له وجه،  يظهره المستقبل الكَشَّاف .

وعلى هذا فما ورد في الآثار المستفيضة بين السُّنَّة والشيعة من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) مع ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الإكثار في تقبيل وجهِها، حتى أنكَرَت عليه بعض أزواجه فقال (صلى الله عليه وآله) رَادّاً عليها: (وما يَمنَعُني من ذلك، وَإنِّي أَشَمُّ منها رائحة الجَنَّة، وهي الحَوراء الإِنسِيَّة).

وكان (صلى الله عليه وآله)، يقوم لها إن دَخَلَتْ عليه، مُعَظِّماً وَمُبَجِّلاً لها، وإذا سافرَ (صلى الله عليه وآله) ، كانَ آخرُ عَهدِهِ بإنسانٍ مِن أهلِه ابنتَهُ فاطمة ( عليها السلام) ، وإذا رجع من السفر فأوَّل مَا يَبتدِئُ بِها .

وقال (صلى الله عليه وآله) ، وقد أخذ بيده الشريفة الحسنين (عليهما السلام) : (مَن أحَبَّنِي، وَهَذَين، وأبَاهُما وأُمَّهُمَا كان مَعي في دَرَجَتِي يَوم القِيامَة).

وكان ( صلى الله عليه وآله ) يقف عند الفجر على باب فاطمة ( عليها السلام ) ستة أشهر بعد نزول آية التطهير، يُؤذَّنهم للصَّلاة ثم يقول: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيتِ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) ، (الأحزاب 33).

وقال ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام): (يا بُنَيَّة، مَن صَلَّى عَليك غَفَر اللهُ لَهُ ، وأَلحَقَهُ بي حَيثُ كنتُ من الجَنَّة ) .

وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (أَنَا حَربٌ لِمَن حَارَبَهُم ، وَسِلمٌ لِمَن سَالَمَهُم، وَعَدُوٌ لِمَن عَادَاهُم ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله) أيضاً: ( فَاطِمَةٌ بضعَةٌ مِنِّي، يُؤذِينَي مَا آذَاهَا، وَيُرِيبُنِي مَا رَابَهَا ) .

وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (إِنَّ فَاطمةَ بضعَةٌ مِنِّي، يُغضِبُنِي مَن أَغضَبَهَا ) .

وإلى غير ذلك من كلماته الشريفة، التي تنمُّ عَمَّا حَباها المُهَيمِن جَلَّ شَأنُه من ألطاف و مزايا اختصَّت ( عليها السلام ) بها دون البشر، وكيف لا تكون كذلك، وقد اشتُقَّت من النور الإلهي الأقدس .

ولقد عَلِمنا من مقام النبوة، ومِمَّا ورد في نصوص السُّنَّة النبوية والعَلَوِيَّة، أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يُحِبْ أحداً لِمَحضِ العاطفة، أو واشجة القُربى .

فما يلفظه (صلى الله عليه وآله ) من قول، أو ينوء به من عمل، و لا سيما في أمثال المقام ، لا يكون إلا عن حقيقة راهنة، وليس كمن يحدوه إلى الإطراء الميول و الشهوات .

فما صدر منه (صلى الله عليه وآله ) من خصائص الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) لا يكون، إلا عن وحي يحاول أن يرفع مستواها عن مستوى البشر أجمع .

فالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يصدع إلا بحقائق راهنة، جعلتها يَدُ المشيئة، حيث أجرت عليها سَيلَ الفضلِ الرُّبُوبِي، فهي نماذج عن الحقيقة المُحَمَّدية المجعولة حلقة بين المبدأ والمنتهى، ورابطة بين الحديث والقديم .

وبالنسبة إلى آية التطهير: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمِ الرِّجْسَ أَهلَ البَيت، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً) ، (الأحزاب 33 ) .

فقد اتفقت آراء المفسرين وأرباب الحديث والتاريخ على أنها، نزلت فيمن اشتمل عليهم الكِسَاء . وهم؛ النَّبيُّ الأعظمُ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) ، وَوَصيَّهُ المُقَدَّمُ، عَلِيٌّ بن أبي طالب أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ، وابنَتُهُ فَاطِمَةُ الزهراءِ (عليها السلام) ، وَسِبطَاهُ سَيِّدَا شباب أهل الجَنَّة، الحَسَنِ والحُسَيْنِ ( عليهما السلام ) .

ولم يُخْفَ المُرادُ من الرِّجسِ المَنفِي في الآية الكريمة بعد أن كانت وَارِدَة في مقام الامتنان واللُّطف بمن اختصَّت بهم .

فإِنَّ الغرضَ بمقتضى أداة الحصر قَصرُ إرادةِ المولى سبحانه على تطهير مَن ضَمَّهُمُ الكِسَاء عن كُلِّ ما تَستقذِرُه الطِّبَاع، ويأمر به الشيطان، ويَحقُّ لأجله العذاب، ويُشِينُ السُّمْعَةَ، وتُقتَرفُ بِه الآثامُ، وتَمُجُّه الفِطرَة، وَتسقُطُ به المُرُوءَة .