القيادة المعنوية للإمام الخميني (قدس) أثناء الدفاع المقدس-1
وتعتنی الثقافة الشيعية عناية خاصة بمفهوم القيادة في المجتمع وتعتبره من الحاجات الأساسية للبشر. والنقطة المهمة هي أن الشيعة ومن خلال رؤيتهم، يعتبرون أن القيادة هي تطبيق لولاية الله على الأرض والقائد يجب أن يعين من قبل الله ويكون لديه التفويض والأمر إما بشكل مباشر أو غير مباشر ليقود الناس ويحصر الشيعة هذا الأمر المهم بالشجرة الطيبة لآل البيت (عليهم السلام) من بعد النبي.
ولقد تجلت وتحققت القيادة الإلهية والدينية في العالم الإسلامي بكل معاييرها وخصائصها وذلك من خلال قيادة الإمام الخميني للثورة الإسلامية التي تعتبر (مثالاً) و(صورة عملية) لهذه القيادة، وذلك من خلال هذه الثورة الإسلامية. كان للإمام الخميني (رحمه الله) شخصية جامعة ذات أبعاد مختلفة علمية وعملية وقد أوجد حدثا مهماً ونادراً في التاريخ الإسلامي. من ابرز تجليات القيادة والدور المعنوي للإمام الخميني (رحمه الله) وتأثيره العميق على معنويات الأمة ومجاهدي الإسلام هي قيادته للأمور وهدايته لها خلال ملحمة الدفاع المقدس وذلك لمدة ثمان سنوات.
هذا الرجل العظيم مزج بطولات الحرب بأعلى مراتب عرفانه وتجلی فقهه في الفلسفة العملية للحكومة الإسلامية وحكمته التي شكلت أساس النظام الإسلامي.
و يقول سماحة آية الله الخامنئي حول خصائص قيادة وهداية الأمام الخميني (قدس سره) للقوات المسلحة:
من بعد عهد النبي لم نرى قائد للقوات المسلحة إنسان عارف وحكيم ومحب لله ... ولم يكن هناك في أي مكان في العالم حتى اليوم ولا في الماضي قوى عسكرية تكون تحت إمرة إنسان معنوي والإلهي وعارف ولديه ارق الأحاسيس البشرية في نفس الوقت وحزم وقوة لا يملكها أي قائد في العالم ويقوم بالدفاع عن الشرف والحياة الشريفة لهذه الأمة في مواجهة المعتدين.
إن حال المقاتلين والمجاهدين والشوق إلى الجهاد وصلابتهم والفتوحات العظيمة التي حصلوا عليها في قتال أعداء الإسلام، أكثرها مرهونة بالتأثيرات الاعجازية والمعنوية لشخصية الإمام (رحمه الله) في قيادته للدفاع المقدس وسنبحث في هذه المقالة وباختصار خواص هذه القيادة وأساليبها ومن ثم الارتباط المعنوي بين الإمام والمقاتلين.
يتمتع الإمام الخميني (قدس سره) بدرجة عالية جداً من الأخلاق الفردية والإدارية والخصوصيات القيادية، تجعل منه إنسان نموذجيا وكامل، ويستلزم البحث حول كل من هذه الخصوصيات بحثا منفصلا وسوف نتعرض في هذه المقالة إلى أبرزها والتي تتعلق بقيادته العالية للحرب:
1ـ الشجاعة:
لم تكن كلمة الخوف موجودة في قاموس وثقافة الإمام خلال كفاحه السياسي وفي زمان ثورته على الطاغوت ومواجهته لأمريكا وقيادته لمدة ثمان سنوات من الدفاع المقدس ودخوله المواجهة بشجاعة. لقد أخاف الإمام الخوف الذي لم يعرف طريقا إلى قلوب أولياء الله- وهو لم يخف ولم يخوف احد. عندما هدد وزير الدفاع الأمريكي وبشكل علني بأنّ أمريكا سوف تدعم أصدقائها العرب عندما ترى ذلك مناسبا). قال الإمام (رحمه الله) في رده على هذا النوع من التهديدات العسكرية للعدو بقوله:
كل واحد من هؤلاء (المدافعين عن النظام العراقي) إذا أراد أن يعتدي سوف نقف بوجهه حتى آخر فرد منا. وعندما استقدمت أمريكا الأساطيل البحرية إلى الخليج الفارسي للدفاع عن النظام العراقي، قام المسؤولون في الجمهورية الإسلامية بالحديث مع الإمام ومعرفة رأيه على هذا الموضوع. قال الإمام وبشجاعة: إذا كان الأمر لي فاني سأعمل على ضربها فور دخولها إلى الخليج الفارسي.
2ـ الطمأنينة
القلب الهادئ والمطمئن لسماحة الإمام (رحمه الله) ناتج عن الإيمان الثابت والاعتقاد الراسخ ببحر الألطاف الإلهية غير المتناهي. هذه الطمأنينة لم تقدر أن تزلزلها وتكسرها الحوادث الوخيمة والشديدة. كان الإمام (رحمه الله) يرى العالم بأنه تجلى للحق المتعال وكان لديه ثقة بالألطاف والعناية الإلهية وتصديقا للآية: {ألاّ بذكر الله تطمئن القلوب}.
وهذا العنصر المهم كان له تأثير عميق على اتخاذ قراراته أثناء قيادته في فترة الدفاع المقدس. ردات فعل الإمام البسيطة والهادئة في وجه الهجوم الشامل للعدو على إيران هي من ابرز نماذج هذه الطمأنينة عندما قال: «جاء سارق رمى حجراً وهرب».
بعد أيام من المطالعات والبحث حول معرفة الإمكانيات والتجهيزات اللازمة وطرق العمليات العسكرية كان لدى قادة ومخططي العمليات العسكرية قلق واضطراب حول مدى نجاح خططهم وكانوا لا يخفوا ذلك ويلجؤا إلى نفس الإمام المطمئنة ليستلهموا الطمأنينة.
كانت تعليمات وتوجيهات الإمام قبيل عمليات الفتحالمبين والفجر8 نموذجاً آخر على الطمانينة والهدوء القلبي لسماحة الإمام (قدس سره) والتي كان لها تأثيرا عجيباً على فوز مجاهدي الإسلام.
3ـ التواضع:
كانت شخصية الإمام المعنوية والعظيمة من أهم عوامل التحول الروحي والمعنوي للأمة الإيرانية ولمقاتلي جبهة النور في مقابل جبهة الظلام في ألثمان سنوات خلال فترة الدفاع المقدس.
الحضور البطولي للشباب في ميادين الجهاد والشهادة هو عبارة عن ميل شعب إيران وشبابها للقيم الإنسانية الإسلامية المتعالية وبرزت هذه القيم في جبهات القتال. هذا كله كان من شعاع التوجيهات والنصائح النبوية لهذا العارف والعالم المتواضع ومقاتل الاستكبار والذي سلك أعلى مراتب السلوك وترفع إلى أرقى درجاته. أمّا صفة التواضع عند الإمام (قدس سره) لم تسمح له بان يقوم بالحديث عن أعماله وكان يعرف نفسه بأنّه خادم وقال: «إن تقولوا لي خادم أفضل من أن تقولوا قائد».
في كل مرة يجتمع مع المقاتلين كان يقول انه خجل جدا ً ويعتبر هؤلاء المحبين للقتال والشهادة قد سبقوه وتأخر عنهم. ذروة وأعلى مراتب ودرجات التواضع عند الإمام (رحمه الله) بالنسبة للمقاتلين هي في جملته المعروفة في وصف الشاب الصغير المقاتل الشهيد حسين فهميده عندما قال: قائدنا هو هذا الطفل صاحب ثلاثة عشر عاما بقلبه الصغير، وقيمته اكبر من مئات الأقلام والألسنة، حيث قام برمي نفسه وهو يحمل قنبلة تحت دبابة العدو ودمرها وشرب كأس الشهادة.
4ـ محبة وإخلاص الإمام (قدس سره) مع المجاهدين:
وكما كان مقاتلي الإسلام في سبيل الله على جبهات المعارك يحبون الشخصية المعنوية لقائدهم، كان الإمام أيضاً يحب أبنائه المعنويين محبة خاصة. وفي الحقيقة كانت العلاقة بين المريد والمراد هي من الطرفين وكانت تجليات إخلاص ومحبة سماحة الإمام (قدس سره) للمقاتلين ظاهرة وواضحة وبشكل كامل في حديثه وإعماله.
في عبارات مثل: «أني اشد على أيديكم واحداً واحدا، أني لا أرى مسافة بيني وبينكم، ويظهر أنّ عمق المحبة والميول القلبية للإمام كانت لأبطال الدفاع المقدس».
كان تواضع الإمام (قدس سره) مع قادة الجبهات والمقاتلين هناك وإزالة حواجز التعامل الرسمي والمتداول بين القائد العام والقائد العسكري للحرب مع القوى التي هي تحت أمره في اللقاءات الخاصة تصور زاوية من زوايا محبة وإخلاص سماحة الإمام (قدس سره) للمقاتلين وكانت لقاءاته الخاصة مع المقاتلين مليئة بالمواقف القريبة للقلب والارتباط العاطفي والمحبة والإخلاص.
5ـ الحزم:
في فترة كفاح الإمام ضد نظام الشاه الظالم كان حزم الإمام هو مفتاح الحل لكل برامج وسياسات الكفاح والتي اعترف من كان حوله وطلابه بمدى جدواها وإعجازها. وبالنسبة للأمور القيادية الرفيعة والحربية كان حزم الإمام (قدس سره) يحل العقد الصعبة والمسائل التي تظهر في التخطيط الحربي والعسكري والتي يعجزوا عن اختيار حلول لها. من أهم مظاهر حزم الإمام هو تحطيم محاصرة عبادان وتحرير سوسنغرد وعزل قيادة القوى المسلحة.
6ـ عدم قبول المساومة والثبات في الحرب:
عداء الإمام للظلم وثباته في وجه مؤامرات الأعداء أوجدت عنده روح مقاومة لا تقبل المساومة معهم. واخذ الإمام في سيرة عمله وطرق محاربته للأعداء أسوة من الآيات الشريفة {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} 18 و{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ} 19، ولم يتحمل الإمام الخطط الظالمة والمستكبرة والمفروضة من قبل العدو.
لم تستطيع الضغوطات العسكرية والإعلامية والنفسية للمدافعين عن الأعداء والذين كانوا يمدون النظام البعثي العراقي بالسلاح أن تؤثر على روح الإمام المقاومة والتي لا تقبل المساومة وان تجعل الإمام يقبل بمطالب الاستكبار العالمي وقال: «سوف نصمد حتى آخر فرد منا وآخر متر من أرضنا وآخر قطرة دم من اجل أن نعتلي بكلمة الله».
هذه المعنويات والصفة المطلوبة للإمام (رحمه الله) كان لها تأثير عجيب على المقاتلين المسلمين بحيث أدت إلى تثبيت إرادة المقاتلين الأشاوس الذين كانوا يقاتلون بإرادتهم في أصعب ظروف الحرب وأدت إلى استئصال العدو المجهز بأحدث الأسلحة.
7ـ معرفة الخدع:
كان العدو يلجأ في مواقع وظروف مختلفة إلى حيل وخدع متنوعة وكان يسعى وبالاستفادة من أساليب الحرب النفسية إلى تضعيف الحوافز الإسلامية عند المقاتلين وإلى تضعيف إرادتهم في الدفاع عن وطنهم الإسلامي.
التظاهر بالإسلام والمظلومية من جملة الأمور التي أقدم عليها العدو البعثي لخداع امة إيران المقاومة، ولكن صحوة وذكاء والوعي الذي انفرد به شخص الإمام(قدس سره) في اتخاذ القرارات الحساسة والمحسوبة أدى إلى إبطال كل المؤامرات التي كانت تحاك ضد هذه الأمة.
من هذا المنطلق كان المدافعون عن النظام البعثي وساسة الاستكبار العالمي ولمنع إيران من تحقيق الانتصارات المتصلة ببعضها من إزالة حصار مدينة آبادان إلى فتح بستان ومعركة شزابه إلى عمليات الفتح المبين وفتح خرمشهر الاعجوبي وتعتبر هذه الانتصارات من الضربات القوية التي تلقاها النظام البعثي، لذلك لجئوا إلى خدع جديدة وذلك لحرف أفكار المجتمع الدولي والإعلام والأمة الإيرانية والبلاد الإسلامية وبالأخص المقاتلين الشجعان الإسلاميين من جبهات الحرب الإيرانية العراقية إلى أمور أخرى.
هذه المؤامرات الكبرى كانت خطة الهجوم الوحشي والمفاجئ لإسرائيل على لبنان وكادت أن تنجح ولكن الإمام (قدس سره) باتخاذه القرارات الصائبة والواعية حول كيفية دعم المقاتلين من الشعبين اللبناني والفلسطيني أدى إلى تعطيل مثل هذه المؤامرة.
سماحة الإمام(رحمه الله) قال: «يجب من خلال هزيمة العراق أن نكمل إلى لبنان وليس بشكل مستقل».
الأساليب والتدابير القيادية للإمام الخميني (رحمه الله)
يعتبر الإمام الخميني (قدس سره) قائد القوات المسلحة والقائد الأعلى للحرب، فهو يقوم بتعيين وتوجيه إستراتيجية الحرب وقد استطاع من خلال أساليبه وتدابيره الخاصة قيادة الحرب خلال ألثمان سنوات للدفاع المقدس وجلب إعجاب ساسة العدو وانبهارهم به.
1_ التعبئة العامة وتنظيم الناس والقوات المسلحة تحت لوائين أساسيين اللواء الحربي ولواء الدعم اللوجستي حتى يتسنى لكل القوى المتطوعة أن يشاركوا بميزان قدراتهم واستعداداتهم، وقد قال في ما يتعلق بهذا:
«كل من يستطيع أن يذهب إلى الجبهة عليه الذهاب ومن لا يستطيع يساعد خلف الجبهة».
2_ توسيع التنظيمات العسكرية والأمر بتشكيل القوة الثالثة وهي الحرس الثوري.
وأدى هذا الأمر إلى أن يتمكن الحرس الثوري التنسيق بشكل اكبر مع قوى الجيش الإيراني وأن يكون له حضور أقوى في ميادين الحرب.
3_ التنسيق والانسجام عند القوات المسلحة.
وكما كان في فكر الإمام (قدس سره) بان وحدة وتوحد طبقات الشعب المختلفة والأحزاب المتنوعة هو عامل النصر الأساسي للأمة الإيرانية. كان انسجام القوات المسلحة هو أيضا ضمانة لقوة القوات المسلحة في الدفاع المقدس. وفي هذا قال الإمام (قدس سره) لقوى الجيش والتعبئة والحرس الثوري:
«ذوبوا في بعضكم البعض وأزيلوا كلمة أنا وأنت من بينكم واهجموا على العدو بيد واحدة وقوة واحدة».
4_ التنسيق والاستفادة من الإمكانيات خلف الجبهة:
نسق الإمام ايضاً عمل الأجهزة التنفيذية والإعلامية والسياسية خلف جبهات القتال مع بعضها البعض ودعاهم بالتوجه إلى مشكلات الحرب وربط كل الأنشطة السياسية والإعلامية والاقتصادية خلف جبهات القتال بالدفاع المقدس وقد استفاد بشكل دائم من مؤسسات الدولة والمنظمات لتقوية وتجهيز الناس للقتال ودعم خطوط الجبهة وقال حول ذلك:
«استمروا بدعمكم المادي والمعنوي لجبهات الحرب والمقاتلين ودافعوا عن جيوش النور».
5- مواجهة الموانع الداخلية ودعايات العدو:
خلال مرحلة الدفاع المقدس جرى العديد من الحوادث، بعضها كان التنافس بين التيارات المختلفة في البلاد الذي حصل نتيجة الظروف السياسية الداخلية لإيران وكانت تؤدي أحياناً إلى توتر الجو السياسي في البلاد، كانت بعض الحوادث تحصل نتيجة تدخل العملاء وجواسيس العدو وبعضها الآخر كان نتيجة لما كانت تقوم به بعض المجموعات الداخلية حيث كان كل واحد من هذه الحوادث يمكن أن يؤدي إلى إيجاد مشكلة للمجاهدين المسلمين المرابطين على جبهات القتال الأمامية ويعيق متابعتهم لدفاعهم المقدس. إلا أن سماحة الإمام الخميني (قدس سره) كان يعمل على إبطال الأثر السلبي لهذه الأحداث على النفسية القتالية والمعنوية لمجاهدي الإسلام في ساحة المعركة وذلك بما كان يمتلكه من أسلوب لائق في القيادة.
نظراً لأنّ الإستكبار العالمي كان قد وضع إمكانياته الدعائية وإمبراطوريته الإخبارية في خدمة العدو البعثي وبفضل مساعدة الخبراء والمستشارين الأجانب له فقد تمكن هذا العدو من القيام بحربه النفسية وتخريب الصورة الحقيقية للجمهورية الإسلامية بين المسلمين في العالم، وذلك من أجل كسب تأييد دول المنطقة له وتقوية النظام البعثي الحاكم في العراق. لكن الإمام الخميني (قدس سره) تمكن من الوقوف في وجه هذه الحرب النفسية وقام بمواجهة الأساليب الدعائية للعدو وذلك بما كان يمتلكه من بعد نظر ودراية كاملة.
6- احترام مبادئ اتخاذ القرار:
كان الإمام الخميني (قدس سره) يحصل على المعلومات والأخبار عن طريق وكلاءه ونوابه في القوات المسلحة والوحدات العسكرية وقيادات المواقع العسكرية.
كان الإمام يقوم بإتخاذ القرارات المهمة على أساس المعلومات الدقيقة التي كانت تأتيه عن الحرب وذلك بعد إستشارة المسؤلين العسكريين ومسؤولي البلاد، حيث كانت أوامر الإمام بالقيام بالعمليات العسكرية والدفاعية ودخول الأراضي العراقية، والقيام بالمواجهة المماثلة في حرب المدن وقبول القرار 498 الصادر عن الأمم المتحدة قرارات تم اتخاذها وفقاً لهذه المبادئ.
7- تفويض الصلاحيات:
إن اتساع أمور الحرب وتخصصها وانتشارها على نطاق واسع أدت إلى أن يقوم سماحة الإمام (قدس سره) بتفويض بعض المسائل التنفيذية والتخصصية المتعلقة بالحرب إلى المسؤولين في البلاد في حين ترك لنفسه مسؤولية وضع السياسة العامة وإستراتيجية الدفاع المقدس وقام بنفسه بالإشراف على تنفيذها من هنا كان يقوم بتفويض المسؤوليات على الشكل التالي:
ألف: التخطيط العسكري من مهمة المجلس الأعلى للدفاع ومركز خاتم الأنبياء ونيابة القيادة العامة للقوات المسلحة.
ب- مهمة استقطاب القوات وتأمين الإمكانيات من مهام الشورى العليا للحرب.
ج- تشكيل لجنة لمتابعة شؤون المناطق التي تتعرض للقصف.
د- قام بتعيين وزارة الخارجية للجمهورية الإسلامية من أجل أن تقوم بتبيين السياسات الدفاعية لإيران في المجتمع الدولي.
هـ- تشكيل المجلس الأعلى من أجل إعادة إعمار المناطق التي شهدت الحرب.
8- التشجيع على القتال:
كان فن الإدارة والقيادة عند سماحة الإمام (قدس سره) يتجلى في نفوذه المعنوي في قلوب الملايين من الناس المخلصين والملتزمين وعشاق الولاية والقيادة.
عندما كان الإمام (قدس سره) يطلق رسائله المليئة بالمعاني البطولية والحماسية كقوله: اليوم يوم الحضور في حجلة الجهاد والشهادة وساحة القتال؛ كان النشاط يعم في نفوس العشاق من أحباء الله وكانت الجبهات تمتلئ بالشباب المتحمسين والمخلصين والمشتاقين للقتال، إذ كان شلال من النور يتدفق مع هذه الكلمات إلى القلوب العطشى والمشتاقة للجهاد والشهادة وهذا ما كان يجعل من قدراتهم القتالية تتضاعف ويترك أثرا في النفوس كالمعجزة.
9- تقوية معنويات المقاتلين:
كانت خطب الإمام وكلماته المحبوبة والنافذة تمنح الحياة وتقع في قلب وروح المقاتلين وتترك فيهم أثراَ عميقاَ، كانت خطب سماحته في جموع القادة والمقاتلين الشجعان والرسائل التي كان يرسلها في المناسبات المختلفة كانت تؤدي إلى تقوية قلوبهم وتمنحهم القوة في جبهات القتال.
من ابرز النماذج على تأثير رسائل الإمام (قدس سره) نذكر الرسالة التي وجهها سماحته إلى قياديي الجبهة بعد عمليات بدر، حيث كان لها أثر كبير في تقوية معنويات المقاتلين والقياديين في أصعب شروط الحرب وأكثرها تعقيداً.
10- لفت المقاتلين إلى المعنويات:
كان سماحة الإمام (قدس سره) يلفت المقاتلين وقياديي المراكز العسكرية إلى المسائل المعنوية بشكل دائم وذلك من أجل أن يتم مزج البطولات التي تجري في ساحات القتال مع العرفان الديني والإلهي.
كان سماحة الإمام (قدس سره) يذكر المقاتلين دائماً بأن إرادة الله تبارك وتعالى وقدرته هي التي تحقق النصر في الحرب، وكان يذكرهم بالثقة والإيمان بالنصرة الإلهية، ويؤكد على عدم ترك ذكر الله والتهجد في العبادة، والإمتناع عن الغرور والإهتمام بالقدرات الإيمانية وقدرة الإخلاص عند المقاتلين في مواجهة العدو وتجهيزاته.
أساساً لم يكن يوجد في فكر وحياة الإمام الخميني (قدس سره) أي عمل سياسي أو جهد ثقافي أو عسكري من غير أن يأخذ بعين الإعتبار البعد الإلهي والمعنوي، حيث كان يعتبر أن العمل من غير هذا البعد فاقد لقيمته الإسلامية، من هنا فإنه كان دائماً يقوم بتذكير مجاهدي الإسلام بخلط العمل الظاهري مع المعنويات الإلهية وكان يذكرهم قائلاً: إن القتال والإنتصار هو فشل إذا لم يكن ممزوجاً بالبعد المعنوي.
11- تقوية البنية الدفاعية:
إن من أهم الخصوصيات القيادية التي تمتع بها سماحة الإمام (قدس سره) كانت الإهتمام الكبير لسماحته بتقوية البنية الدفاعية ودعمه وتشجيعه على رفع نوعية وكمية الإمكانيات والتجهيزات العسكرية وتأمين الموازنات المالية للحرب والدفاع المقدس.
و قد استمر هذا الإهتمام عند الإمام حتى أواخر أيام الحرب وخلال التعليمات التي كان يصدرها للمسؤولين السياسيين في الدولة قال:
«يجب... أن نبذل جهدنا من أجل تجهيز جميع افراد وآحاد الناس في هذا البلد وذلك وفقاً للأسس والمبادئ الخاصة للدفاع العام من أجل الوصول إلى تشكل حقيقي من التعبئة العامة وجيش العشرين مليون».
كما قال سماحته للقادة العسكريين: لا يجب أن تغفل القوى العسكرية عندنا عن مكر وكيد الأعداء كما يجب في جميع الظروف أن تبقى البنية الدفاعية للبلاد في أحسن حالة.
تأثير الإرتباط المعنوي للإمام الخميني (قدس سره) مع المقاتلين.
خلال الثماني سنوات من الدفاع المقدس لمجاهدي الإسلام، لم يكن لسماحة الإمام الخميني (قدس سره) حضور عملي على جبهات القتال، بيد أن شخصيته النافذة والمعنوية والعرفانية كانت في كل يوم حاضرة في كافة نقاط الجبهة حيث كان لها تأثير كبير وعميق وقد تجلى هذا الحضور المعنوي في روحية وعمل المجاهدين ومبارزاتهم. هذا الأمر أثار تعجب المراقبين والرواة والمراسلين الذين كانوا يحضرون في الجبهات.
و في تقرير لأحد المراسلين الأجانب ممن زاروا الجبهة في أيام الحرب وشاهد المقاتلين وتعرف على معنوياتهم عن قرب، جاء فيه ما يلي: وكأن آية الله الخميني (قدس سره) كان يحضر هنا (الجبهة) شخصياً وكل يوم ويدعوهم إلى الجهاد.
كانت علاقة الفاتحين بالإمام علاقة المريد بالمراد، والسالك إلى الله مع الشيخ والمرشد، والمحب بالمحبوب. كان سلوك المجاهدين في جبهات القتال والحالات التي كانوا يبرزون فيها محبتهم للإمام (قدس سره) تدل على وفائهم وعشقهم له وهذا ما أدى إلى ختم صحف أعمالهم الجهادية بختم العشق والمحبة لهذا الإمام. نشير هنا في هذا القسم من المقالة إلى بعض هذه الحالات:
1- عشق المجاهدين للإمام، الحب وعشق المجاهدين الزائد والفائق عن الحد للإمام (قدس سره) كان من ابرز علائم التأثير العميق للشخصية المعنوية للإمام على المجاهدين: هذه المحبة تشكل تجلياً للعشق العرفاني والمعنوي وأساس ومنشأ الكثير من التأثيرات. نعم هنا نتحدث عن العشق والعشق غني عن الوصف وأسمى منه. كانوا ينذرون لسلامة الإمام (قدس سره) وطول عمره. وفي أصعب واشد لحظات القتال في الجبهات وعند الإصابة وعند الوقوع في الأسر كنا نشاهد نماذج من تجليات محبة المجاهدين لسماحة الإمام (قدس سره).
2- عوائل المجاهدين ومحبتهم للإمام؛ كان أهالي الشهداء والجرحى، يعتبرون أن ولدهم قرباناً في سبيل بقاء وسلامة وتكامل المدرسة الإسلامية وخط الإمام وكانوا يعتبرون الشباب الذين فقدوهم وأعزاءهم الذين سقطو شهداء في الحرب هم فداءً لهذا الخط وقرباناً لأجله.
وفي أحدى زيارات الإمام الخميني (قدس سره) لعوائل الشهداء، قامت امرأة وصرخت بلهجة أهالي خرمشهر وقالت: أيها الإمام! كان لدي ثلاث شباب وثلاثتهم الآن شهداء، ولم يعد لدي ولد آخر أقدمه في سبيل الإسلام واضحي به، وأنا أسأل الله تعالى أن أكون أنا فداءً لكم.
3- الطاعة الممزوجة بالعشق: يمكن أن نشاهد الفرق بين قيادة الإمام خلال الدفاع المقدس مع غيره من القياديين وقادة الحروب في التاريخ حيث يبرز من خلال النفوذ المعنوي لشخصية الإمام وتأثيره في سلوك الأفراد وتصرف المقاتلين والمجاهدين.
هناك العديد من القوات المسلحة في بلدان العالم وقفت في الظروف الصعبة وفي الأزمات وقامت بالدفاع عن أرضها وعرضها وعن بلادها حيث أن مراعاة التسلسل الهرمي وتنفيذ الأوامر العسكرية في هذه البلاد كانت تتم في مقابل الحصول على الأجر أو خوفاً من العقاب، ولم تكن الطاعة بدليل حافز آخر غير الخوف والمجازات.
إلا أن المقاتلين في ساحات الدفاع المقدس في الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانوا يمتازون برؤية مختلفة وكانوا ينظرون إلى أوامر الإمام (قدس سره) بصورة أخرى ارفع من إطاعة القائد العام للقوات المسلحة. كانوا ينفذون تعاليم الإمام وأوامره بمحبة وعلاقة خاصة وكان هدفهم رضى الإمام (قدس سره).
كان المجاهدون يتحملون الصعوبات المهلكة في العمليات العسكرية وذلك من أجل لحظة يسعد فيها الإمام (قدس سره). في أحد المرات تحدث اللواء باكري في جمع من القوات التي جاءت للخضوع إلى دورة عسكرية من أجل المشاركة في عمليات خيبر وقال:
«أعزائي انتم بقايا جيش عاشوراء، اسعوا كي تنفذوا مهمتكم بأفضل ما يمكن لعلنا نتمكن في العمليات القادمة من أن نفرح قلب الإمام (قدس سره)».
4- ذكر الإمام، في جمع المقاتلين أدى الإرتباط والأنس الدائم بينهم وبين الشخصية المعنوية للإمام (قدس سره) إلى أن يبقى ذكر الإمام وصورته (قدس سره) حاضرين بشكل دائم ومستمر في جبهات القتال.
كان المجاهدون يعطرون أفواههم بذكر الإمام وذلك طبعاً بعد ذكر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكانوا يطلقون الشعارات الداعية له بالسلامة في جبهات القتال كافة.
كان استعمال الكلمات القصار لإمام (قدس سره) حول الحرب رائج في الجبهات حيث كانت تكتب على لوحات وكان المجاهدون يستشهدون بها ويزينون الجبهة بها.
5- الشوق إلى ملاقاة الإمام. كانت رؤية ومشاهدة الإمام أفضل أمنية وأكثر ما يرجوه المشتاقين وعشاق الإمام. كان هؤلاء يعدون اللحظات التي تفصلهم عن رؤية الإمام (قدس سره) وملاقاته والتحدث إليه.
كان المجاهدون عندما يعلمون بأن أحد رفاقهم يمكن أن يلتقي الإمام (قدس سره) بعد عودته من الجبهة، كانوا يحملونه خالص تحياتهم وسلامهم ومحبتهم ويرسلوها إلى الإمام ولم يكونوا يتحدثون عن مشاكلهم أو مشاكل أسرهم.
في الحقيقة فإن الوجه الجذاب لسماحة الإمام (قدس سره) هو تجلياً للجمال الإلهي حيث كان المجاهدين في أصعب وأشد ظروف الحرب وفي أشد ساعات القتال يتذكرون هذا الوجه الملائكي للإمام (قدس سره) وموعد لقائهم به وكان ذلك يمدهم بالحياة والنفس الجديد ويبث في أجسادهم روحاً جديدة.
تعليقات الزوار