حول رسالة الإمام (قدس سره) إلى غورباتشوف

تميزت رسالة الإمام الخميني (قدس سره) إلى زعيم الاتحاد السوفياتي الأخير "غورباتشوف" بأنها سابقة في تاريخ العلاقات بين الدول والشعوب في العصر الحديث، بل ظهرت هذه الرسالة وكأنها خارجة عن حدود هذا العصر الذي لم يعهد مثل هذا النمط من أساليب التعامل في الدعوة إلى أية فكرة أو عقيدة.

من هنا كانت هذه الرسالة محطة مهمة في مسيرة الإسلام الحديث بقيادة مفجر الثورة الإسلامية المباركة ومجدد هذا الدين العظيم، وإذا أردنا في هذه العجالة أن نستعرض بعضاً من الدلالات التي تشير إليها الرسالة يمكن التوقف عند التالي:

أولاً: القناعة الراسخة عند الإمام (قدس سره) وهي قناعة مستقاة من الإسلام، بأن هذا الدين هو وحده الكفيل تحرير الإنسانية من كل القيود المكبلة بها، والقادر على قيادة البشرية نحو المستقبل المضموم دينياً ودنيوياً ويحقق السعادة والعدالة للجميع.

ثانياً: إثبات إفلاس كل العقائد الوضعية عن حل مشاكل الإنسانية التي تتخبط بها، والتي لم تجد أملاً في الخلاص منها.

ثالثاً: إثبات عالمية واستمرارية الرسالة الإسلامية على التكيف مع ما تحتويه من مبادئ ثابتة وأخرى متحركة على استيعاب كل تطور الحركة الفكرية ونتاجاتها في أي عصر من العصور، ومن دون أي قلق أو تردد في هذا المجال.

رابعاً: زرع الثقة والقوة الإيمانية في نفوس المسلمين الذين كانوا حتى الأمس القريب يعانون من وطأة الضغط الاستكباري عليهم، ويعيشون اليأس والإحباط، فإذا بالإمام (قدس سره) يدفع بهم إلى مرحلة الهجوم القوي المستند إلى قوة العقيدة وصلابة الإيمان ليقتحم القوتين العظميين في العالم عبر طرحه الإسلام عليها، وهذا ما ولَّد وما زال يولِّد الكثير من عناصر القوة والعزيمة والإرادة عند المؤمنين الملتزمين المنطلقين من الإسلام.

خامساً: إشعار كل الذين يحملون الفكر البعيد عن الله وشريعته بان المستقبل لن يطول لهم، تماماً كمرحلة تأسيس دولة الإسلام الأولى بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي بدأ عقيبها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإرسال الكتب التي تدعو كل الحكام والملوك آنذاك إلى الاستجابة للنداء الإلهية الذي انطلق من الجزيرة العربية ومن مكة تحديداً معلناً نهاية عبادة الأوثان وبداية عصر عبادة الرحمان، فإن رسالة الإمام (قدس سره) تحمل في طياتها مثل هذه البشارة المستقبلية لمن قرأ تاريخ الدولة الإسلامية زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

سادساً: ترهيب الأعداء من إمكانية قدرتهم على التسلط على الأمة الإسلامية، إذ أن من يدعو العالم إلى التزام عقيدته وشريعته التي تحمل صفة عالمية إلهية، لن يقبل أن يرضخ فكراً وعقيدة لغير الله عز وجل، وفي هذا قطع لآمال المستكبرين في تخريب عقيدتنا وجرنا إلى الإيمان بعقائدهم الفاسدة وسلوكياتهم المنحرفة، ولهذا نجد أن الإمام (قدس سره) في رسالته يوصي غورباتشوف بإرسال الشيوعية الى متحف التاريخ.

من هنا نقول إن من واجب المسلمين في هذا الزمن أن يبادروا كما هو الحال الآن إلى تقوية ارتباطهم بالإسلام، بعد ما أثبت ذلك الارتباط قدرته على تغيير واقع هذه الأمة التي عادت إليها الروح الجهادية عبر استنهاض الإسلام بقيادة ذلك الإمام الملهم الذي فتح لها الطريق بقوة لتندفع إلى صلب الحركة السياسية العالمية وتصبح الرقم الأصعب في المعادلة اليوم والتي يحار الأعداء من كيفية مواجهتها والسيطرة عليها لمنعها من تحقيق هدفها الكبير المتمثل بإنقاذ الأمة الإسلامية وكل عالم المستضعفين من سيطرة القوى الاستكبارية.

إن القوة التي يزرعها فينا دين الله كفيلة بأن تجعلنا قادرين على فرض ديننا وسياستنا على العالم لا من منطلق التسلط بل من منطلق الرحمة الإلهية المملوءة بها قلوبنا من أجل خلاص البشرية، هكذا علَّمنا الإمام كما تعلَّم هو من الإسلام وسيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وهكذا يريد لنا أن نكون وسنكون.

والحمد لله رب العالمين