قلنا إن خط الإمام لا يزيد على أن يكون تسمية جديدة، في حياتنا السياسية المعاصرة، وإلاّ فإن مسألة الخط قديمة اسماً ومحتوى.

 

فمن ناحية المحتوى، يأتي خط الإمام امتداداً لدعوة الأنبياء عليهم السلام، ورسالتهم، وطريقتهم، ودعوة أئمة المسلمين، والمجاهدين، والصدّيقين، والعاملين، على امتداد التاريخ. وخط الإمام يشكل الامتداد الطبيعي، لهذا الخط العريق العميق في التاريخ.

 

ومن ناحية الاسم، فإن القرآن الكريم يعبِّر عن الخط الرباني، في حياة الإنسان بـ"الصراط المستقيم"، ويعطي الإسلام لمسألة الصراط المستقيم، في حياة الإنسان، أهمية فوق العادة.

 

ويكفي للتدليل على هذه الحقيقة أن نقول: أن الدعاء الوحيد، الذي يجب على الإنسان أن يكرره في اليوم عشر مرات في صلاته هو ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾، ولا أعرف الآن دعاء آخر، يجب على الإنسان أن يدعو به بصورة يومية رتيبة غير هذا الدعاء، عدى الصلاة على محمد وآل محمد.

 

ويقارن القرآن الكريم بين أولئك الذين يعيشون على غير هدى وبصيرة، في متاهات الحياة، والذين يسيرون على هدى وبصيرة على الصراط المستقيم. فيقول: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾1 وواضح أن الذي يمشي مكباً على وجهه، مطرقاً برأسه على الأرض تكثر العثرات في سيره، ولا يستطيع أن يعرف الطريق، وهذه حالة العمى والإعراض والغفلة في الإنسان. أما من يمشي بقامة سوية على الصراط المستقيم، فلا يعثر ولا يتيه.

 

وفي سورة هود: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾2.

 

وكيف يستوي الأعمى والأصم والبصير والسميع؟ إن الأول لا يكاد أن يميز شيئاً مما حوله، والثاني يكاد أن يمتلئ وعياً وبصيرة، وفهماً، وإدراكاً لما حوله، والأول هو الذي يعمل من غير هدى على غير صراط مستقيم، والثاني هو الذي يصير على هدى وبصيرة من دينه وعلى صراط مستقيم.

 

ليس من المهم أن يعمل الإنسان فقط أو يتحرك، وإنما المهم أن تكون حركته على الصراط المستقيم، وإن القليل من العمل، على هدى ووعي وخط، خير من كثير لا يستقيم على الصراط المستقيم.

 

إن هاجس العمل يكاد يتملك الكثير من العاملين، وهو حق، وصحيح، ولكن مسألة تبني الخط، والتأكد من أن الإنسان يضع خطاه على الصراط المستقيم، تأتي قبل العمل والحركة.

 

فما أكثر الأعمال والتحركات التي جرّت أصحابها إلى عذاب الله، واستدرجت القائمين بها إلى أسفل درك من الجحيم.

 

سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً من الحرورية يتهجد ويقرأ فقال عليه السلام: "نوم على يقين خير من صلاة في شك".

 

لذا نجد أن الإسلام يعطي هذا الدور الكبير، والقيمة الفائقة لمسألة (الصراط المستقيم) حتى يوجب الدعاء للاهتداء إليه، وتكرار هذا الدعاء مرات عديدة في اليوم دون غيره من الأدعية رغم أهميتها.

 

فقد يعمل الإنسان، ويعمل بجد، وبحرارة وحماس، وبصورة متواصلة، ولكن لا يزيده عمله إلاّ بعداً عن الله تعالى، وذلك أنه يعمل بعكس الصراط.

 

فكلما يتحرك أكثر يزيد بعداً عن الله عز وجل... وليس مثل "منظمة مجاهدي الشعب ـ المنافقون ـ" عنا ببيعد، الذين قضوا أشطراً من حياتهم السياسية، يحاربون الشاه، ويتحملون ألوان العذاب والمطاردات والسجون من قبل بوليس الشاه، ثم آل أمرهم إلى أن حملوا السلاح بوجه الثورة الإسلامية ورجالها وقادتها، وتحولوا إلى معول للهدم.

 

ولذلك ينبغي للعالمين أن لا يغرهم عملهم، وأن يتأكدوا في كل لحظة أنهم يضعون خطاهم على الصراط المستقيم ولا يخرجوا عن صراط الله، إلى متاهات الهوى والشيطان.

 

وكلما يكون موقع الإنسان العامل أكثر حساسية وعمله أكبر، يكون تعرضه للانزلاق واستهداف الشيطان أكثر، وعليه أن يبذل جهداً أكثر في طلب البصيرة والوعي والفقه في الدين.

 

فقد كان الإمام علي بن الحسين عليهما السلام يطيل القعود بعد المغرب ويسال الله اليقين ويقول إن الله تعالى لا يرزق أحداً رزقاً، أجلّ من نعمة اليقين والبصيرة، على أن نعم الله تعالى كلها جليلة.

 

وعن الوشا عن أبي الحسن عليه السلام قال: "سمعته يقول الإيمان فوق الإسلام بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، وما قسم بين الناس شيء أقل من اليقين".

 

واليقين والبصيرة والوعي كل ذلك يتعلق بخط تحرك الإنسان، قبل أي شيء آخر.

 

ولهذا كله، تأتي قيمة اليقين بالخط، والوعي والبصيرة، والفقه، من حياة المؤمنين العاملين، في الدرجة الأولى من قضايانا، وتأتي المسائل الأخرى بعد ذلك.

 

ــــــــــــــــ

 

1- الملك: 22

 

2- هود: 24