إن مسألة الارتباط، والانشداد إلى الخط والصراط المستقيم، مسألة في غاية الأهمية فإن شخصية الأمة، وسلامتها، واستقامتها، وصلابة مواقفها كل ذلك مرتبطة بالتزامها بصراط الله المستقيم، فلا بد إذن من الاهتمام بتعميق الصلة بين الأمة والخط "الصراط المستقيم".

 

والارتباط بالخط، يكون على شكلين: الارتباط العاطفي والارتباط الواعي العقلاني.

 

وكلاهما مهمان، في إعداد وتربية الإنسان المؤمن.

 

الارتباط العاطفي

 

الارتباط العاطفي، هو انشداد المؤمن إلى الصراط المستقيم، من خلال الأجواء العاطفية، التي تشده إلى خط الأنبياء، والأئمة عليهم السلام، وصراط الصالحين من عباد الله، والمجاهدين العاملين.

 

وهذه الأجواء لا شك أنها ذات آثار إيجابية، في بناء شخصية الإنسان المؤمن والتحاقه بالخط.

 

إن الاحتفالات بمناسبات أهل البيت عليهم السلام والمناسبات الإسلامية التي تخص شخصيات إسلامية، من العوامل الإيجابية المفيدة، في انشداد الإنسان المؤمن بهذه القافلة المباركة من العاملين في سبيل الله السائرين على صراط الله المستقيم.

 

وكذلك زيارات مراقد أهل البيت عليهم السلام والأنبياء، والأولياء، والعلماء، والمجاهدين، من العوامل المهمة في الانشداد إلى هذا الخط، والصراط العميق في التاريخ، الذي ينتظم عليه كل خطى العاملين المخلصين، والأتقياء الأبرار.

 

وفي مقدمة هذه العوامل، إقامة مجالس عزاء الحسين عليه السلام فإن هذه المجالس وما يجري فيها من ذكر مأساة الطف على الطريقة الشعبية المألوفة ذات تأثير كبير في انشداد المؤمنين إلى طريق الحسين وصراطه وخطه، وقلما نجد عاملاً تربوياً آخر يعوض عن هذا العامل ويحل محله.

 

ونحن العاملون مدينون بالكثير لهذه المجالس من سلامة أمتنا وسلامة خطنا، خلال هذه الفترة الصعبة التي غزتنا فيها الحضارة الغربية، واقتحمت بيوتنا، ومدارسنا ودوائر أعمالنا، واجتماعاتنا، فكانت مجالس الحسين عليه السلام هي إحدى أهم وأقوى الحصون، التي حصنت الأمة وخطها خلال هذه الفترة، من غزو الحضارة الغربية، عندما تهاوى أمام هذا الغزو الكثير من المعاقل والحصون.

 

فهذه الأجواء الإسلامية، الاحتفالات، والزيارات، مجالس العزاء، وقراءة النصوص الواردة في الزيارة، وكذلك زيارة العلماء والمجاهدين الأحباء، والاحتفاء بهم، وهكذا المسيرات والتظاهرات... كل ذلك عوامل إيجابية فعالة ذات تأثير عاطفي كبير في إلتحام الإنسان المؤمن بخطه وصراطه المستقيم وسلفه الصالح، وتحسيسه أنه عضو في هذه الأسرة المباركة ـ أسرة الأنبياء والمرسلين والأئمة وعباد الله الصالحين ـ وأنه خلف لذلك السلف الصالح وامتداد لهم، يجري على خطهم، ويسعى على هداهم، وعليه أن يسعى لحماية هذا الخط وسلامته، وإلاّ ينحرف عن طريقهم وصراطهم، وأن يضع خطاه حيث كان يضع أولئك خطاهم، على الصراط المستقيم، ويحافظ على ارتباطه بهم، ويسعى أن يكون امتداداً لهم.

 

إن السلفية المتطرفة في أفضل الحالات، إذا أحسنّا الظن بها، لم تدرك قيمة وحقيقة ومغزى هذه الأجواء العاطفية، وتأثيرها النفسي الكبير، في انشداد الإنسان المسلم برسالته وسلفه وأسرته الكبيرة.

 

على أننا نجد ما يبرر لنا سوء الظن ببعض رجال هذا المذهب في مكافحة هذه الأجواء الإسلامية الغنية والمباركة، ومحاربة زيارة المراقد، وإقامة الاحتفالات والمسيرات، بحجة أنها بدعة!!.. ولا نستبعد أن يكون الهدف من ذلك كله قطع صلة الأمة، بأبعادها وجذورها التاريخية، وقطع هذه الجذور، وبتر هذه الارتباطات والصلات، لتتحول هذه الأمة الكبيرة، ذات الجذور العميقة المباركة في التاريخ، إلى أمة مبتورة الجذور، مجتثة من فوق الأرض...

 

قانون علاقة العمل بالإيمان

 

وهناك حقل خصب آخر، من حقول الارتباط العاطفي بالخط، وهو حقل العمل والتضحية، فإن عمل الإنسان وجهاده وتضحيته في سبيل الله، وعلى الصراط المستقيم، يتحول بصورة مباشرة إلى إيمان بالخط، ووعي وبصيرة ويقين وثبات.

 

وكلما يزداد عمل الإنسان وتحركه على الخط يرتفع درجة تضحيته وتعبه على هذا الصراط، يزداد انشداداً والتحاماً بالخط، وحباً له، ويقيناً به، فتتحول الحركة إلى عاطفة حب، ويقين في العقل، وثبات في العمل.

 

ونحن نجد لهذا القانون نظائر كثيرة في حياة الإنسان، فالأم كلما تبذل جهداً أكثر في تربية أبنائها، تزداد الأم حباً لهم، وليس اختلاف درجة عاطفة الأم تجاه ابنها، من يوم ميلاده إلى يوم يشب سوياً، إلاّ نتيجة ارتفاع درجة البذل والعطاء والتضحية من الأم، فتتحول جهود الأم وتضحيتها إلى حب وعاطفة وتعلق بأولادها، يزداد بصورة مطردة.

 

وهذا القانون يجري بصورة أعمق، في صلة الإنسان بالخط، فكلما يزداد علمه وجهاده وتحركه وتضحيته، للدفاع عن الخط، يزداد إيماناً به وبصيرة وهدى ويزداد تعلقاً به وثباتاً عليه، فيتحول هذا الجهد إلى عاطفة ويقين وثبات.

 

وهذه المعادلة القائمة بين العمل والإيمان، من أكثر المعادلات تأثيراً في حياتنا اليومية.

 

ونحن نجد اليوم، في ساحة الثورة، شاهداً حياً على هذه الحقيقة. فقد استطاعت الثورة أن تنجب وتربي خلال هذه الفترة القصيرة من عمرها، جيلاً من الشباب المراهقين والشابات المراهقات، من المؤمنين والمؤمنات، والمخلصين والمخلصات، والطائعين لله والطائعات، ممن رزقهم الله هدى وبصيرة وتقوى وإخلاصاً، يندر وجودهم في الأجيال السابقة.

 

وليس من شك، إن الثورة الإسلامية، لم تكن تملك القدرة التربوية الكافية لإعداد هذا الجيل، بهذا المستوى الروحي والعقلي والإيماني الرفيع.

 

فأين نشأ هؤلاء إذن؟ ومن الذي رباهم؟ وفي أية مدرسة تخرجوا؟ وعلى يد من نشأوا؟ وكيف قطعوا هذه المراحل والأشواط البعيدة، خلال هذه الفترة القصيرة؟ وفي هذا السن المبكر؟

 

تلك الأسئلة يقف أمامها الجيل الهابط، الذي لم يألف هذه القفزات الإيمانية الكبرى في حياة الإنسان حائراً.

 

والجواب: إن المواجهة الحادة، لقوى الاستكبار العالمي، وامتداداته في المنطقة، والمنافقين وأعداء الثورة.. المواجهة لهؤلاء جميعاً، والعمل والتضحية الحقيقية التي قام بأعبائها هذا الجيل الصاعد المبارك، خلال هذه الفترة، بدموعه، ودمائه، وعرقه، وجهده، وسهره، هو الذي رفعه على هذا المستوى الرفيع، من الإيمان والوعي والإخلاص والثبات، وهو الذي شدهم بهذه الصورة المحكمة المصيرية بخط الإمام، وربط مصيرهم بمصير الثورة الإسلامية.

 

الارتباط الواعي

 

وإلى جانب الارتباط العاطفي بالخط، هناك نوع آخر من الارتباط، وهو الارتباط الواعي بالخط. ويتلخص في فهم الخط وإدراكه بصورة واعية وعقلانية.

 

وهذا اللون من الارتباط يحتاج إلى عمل فكري تثقيفي، وجهد علمي، من قبل العاملين في سبيل الله، لتقديم خط الثورة الإسلامية بصورة عملية ومقبولة إلى جيل الثورة، وكذلك العمل لإسقاط وإحباط الخطوط الفكرية والسياسية الأخرى ضمن جهود علمية.

 

وعلى العاملين في سبيل الله، أن يستفيدوا من كل الفرص، لتقديم هذا الغذاء العقلي إلى جيل الثورة، الذي تناط به مهمة المحافظة على خط الثورة الإسلامية وسلامتها ونقاوتها، وذلك كفرص المحاضرات والدروس والخطب والمجالس الحسينية ومنابر الوعظ والإرشاد، واستغلال أجهزة الإعلام بصورة واسعة لهذا الغرض.

 

على أننا نحب أن نقول، ليست الدراسة والعلم هو كل شيء في تحصيل البصيرة واليقين. وإن التقوى باب واسع من أبواب اليقين والمعرفة في حياة الإنسان، والإنسان الذي يتقي الله تعالى، ويضبط رغباته وأهواءه في حدود الله، ويحدد تصرفاته بحدود الله (الحلال والحرام) يرزقه الله تعالى بصيرة وهدى ويقيناً ويثبته على الحق، يقول تعالى ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وأعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم".

 

وهذا قانون آخر في علاقة التقوى باليقين والإيمان، يحتاج إلى دراسة أوسع في غير هذا المجال.