المترجم: أ. فراس حلباوي
لقد ارتبط اسم الإمام الخميني ( ره ) بالثورة الإسلامية. وقد رجح الجانب السياسي لشخصيته لدى الرأي العام العالمي وحتى داخل إيران على سائر الأبعاد الأخرى. في حين أنه قبل اشتهاره كشخصية سياسية معارضة لسياسات الشاه وأمريكا في إيران عُرف في الحوزات الدينية والعلمية كوجه علمي وعرفاني.
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المراجع والمصادر التي ذكرت الإمام في حياته وهي عبارة عن:
1) نقباء البشر: تأليف المرحوم العلامة الكبير الحاج آغا بزرك الطهراني.
2) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: تأليف الطهراني.
3) فهرس الكتب المطبوعة بالفارسية تأليف المرحوم خان بابا مشار.
4) فهرس الكتب المطبوعة باللغة العربية تأليف خان بابا مشار.
5 ) رجال قم – تأليف السيد محمد مقدس زاده طبع عام 1335 هـ.ش.
6) مرآة العلماء (آينه دانشوران) ألف عام 1351 وحتى 1353 هـ.ق.
حتى أن مؤلف كتاب ( مرآة العلماء ) ( آينه دانشوران ) المرحوم الحاج السيد ريحان الله اليزدي أشار في الطبعة الثانية من هذا الكتاب أن الإمام بالإضافة لتخصصه العام في الفروع المختلفة الفقهية والفلسفية والعرفانية لديه ذوق شعري وقاد ويقول:
إن قصائد الإمام العرفانية اللطيفة كانت ورد ألسنتنا نحن الطلاب ومن بينها ذلك الغزل المحبب الذي لا أنسى مطلعه أبداً :
لقد هجرت النفس والروح في هوى الحبيب ويتمت القلب عن الأهل وأبعدته عن الوطن
ومع ذلك كان الإمام يتواضع دائماً ولا يعتبر نفسه سوى طالب علم ويقول حول شعره:
إذا كان الشاعر هو سعدي الشيرازي فإن ما ننسجه أنا وأنت لعب ليس إلا.
و في هذا المقام نشير إلى مؤلفات الإمام المنثورة وبعض خصائص الكتابة لديه بشكل مختصر.
إن تأليفات الإمام الخميني النثرية متعددة وقد دونت في مواضيع متنوعة وقد كتب الإمام رحمه الله كتاباته بقلم يتناسب مع كل موضوع مراعياً حال مخاطبيه ونتج عنه مؤلفات كثيرة بارزة يمكن تقسيمها لعشرة أقسام:
المؤلفات العرفانية والفلسفية والأخلاقية:
1 – 1) شرح دعاء السحر (باللغة العربية) – سنة التأليف 1347 هـ.ق
1 – 2) مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية (باللغة العربية) 1349 هـ.ق
1 – 3) لقاء الله (باللغة الفارسية) مقالة في سبع صفحات.
1 – 4) سر الصلاة، صلاة العارفين أو معراج السالكين (باللغة الفارسية) 1358هـ.ق
1 – 5) تعليقة على شرح فصوص الحكم (باللغة العربية).
1 – 6) تعليقة على مصباح الأنس (باللغة العربية) المؤلف من قبل محمد بن حمزة بن محمد عثماني المعروف بابن الفناري/ كتب عام 1355هـ.ق في مدينة خمين وطبع عام 1406 هـ.ق.
1 – 7) تعليقة على شرح حديث رأس جالوت (باللغة العربية) وهو من تأليفات القاضي سعيد محمد بن محمد المفيد القمي أحد العلماء والعرفاء في القرن الحادي عشر وله مؤلفات كثيرة أحدها شرح حديث رأس جالوت، والمقصود من حديث رأس جالوت هو احتجاج الإمام الرضا عليه السلام على أصحاب الأديان الأخرى واحد منها هو مناظرته مع عالم يهودي كان يدعى رأس جالوت.
1 – 8) تفسير سورة الحمد (باللغة الفارسية) طبع مراراً وتكراراً.
1 – 9) الحاشية على الأسفار (باللغة العربية) طبع في مجلة كيهان انديشه (كيهان الفكرية).
1 – 10) آداب الصلاة (باللغة الفارسية).
1 – 11) جهاد النفس أو الجهاد الأكبر (باللغة الفارسية).
1 – 12) شرح حديث جنود العقل والجهل (باللغة الفارسية) هناك حديث في كتاب أصول الكافي في بيان جنود العقل والجهل مروي عن الإمام الصادق(ع) يشتمل على بضع وسبعين عنواناً.
1 – 13) رسالتان عرفانيتان باسم طريق العشق وخمرة العشق.
1 – 14) شرح الأربعين حديثاً (باللغة الفارسية) تشتمل على ثلاث وثلاثين حديثاً أخلاقياً وسبعة أخرى عقائدية.
2 – الكتب الفقهية:
2 – 1) كتاب الطهارة (باللغة العربية) أربعة مجلدات.
2 – 2) المكاسب المحرمة (باللغة العربية) – مجلدان.
2 – 3) كتاب البيع (باللغة العربية) خمسة مجلدات.
2 – 4) كتاب الخلل (باللغة العربية) بحث في خلل الصلاة وقد طبع في مدينة قم.
2 – 5) رسالة في التقية (باللغة العربية) رسالة تشتمل على (35 صفحة) ألف عام 1372هـ.ق وطبع عام
1385 في مدينة قم.
2 – 6) رسالة في تعيين الفجر في الليالي المقمرة نشر عام 1367 هـ.ق.
3 – الكتب الأصولية (في أصول الفقه):
3 – 1) رسالة لا ضرر (باللغة العربية).
3 – 2) رسالة الاستصحاب (باللغة العربية).
3 – 3) رسالة في التعادل والتراجيح.
3 – 4) رسالة في الاجتهاد والتقليد.
3 – 5) رسالة في الطلب والإدارة.
3 – 6) تعليقة على كفاية الأصول.
3 – 7) رسالة في موضوع علم الأصول.
4 – الرسائل العملية أو الفقه غير الاستدلالي:
4 – 1) تعليقة على العروة الوثقى (باللغة العربية) وهي حاشية على جميع العروة الوثقى للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي.
4 – 2) تعليقة على وسيلة النجاة (باللغة العربية) وهي حاشية على كل وسيلة النجاة للسيد أبو الحسن الإصفهاني.
4 – 3) حاشية على توضيح المسائل (باللغة الفارسية) وهي حاشية على توضيح المسائل لآية الله العظمى البروجردي طبعت في مدينة قم بعد رحيله رحمه الله عام 1381.
4 – 4) رسالة نجاة العباد (باللغة الفارسية).
4 – 5) حاشية على رسالة الإرث (باللغة الفارسية) وهو رسالة للمرحوم الحاج ملا هاشم الخراساني صاحب كتاب منتخب التواريخ في الإرث وقد كتبها باللغة الفارسية وقد كتب الإمام الخميني(ره) حاشية على هذه الرسالة طبعت في قم.
4 – 6) مناسك الحج (باللغة الفارسية).
4 – 7) تحرير الوسيلة (باللغة العربية).
4 – 8) زبدة الأحكام (باللغة العربية).
4 – 9) توضيح المسائل (باللغة الفارسية).
4 – 10) ملحقات توضيح المسائل (باللغة الفارسية).
4 – 11) الاستفتاءات (باللغة الفارسية).
5 – المواضيع الحكومية:
5 – 1) الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه (بالفارسية).
6- الإمامة وعلماء الدين.
6 – 1) كشف الأسرار (بالفارسية).
7 – الرجال: رسالة في الرجال (باللغة العربية).
8 – الشعر: ديوان شعره بالفارسية.
9 – الصحيفة النورية (بالفارسية): مجموع البيانات والتعيينات والمقابلات والخطابات منذ عام 1341 وحتى نهاية حياته الشريفة.
10 – وصيته السياسية – الإلهية (بالفارسية).
أسلوب الإمام الكتابي:
وهنا نشير إلى أسلوب تدوين الإمام باختصار:
1) عدم دمج المجالات الفكرية وفصلها: كان الإمام الخميني مع امتلاكه للملكة الشعرية يمتنع عن إيراد الشعر في الأبحاث السياسية والاجتماعية على عكس الوعاظ الذين يطرزون خطبهم بشواهد من النظم والنثر الأدبي، كانت عباراته قاطعة وصريحة وشفافة وفي نفس الوقت فصيحة وبليغة، ويبتعد عن كل ما يقلل من هذه الصراحة والقاطعية.
ومن النادر ما نجد شواهد شعر في الخطب والإعلاميات وحتى الرسائل المرسلة لابنه المرحوم السيد أحمد أو إشارات لبعض الأبيات.
لكن عندما يلج ميدان الشعر والأدب نراه شاعراً عرفانياً ورومانسياً وهذا ما نشهده في سيرة الأئمة الأطهار عليهم السلام، فها هو الإمام علي عليه السلام نراه حاكماً حازماً في مجال الإدارة والحكم في صباحاً وعارفاً عاشقاً ومولهاً في وحدته ليلاً حيث يجد مستمعاً لنجواه سوى الآبار.
2) الدقة: كان الإمام يراعي في كتاباته الأصول الظاهرية للكتابة ويلتزم بها، ويدقق في اختيار عباراته ومفرداته، كما أن ما تبقى من مدوناته يظهر جمال خطه ومراعاته للفواصل بين الخطوط والحواشي والتاريخ بشكل دقيق.
وما يجلب الأنظار هو اهتمامه بهذا الأمر أنه وهو في أوج نضاله ضد النظام الملكي، ففي عام 1350 هـ.ش وفي قمة تضييق السافاك على الإمام وأصحابه بعث له ابنه السيد احمد رسالة للنجف نسي تدوين تاريخ إرسالها. فأجابه الإمام في رسالة يقول فيها (وصلتنا رسالتك غير المؤرخة، أنا لا أدري لماذا أصبحت من هؤلاء العلماء غير المقيدين بهذه السرعة.بعد ذلك دون التاريخ أعلى الرسالة ) ص32 موعد اللقاء.
كما نشاهد دقته في اختيار الكلمات والعبارات ورعايته لكل الجوانب المعنوية والأدبية في كتاباته.
أحد الوقائع التي تظهر دقة الإمام في استعمال الكلمات والمفردات انتقاده الذي يورده على آية الله الشهيد مدرس في قصة حدثت في عهد رضا خان حيث التقى جمع من طلاب العلوم الدينية بآية الله مدرس آنذاك وكان بينهم الإمام الخميني شاباً مليئاً بالحيوية والنضارة وكان آية الله مدرس يتحدث عن رضا خان ( والد محمد رضا بهلوي شاه إيران ). قائلاً: « لا ندري من أين ظهر هذا المارد العملاق ( رضا خان ) ومن أي جهنم برز وكيف وجدوه وكيف أوصلوه من حارس لسفارة ألمانيا إلى هذا المكان. هذا الشخص كل وجوده مليء بالغرور والظلم والميل للاستبداد والإطاعة العمياء للإنجليز... »
وكان الإمام يصغي إليه بدقة وعندما انتهى خاطبه الإمام قائلاً: «عندما تتحدثون عن هذا المارد الكبير يخطر في بال المستمع مقارنة جسدكم النحيف بجسد رضا خان ويتصور أن مشكلتكم معه هي مشكلة الشكل والقدرة الجسدية. وليس أنهم أتوا به دون أن يكون له أي خلفية سياسية ودينية وأنه جاهل مستبد وقد حافظوا عليه بسبب جهله وليس جسده.
أنتم عندما تتحدثون أمام الجمع حول القوة الجسدية لعسكري سيء الطباع تتحدثون عن جزء من وجود ذلك العسكري الذي لا يد له فيه وكان للإرادة الإلهية ووراثة الأب والأم الدور الأساس فيه. وفي هذه الحالة ستتهم بعدم العدالة ولن يدرك الناس كلامكم حول الخوف من الاستبداد وسوف يقولون في كل الأماكن أن السيد المدرس رجل فيه طرفة ودعابة وكلامه كذلك. ولا يمتلك في جعبته كلاماَ جازماً وحازماً حول المواضيع الجادة والحقيقية. وبهذا يقوم أعداؤنا باستخدام هذه الذريعة لضربنا وسحقنا.... »
وحينما انتهى الإمام من كلامه تأثر آية الله المدرس لسماعه هذا الكلام وقال: يا ليتك تذهب للمجلس بكل شبابك عوضاً عني. أنت تتحدث بشكل دقيق ومؤثر أيها الحاج الشاب.
3) الإيجاز:
إن الإيجاز في الكلام يدل على ذكاء المتكلم وحدة ذهنه، وأغلب كتابات الإمام تراعي الإيجاز إلا في أماكن قليلة لمقتضى الحال.
ففي العديد من النصوص الفارسية المعاصرة يشاهد أنواع مختلفة من الإطناب الممل مثل المترادفات المتنوعة لمعنى واحد أو تكرار معنى واحد في عدة جمل متتالية حيث لا يرى أي منها في كتابات الإمام.
فالإمام في بعض رسائله أبدى وجهه نظره في مواضيع مهمة فيما لا يتجاوز الجملة القصيرة. وكمثال على ذلك: حينما كانت قضية المرجعية بعد وفاة آية الله السيد محسن الحكيم مثار جدل في الأجواء العلمية آنذاك كتب الإمام الخميني رسالة لابنه السيد أحمد في تاريخ (الثلاثاء 12/3/1349 هـ. ش - /1970ميلادي/) قال باختصار:
(من اللازم أن أذكر بأن في هذه الأيام من الممكن أن تطرح مواضيع حول المرجعية أو نعوذ بالله أن تبدأ صراعات بين الشباب حول ذلك. عليك وباقي الأصدقاء أن تعتزلوا هذه المواضيع والخوض فيها وعدم التدخل ولو بكلمة واحدة) ( ص 19 موعد اللقاء – وعده ديدار )
إيجاز القصر هو نوع آخر من الإيجاز يشاهد بوفور في مدونات الإمام. لا تجرى حذف كلمة في هذا النوع من الإيجاز لكن الجملة تبدو بشكل يدرك منها مفاهيم عديدة مع أن كلماتها قليلة.
و هذه الجمل وبسبب استخدامها الواسع في وسائل الإعلام والمطبوعات أخذت شكل الكلمات القصار مثل:
- العالم في محضر الله، فلا تعصوا الله في محضره.
- أنجانا الله من شر أنفسنا.
- اليوم جميع مصائبنا هي من أميركا.
- فليعلم رئيس جمهورية أمريكا هذا المعنى أنه اليوم هو أكثر أفراد البشر كرهاً لدى شعبنا.
- الأساس هو رأي الشعب.
4) اللحن الحماسي:
هناك قسم كبير من كتابات الإمام في معرض دفاعه عن عزة المسلمين وشأن الإسلام تترافق مع اللحن الحماسي. هذا اللحن الذي قل ما يرى في الأدب السياسي المعاصر، خاصة بين المسلمين. هذه النبرة الحماسية هي نتيجة استناد الإمام على الزخم المعنوي والإلهي الذي تصغر أمامه كل القدرات والسلطات فيعلن قائلاً:
- بعزم راسخ أعلن للعالم أجمع أنه لو أراد المستكبرين الوقوف في قبال ديننا، سوف نقف مقابل كل دنياهم. وفي هذه العبارات نرى بالإضافة للحن الحماسي هناك نوع من الكناية الجميلة وهي أن لا دين للمستكبرين ولهذا السبب سنهدد دنياهم.
- لن أحيد عن مبدأ لا شرقية ولا غربية ما بت حيّاً. سوف أقطع أيدي أمريكا وروسيا في جميع المجالات ما بتّ حيّاً.
وكالنبي الأكرم (ص) حين دعا بشجاعة إمبراطوريات العالم للإسلام كتب رسالة لرئيس الإتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف وأعلن له دون أي مواربة: «... يجب الإذعان للحقيقة، مشكلة بلدكم الأصلية ليست الملكية والاقتصاد والحرية، مشكلتكم هي عدم اعتقادكم الحقيقي بالله عز وجلّ، نفس المشاكل التي أدت بالغرب أو سوف تؤدي للابتذال والطريق المسدود. مشكلتكم هي محاربتكم لله ومبدأ الوجود والخلقة لفترات طويلة دون طائل...، ومن الآن فصاعداً سوف نبحث عن الشيوعية في متاحف التاريخ السياسي..»
5) التعابير الأدبية اللطيفة:
إن ذوق الإمام اللطيف والشاعري كان منشأ لتعابير أدبية مبتكرة، وتدل هذه التعابير إذا ما دلت على ذوق أدبي رفيع ومعرفة الكاتب الأدبية والعميقة لنصوص القدماء.
هذه التعابير غالباً ما اشتملت على صور حديثة لمواضيع وأبحاث اجتماعية وسياسية معاصرة من قبيل:
- أيها البحر البشري العظيم انهض ودافع عن كيانك الإسلامي والوطني.
- نحن لا ننازع أي أحد حول الممالك والبلاد. نحن قررنا أن نرفرف علم لا اله إلا الله فوق قمم الكرامة والإباء الرفيعة.
- إن التعبئة (الجيش الشعبي) شجرة طيبة قوية مثمرة يفوح منه عبق أزهار ربيع الوصل وطراوة يقين حديث العشق.
هذه التعابير عندما ترد مدونات الإمام العرفانية تصبح أكثر نداوة وطرواة وكأنه ظهر في زماننا الخواجة عبدالله الأنصاري مرة أخرى.
يتحدث الإمام في مدوناته العرفانية بلسان القلب وهنا يتحول بطل الزمان ومصرخه ومن ينازل القوى العظمى إلى عبد مكسور القلب وشيخ خاضع لله عز وجل ويقول بحق نفسه: (هذه وصية من شيخ بائس أمضى كل عهده وزمانه قرابة تسعين عاماً غارقاً في الضلالة وسكر الطبيعة يطوي الآن أرذل العمر نحو قعر جهنم ولا أمل في نجاته. لكنه ليس آيساً من رحمة الله وروحه)
الإمام مع أنه قضى عمره الشريف في تدريس الدروس المختلفة الفقهية منها والكلامية والفلسفية إلّا أنه يطلق عليها بكل تواضع، جميعها (قيل وقال) المدرسة ويذكر بأبيات الشيخ البهائي حيث قال:
أيها القوم الذي في المدرسة
العلم ما كان سوى علم العشق
كل من لم يعشق الوجه الحسن
كل من لم يعشق الحبيب
كل ما حصلتموه وسوسه
ما بقي تلبيس ابليس الشقي
قرب الجل إليه والرسن
قل فليأتي له بالسرج والرسن
كما يقترب نثر الإمام تارة من الشعر ويبدو كنثر الخواجة عبد الله الأنصاري يشتمل على جمل قصيرة ومسجعة وفي نهاية هذا المقال نورد بضع جملات أنموذجاً لما ندعيه:
- انهض للمجاهدة في فترة الشباب وأنت بقوتك وفر من غير الحبيب عز وعلا
- بنى كلما علا مقام المعرفة، أصبح الإحساس بتفاهة ما سواه أكثر.
- لا تشكل علي في قلبك أنه لو كنت صادقاً لماذا لست كذلك وأنا أعلم بأنني لا أتصف بأي من صفات أهل القلوب، ويعتريني خوف من أن يكون هذا القلم المنكسر في خدمة إبليس والنفس الخبيثة وأن أؤاخذ غداً. لكن أصل الموضوع حق، ولو كان بقلم أمثالي غير البعيدين عن الخصال الشيطانية.
* * *
وكان الدكتور فخري بوش رئيس قسم اللغة الفارسية في جامعة دمشق قد قدم بحثاً بعنوان:ـ (الإمام الخميني في عيون الشعراء الإيرانيين) فيما يلي بعضاً من هذا البحث:ـ
عند قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، بقيادة روح الله الخميني (1280-1368هـ.ش) الذي تمكن بأقواله، ومواقفه، وأفعاله من إطلاق قوى الثورة وطاقات الغضب الكامنة في الشعب الإيراني، وتحويلها إلى فعل إيجابي أسفر في النهاية عن انتصار الثورة الإسلامية وإسقاط النظام الطاغوتي الحاكم وإقامة نظاماً جديداً.
وكان الإمام الخميني من العلماء الذين وصلوا إلى أعلى مرتبة علمية طبقاً للتقاليد العلمية الإسلامية الشيعية، ولكنه كان مختلفاً عن نظرائه حيث تمكن من توحيد القيادات الدينية فالتفّ حوله الجانب الأعظم منهم، فضلاً عن التفاف الغالبية العظمى من أفراد الشعب الإيراني حول زعامته.
وقد لخّص أحد الدارسين الإيرانيين شخصية الإمام فقال: إن الإمام الخميني بالنسبة إلى إيران لا يمثّل وجهاً واحداً؛ بل إنه يجمع وجوهاً ثلاثةً...
- فالإمام في الدرجة الأولى، مرجع تقليد، كان وما يزال لدينا الكثيرون أمثاله، لكن أياً من هؤلاء لم تكن له أهميته على رغم كثرة عدد مقلديهم.
_ إن الإمام ثانياً هو رجل دينٍ سياسي، وفي تاريخنا نماذج مماثلة تمتعت بنوعٍ من الشعبية، لكن أياً منها لم يكن مرجع تقليد.
_ إن الإمام ثالثاً، هو قائد معركة الاستقلال والتحرر.
إن هذه الخصائص الثلاث أنتجت ثورةً تعبويةً ومحور استقطاب هائل فبات كل فرد مشدوداً إلى الإمام الخميني من زاويته الخاصة، ونظراً لأنه أضحى مركز الجاذبية فقد صار واحداً بالنسبة إلى المثقف الذي يريد تحقيق الاستقلال والحرية بحسب مفاهيمه، والمتدين المؤمن الذي يتّبع مرجع تقليد، ورجل الدين المناضل، لقد شكل عامل توحيدٍ وكان العمود الفقري لوحدتنا.([1])
وإذا كانت هذه هي نظرة أحد الباحثين الإيرانيين تجاه شخصية هذا الزعيم، فمن الممكن أن يضاف إليها أن من أسباب نجاح الإمام الخميني هو تمتعه باستعداد وحضور فطري يسانده قدرُ كبيرُ من الذكاء والقدرة على استقراء الواقع واستشراف المستقبل، فكان يدرك أن طرفي اللعبة - النظام والشعب - قد اقتربا من نهاية الشوط؛ فالنظام قد وصل إلى تلك المرحلة من الفساد والتمادي فيه التي تؤكد (المرحلة) - طبقاً لسوابق التاريخ ومنطق الأمور - عدم قدرته على الاستمرار طويلاً، والشعب قد وصل إلى تلك المرحلة من الغضب والتحمل التي تؤذن بالانفجار الوشيك، وبعبارة أخرى يمكن القول: إن الإمام الخميني كان مدركاً لروح عصره وإرادة شعبه، فكانت رؤيته ومنهجه صياغةً لهذه الإرادة، وكانت مواقفه ومواجهاته إعلاناً لها، وكانت قيادته الفاعلة للجماهير والقوى الثورية إنجازاً لها.
والإمام الخميني بهذه المثابة بطلُ قومي، ولكنه يزيد عن مرتبه الأبطال القوميين بسمةً أكسبته إياها مكانته الدينية، فأحيط بأطيافٍ من التوقير الديني - نكاد نقول التقديس - ويكفي للتدليل على هذا الإشارة إلى مثال بسيط ولكنه بالغ الدلالة على المكانة التي حظي بها الإمام لدى الإيرانيين، إذ لا يذكر اسمه في وسائل الإعلام وعلى ألسنة الجماهير إلا مسبوقاً بلقب (الإمام) مع ما لهذا اللقب من مكانةٍ كبيرة لدى المسلمين، فهو اللقب الذي يطلقونه على أئمة أهل البيت(ع)، وقد ساعد على ترسيخ مكانته الرفيعة هذه نجاحه في إدارة دفة الأمور في البلاد في فترة عصيبة هي فترة الحرب المفروضة التي استمرت ثمانية أعوام، وبعد نجاحه في قيادة الشعب الإيراني في الثورة وانتصارها على النظام السابق رغم قوة ذلك النظام وعنفه وجبروته.
وإذا كانت الآداب بعامة، والشرقية بخاصة تزخر بتمجيد الشخصيات العظيمة والأبطال ذوي الأثر في حياة شعوبهم، فإن الشعر الإيراني قد أفرد للإمام الخميني مساحةً واسعة من ميدانه، فنادراً ما يرى ديوان شعرٍ منشور يخلو من نصٍّ - على الأقل - يتناول هذا الزعيم إما بالإطراء والمديح أو الرثاء أو الاستلهام بوصفه رمزاً لقضية وطنية أو اجتماعية أو دينية، يقول الشاعر نصر الله مرداني ما ترجمته:ـ
قلت له: هل تحمي الحرية؟ قال:ـ نعم
قلت له: من مرشدك على الطريق؟ قال: هو من نسل أحمد
قلت له: أأنت مولعٌ برفيع النسب هذا؟ قال؟ نعم
قلت: من هذا الشيخ القدير؟ قال:ـ هو قلب الإسلام
قلت له: هل قدّم العون للإسلام؟ قال:ـ نعم
قلت له: هل يحذو حذوَ الحسين؟ قال:ـ مؤكد
قلت له: هل لديك دليلٌ على هذا القول؟ قال:ـ نعم
قلت له: أهو نائب المهدي؟ قال:ـ ليس غير هذا
قلت له:ـ أهو تذكار من محمد؟ قال:ـ نعم
قلت:ـ ومن يدعمه في العالم؟ قال:ـ الإله([2])
ففي هذا النص الذي يبني أرضية من التوجه الديني، يظهر الإمام بوصفه الزعيم الروحي الذي يأخذ بأيدي أتباعه ويرشدهم في رحلتهم نحو السمو الروحي والتحرر المعنوي.
وإذا كان المديح هنا تقليدياً، فإنه يتسم بالمنطقية؛ فقد حصل الشيخ – الإمام الخميني - على مكانته هذه لأسباب مفهومة - أو هي هكذا في رأي الشاعر - فهو شريف النسب، وهو بمواقفه الشجاعة وثباته على الحق أمام الطغاة والأعداء، إنما يحذو حذو الحسين (ع)، فهو ينتهج خط أجداده ولاسيما الخط الموعود بظهور الإمام المهدي من آل النبي محمد(ص) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تكون قد فاضت ظلماً، وليعيد الإسلام إلى عصره الذهبي عصر النبيّ (ص)..
ويمضي في هذا المنحى الشاعر عباس براتي بور فيقول ما ترجمته:ـ
يا من نظرتك العميقة بحرٌ عميقٌ للمعاني
ويا من كلامك البليغ عبير الحياة الطيب
تجري عين الشمس مع خطواتك كظلّها
كي تلقي بأشعتها على ارتفاع سروك...
فعشقك الطاهر كنز خفيٌ في صدورنا
وقلوبنا في صدورنا تسعد بذكرى وجهك
فإنك ستنثر بذر التوحيد على هذه الصدور
ومن نفَسك الدافئ تبث معنى الحياة في جسد التراب
أيها الإمام أيها الكوكب العالي أيها الآية السماوية([3])
ففي هذا النص الذي اختار الشاعر صياغته على هيئة الغزل الصوفي، يرى القارئ الإشارات والصور والتعبيرات الصوفية التي تتضافر لتجعل القارئ أمام شخصيته تكاد تكون ملائكيةً، فتأسر عواطف الناس بروحانيتها فلا يجدون أنفسهم إلا ما ضين في عشقها سعداء بعشقهم لهذه الشخصية التي تمنحهم الحياة الحقيقة، وهي الحياة الروحية التي يبثها الإيمان والتوحيد في الأجساد المادية، وهي مزاوجةٌ ذكيةٌ بين العشق الروحي الذي يعتري النفوس، وبين الدور الديني الذي يؤديه الإمام الخميني، فهو العالم المرجع الذي يساعد الناس على فهم حقيقة الدين، وبالتالي على الفوز بالرضا الإلهي الذي هو منتهى طموح المؤمن.
ومن هنا لا يملك المسلم المخلص إلا أن يتبعه، وأن يدعو بني جلدته إلى اتّباعه، وهذا ما يذهب إليه الشاعر حسين إسرافيلي، فيقول ما معناه:ـ
يا روح المطر الخضراء، لبيك يا خميني
يا قوة الربيع، لبيك يا خميني
يا نبع الإيمان للمتعطشين إلى القرآن
من جيل الذين وضعوا رؤوسهم على المشنقة، لبيك يا خميني
يا من في صدى خطوتك معنى الثبات
في ساحة الميدان، لبيك يا خميني...
فانهض أيها الأخ، أطلق صحيةً أخرى
مع خيل الحراس:ـ لبيك يا خميني([4])
فالإمام الخميني هنا يتسم بالصفات الدينية مضافاً إليها بعداً آخر وهو التركيز على الجانب الوطني، فالإمام هو رمز البسالة والتضحية في سبيل حرية الوطن واستقلاله، كما أن إتباعه على طريق النضال والكفاح تعبير عن الاستجابة لدعوة محبوب هو جامع معاني الخير والجمال والإيمان والفداء والشجاعة وجميع المعاني التي يتفق البشر على احترامها وضرورة تحقيقها.
وينحو الشاعر على موسى كروما رودى منحىً مختلفاً بعض الشيء وإن كان يدور في الفلك نفسه - في تناوله شخصية الإمام - فهو يركز على الجانب الثوري في هذه الشخصية، فيقول ما معناه:ـ([5])
يا زعيمي
أنت شعرٌ تام
شعر شعبٍ عظيم
وهذا الشعب
شعب إيران
هو زهرة كلمات شعر وجودك العظيم
يا زعيمي
أنت شعرٌ تام
بكلماتٍ من حديد
بكلماتٍ من فولاذ
كل بيت من أبياتك
سلسلة جبالْ في صلابة جبل ألوند
أنت شعر الصلابة
شعر المقاومة
ومعيار توافق كلامك
هو الرابطة بين القلوب
وصور شعرك
هي الصور الحمراء
القبلة الوردية بين الرصاصة والصدر
وسم الجراح الوردي
فالإمام الخميني هو الزعيم الثوري المناضل الذي يقود شعباً عظيماً في الكفاح والمقاومة، وتتصاعد منزلته، فيصير معادلاً حياً لمعاني النضال والجهاد، وتأتي قيادته للشعب من الصلة الحميمة التي تربط بين وجوده وبين وجود هذا الشعب، فهو إذن بمثابة الروح الشعبية التي تركزت فتجمّعت في شخصه الذي يعد نموذجاً متكاملاً للقوة والصمود والتضحية.
وهكذا يدرك الدارس غلبة تناول الشعر للإمام الخميني بوصفه رمزاً ومعنى، حتى تفوقت هذه الرؤيا على مجرد المديح أو حتى التبجيل الشخصي المباشر، مما يساند الظن بأن هذه الرؤية كانت تمثل الوعي الشعبي العام، ومن هنا كان من الطبيعي عند رحيل الإمام أن يكون الشعر زاخراً بالنصوص التي تتناوله رثاءً وبكاءً فيقول الشاعر نصر الله مرداني ما معناه:ـ
أيها الشمس، أيّ ليالٍ بكينا من دونك
بكينا كالسحب الداكنة في الليلة الطويلة
واحترقت خيمة الفلك من آهتنا
ورغم أنا بكينا في عزائك بحراً
لا يكفي إذا بكينا دماً من أعيننا.. من الرأس حتى القدم([6])
وهذا النص في مجمله تعبير عن الحزن البالغ لفقد الإمام يعتمد الشاعر فيه أسلوب الحديث بصيغة الجمع ليعبر عن عموم الشعور بالحزن لدى جميع أفراد الشعب الإيراني، ونلاحظ المبالغة التي يمكن أن تغتفر لدى المتلقي على اعتبار أنها تعبيرٌ عن فداحة الخسارة المتمثلة في فقد الرمز.
وفي الشعر الإيراني عدد لا يكاد يحصى من النصوص التي تمتلئ بالتعبير عن الحزن والرثاء لرحيل الإمام الخميني وهي تتشابه في مضمونها مع النص السابق مما يدعو إلى الاكتفاء به ممثلاً لها، على أن الحزن على رحيل القائد يأخذ في أرضية وذهنية ونفسيه مختلفة منحى مغايراً، فيقول الشاعر مرتضى نور بخش ما معناه:ـ
قصم الحزن عليك ظهور أشجار الحور في الدنيا
فمن بعدَك سيمطرنا شمساً وغيثاً
من بعدك سيصبّ الماء في أصل الشقائق؟
من بعدك سيروي جموع الأزهار
إنني أرى من طرح إشارتك الخضراء
هذه الروضة اليانعة في الربيع المقبل
عاملتني بمنتهى العطف حتى ناديت
فرأيت بعين العشق ظل أنوار الدنيا
وبعدها جرت في خاطري فكرتك الشمسية
أن الأفضل أنني أتمكن من رسم صورة الغد معك([7])
فنظراً للمكانة السامية والقيمة الرفيعة التي كانت يخطى بها الإمام الخميني، أصيب العالم كله بالحزن على رحيله وأصيب الشعب الإيراني بالحزن المشوب بالجزع على فقد زعيم عبقري كان يقود مسيرة التضحية والعمران إلا أن الحزن على موته الجسدي لا يمنع من اتخاذ سيرته طاقةً وقوةً دافعةً لبناء مستقبل أفضل على هديٍ من نهجه الفكري، فإذا كان الزعيم قد مات، فإن دعوته باقية نافذة تصلح لبناء هذا المستقبل المأمول.
----------------------------------------------------
[1]) السيدة زهرة، الثورة الإيرانية، الأبعاد الاجتماعية والسياسية، الأهرام، القاهرة 1985م، ص 149.
[2]) مجموعة من الشعراء، همباي جلودار، بنياد حفظ آثار وارزشهاي دفاع مقدس، طهران 1378هـ.ش، ص 275.
[3]) عباس براتي بور، المرجع السابق، ص 19.
[4]) مجموعة من الشعراء، همباي جلودار، المرجع السابق، ص 28.
[5]) علي موسوى كرمارودى:ـ كزيده أدبيات معاصر، مجموعه شعر، انتشارات نيستان، طهران 1378هـ.ش، ط1، ص 28.
[6]) نصر الله مرداني، المرجع السابق، ص 50.
[7]) مرتضى نور بخش، كزيده ادبيات معاصر مجموعه شعر، انتشار نيستان، طهران 1378هـ.ش، ط1، ص 29.
تعليقات الزوار