مقابلة مع السيدة زهراء مصطفوي

 

لأول مرَّة، زوجة الإمام الخميني (قدس سره) في دائرة الضوء: مقابلة مع السيدة زهراء مصطفوي كريمة الإمام الخميني (قدس سره)

 

حوار: أميمة عليق‏

 

أرسل لها الإمام الخميني (قدس سره) رسالة من النجف الأشرف يشكو لها ألم الفراق قائلاً «إن الحياة بعيداً عنك صعبة جداً». كان الإمام كلما استيقظ من مرضه قبل وفاته يسأل: «كيف حال السيدة؟». وينقل المحيطون بهما مدى احترام الإمام الذي يقل نظيره لهذه المرأة الجليلة. فمن هي السيدة خديجة الثقفي؟ وكيف كانت حياتها مع الإمام؟‏

 

للحديث عنها، قصدنا الدكتورة زهراء مصطفوي ابنة الإمام الصغرى. التقيناها في مركز الجمعية النسائية التي تتولى رئاستها (نساء إيران). وعلى الرغم من انشغالها بتقبل العزاء إلا أنها خصت مجلة بقية الله اللبنانية بلقاء، إكراماً للبنانيين الذين أحبوا الإمام وأحبهم وشاركوهم في العزاء والحزن .‏

 

إنها السيدة زهراء مصطفوي: ولدت في العام 1940 في مدينة قم المقدسة، وكانت الابنة الخامسة في العائلة. أنهت دراسة الدكتوراه في الفلسفة والكلام الإسلامي، وقد كتبت عدداً من الكتب والمقالات في مجال الفلسفة والفقه وعلم الكلام. تترأس جمعية نساء إيران وجمعية دعم الشعب الفلسطيني، وهي المديرة المسؤولة لمجلة (نداء)، وعضو في هيئة أمناء جمعية نساء الخرطوم، ومديرة قسم الفلسفة في جامعة طهران، وأستاذة فلسفة في جامعة طهران.‏

 

* طفولة هادئة:‏

 

* كيف كانت حياة والدتكم منذ طفولتها وإلى فترة زواجها؟‏

 

ولدت أمي في عائلة مرفهة وغنية. وعند ولادة أختيها، أرسلها أهلها إلى بيت جدتها وجدها لأمها في طهران للاهتمام بها، وبقي باقي أفراد الأسرة في قم حيث كان الأب يتابع الدراسة الحوزوية هناك.‏

 

عاشت الوالدة حياة مرفهة جداً إذ أُرسلت إلى مدرسة تدرّس اللغة الفرنسية في تلك الفترة، وهذا الأمر لم تكن تحظى به رفيقاتها. وبسبب وجودها في بيت الجد، عاشت حتى سن السادسة عشرة حياة بعيدة عن الصخب وعن المشاجرات التي قد تحدث بين الإخوة، فأثّر هذا الموضوع في طباعها ونشأت تحب الهدوء، ولا تعرف معنى الشجار والجدال. حتى أنها لم تكن تحتاج لأن تطلب شيئاً لأن كل ما كانت تريده كان متوفراً لها قبل أن تحتاج إليه.‏

 

في تلك الفترة، كان الإمام يدرس في مدينة قم المقدسة، وكان صديقاً مقرباً لوالدها السيد الثقفي الذي كان يكبر الإمام بسبع سنوات. ولأن الإمام كان طالباً مجداً ومهذباً وفهيماً، وكذلك السيد الثقفي كان من عائلة علماء وكان مجدّاً ومحترماً، انسجم كثيراً مع الإمام وكان يحترمه كثيراً. لم يكن الإمام قد تزوج بعد، وبدأ الحديث عن أن السيد الثقفي لديه فتاة في سن الزواج. رفضت السيدة خديجة فكرة هذا الزواج، ومما زاد في رفضها، عدم قبول الأم والجدة، لأن الإمام كان ما زال طالباً للعلم ولا يستطيع توفير الحياة المرفهة التي كانت تعيشها ابنتهم، بالإضافة إلى أنهم لا يعرفونه جيداً. أما الأب، فكان يحب الإمام ويشجع على هذا الزواج، فحاول إرضاءهن بإرسال من يسأل عن الإمام في بلدته خمين، حيث عاد السائل بمعلومات مرضية عن عائلة الإمام المعروفة بالأخلاق والاحترام. ولكن، بقي الرفض لفكرة أن تعيش ابنتهم ـ التي تعودت على حياة طهران - في مدينة قم المحرومة والمهملة آنذاك. ولكن ـ وبعد أن شاهدت رؤيا حول الإمام اعتبرتها إشارة لها للقبول بهذا الزواج ـ أعلنت رضاها وانتقلت لتعيش معه في مدينة قم المقدسة.‏

 

* سرّ صبرها:‏

 

* ماذا عن مرحلة ما بعد الزواج؟‏

 

وتدخل هذه السيدة حياة الإمام. لم تكن حياة الإمام من الناحية المادية حياة صعبة، فكان لديه بعض الأراضي في خمين، حيث كانت تصله من أموالها مبالغ جيدة، وكان الإمام يعتبر أن هذا المال يكفي لإدارة حياتهما، فلم يكن يأخذ أي مال كبقية الطلبة من الحوزة. ولكن بالنسبة للسيدة، كانت الحياة صعبة جداً بالمقارنة بما كانت عليه: في بيت جدتها عاشت الرفاهية والحرية المطلقة والسفر الدائم، أما في بيت الإمام فالحياة عادية. طبعاً كان الإمام يصر دائماً على أن يكون في المنزل من يساعد في العمل، ولكن لم يكن هناك من مجال للمقارنة حول طبيعة الحياة بين المكانين. كانت أمي سيدة مرهفة ومثقفة ونشيطة وفعالة. كانت تحب السفر كثيراً وكان لا يمر شهر أو شهران دون السفر إلى مناطق إيران، وكانت تشتاق دائماً لاستنشاق هواء الطبيعة.‏

 

عندما تزوجت، أصبحت أماً لثمانية أطفال سنة بعد سنة. وكانت تعيش محاولةً التكيف مع المشكلات التي كانت بالنسبة لها كبيرة جداً. أما الآخرون، فكانوا ينظرون إليها على أنها تعيش حياة جيدة. ولكن بالحقيقة كانت حياتها صعبة جداً. أما الأهم من ذلك فهو أنها لم تشكُ يوماً أو تتذمر أو تتكلم عن الموضوع. وكما أنها لم تكن يوماً تطلب من أهلها شيئاً في صغرها، كذلك لم تطلب يوماً من الإمام أو من أي شخص آخر مثل أهلها أو جدتها التي ربتها أية مساعدة.‏

 

* ما كان سر عدم شكواها أو تذمرها؟‏

 

عندما كنا نسألها عن سر صبرها وتكيّفها مع هذه الحياة الصعبة، كانت تقول: لسببين: أولاً حب الإمام الشديد لها وتعلقه بها وإظهار هذا الحب دائماً، وثانياً احترامه الشديد لها.‏

 

عندما أُبعد الإمام إلى تركيا ثم إلى النجف الأشرف، أصرت على أن تلتحق به هناك، على الرغم من الظروف الصعبة جداً من الناحية السياسية والاقتصادية في النجف آنذاك. وكذلك رافقت الإمام إلى فرنسا. ومما يدل على قوة شخصيتها وثقتها بنفسها، قيامها بزيارة باريس عدة مرات أثناء وجودها هناك.‏

 

* لم يقل لها يوماً ما يؤذيها:‏

 

* كيف كانت علاقة والديكما فيما بينهما؟‏

 

الإمام لم يكن يقول أبداً إنني أحب هذا أو أكره هذا. كانت كل حياته طبقاً لما يتطلبه الإسلام. فالإمام كان فقيهاً وفيلسوفاً وعالم أخلاق. وكانت حياته السياسية والاجتماعية تنطلق من نظرته الفقهية والأخلاقية. كان يعرف أن الإسلام يقول له إنه عليه محاربة الشاه وأن لا يعمل طبق ميوله الخاصة. وفي حياته الزوجية أيضاً كان ينطلق من الإسلام ومن الفقه والأخلاق. أنا أُرجع علاقة أمي وأبي الجيدة ببعضهما البعض إلى الإمام نفسه. هو كان مطلعاً على واجبات الرجل تجاه المرأة في الحياة الزوجية. وكان يعرف واجبات كل من المرأة والرجل في المنزل. يعرف أن الرجل لا يحق له أن يطلب من المرأة أن تقوم بأعمال المنزل أو أن يجبرها على مرافقته إلى زيارة فلان أو فلان... لذلك، كان يعرف حدوده وحدود الآخرين.‏

 

.. لم يقل لها يوماً كلمة تجرحها أو تؤذيها. عندما تكون خارج المنزل (مسافرة) كان الإمام يقلق ويضطرب وتبدو عليه علامات الحزن، وفي اليوم المقرر لعودتها، كان ينتظر منذ الصباح ويسأل مراراً العامل في البيت إذا كان الطعام جاهزاً، ويسألنا نحن إذا كانت غرفة السيدة مرتبة، ولم يكن يطلب منها أن تقوم بأي عمل: كان الإمام على سبيل المثال يطلب منا دائماً أن نغلق الباب خلفنا عند دخولنا أو خروجنا من الغرفة، وكان دقيقاً في هذا الموضوع. أما السيدة، فكانت تنسى هذا الأمر عندها كان الإمام يقف بنفسه ويغلق الباب، ثم تعاد الكرّة ولم يكن يقول لها أي شيء، بل كان هو يقف ويغلقه. لم يكن يطلب منها أن تحضر له حتى فنجان ماء أو شاي، بينما كانت هي أحياناً تطلب منه هذه الأمور.‏

 

فالإمام كان يعرف طبيعة ومستوى حياة زوجته قبل زواجهما، وهو كان مقتنعاً بأهمية الحياة البسيطة، فكان يعوض هذا الفرق بالمحبة الكبيرة والاحترام الدائم.‏

 

في إحدى المرات، كنا في غرفة والدتي وكان التلفاز يبث على إحدى القنوات. خرج الإمام، ذهب إلى غرفته ووضع التلفاز على القناة نفسها، فسألته لماذا جئت إلى هنا وأنت تريد أن تشاهد الشبكة نفسها؟ فقال: في تلك الغرفة صوت التلفاز منخفض وأنا لا أريد أن أرفع صوت التلفاز. قد تنزعج السيدة، فجئت إلى غرفتي لأكون على راحتي. ووالدتي كذلك كانت تحترم الإمام احتراماً خاصاً وتبادله الحب وتشد من عزمه وتدعمه في كافة مواقفه ومراحل حياته.‏

 

وكانت ثقة الإمام بزوجته كبيرة جداً، لدرجة أنه عندما تم إلقاء القبض عليه من قبل السافاك أعطى الختم (مع الالتفات لأهمية الختم عند المراجع) لزوجته وطلب منها الاحتفاظ به.‏

 

ويمكننا أن نستخلص من تصرفات الإمام ودقته في التعاطي مع السيدة واحترامه ومحبته لها، صفاتها وميزاتها التي كان يراها الإمام فيها.‏

 

* التربية غير المباشرة:‏

 

ـ كيف كان أسلوب تربية والدتكم لكم؟‏

 

(ضحكت قائلة) إنهما لم يكونا يربياننا. كان لدينا هامش كبير من الحرية. لم يكونا يسألاننا تفاصيل الأعمال التي نقوم بها، بل كان إشرافهما عاماً على حركتنا ودرسنا ولعبنا. مهما كنا نشاغب لم يكونا يعاقباننا، إلا إذا تعلق الأمر بالحلال والحرام. وكان الإمام دقيقاً جداً بالنسبة للاختلاط. فعندما كانت الفتاة تصل إلى سن التكليف أو عندما كان يصل الشاب إلى سن البلوغ، كان يمنعنا من اللعب معاً. وهناك حادثة، عندما كنا صغاراً حصل أن أحد أبناء الجيران (كنا رفاق أخته) أصبح قريباً من سن البلوغ، التفت لنا الإمام وركز في أختي الكبيرة التي أصبحت في الحادية عشرة ومنعنا من الذهاب إلى بيتهم، ولكننا ذهبنا، فعندما سمع الإمام صوت لعبنا (إذ كنا نلعب في حديقة بيتهم التي يفصلها حائط عن حديقة بيتنا)، أرسل العامل (الذي كان يعمل في البيت) وراءنا. وعندما جئنا، كان الإمام غاضباً جداً، وحمل عصا وصار يضرب بالعصا على الحائط ويقول: ألم أقل لكم ألا تذهبوا إلى هناك؟ فانكسرت العصا ووقعت على قدم أختي فاحمرّ لونها. عندما عرف الإمام نادى ابنته وأعطاها دية.‏

 

* هل كان الإمام يركز في طفولتكم في نقل المفاهيم الدينية أو إعطائكم دروساً دينية؟‏

 

لم يكن الإمام يركز في توجيهنا أو تربيتنا من خلال درس ما.‏

 

كنا نعيش في حرية كبيرة جداً. كان قد طلب ـ كما تقول أمي ـ أن نتعود على الصلاة من طفولتنا أي قبل التكليف، ولكن لم يكن يسألنا: هل صليتم؟ ومتى صليتم؟ أو كيف صليتم؟ أما نحن، فقد تعلمنا من طريقة تصرف أمنا وأبينا. كان الإمام يحترم الوقت كثيراً وأمي كذلك، كانا يركزان في الصلاة في أول الوقت، ونحن كنا نتعلم منهما. كانت أمي حساسة جداً بالنسبة لمسألة الغيبة (الاستغابة وسماعها)، وكذلك مسألة احترامها واحترامنا للإمام، فكانت تربيتهما لنا تربية غير مباشرة. لم يكن الإمام يطلب منا أبداً القيام بالمستحبات: قراءة قرآن أو دعاء كميل أو ... ولكن، أذكر أنه طلب منا بعد انتصار الثورة أنه إذا كنا نستطيع أن نشارك في صلاة الجمعة لنذهب ونشارك.‏

 

* يتساءل القراء عن سبب ابتعاد زوجة الإمام عن الأضواء.‏

 

كانت مع وقوفها بالقرب من الإمام في كافة مراحل الثورة، إلا أنها لم تكن تعتقد بوجوب إطلالتها على الإعلام. وكان الإمام يشاركها الرأي نفسه.‏

 

* تعلموا ولا ترضوا بالظلم:‏

 

* هل هناك كلمة توجهونها للقراء اللبنانيين؟‏

 

أريد أن أقول لهم: إن الإمام ـ ومن نظرته الإسلامية ـ كان لا يفرق بين شباب إيران وبين شباب لبنان. كان يعتبر الجميع أبناءه، والجميع يعرف رأي الإمام بحزب الله وبالشباب اللبناني.‏

 

أتوجه للشباب والشابات أن يحاولوا ويسعوا دائماً لإصلاح المجتمع، ولا يقبلوا بأي نوع من الفساد أو الظلم. هناك نقطة مهمة وهي أن المظلوم له دور مهم في الظلم، لأنه لو كان لا يقبل الظلم، لما وُجد الظالم. أريد أن أقول لهم إن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى العلم والأخلاق. يجب أن يسعى الشباب لتحصيل الإثنين معاً، وهذا ليس بالكثير.‏