مدير الجمعية اللبنانية للفنون "رسالات" محمد خفاجة
النشيد عنصر قوة في مواجهة الحرب الناعمة وأحد أسلحة جهاد التبيين
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي الحوار الذي أجراه مع مدير الجمعية اللبنانية للفنون «رسالات»، محمد خفاجة، والذي تطرّق فيه إلى الحديث عن سرّ اهتمام الإمام الخامنئي بالمجالات الفنيّة، ومدى تأثير النشيد في الجمهور، في ضوء الرسالة التي بعثها قائد الثورة الإسلاميّة إلى مهرجان فجر الوطني والدوليّ الأوّل للنشيد، ودور النشيد بصفته وسيلة من وسائل «جهاد التبيين» الذي دعا إليه الإمام الخامنئي، وغيرها من المواضيع.
أولى سماحة الإمام الخامنئي اهتماماً واسعاً بمختلف المجالات الفنيّة، برأيكم ما هو سرّ هذا الاهتمام؟
الفنون هي من أكثر الوسائل قدرةً على التعبير عن القضايا وإيصال رسائل الأمم والشعوب في الداخل أو تلك الموجّهة للخارج وللخصوم والأعداء. في الوقت الذي تكثر فيه طرق التعبير، تأتي الفنون بطرق بليغة ومحبّبة للمُخاطَب فيتلقّفها بشكل سلس أكثر وأسرع من استخدام أسلوب تقليدي وعادي. كما أنّ الأعداء اليوم يستخدمون سلاح الفن لتنفيذ حربهم الثقافية على شعوبنا وبالتالي يقع على عاتقنا استخدام نفس السلاح لتحقيق المناعة المجتمعية من جهة ولممارسة الحرب المضادّة في وجههم من جهة أخرى.
بعث سماحته برسالة إلى "المهرجان الوطني والدولي الأول لنشيد الفجر" تحدّث فيها عن قابلية النشيد وأهميته، برأيكم ما مدى تأثير النشيد على الجمهور؟
غالباً ما يشكّل النشيد إحدى العلامات الفارقة للشعوب والأمم والجماعات، فتميل لاستخدامه تعبيراً عن الهوية أو الحالة أو القضية أو تظهيراً لإنجاز ومحاولة التأثير في المنتمين لأهل نفس الجماعة. فلكل بلد نشيد وطني يحمل هويته، ومختلف الأحزاب والجمعيات الكبرى تصيغ أهدافها من خلال عمل إنشاديّ، كما يُستخدم النشيد في شارات المسلسلات والأفلام والحملات الانتخابية والمناسبات العامة من باب طبعه في ذاكرة الناس بالإضافة إلى تحفيزهم على إدراك أهمية المناسبة. وبشكل عام فإنّ للموسيقى تأثير كبير على عمل الجهاز العصبي للإنسان وبالتالي مشاعر السرور أو الإحباط أو الحماسة أو غيرها.
أشار سماحته في الرسالة آنفة الذكر إلى أنّ "التركيب البديع من الشعر والصوت واللحن في الأداء الجماعي هو سر التأثير الاستثنائي للأناشيد الدينية والوطنية في أنحاء العالم كافة"، ما هي خصائص النشيد الفاخر بشكل عام، وما هي الخصوصيات التي يجب أن تتمتّع فيها الأناشيد الوطنية والإسلاميّة؟
من خصائص النشيد الفاخر أن تحمل بالبداية كلماته معانٍ قيّمة وأن تكون قابلة للتلحين بما يشكّل عندما يُضاف الصوت الفردي أو الجماعي والمؤثرات الموسيقية عملاً متكاملاً ذو معنى وغير مبتذل، كما يجب ألّا يذهب النشيد باتجاه التقليد والنسخ وأن يبتعد عن المكتبات الصوتية الجاهزة والمُعلّبَة. أمّا بخصوص الأناشيد الوطنية والإسلامية، فيجب أن تساهم في رفع معنويات الشعب أو الأمّة وتوصل الرسائل الإستراتيجية والموضعية في آن، كما ينبغي أن يكون قابلاً للترداد والحفظ من ناحية الموسيقى والصوت، وهذا ما يميزه عن أي أغنية أو نشيد يركز على البُعد المادي فقط.
أطلق سماحة الإمام الخامنئي قبل مدّة جهاد التبيين الذي اعتبره جهاد العصر العظيم، وبمثابة فريضة حتمية وفورية. هل للنشيد من دور في جهاد التبيين؟ وكيف يمُكن أن يؤديه؟
يتطرق سماحة الإمام الخامنئي إلى أهمية دور مجاس الموالد والعزاء للهيئات في جهاد التبيين، ومن هنا ممكن أن ننطلق لمعرفة أهمية النشيد في هذا الخصوص، فالنشيد برسالته والقيم التي يحملها في محتواه، بالإضافة إلى تأثيره النفسي على الشعوب والأمم هو أحد أسلحة جهاد التبيين في هذا الزمن.
أشار سماحة الإمام الخامنئي مراراً إلى تركيز العدو في حربه الناعمة على نقطتين رئيسيتين، الأولى إضعاف روحية المقاومة، الظاهرة المذهلة والإعجازيّة في قلب العالم الإسلاميّ، كما وصفها سماحته في نداء الحج لهذا العام. والثانية بث اليأس وتيئيس الناس، لاسيّما الشباب من المستقبل. كيف يُمكن للأناشيد أن تؤثر في هذا الصدد؟ وهل هناك مصاديق تودون الإشارة إليها؟
النشيد شكل من أشكال الفنون التي تشكّل بدورها عنصر قوة في مواجهة الحرب الناعمة كما سبق وذكرنا وذلك لقدرتها الكبيرة على التأثير بشكل سريع وسهل. كما قلنا أيضاً أنّ للنشيد دور كبير في رفع معنويات الشعوب من خلال تأثيره على عمل الجهاز العصبي للإنسان، وبالتالي يشكل ذلك عنصراً من عناصر المواجهة. ويمكن على سبيل المثال استحضار الرسوم الساخرة من الرسول الأكرم "ص"، وكم انتشر على إثرها من الأناشيد التي ترفض الإساءة من جهة وتشير إلى نور هذا النبي الأعظم، وباتت هذه الأناشيد محركاً أساسياً في المسيرات الغاضبة والرافضة. كما يمكن أن نأخذ أيضاً أمثلةً حول أثر اللطميات والأناشيد في بثّ الروح المعنوية لدى شعوب إيران ولبنان وسوريا أثناء الحرب السورية الأخيرة وكم أدّى ذلك إلى تحقيق ارتباط أكبر للناس والقضية في ظل المواجهة القاسية من جهة والتضحيات العظيمة من جهة أخرى.
يُعد الفن أحد الأدوات البارزة في التواصل الحضاري، فما هو دور النشيد في تعزيز الارتباط الثقافي بين الشعوب، وخاصّة شعوب المنطقة؟
إنّ تلاقي وتواصل الثقافات أمر لا بدّ منه بين الشعوب، ويشكّل النشيد هوية تعبير عن ثقافة شعب أو أمّة، ويكبر هذا الأثر عندما نتحدث عن القضايا المُشتركة بين شعوب المنطقة أو تحديات المواجهة المشتركة. وعلى سبيل المثال ممكن أن نرى الأثر الكبير والعميق للاحتفالات الأوركسترالية التي أقامتها إيران مثلاً في لبنان أو سوريا وكم وسّعت دائرة التواصل الثقافي بعيداً عن الرسائل الثقافية الكبيرة التي تؤديها.
يعد نشيد "سلام فرمانده/ سلام يا مهدي" أحد المصاديق البارزة والحيّة للأناشيد التي لاقت رواجاً واسعاً، برأيكم ما سرّ هذا الانتشار؟ وبما أنكم من المشاركين في الإعداد والتنفيذ لهذا العمل، هل يُمكن أن تحدثوننا عن هذا النشيد بدءاً من الفكرة وصولاً إلى التنفيذ؟
في البداية لا بدّ من الإشارة إلى أنّ انتشار هذا العمل الفني المهمّ فيه سرّ عظيم يتمثّل بالتوفيق الإلهي من جهة، ورضى صاحب الزمان "عج" من جهة أخرى، بالإضافة إلى البصيرة النافذة لدى الإمام الخامنئي عندما قام بتوجيه الشعراء والموسيقيين لتنفيذ نشيد قابل للانتشار بين الأولاد خصوصاً وعموم الناس. ولذلك فإنّ الجانب المرتبط بالكلام والموسيقى يأتي ثانياً بعد السر العظيم. كما أدّى نجاح العمل في إيران والصورة التي شاهدها كل العالم المتمثّلة بتأثر الشعب الإيراني بالنشيد، أدّى أن تحذو الكثير من الدول والجماعات للقيام بنسخ شبيهة ليصبح هذا العمل اليوم أحد أكثر الأعمال الإنشادية انتشاراً في العالم وبصورة قياسية، كما شكل مصداقاً حقيقياً لاجتماع قلوب محبي صاحب الزمان "عج".
أمّا حول إعداد وتنفيذ العمل في لبنان، فبعد انتشاره في إيران قرّرنا القيام بنسخة عربية لبنانية مرتبطة بالإمام من جهة وبقضيته وعُمقها ورموزها من جهة أخرى، فطلبنا من عدد من الشعراء أن يقوموا بكتابة قصائد تتحقق فيها الشروط، ونالت إحدى القصائد مباركة سماحة السيد حسن نصر الله وتأييد أهل الاختصاص فمضينا في مسار التوزيع الموسيقي واختيار المنشد والإنشاد الجماعي. ثمَّ طرحَ العمل للناس ولاقى انتشاراً واسعاً، وتمّت بعدها الدعوة إلى تجمعات شعبية كبيرة في المناطق لمسنا من خلالها الأثر الكبير للنشيد على الناس الذين شعروا بقُربٍ غير مسبوق من إمام الزمان "عج"، كما شكلت هذه التجربة الأولى التي اعتبر الحاضرين أنفسهم فيها شركاء في نجاح التجمع وكانت هناك منافسة كبيرة لإظهار صورة أبهى لتليق قليلاً بإمامنا المفدىّ "عج". ونحن حالياً بصدد إنهاء العمل من الناحية الفنية تمهيداً لنشره في الأيام القليلة القادمة، بالإضافة إلى دراسة التجربة وتشريحها لأخذ العبر وتحديد الخطوات القادمة.
تعليقات الزوار