في مثل هذا البلد تقع مثل هذه الثورة و لا تخفق و لا تفشل - و سوف أشير إلى مقارنة بينها و بين أحداث أخرى في هذا البلد - و تقيم الثورة نظاماً و تصنع نظاماً و تظهر جمهورية إسلامية و تبقى هذه الجمهورية الإسلامية و تتعزز و تتقوى يوماً بعد يوم و تتجذر، لم تكن هناك أية قاعدة مادية أو حسابات مادية تقبل حصول مثل هذا الشيء أو تعتبره ممكناً، لكنه حصل. و حصوله دليل على أن هناك قوانين تسود عالم الوجود لا يعرفها أهل المادة و الماديات، و لا يرونها، «سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذينَ خَلوا مِن قَبل» (1). و يقول في موضع آخر: «سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبل» (2). سنة الله معناها القوانين الإلهية. هناك قوانين في عالم الوجود و في كل هذا الكون العظيم. إنها قوانين مثل القوانين الطبيعية و مثل قوانين الجاذبية و مثل قوانين النجوم و الشمس و القمر و حركة القمر و الشمس في الأيام و الليالي. هذه قوانين، قوانين طبيعية. و هكذا توجد قوانين في المجتمعات الإنسانية، و أهل المادة لا يستطيعون مشاهدة هذه القوانين و إدراكها بأعينهم القصيرة النظر، لكنها موجودة. طيب، عندما نوفر أرضية هذه القوانين بأيدينا فإن الله تعالى سيحكّم القوانين. النار تحرق، و يجب أن توفروا أنتم الأرضية و تشعلوا ناراً و تضعوا الجسم غير المرطوب على النار و سوف يشتعل. وفروا الأرضية و سوف يفعل القانون الطبيعي فعله. يجب توفير الأرضية المناسبة، و قد وفر الشعب الإيراني هذه الأرضية. هذا كلام قاله كبارنا، و قد قاله القرآن الكريم تكراراً، و ورد في كلمات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) و أحاديث الرسول الأكرم (ص) الشريفة. «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا اَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الكبتَ وَ اَنزَلَ عَلَينا النَّصر» (3). يقول الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في نهج البلاغة: خوضوا غمار الساحة بصدق و اصبروا و اثبتوا و قاوموا و سيكبت الله عدوكم و يقمعه و ينصركم. هذه قاعدة كلية و قانون. و قد تحققت هذه القاعدة في الثورة، فقد نزلت جماهير الشعب إلى الساحة بصدق و صبرت و قاومت.
طيب، لنخلص هنا إلى نتيجة، و هي أن ثمة أمامنا جبهة واسعة من الأعداء. جبهة واسعة من الأعداء تمتد من زعماء الكيان الصهيوني إلى ساسة الحكومة الأمريكية إلى باقي عملاء و أذرع الاستكبار العالمي، إلى العناصر التكفيرية و داعش، أي إنها جبهة بهذا الحجم الكبير. طيف هائل و غير متجانس. هؤلاء كلهم أعداء نظام الجمهورية الإسلامية. إذن، هناك جبهة، و بوسعهم فعل الكثير، فهم يشنون الهجمات الإعلامية، و كل هذه الأجهزة الإعلامية في العالم في قبضتهم، و ينشرون و يروّجون عن الجمهورية الإسلامية كل ما يحلو لهم. و المفاتيح الاقتصادية بأيديهم، و القدرات السياسية بأيديهم، و الأنظمة الأمنية بأيديهم، و الأجهزة الاستخبارية أجهزتهم. هؤلاء يقفون مقابل نظام الجمهورية الإسلامية. البعض حينما تقع أنظارهم على هذه الجبهة ترتعد قلوبهم. و السبب هو أنهم غافلون عن تلك الكلمة المفتاحية المهمة أي السنة الإلهية. لقد واجهت الثورة مثل هذه العداوات بل و أكثر، لكنها انتصرت. و اليوم أيضاً توجد نفس تلك العداوات، و اليوم أيضاً إذا عملتم بلوازم النصر فسوف تنتصرون، لا شك في هذا. «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا اَنزَلَ بِعَدُوِّنا الكبت». هذا شيء يصدق اليوم أيضاً. عندما نخوض الميدان بصدق أنا و أنتم، و نعمل بلوازمه، و نصمد و نكون على بصيرة، و نتصرف في اللحظة اللازمة، و نتحدث بشكل صحيح، و نعمل بصورة صائبة، و ننزل للساحة بصدق، فسيكون نفس هذا الذي قاله الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «اَنزَلَ بِعَدُوِّنا الكبتَ وَ اَنزَلَ عَلَينا النَّصر»، سيكون النصر لنا، و سيكون الكبت و القمع للعدو. طيب، إذن إلى هنا كانت الثورة باعتبارها قطباً أساسية و نيراً، كانت درساً كبيراً لمستقبلنا.
و قد قلنا إن هذه الثورة حدث منقطع النظير بالمقارنة إلى الأحداث الأخرى. إذا قارنّاها بالأحداث الأخرى التي وقعت في هذا البلد أو أحداث العالم وجدنا أنها منقطعة النظير. و سيطول المقام إذا أردت الخوض في هذا الموضوع و مقارنتها ببعض الثورات الكبرى. و سبق أن تحدثنا في هذا المجال، و لكن إذا قارنّا الثورة بالأحداث في داخل بلادنا، من قبيل نهضة تأميم النفط مثلاً و التي كانت حدثاً كبيراً في البلاد، هناك أيضاً نزلت الجماهير إلى الساحة و كان لهم حضورهم و مشاركتهم، و قد اتخذت حركتهم عنوان النهضة الوطنية في لغة السياسيين. بماذا كانت تطالب النهضة الوطنية؟ لقد كانت تطالب بالحد الأدنى، لم تكن تسعى إلى الاستقلال الاقتصادي و الاستقلال السياسي و الاستقلال الشامل. كان نفطنا كله بيد البريطانيين، و كانت المطالبة في النهضة الوطنية لتأميم النفط هي إخراج النفط من يد الإنجليز ليكون في أيدينا. هذا لم يكن شيئاً كبيراً جداً، كان بالطبع مهماً لكنه لم يكن يمثل استقلالاً كاملاً. في تلك النهضة أيضاً نزل الشعب إلى الساحة و وقعت أحداث، لكن النهضة لم تستمر لأكثر من سنتين أو ثلاث سنوات، لم تستمر أكثر من سنتين أو ثلاث سنوات! استطاع العدو قمع تلك النهضة، فلم تستمر. و بعد ذلك عندما قمعت النهضة عاد وضع النفط إلى أسوء مما كان عليه في السابق، أي إن الكنسرسيوم الذي تشكل بعد أحداث الثامن و العشرين من مرداد في البلاد كان وضعه أسوء بكثير مما كان في السابق، بمعنى أن النفط إذا كان سابقاً بيد الإنجليز، صار الآن بيد الإنجليز و أمريكا! كان وضع النفط بيد الأعداء تماماً و على الإطلاق، و بقي هكذا إلى النهاية، و إلى أن انتصرت الثورة. لاحظوا هنا أن قضية الثورة لم تكن قضية النفط بل قضية الاستقلال الكامل، الاستقلال السياسي و الاستقلال الاقتصادي و الاستقلال الثقافي. رفعت هذه الشعارات في الساحة، و هذا مما لا يقبل المقارنة بالنهضة الوطنية، و مع ذلك لم تصمد تلك النهضة بينما نجحت هذه النهضة أي الثورة و بقيت و استمرت.

 

كامل الخطاب