«استراتيجية التلاحم» في جبهات المواجهة الفلسطينية

ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً تحليلياً من إعداد فريق West Asia Research Center، تحت عنوان: «استراتيجية التلاحم» في جبهات المواجهة الفلسطينية. يشرح مفهوم «استراتيجية التلاحم» الذي دعا إليه الإمام الخامنئي في خطاب «يوم القدس» (7/5/2021). ويعدد أنماط وعوامل هذه المواجهة وتأثيراتها على الكيان الصهيوني ومستقبل فلسطين. 

 

الفلسطينيون، سواء في غزة أم في القدس أم في الضفة الغربية وسواء كانوا في أراضي ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين أو في المخيّمات، يشكلون بأجمعهم جسداً واحداً، وينبغي أن يتّجهوا إلى استراتيجية التلاحم، بحيث يدافعُ كلُّ قطاعٍ عن القطاعات الأخرى، وأن يستفيدوا حينَ الضغطِ عليهم من كلّ ما لديهم من مُعدّات.

 

الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف)

 

خطاب «يوم القدس» 7/5/2021

استراتيجيّة «تلاحم الجبهات» مفهوم أطلقه الإمام الخامنئي في خطاب «يوم القدس» هذا العام، 7/5/2021. وينطلق من الرؤية الاستراتيجية لدى قائد الثورة الإسلامية لضرورة وحدة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وعلى امتداد أراضيها كافة، وخارجها. يُقارب المفهوم الشعبَ الفلسطيني كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء، ويقوم على وحدة الفلسطينيين، سواء كانوا في القدس وغزة والضفة الغربية أو في مناطق 1948 أو في المخيّمات. أما منشأ المفهوم فهو حالة التشتت التي عمل عليها العدو في رؤيته لتفكيك الشعب الفلسطيني عبر الفصل ما بين القطاعات: غزة والضفة ومناطق الـ 48، والتفرّد في مواجهة كلّ منها على حِدة وبطريقة تختلف عن الأخرى. الفلسطينيون في مناطق الـ 48 يقيّدهم الاندماج المعيشي والجغرافي مع المستوطنين الصهاينة. وفي الضفة الغربية، يعاني الفلسطينيون من تشرذم القوى إثر اتفاق أوسلو، ومن العزل والحصار ما بعد الانتفاضة الثانية عام 2000. أما فلسطينيو غزة فأقدموا على بناء القدرات ومراكمتها إلّا أنهم محكومون بالإطار الجغرافي خارج الكيان الصهيوني وافتقاد قوة التأثير عليه كما لو من الداخل.

ويقصد بالمفهوم تحديداً: نظرة الشعب الفلسطيني كافة إلى التحديات والتهديدات الإسرائيلية التي تحيق بمنطقة أو حي أو فصيل أو تنظيم على أنه تهديد وخطر على الكيان الصهيوني بأجمعه، والتحرّك على أساس كتلة واحدة بحيث يدافع كلّ قطاعٍ عن القطاعات الأخرى، ويقدّم الدعم اللازم بكلّ ما لديه من عدّة مادية ومعنوية بما يساهم في الضغط ويعرقل مخططات العدو، بل ويفشلها. ويتقوّم المفهوم بعدة عناصر تقدّم استراتيجية واضحة ومتينة للشعب الفلسطيني في نضاله وجهاده لاستعادة أراضيه وحقوقه المسلوبة. وهذه العناصر هي: تعدد أنماط المواجهة، وتشتيت العدو في قراره وأولوياته، والدعم المتقابل، والردع المتبادل، والتأثير على المجتمع الصهيوني في تطويع فلسطينيي مناطق الـ 48، وإعادة الأمل للفلسطينيين خارج غزة، وبناء معادلة جديدة تحمي الداخل المحتَّل.

 

تعدد أنماط المواجهة: تكامل الإمكانات والقدرات بين مختلف القطاعات

مع كل استحقاق تعمل القوى المتواجدة على الأرض في كل قطاع على تفعيل إمكاناتها وقدراتها التراكمية القابلة للاستثمار، ما يوجّه دفعاً أكبر للمواجهة. فيستخدم كل قطاع الأدوات المتوفرة الخاصة به بحكم التوزّع الجغرافي. بهذا، تلتحم التحرّكات الشعبية في مناطق الـ 48 مع التحرّكات الشعبية في الضفة الغربية، ومع العمل المسلّح في غزة. يؤدي تعدد الأنماط إلى توزيع جهد العدو واضطراره لإدارة عدة أنواع من المواجهات في وقت واحد ما يؤدي إلى استنزافه.

 

 تشتيت العدو في قراره وأولوياته: إرباك حركة العدو وشل قدرته على تحديد الأولويات

إن التحرّك في عدة جبهات ضد العدو يؤدي إلى تشتت تركيزه وتوزّع مَهامه، الأمر الذي يُفقده السيطرة على مجريات الأمور، ويُضعف مردود ونتاج العمل العدواني الذي يقوم به. والدخول في مواجهة شاملة مع العدو على الجبهات الثلاث من شأنه أن يستنزف قدرات العدو اقتصاديّاً وعسكريّاً ونفسيّاً، ويفقده التوازن في المواجهة المضادة لتعدد ساحات المواجهة. كما يؤدي إلى ارتباك العدو نتيجة الحاجة إلى تقييم تداعيات نتائج كل جبهة وضروريات المواجهة، وبالتالي توزيع قواه في أكثر من اتجاه، واستخدام موارده دفعة واحدة. ويؤكد فعالية العمل المتكامل ما حدث في معركة غزة، حيث اضطر العدو إلى استدعاء الجنود الاحتياط في شرطة حرس الحدود إلى مناطق الداخل الفلسطيني نتيجة شدة المواجهات مع الشبّان الفلسطينيين العزّل، والاضطرار إلى إعلان الطوارئ فيها خوفاً من فقدان السيطرة عليها بالكامل. وقد وجد قادة العدو في تحرّكات الشباب الفلسطينيين في المناطق المحتلّة تهديداً يفوق تهديد الصواريخ.

 

الدعم المتقابل: التكامل بين القوى والجبهات

إنّ الدعم من مختلف القطاعات ومع تعدد الأنماط يؤدي إلى مسار امتداد حركة المواجهة، تتكامل فيه القوى مع بعضها البعض ويقوى بعضها ببعض، ما يعطي زخما أقوى لمواجهة التحدي أو الخطر، ويفشل المخطط الصهيوني في الاستئثار من مجموعة أو منطقة أو حي بالمراهنة على القدرة في كبت أي فعل مقاوم طالما أنه مجزّأ. إنّ ما يهزّ الكيان الصهيوني في العملية العسكرية على غزة هو انتفاضة الشعب الفلسطيني في الضفة ومناطق الـ 48 نصرةً لغزة، والقيام كلّما أمكن من عمليات دهس واشتباكات ومواجهات مع المستوطنين ورشق بالحجارة وحرق للسيارات وإرسال رسائل تهديد للمستوطنين وغيرها من الإمكانات المتوفرة البسيطة، لكن ذات التأثير الكبير.

 

الردع المتبادل: التحرك بما يؤمن ردع العدو وتخفيف اندفاعه باتجاه قطاع من القطاعات

إن زعزعة الخط الخلفي لتحرّكات العدو الصهيوني يقوّض نزعة التغوّل والوحشية لديه. وعندما يدرك العدو أن الجبهة الداخلية –مثلاً- تتربص به ولن تسكت عن اعتداءاته في الضفة أو غزة، فإنه سيضطر إلى التهدئة والتراجع في حدّة العمليات الهجومية. من ناحية أخرى، هزّت معادلة «القدس - غزة» الكيانَ الصهيوني، بحسب المحللين الصهاينة. لأنها كرّست مفهوم الساحة الفلسطينية الواحدة، ولقد امتد أثرها –نسبيّاً- باتجاه تكريس معادلة «غزة – الضفة»، مناطق الـ 48.  ومن هنا، كانت الدعوات في كيان الاحتلال من كبار السياسيين والمحللين من أجل ضرورة وقف العملية العسكرية للتفرّغ لتداعيات حرب الشوارع في مناطق الـ 48، قبل التحوّل إلى حرب أهلية وتهديد وجود الكيان برمّته.

 

 التأثير على المجتمع الصهيوني: تكريس مفاهيم الهزيمة واليأس بكل العدة الموجودة؛ المادية والمعنوية

إن اتحاد الشعب الفلسطيني حول القضية الفلسطينية وأحقيتها بالتوازي مع الأزمة الأمنية للكيان الصهيوني يدفع باتجاه خلق تيار صهيوني شعبي مهزوم. ما يمكن أن يقدمه توحيد الجبهات أعمق من مجرّد تلاحم القدرات القتالية والصاروخية والشعبية وتعطيل الأعمال وشلل الكيان وخسائر اقتصادية ومادية. توحيد الجبهات يعيد إحياء القضية الفلسطينية الحاضرة في قلب الجيل الشاب الصاعد، وبالتالي يوجّه ضربة وجودية للكيان الذي عمل خلال عقود من الزمن على محاولات طمس القضية وحرف بوصلة الصراع عنها. الأمر الذي يعني خسارة كل المقامرين والمغامرين بمصير الشعب الفلسطيني ووجود فلسطين. لقد كثرت في الفترة الأخيرة الاعترافات بالهزيمة على لسان المحللين الصهاينة، والأخطر من ذلك ما يقوله المثقّفون والأكاديميّون منهم. إن الرّعب الذي رافق وحدة الحركة في الساحات الفلسطينية الثلاث كان دافعاً للعديد من هؤلاء للاعتراف بالهزيمة وبأحقية الشعب الفلسطيني بالأرض والدعوة من قبل بعضهم للعودة إلى الدول الأوروبية.

 

 إعادة دمج فلسطينيي مناطق الـ 48: استثمار الوجود الفلسطيني داخل المجتمع الصهيوني من أجل نصرة القضية الفلسطينية

إن الفلسطينيين في مناطق الـ 48 هم فلسطينيون وليسوا «عرب إسرائيل». لقد آن الوقت لتقويم المصطلحات ودعم هؤلاء الذين أثبتوا بجدارة أنهم أبناء الأرض. لقد أظهرت الأحداث في غزة والقدس أن شرارة الوهج المقاوم الرافض للتطبيع وطمس الهوية الفلسطينية مؤشر قوي على ضرورة التشبيك مع فلسطينيي الـ 48، وتوجيه قدراتهم الكامنة باتجاه خدمة القضية ونصرة إخوتهم من الفلسطينيين في باقي الأراضي. التلاحم بين الجبهات هو طريق ضروري وحاسم باتجاه استعادة هؤلاء الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال لعزيمتهم وشعورهم بهويتهم.

 

 إعادة الأمل للفلسطينيين خارج غزة: تراكم الثقة بالنصر والقدرات والإمكانات القتالية

استثمار نتائج عملية «سيف القدس» في إلحاق الأضرار الجسيمة بالعدو الصهيوني على الصعيد العسكري والأمني والاقتصادي والنفسي والاستراتيجي، وينطوي على قدر كبير من الأهمية لتنمية الأمل بالقدرة على المواجهة وتغيير المصير. يساهم التلاحم الحالي في الحفاظ على الثقة بالقدرات التي تكشّفت في المواجهة الأخيرة، وتحديداً قدرات الشعب الفلسطيني في التحامه ووحدته. ومن ثم العمل على تنمية الثقة بالقدرات الذاتية نحو كسر حواجز الخوف والرهبة لمواجهة أي عمل عدواني بلحاظ وجود جبهة في القطاع الآخر حاضرة للتدخل وتعديل الردع وسنّ معادلة جديدة.

 

بناء معادلة جديدة تحمي الداخل: ترسيخ معادلات الاشتباك الجديدة تحت عنوان «تلاحم الجبهات»

إن استفادة الجبهات الثلاث من الردع المتبادل ونموذج الردع الموضعي، وتعزيز قدرات التحدي ومواجهة التفوّق لدى العدو، تُغيّر القواعد القائمة، وتؤثّر في معادلات الاشتباك الجزئية الخاصة بقطاع دون آخر؛ لتصبح معادلة الحسم هي معادلة «كل فلسطين» عبر دمج كل الجبهات وإلغاء كل الفواصل وتحديد البوصلة بدقة باتجاه فلسطين. الأمر الذي من شأنه أن يضعضع الكيان من الداخل، ويقيّد أعماله العدوانية والاستيطانية، ويدفع به إلى التراجع أمام القوة الموحدة الجديدة القادرة على فرض المعادلات الجديدة وتغيير موازين القوى ورسم المصير.