ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي مقالاً يستعرض تاريخ الثورات العالميّة والحركات المطالبة بحقوق المرأة والنتائج الفعليّة التي حقّقتها، ثمّ يعرض توجّهات الثورة الإسلاميّة في سبيل الدفاع الحقيقيّ والواقعي عن حقوق المرأة.
كانت حركة حقوق المرأةSuffragettes) ) مجموعة من النساء الأمريكيات اللاتي اجتمعن في القرن التاسع عشر للاحتجاج على عدم المساواة في الحقوق السياسية بين الرجال والنساء وللمطالبة بحق المرأة في التصويت في أمريكا.
وتأتي أهمية الاقتراع بالنسبة لهنّ باعتبارها مقدمة لأي مشاركة وحق سياسي. تم تشكيل المجموعة في عام 1848، أي بعد حوالي 60 عاماً من «الثورة الأمريكية»[1]. بعد حوالي 70 عاماً من المقاومة والنضال، فازت في نهاية المطاف في عام 1920 ونجحت في الحصول على حق التصويت لجميع النساء الأمريكيات.
هذا في حين يرى الفيلسوف الإنجليزي «توماس بين» أن سبب الثورة الأمريكية هو النضال للحفاظ على أمريكا كملاذ للحرية ومقاومة العقل السليم أمام تهديدات السلطات.[2] لكن على ما يبدو، لم يكن في هذا الملاذ مكاناً للنساء. وللثورة الفرنسية وضع مماثل أيضاً. اندلعت الثورة الفرنسية الكبرى واستمرت على مدى عشر سنوات بين 1799 - 1789 تحت شعار الحرية لتؤتي ثمارها بعد الكثير من الحروب وسفك الدماء. يتّفق السياسيون والمؤرخون أن هذه الثورة هي واحدة من الثورات الأم في العالم، والتي تمكنت من تحويل الملكية إلى جمهورية ديمقراطية وخلقت العلمانية في فرنسا.[3]
حصلت هذه الثورة أيضاً من خلال الرغبةً في الحرية والجمهورية وتحت تأثير متغيرات عصر التنوير.[4] لكن على الرغم من هذه الشعارات، لم تُمنح المرأة الفرنسية حق التصويت بعد الثورة، إلا بعد أن اعترف شارل ديغول لأول مرة بحق المرأة في التصويت في فرنسا عام 1944، أي بعد قرن ونصف من الثورة.
وللثورة البريطانية عام 1688 وضع مشابه أيضاً. كان شعار هذه الثورة الهادئة محاربة الدكتاتورية وكان مطلبها ملكية دستورية، وحققت ذلك من خلال شعار الحرية لكنها لم تعط نصيباً للمرأة. وبعد أكثر من قرن ونصف على هذا الانتصار، أي في عام 1866، تم تقديم عريضة إلى البرلمان البريطاني طالبت فيه النساء البريطانيات بتغيير قانون الانتخابات والاعتراف بحقهن في التصويت.
لكن الطلب قوبل بردّ عنيف من قبل المعارضة، التي رأت أن حق المرأة في الاقتراع يمثل تهديداً كبيراً لبريطانيا. اعتبر البرلمان البريطاني أن انخراط المرأة في السياسة من شأنه أن يقوّض الحياة السياسية ويدمّر استقرار الأسرة أيضاً. لذلك، لم يتم الأخذ بهذه العريضة. وفي العام 1876، نشطت حركة حقوق المرأة في هذا البلد. وفي نهاية المطاف، بعد التآزر بين حركتي حقوق المرأة في بريطانيا وأمريكا، وبعد سنوات من الاضطرابات والاحتجاجات، مُنحت النساء حق التصويت في العام 1918.
وعلى عكس روايات الحركات التي تسعى إلى المشاركة السياسية للمرأة في دول ما بعد الثورة أو ما بعد الإصلاح، تُعدّ إيران واحدة من الدول القليلة التي ليس لها سابقة مماثلة في تاريخ ما بعد الثورة لأن حق المرأة في الاقتراع تم الاعتراف به منذ انتصار الثورة الإسلاميّة.
مساهمة المرأة في شعار الحرية
إن مراجعة تاريخ حق المرأة في الاقتراع في البلدان التي مرّت بثورات التحرّر يثير التساؤل عن السبب، وعلى الرغم من أن شعار معظم هذه الحركات هو النضال ضد التمييز وتحقيق الحرية، لكن التمييز ضد المرأة وحرمانها من حريتها السياسية استمر لأكثر من قرن بعد هذه الثورات. إن إعادة قراءة أسس هذه الثورات ومقارنتها، تُساعد إلى حد ما في الوصول إلى إجابة.
من بين الثورات المذكورة، لا يوجد أي ثورة لها لون ورائحة الحرية كما الثورة الفرنسية. لكن هذا الشعار لم يجنِ شيئاً للنساء. تشير سوزان مولر أوكين في كتابها «النساء في الفكر السياسي الغربي»، وهي منظّرة وناشطة نسائية، إلى الدور الهامشي للمرأة في تاريخ السياسة الغربية، وتبحث هذا التناقض في الثورة الفرنسية من خلال فكر «روسو». جان جاك روسو هو فيلسوف فرنسي في عصر التنوير ومصدر إلهام للثورة الفرنسية الكبرى حيث يتطلّع فكره إلى المساواة والحرية، لكنه يعتبر هاتين الصفتين القيمتين ضروريتين للرجال فقط، ويرى النساء بشكل طبيعي في وضع غير متساوٍ مع الرجال. لأن الرجال بطبيعتهم أصحاب سيادة، والنساء مطيعات ومُنقادات بطبيعتهن.[5] والطبيعة ليست شيئاً يتربّى بإرادة الإنسان. لذلك لا توجد أيّ طريقة لتغيير وضع المرأة. وبناءً على هذا الرأي، يقول بصراحة بضرورة الفصل بين الرجال والنساء إلا عند الحاجة المُلحّة، وأن يعيش الرجال بحرية بعيداً عن ابتذال المرأة![6] من الواضح أن أي حدث سياسي يأتي من صميم هذا الفكر لا يمكن أن يعود بالنفع على المرأة.
الثورة الإسلامية والحياة السياسية للمرأة
بعد انتصار الثورة الدستورية (المشروطة) في إيران، وجد الناس لأول مرة حق المشاركة السياسية، لكن هذا الحق لم يشمل النساء. إنها الثورة الإسلامية التي أدّت فيها المرأة دوراً فاعلاً، سواء خلال اندلاع الثورة، حيث كان للنساء دوراً فاعلاً وواضحاً للجميع في الشوارع والمظاهرات، لدرجة أن قادة الثورة اعتبروا النساء طلائع هذه الحركة، أو بعد انتصار الثورة، وبقرار مباشر من الإمام الخميني، باعتباره قائد الثورة ومُنظّرها، حيث أتين كما الرجال إلى صناديق الاقتراع وشاركن في الانتخابات الأولى والنظام السياسي الإيراني بعد الثورة.
هذا في الوقت الذي اتهم في كثيرون، منذ بداية نشوء الثورة الإسلامية وحركة الإسلاميين، هذه الجماعات بالرجعية والتخلّف بسبب علاقتها الوثيقة بالدين. طبعاً هؤلاء الناس لم يغيّروا رأيهم بعد الثورة واعتبروا هذا التحرّك للإمام الخميني خطوةً سياسيّة نفعيّة تتعارض مع رغباته القلبية، لأنه في عام 1962 بعد إقرار لائحة «مجالس الأقاليم والمدن»، حيث أعطى الشاه حينها للمرأة الحق في التصويت، لكن الإمام الخميني (قده) عارضها وأعلن هذه المعارضة بشكل علني، وأدت هذه المعارضة إلى إلغاء هذا الحق، ولكن حين تعلّق الأمر بحكومته، غيّر رأيه لأنه كان بحاجة إلى دعم النساء.
أليس هذا تناقضاً؟ بالقليل من التأمّل، نرى أنّه ليس فقط لم يوجد أي تغيير فحسب، بل إن الإمام الخميني أصرّ على موقفه السابق أيضاً. فقد أعلن خلال سنوات اعتراضه أنه ليس لديه مشكلة مع مبدأ حق المرأة في التصويت، لكنه يعارض سياسات محمد رضا شاه التي أدّت بهم إلى الفساد. ينظر الشاه إلى النساء كأدوات ويريدهن كدمى. الدين يعارض هذه المآسي والآلام، وليس حرية المرأة.[7] لم يعارض الإسلام حريتهم أبداً، بل على العكس، فقد عارض الإسلام مفهوم المرأة كسلعة، وأعاد لها كرامتها ودورها. فالمرأة تتساوى مع الرجل. وللمرأة مثل الرجل الحرية في تحديد مصيرها وأنشطتها.[8] يتضح من خلال هذه التصريحات أن الإمام يؤمن بحرية المرأة وحقوقها، لكنه لا يعتبر ما ورد في هذه اللائحة (مجالس الأقاليم والمدن) ضمانةً لحرية المرأة، ويعتقد أن الثورة الإسلامية يجب أن توفر هذه الأرضيّة للمرأة بُغية المشاركة بحرية في بناء المجتمع الإسلامي بشكل فاعل.[9] بناءً على المنظومة الفكريّة للإمام الخميني، «إنّ للمرأة نفس حقوق الرجل في النظام الإسلامي: الحق في التعليم، الحق في العمل، الحق في المُلكية، الحق في التصويت، الحق في الترشّح. وفي كل مجال يمتلك فيه الرجل حقّاً ما، للمرأة الحقّ أيضاً. يريد الإسلام للرجل والمرأة حماية كرامتهما الإنسانية. «الإسلام يريد ألا تصير المرأة ألعوبة بيد الرجل»[10].
إن مراجعة هذه المواقف توضح لنا أنه ليس لها الحق في التصويت والمشاركة السياسية فقط، بل كافّة الحقوق المدنية والاجتماعية أيضاً، وفي فكر الإمام الخميني هذه الحقوق ليست جائزة فحسب، بل ضرورية أيضاً. النظام الإسلامي هو نظامٌ إنساني، حيث أن تشكليه يأتي فوق اعتبار جنس الفرد، وبمشاركة متساوية بين الرجال والنساء، وبقاءه في هذا التآزر أيضاً. فعندما يكون مثل هذا الفكر أساس الثورة، ستكون إنجازاتها وثمارها ملموسة للمرأة أيضاً.
ـــــــــــــــــــــ
[1] هناك خلاف حول تاريخ هذه الثورة. يعتبرها البعض بين عامي 1765–1783، في حين يعتبرها البعض الآخر بدايتها عام 1757 ونهايتها في العام 1789 ورئاسة جورج واشنطن.
[2] Robert A. Ferguson (July 2000). "The Commonalities of Common Sense". William and Mary Quarterly. 465–504. JSTOR 2674263.
[3] France - Britannica Online Encyclopedia
[4] The French Revolution of 1789 as Viewed in the Light of republicanism by John Stevens Cabot Abbott - France – 1887.
[5] أوكين، سوزان مولر، النساء في الفكر السياسي الغربي، ص 193.
[6] المصدر السابق.
[7] الإمام الخميني، صحيفة النور، جلد 3، ص 472.
[8] المصدر السابق، ص 370.
[9] الإمام الخميني، 4/11/1978، مقابلة الإمام مجلة امستردام نيوز الاسبوعية الهولندية حول الحكومة الإسلاميّة. (صحيفة الإمام، ج4، ص: 292,291).
[10] صحيفة الإمام، جلد 5، ص 189.
تعليقات الزوار