لا يستطيع البشر وصف المراتب المعنويّة والعظمة الروحيّة للناس الإلهيّين والسماويّين العِظام، ومن جملتهم السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ؛ لذا، يجب الاستماع والتعلُّم من اللّه تعالى ومن عباد اللّه العظماء والأولياء الإلهيّين، وينبغي تصوّر هذه المقامات في حدود قدرات فهمنا. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حول فاطمة الزهراء عليها السلام: "سيّدة نساء أهل الجنّة"، وبالطبع ثمّة روايات أخرى: "سيّدة نساء العالمين" و"سيّدة نساء الدنيا"، وهذه كلّها روايات منقولة بأسناد متقنة عن طرق الشيعة والسنّة؛ ولكنّي أعتقد أنّ الأهمّ هو "سيّدة نساء أهل الجنّة"؛ إنّها سيّدتهنّ جميعاً. إنّنا لا نستطيع إدراك تلك المراتب والدرجات أكثر من هذا. 

 

المرأة من منظارَين

1- نموذج إسلاميّ راقٍ

يوم ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام هو يوم المرأة. وللمرأة في منطق الإسلام وفي المعرفة الإسلاميّة نموذجها. هناك إطار كامل عُيّن للمرأة؛ بمعنى أنَّ المرأة الإسلاميّة هي ذلك الكائن الذي يتحلّى بالإيمان، ويمتاز بالعفاف، ويتصدّى لأهمّ قسم في تربية الإنسان، وهو يؤثّر في المجتمع، ويمتاز بالرشد العلميّ والمعنويّ، وهو مدير لمؤسّسة بالغة الأهميّة؛ هي مؤسّسة الأسرة. وهي –المرأة- مبعث استقرار الرجل وسكينته؛ هذا كلّه إلى جانب خصوصيّات الأنوثة، مثل اللطافة، ورقّة القلب، والاستعداد لتلقّي الأنوار الإلهيّة. ما قاله الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في كلمات ومناسبات عديدة في تمجيده لفاطمة الزهراء عليها السلام، أو خديجة الكبرى، أو بخصوص المرأة بشكل عامّ؛ هو نموذج المرأة المسلمة.

 

2- نموذج غربيّ انحرافيّ

في مقابله، يوجد نموذج انحرافيّ كان مختلفاً على اختلاف فترات الزمن، وهو نموذج المرأة الغربيّة. والميزة الأساسيّة للمرأة الغربيّة اليوم هي أنّها تلفت أنظار الرجال إليها؛ لذلك ترون أنَّ من أبرز صفاتها هو التعرّي؛ ففي المحافل الرسميّة التي يشارك فيها الرجال والنساء، يتوجّب على الرجل أن يكون مستوراً تماماً؛ وعلى المرأة أن تتعرّى ما استطاعت! أمّا في الأوساط الاجتماعيّة فالأمر واضح. هذه الظاهرة مستجدّة في العالم الغربيّ، حيث لم تكن أوروبا وأمريكا في الماضي على هذا النحو. وبالطبع، لم يكن هنالك الحجاب بالمعنى الإسلاميّ. فما هي السياسة التي جرّت المجتمع الغربي إلى هذا الاتّجاه؟ وما هو هدفها؟ هذا يحتاج إلى دراسات طويلة وتفصيليّة، بيد أنَّ الواقع الآن هو أنَّ المرأة الغربيّة هي مظهر الاستهلاك والتبرّج ووسيلة للإثارة الجنسيّة، أمّا الأمور التي يطرحونها ويتكلّمون عنها، مثل قضيّة العدالة بين الجنسين وما شاكل، فهي مجرّد كلام، وهي ظاهر القضيّة، أمّا باطنها فذاك [ما ذكرناه].

 

الحجاب صيانة للمرأة

سمعتم أنَّ عدداً كبيراً من السيّدات صاحبات المواقع والمناصب في الغرب، قبل أشهر، أعلنَّ الواحدة تلو الأخرى أنَّهنَّ خلال فترة شبابهنّ، وفي سياق الأعمال الإداريّة التي شاركن فيها، تعرّضن للاستغلال والتحرّش بالقوّة والعنف، هذا ما قلْنَه بأنفسهنّ، هؤلاء لسن نساء عاديّات، بل هنَّ نساء بارزات في الغرب. لقد أغلق الإسلام بالحجاب، الباب الذي ينتهي بالمرأة إلى هذه النقطة من الانحراف. إنّ الحجاب الإسلاميّ وسيلة لصيانة المرأة، وليس وسيلة لتقييدها.

 

خصوصيّات المرأة المسلمة

تستطيع المرأة أن تشارك مشاركة فعّالة في الميادين الاجتماعيّة، ويكون لها تأثيرها الاجتماعيّ العميق. ولنساء بلادنا في الوقت الحاضر مثل هذا التأثير؛ إلى جانب الحفاظ على الحجاب والعفاف، ووجه التمايز بين المرأة والرجل، والحدود الفاصلة بينهما، وعدم التعرّض لاستغلال الرجل، وعدم الهبوط بأنفسهنّ وإهانتها إلى مستوى جعلها وسيلة للذّة الرجال الأجانب والطامعين بهنّ. هذه من خصوصيّات المرأة المسلمة اليوم.

 

المرأة مديرة العائلة

أولئك الذين يهينون مؤسّسة الأسرة، ويتظاهرون بأنَّ العدالة بين الجنسين تعني أنّه يجب أن تخوض المرأة كلّ الميادين التي يخوضها الرجال، إنّما يخونون ثقة المرأة وحرمتها وشخصيّتها وهويّتها. إنّ المرأة محترمة، ولم يقل أحدٌ إنّها يجب أن لا تخوض غمار الساحات الاجتماعيّة أو أن لا تتولّى مسؤوليّات أو أن لا تكتسب العلم؛ كلّا، إنَّ من أفضل علمائنا اليوم، وكُتَّابنا، وشخصيّاتنا الثقافيّة، نساءً كثيرات أعدادهنّ لا تُحصى، حاضرات اليوم في مجتمعنا؛ وهذا هو إبداع الثورة وفنّها أيضاً. ولكنّ المرأة في الوقت نفسه هي مديرة العائلة، ومحور الأسرة، وهذا أهمّ من كلّ المهن والوظائف؛ أي الأمومة والزوجيّة وتوفير الاستقرار والسكينة: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ (الأعراف: 189). إنّها مصدر هدوء وسكنٍ واستقرار، وعلى الإنسان التنبّه إلى هذه الأمور في يوم المرأة.

نوصي السيّدات المسلمات المحترمات، المؤمنات بهذه المفاهيم الإسلاميّة والقرآنيّة، بأن يجتنبن آفاتٍ مثل التنافس السلبيّ والاقتداء بنموذج المرأة الغربيّة. إنَّ المرأة المسلمة في بلادنا اليوم عزيزة مرفوعة الرأس، وتمتاز بأنَّ لديها هويّة ثقافيّة مستقلّة ولا تتأثّر بالآخرين.

 

 

(*) من كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقائه جمعاً من الرواديد ومداحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ذكرى ولادة بضعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم 8/3/2018م.