دور الإمام الخميني (ره) في تطوير الحوزات العلمية
مقابلة مع آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (دام ظله)
ـ الرجاء من سماحتكم بيان دور الإمام (ره) في تطوير الحوزات العلمية من الناحية الفكرية والتنظيمية؟
ـ لقد طرحتم مسألة مهمة جداً ولها تأثير على مصير الإسلام والمسلمين وكذا الحوزات العلمية من عدة نواحي، فما يمكنني قوله هو أن الإمام (قدس سره الشريف) كان حساساً جداً بالنسبة لشؤون الحوزات العلمية، لذا يمكننا في هذا المجال أن نعكس آراء الإمام على خمسة محاور على الأقل:
أهمية الحفاظ على الحوزات العلمية:
1 ـ كان الإمام(قده) يرى أن الحوزات العلمية مهمة جداً ويمكن ملاحظة ذلك من خلال بياناته المختلفة، علاوة على ذلك، فقد كانت لي مع الإمام(قده) عدة قضايا خصوصية كنت أكتشف من خلالها الاهمية التي كان يوليها الإمام(قده) للحوزات العلمية؛ فقد كانت لنا عدة لقاءات معه وفي كل مرة عند انصرافنا أو دخولنا عليه كان يؤكد علينا الاهتمام بمباحث الحوزات العملية خصوصاً الفقه، فذات مرة كنت ذاهباً إلى منطقة (آستارا) على الحدود الإيرانية ـ السوفيتية، فوجدت انها منطقة حساسة وكنت أول مرة اشاهد فيها تلك المنطقة، وكان قد نصب جسر على النهر الموجود في المدينة وفي وسط باب، كتب على احد طرفي الباب إيران وعلى الطرف الآخر (الاتحاد السوفيتي)، وبعد التحقيق علمت أن المنطقة ليس بها لا إمام جمعة ولا حتى عالم دين في حال اني كنت أسمع من الطرف الآخر اصوات قبيحة ومشاهد تلفزيونية غير مناسبة، فبعد رجوعي من السفر، تشرفت بخدمة الإمام(قده) وحكيت له الوضع هناك، وطلبت منه ان يسمح لنا وللمدرسين في الحوزة العلمية بالذهاب إلى هناك وعلى نوبات، وطلبت منه شخصياً أن أذهب إلى هناك لمدة ستة أشهر أو حتى سنة لأني كنت أحس بالمسؤولية؛ فقال سماحته: فكرة جيدة والمنطقة حساسة، فلابّد من ذلك، لكنه بعد تأمل لحظات قال: لا، لا، أنت لا تذهب، بل ابق في الحوزة، الحوزة مهمة، حافظوا على الحوزة، فكان يرى ان حدود الحوزات أهم من تلك الحدود، وهذا يدل على الاهتمام الذي كان يوليه(قده) للحوزات العلمية.
استقلالية الحوزات العلمية:
2 ـ المسألة الثانية التي كان ينظر إليها الإمام(قده) هي استقلالية الحوزات العلمية، فمع ان الحكومة اصبحت إسلامية لكنه كان يرى ان تحفظ استقلالية الحوزات وان ينظر إلى المستقبل، ففي احدى الجلسات كنا بخدمته مع عدد من الاصدقاء فقال الإمام(قده) لا تربطوا سائر الحوزات العلمية في إيران بحوزة قم، ثم كان يضرب مثلاً على ذلك ويقول: كان هناك اصطلاحاً رائجاً في زمان الملكية، يقال "شاه مردگي" أي موت الملكية فعندما يموت الملك أو يقتل بنحو ما يزول معه النظام الملكي، والسبب في ذلك انه كان يمسك بجميع الخيوط، فكان يقول: لا تعملوا عملاً يظهر الحوزات العلمية بهذا الشكل، فإذا حدثت مشكلة لحوزة قم، فإنّ سائر الحوزات تواصل عملها وتتمكن من الوقوف على أقدامها، ولذا كان الإمام(قده) يستفيد من سهمي (الإمام والسادات) لشهرية الحوزات فقط، ولم يسمع مطلقاً أنه استفاد منها في ميزانية الدولة، وكان يقول: الحوزة إلى جانب النظام، والنظام مع الحوزة، يساندان بعضهما بعضاً، لكن يجب على الحوزات أن تحافظ على استقلاليتها، ويستنبط من كلامه أن الحكومة تصبح حوزوية لا الحوزة تصبح حكومية.
مسايرة الحوزات للتحولات العالمية:
3 ـ كان الإمام(قده) يعتقد بايجاد تحول جديد في الحوزات العلمية وتطبيق وضعها مع الوضع الموجود في المجتمعات والعالم الإسلامي ولا يمكن بقاؤها على الوضع السابق.
فمثلاً في المباحث الفقهية لا تبحث أبواب الصوم والطهارة والحج فقط بل يجب الاعتناء بأبواب القضاء الإسلامي، الحدود والديات، السياسات الإسلامية والاقتصادية والفقهية، وعلى الحوزات الاجابة على هذه المسائل كافة، وقد شكلت حكومة إسلامية لأول مرة، فيجب أن تكون جميع القوانين إسلامية. وكان يرى ان الحوزات العلمية يجب أن تسد الفراغ القانوني الموجود، وكذا الفراغ الاعتقادي.
لكن مع كل هذا كان يؤكد على الاصالة الفقهية، أي الفقه الجواهري في الحوزات إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان وأمثال ذلك.
الأخلاق في الحوزات العلمية:
4 ـ من المسائل التي كان يؤكد عليها الإمام(قده) كثيراً هي مسئلة الأخلاق في الحوزات، فكان ينصح الطلاب بذلك كثيراً عندما كانوا يتشرفون بخدمته ويقول: العالم غير المهذّب لا ينتفع الإسلام منه وهو خطر على الإسلام. وعلاوة على ذلك سمح بتشكيل محكمة خاصة بالروحانيين لتصفية الحوزات العلمية من العناصر الفاسدة، بحيث تردع أي فرد وفي أي منصب كان إذا شوهد منه قضية غير اخلاقية وانحرافية، أو قضايا تمس بأمن الدولة.
وهذا يدل على الاهتمام الذي كان الإمام الخميني(قده) يوليه للقضايا الأخلاقية في الحوزات.
المحافظة على القيم الموجودة في الحوزات:
5 ـ كان الإمام(قده) يؤكد على الحفاظ على القيم الموجودة في الحوزات، وقد أشرت أخيراً في المؤتمر الأخير أن المقصود من الإصلاحات في الحوزة ليس معناه أن لدينا تشكيلات هدامة 100% ونريد اصلاحها، كلا؟ بل اننا نملك قيماً ومبادئ في الحوزة بحيث يغبطنا عليها الآخرون، فكان الإمام(قده) يصر على المحافظة على هذه القيم.
فيجب علينا عدم ترك هذه القيم والمبادئ، بل علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه القيم وننظر إلى نقاط الضعف منها لرفعها ونقوي القيم والمبادئ. فمثلاً: العلاقة الموجودة بين الاستاذ والطالب، كذا الصفاء والمحبة الموجودة بينهما، الحرية الموجودة في انتخاب الاستاذ، وأمثال ذلك. لذا كان الإمام(قده) يؤكد على الحفاظ على هذه القيم ـ التي هي ميراث قرون مضت لنا في الحوزات.
ومع مشاهدة التغييرات المقرر إيجادها في الحوزات العلمية لأجل إنتاج أكثر وتقوية أساس الحوزات، نتمنى من الله أن يتم متابعة كل الإرشادات التي كان الإمام(قده) يبذلها بخصوص الحوزات.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تعليقات الزوار