في صباح أحد الأيام طلبني الإمام عن طريق أحد الأصدقاء.

 

فذهبت إلى سماحته ـ في قم ـ وكان جالساً لوحده فابتدأ بالحديث عن حزب (خلق مسلمان) وقال:

 

نحن نعلم بأن الأجانب وعلى الأخص أمريكا تكن لهذه الثورة عداءاً شديداً... وأول الطريق أنهم جاءوا وشكلوا حزباً, هذا الحزب المسمى حزب (خلق مسلمان) هو من صناعة الأجنبي, تؤكد ذلك التحقيقات... إنهم يريدون من الآن أن تقوم الفتن بين المسلمين ويقولون هناك حزب (جمهوري إسلامي) وهناك حزب (خلق مسلمان). وهذا الأمر يُعد كارثة على الثورة وذهاب دماء المسلمين هدراً. يريدون إسقاط هذه الثورة وتدمير هذا النجاح ويضعون مكانه ما يحقق مصالحهم.

 

والمشكلة هي أنّ السيد شريعتمداري قد أعلن ارتباطه بهذا الحزب وقال بأن الحزب تابع له, وهذا يعني أن بين الحزب والسيد شريعتمداري ارتباط وتعاون. وهذا أمر في غاية الخطورة. وما دعاني لدعوتك إلى هنا هو أن تذهب إلى السيد شريعتمداري وتنقل له رأيي بأن هذا عمل الأجانب وسواء علمت أنت بذلك أم لا, فإن مصلحتكم تقتضي أن تعلنوا بشكل عاجل في الإذاعة والتلفاز والصحف أنكم استقلتم من الحزب حتى تحفظ وجاهتكم من أي خدشة.

 

ذهبت إلى منـزل السيد شريعتمداري وأبلغته ما طلبه الإمام فأبدى تعجبه الشديد من ذلك وقال: إنّ هذا الحزب هو للمسلمين وقد أعلنت ارتباطي به وإعلان الاستقالة منه يعني ذهاب ماء وجهي وشخصيتي فهل أحقّر نفسي بنفسي وأقول إنني غير مرتبط بهذا الحزب وإنني لا أعرفه؟ لن أقدم على ذلك.

 

ذهبت إلى الإمام وأخبرته بما قال السيد.

 

فتأسف الإمام وقال إن السيد غير ملتفت إلى هذه المسائل. عد إليه وأبلغه أن وجاهته ستذهب بسبب علاقته بهذا الحزب وأن عدم الانفصال عنه هو مقدمة لذهاب ماء وجهه, وفي حال أعلن انفصاله فإنه سيبقى سيداً مُهاب الجانب في قم.

 

وإنني سأتم الحجة في هذا المجال، اذهب إليه وأبلغه إذا كانت شخصيتكم ستصاب بخدشة فيما لو أعلنتم عدم تبعيتكم لهذا الحزب. فإننا نقول إنا سنحافظ على مقامكم وشخصيتكم وحيثيتكم وسنجبر ما يفوتكم بحيث لا تصابون بأي ضرر.

 

أبلغته كلام الإمام ثُمّ قلت: «أن لدي اقتراحاً وهو أن تكتبوا استقالتكم وسيكون ذلك بمثابة مقدمة لإقامة مجلسٍ في المسجد الأعظم يُدعى إليه الإذاعة والتلفاز ويحضره المرجعان الگلپايگاني والمرعشي النجفي وتكون أنت والإمام أيضاً حاضران، وسأصعد أنا المنبر وأتحدث بما تريده أنت حول دوركم في الثورة, ثُمّ أعلن أنكم استقلتم من الحزب حيث اقتضت المصلحة ذلك. فكر السيد شريعتمداري في الأمر ثُمّ قال: «لا أظن أن الإمام سيقوم بذلك».

 

قلت له: «سأذهب وأخبره بالأمر فهل ستوافق أنت فيما لو قبل هو بذلك, أضف إلى ذلك أنّه حتّى لو لم يحضر الإمام فإن المرجعين الگلپايگاني والنجفي سيكونان حاضرين بشكل أكيد.

 

فتحير قليلاً ثُمّ قال: «جيد اذهب إلى الإمام وأبلغه فإذا وافق على ذلك فقم أنت بالأمر».

 

ذهبت إلى الإمام وأخبرته فقال: «نعم أنا أقبل بذلك لأن الثورة الإسلامية وحفظ عز الإسلام وقطع يد الأجانب هامّة عندي إلى درجة أني أوافق، وسأحضر المجلس. سآتي وأجلس وأنت تصعد المنبر وتتحدث بكل ما يريده السيد وترى المصلحة في التحدث به».

 

رجعت إلى منزل السيد شريعتمداري وأبلغته قبول الإمام بالأمر وقلت له اكتب أنت في هذه الليلة نص الإعلان وسآتي غداً صباحاً لأراه ثُمّ أعرضه على الإمام حتّى يمضيه إن نال موافقته ثُمّ ينعقد المجلس. فقال سأفعل ولكني أريد في هذه الليلة استشارة الأصدقاء فإن وافقوا على ذلك فسيكون النص جاهزاً غداً صباحاً!!...».

 

اعتبرت الأمر منتهياً وذهبت إلى منزل الإمام وأبلغته بالأمر فقال لي جيد إذاً ابقى أنت في قم هذه الليلة.

 

في الصباح ذهبت إلى منزل السيد شريعتمداري فقال لي: «إن الأصدقاء لم يوافقوا على الأمر وقالوا أن ذلك سيؤدي إلى إلحاق الضرر بحيثية بعض الأشخاص في قم وأذربيجان وأن ذلك يعد ضربة لك وعليك أن لا تفكر في مثل هذه المسألة أصلاً».

 

رجعت إلى الإمام وأبلغته النتيجة فأظهر تألمه لذلك, ثُمّ حدث ما حدث مما يعلمه الجميع.

 

المرحوم آية الله الشيخ محمد تقي فلسفي(ره)