إعلم أن الإيمان من الكمالات الروحية، التي قلما يدرك أحد حقيقتها النورية، حتى أن المؤمنين لن يعرفوا شيئاً عن نورانية إيمانهم، والكرامات التي تنتظرهم لدى ساحة قدسه المتعالي، ما داموا في عالم الدنيا وظلام الطبيعة.
إن الإنسان نتيجة عيشه في هذا العالم، وأنسه بالعادات الجارية، يقارن جميع نعم وكرامات ذلك العالم أو عذابه وخذلانه مع آلاء وآلام هذا العالم المُلكي.
إننا لا نستطيع أن نتصور نِعَمََ ذلك العالم ورَوْحه وريحانه، ولم يخطر على قلوبنا مثيلها. إننا لا نتمكن من أن ندرك بأن جرعة من ماء الجنة تحتوي على كل اللذات المنظورة الممكنة، وأنّ كل لذّة منها تفترق عن لذّة أخرى، كما أن كيفية كل لذّة لا تشابه اللذات الموجودة هنا.
وأما الأحاديث الشريفة، فهي كثيرة في هذا الباب، منها ما جاء في الكافي الشريف: "فإذا أتى العبدُ كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرةً من صغار المعاصي التي نهى الله عزَّ وجلَّ عنها، كان خارجاً من الإيمان ساقطاً عنه اسم الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام، فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان"(1) الحديث.
وقد ذكرت الأحاديث الشريفة للمؤمنين مجموعة من الأوصاف والصفات يتحلون بها، مثل التوكل والتسليم والرضا والخوف والرجاء ونظائرها(2). ولا ريب في أن من لا يتحلى بها لن يكون من أهل الإيمان، والعلة في عدم التحلِّي بها هي أن العلم والإدراك لم يتحولا فينا إلى إيمان، وإلا ظهرت فينا تلك الأوصاف النبيلة والأعمال الصالحة، والله العالم.
* سبيل اكتساب الإيمان
بعد اتضاح ذلك، يجب على الإنسان أن يجتهد في السعي لاكتساب الإيمان، وأن يغتنم هذه الأيام المعدودة من عمره في هذا العالم لاكتساب الإيمان وترسيخه في القلب، مهما كان الثمن. وهذا ما لا يمكن حصوله في أوّل السلوك الإنساني، إلاّ بأن يخلص أولاً نيته ودافعه لاكتساب المعارف والحقائق الإيمانية، ويعوّد القلب ـ بالتذكير المستمر والتكرار ـ على الإخلاص حتى يستقر فيه.
وإذا عمد في وقت الفراغ من المشاغل النفسية والخواطر، والواردات الدنيوية مثل أواخر الليل أو ما بين الطلوعين، إلى تلاوة الآيات الأواخر من سورة الحشر المباركة من قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله﴾ وهي الآية 18 من السورة إلى آخرها ـ وهي آيات تشتمل على التذكير ومحاسبة النفس، وتتضمن الإشارة إلى مراتب توحيد الله وأسمائه وصفاته ـ نقول إذا عمد إلى تلاوتها مع التوجُّه القلبي والتدبر فيها، فإن المرجو ـ إن شاء الله ـ أن يحصل على نتائج طيبة، وكذلك الحال مع تلاوة الأذكار الشريفة بحضور قلبي، فليعمد إلى الذكر الشريف «لا إله إلا الله» ـ وهو أفضل الأذكار وأجمعها ـ فالمرجو أن يأخذ الله تعالى بيده، (ببركة هذا الذكر المبارك).
* سلوك طريق الآخرة:
ومن المحتمل ـ يا عزيزي ـ أن يكون الأنس بهذه المعاني صعباً على النفس في بداية الأمر، وتزيد صعوبته عليها بالوساوس الشيطانية والنفسانية، التي تسعى لبعث اليأس في الإنسان من إمكانية تحقق تلك المعاني، وتصوِّر له أنَّ سلوك طريق الآخرة والسلوك إلى الله أمرٌ عظيمٌ وشاق، فتقول له: إنّ هذه المعاني خاصة بالعظماء فلا تناسبنا أبداً، بل وتسعى أحياناً إلى جعله ينفر من هذه المعاني، لكي تصرفه عنها بأية وسيلة كانت. ولكن على طالب الحق أن يلجأ إلى الاستعاذة الحقيقية به تعالى من مكائد الشيطان الخبيث، ولا يهتم بوساوسه، فلا يوقع نفسه في وهم أن سلوك طريق الحق تعالى شاق، أجل، هو يبدو شاقاً في بداية الأمر، ولكن الله تعالى يُسهّل للإنسان إذا دخل هذا الطريق ـ سبل السعادة ـ ويقربها إليه.
ولا يخفى أن تحقُّقَ هذه الأمور يأتي بصورةٍ تدريجية وخلال مدة طويلة، ولكن يجب على الإنسان الاهتمام به لشدة أهميته الاستثنائية، والخسران الناتج من الإعراض عنه ليس من قبيل الأضرار الدنيوية لكي يقول الإنسان: إذا لم أستطع أن أدفعها اليوم فسأتدارك الأمر غداً، وإن لم أفعل فالأمر ليس مهمّاً على كل حال، لأن الضرر دنيوي وهو زائل لا محالة، كلا، فالأمر هنا يرتبط بالسعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي الذي لا حد له ولا انتهاء.
ــــــــــــــــ
(1) أصول الكافي، ج2، ص23، كتاب الإيمان والكفر، الباب 16، ح1.
(2) أصول الكافي، ج2، ص23، كتاب الإيمان والكفر، الباب 16، ح1.
تعليقات الزوار