خطاب الإمام (قدس سره) في جمع من خطباء وعلماء

 

قم وطهران وآذربيجان الشرقية والغربية بتاريخ 17/10/1982

 

 لقد ضحى شعبنا بأرواح أبنائه من الأطفال الخُدج وحتى الشيوخ في سبيل اللّه تبارك وتعالى، إقتداءً بسيد الشهداء (سلام اللّه عليه ).

 

 لقد عَلّم سيد الشهداء (عليه السلام) الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة. فرغم أنه كان يعلم منذ البداية أن عليه أن يضحي - في طريقه الذي سلكه - بجميع أنصاره وأهل بيته من أجل الإسلام، إلاّ أنه كان يعرف عاقبة هذا الطريق أيضاً.

 

 ولولا نهضة الحسين (عليه السلام) تلك لتمكن يزيد[1] وأتباعه من عرض الإسلام مقلوباً للناس، فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية، وكانوا يكنون الحسد والحقد لأولياء الإسلام.

 

 لقد تمكن سيد الشهداء (عليه السلام) من خلال تضحيته تلك - وعلاوة على إلحاق الهزيمة بهم، وبعد زعزعة أركان حكومتهم أن أدرك الناس بعد برهة حقيقة المصيبة العظمى التي حلت بهم - إرشاد الجميع على مرّ التاريخ إلى الطريق الصائب الذي ينبغي أن يسلكوه.

 

 لقد عَلّم (عليه السلام) الناس أن لا يخشوا قلة العدد، فالعدد ليس هو الأساس، بل الأصل والمهم هو النوعية، والمهم هو كيفية التصدي للأعداء والنضال ضدهم والمقاومة بوجههم، فهذا هو الموصل إلى الهدف.

 

 من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيراً إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب، ومن الممكن أن يكون عددهم قليلاً لكنهم أقوياء أشداء وشامخو الرؤوس.

 

 وهكذا بالنسبة لوضعنا، فلتكن القوى الكبرى الشرقية والغربية أعداء لثورتنا، ولتكتب جميع وسائل الإعلام العالمية ضد ثورتنا ولتلفق الأكاذيب، فإن الحقيقة واضحة وستظهر وستُعرف.

 

 وعندما نهض الحسين (عليه السلام) واستشهد مظلوماً أطلق عليه البعض صفة (الخارجي) واتهموه بالمروق عن طاعة «حكومة الحق القائمة آنذاك» لكن نور اللّه ساطع وسيبقى ساطعاً وسيمتلئ العالم بنوره.

 

 ما هو واجبنا ونحن على أعتاب شهر محرم الحرام؟ وما هو تكليف العلماء والخطباء الكرام في هذا الشهر؟ وما هي وظيفة سائر شرائح الشعب وفئاته؟ لقد حدد سيد الشهداء (عليه السلام) وأنصاره وأهل بيته تكليفنا وهو التضحية في الميدان، والتبليغ في خارجه.

 

 فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين (عليه السلام) عند اللّه تبارك وتعالى ونفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها - أو تقاربها - خطب السجاد (عليه السلام) وزينب[2] (عليها السلام) فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين (عليه السلام) بدمه. 

 

لقد أفهمنا سيد الشهداء (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، إنّ على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور. فقد وقفت زينب (سلام الله عليها) في مقابل يزيد - وفي مجلسه - وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرض له جميع بني أمية طُراً في حياتهم. كما أنها عليها السلام والسجاد (عليه السلام) تحدثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقي الإمام السجاد - سلام الله عليه - المنبر وأوضح حقيقة وأكد أن الأمر ليس قياماً لأتِّباع الباطل بوجه أتِّباع الحق، وأشار إلى أن الأعداء قد شوهوا سمعتهم وحاولوا أن يتهموا الحسين (عليه السلام) بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله !! لقد أعلن الإمام السجاد (عليه السلام) الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، وهكذا فعلت زينب (عليها السلام) أيضاً.

 

وهكذا هو الأمر اليوم في بلدنا، فسيد الشهداء (عليه السلام) قد حدد تكليفنا، فلا تخشوا من قلة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق أكثر بنفس النسبة، فنحن لم ندرك بعدُ جيدّاً حجم الانتصار الذي حققناه، وسيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني.

 

 وبنفس العظمة التي يتميز بها هذا النصر والجهاد يكون حجم المصائب والتحديات. وينبغي أن لا نتوقع أن لا تمسنا القوى الكبرى - التي قطعنا أيديها عن بلدنا وسنقطعها إن شاء الله عن باقي دول المنطقة - بأي سوء أو أذى، وعلينا أن لا نتوقع بعد تحقيقنا لهذه الانتصارات أن نبقى نرفل بالسلامة كما كنا في السابق.

 

 على جميع العلماء والخطباء وأئمة الجمعة والجماعة وكل مَن مِن شأنه الحديث مع الناس أن يوضحوا لهم كيف حصلت نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) وحقيقة هذه النهضة وغايتها وقلة عدد الأنصار الذين خرجوا مع الحسين (عليه السلام) وما هي المصائب التي انطوت عليها تلك النهضة وكيف بلغت نهايتها وكيف أنها لن تنتهي.

 

 إن علينا وعلى جميع الخطباء الالتفات إلى هذه النقطة وهي أنه لو لم تقع نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) لما استطعنا نحن اليوم أن نحقق النصر، فوحدة الكلمة التي كانت السبب في انتصار ثورتنا تعود إلى مجالس العزاء، ففيها تم التبليغ للإسلام والترويج له.

 

 لقد هيأ سيد المظلومين (عليه السلام) للجماهير وسيلة مكنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة ودون الحاجة إلى بذل جهود كبرى. والإسلام جعل من المساجد خنادق ووسائل،لأن هذه المساجد والتجمعات وصلوات الجمعة والجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام وما يقيض أسباب تقدم النهضة إلى الإمام، وخصوصاً مما تعلمناه من سيد الشهداء ( عليه السلام) مما ينبغي عمله في ساحة الحرب وخارجها، وماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح، وما هي واجبات المبلغين خلف جبهات القتال وكيف يقومون بذلك. 

 

لقد تعلمنا من الحسين (عليه السلام) كيفية النضال والجهاد وكيفية المواجهة بين قلة من الناس وكثرة كاثرة، وكيفية الوقوف بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مكان، كيف نقوم بذلك بعدد قليل... هذه أمور علّمها سيد الشهداء (عليه السلام) لأبناء شعبنا كما أن نجله الإمام السجاد (عليه السلام) وسائر أهل بيته (عليهم السلام) علّمونا ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة هل ينبغي الاستسلام؟ هل يجب التخفيف والتقليل من النضال والجهاد؟ أم علينا أن نقتدي بزينب (سلام الله عليها) التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب فوقفت بوجه الكفر والزندقة وتكلمت وخطبت كلما تطلّب الموقف وأوضحت الحقائق، تماماً كما مارس الإمام علي بن الحسين دوره التبليغي رغم الذي كان يعاني منه.

 

 إنكم أيها السادة العلماء وجميع العلماء الموجودين في أنحاء البلاد مكلفون بحفظ هذه النعمة الإلهية وهذه المنحة الربانية، مطالبون بشكر الله عليها، والشكر إنما يتحقق بممارسة التبليغ، بينوا للناس وأفهموهم ما فعله سيد الشهداء (عليه السلام) وما كان يريد تحقيقه والطريق الذي سلكه والنصر الذي تحقق له وللإسلام بعد شهادته، وضِّحوا لهم أن ما فعله سيد الشهداء (عليه السلام) هو الجهاد من أجل الإسلام، وأنه كان يعلم أنه لن يتمكن بما تهيأ له من عدد قليل يقل عن المائة شخص من التغلب على ذلك النظام الظالم الذي يملك كل شيء.

 

 عليكم أن تمارسوا التبليغ، فها قد جاء شهر محرم وعليكم إحياؤه، فكل ما لدينا هو من محرم، ومن هذه المجالس. فحتى مجالس التبليغ تهيأت لنا هي الأُخرى من شهر محرم وهي من ثمار مقتل سيد الشهداء (عليه السلام) واستشهاده.

 

 ينبغي لنا أن ندرك أبعاد هذه الشهادة ونعي عمقها وتأثيرها في العالم ونلتفت إلى أن تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً. فلولا وجود مجالس الوعظ والخطابة والعزاء والاجتماعات هذه لما تمكن بلدنا من تحقيق النصر. لقد نهض الجميع تحت لواء الإمام الحسين (سلام الله عليه) وأنتم تشاهدون الآن كيف أن جند الإسلام - حينما يعرض التلفزيون صورهم - إنـما يساهمون في الإبقاء على نشاط الجبهات من خلال حبهم للإمام الحسين (عليه السلام ).

 

 إن على المبلغين الأعزاء والعلماء والخطباء أن يبينوا للناس - خلال الاجتماعات والمجالس التي تعقد في شهري محرم وصفر - القضايا المعاصرة، أن يبينوا لهم القضايا السياسية والاجتماعية ويبينوا لهم تكليفهم في مثل هذا الوقت الذي نعاني فيه من كل هؤلاء الأعداء، وعليهم أن يُفهِموا الناس أننا ما زلنا في منتصف الطريق وأن علينا الاستمرار في المسيرة حتى النهاية إن شاء الله.

 

 ولو بقي الوضع الحالي وبقي الحضور الفعال الذي سجله أفراد الشعب - ولله الحمد - في ساحة الأحداث، لو واصلنا السير على هذا المنوال فإننا سنتمكن في النهاية من تحقيق النصر المطلق ولكن علينا أن لا نتراخى أو نضعف.

 

 عندما نهض شعبنا وثار أعلن منذ البداية أنه يريد إقامة الجمهورية الإسلامية والاستقلال الكامل وأنه يرفض الميل للشرق وللغرب وأعلن للعالم كله أننا لا نريد أن نكون تحت حماية أمريكا ولا في ظل حماية الاتحاد السوفيتي ولا غيرهما من القوى. نريد الاعتماد على رعاية الله تبارك وتعالى والسير تحت راية التوحيد التي هي راية الإمام الحسين (عليه السلام) فلا شك أن العالم سيتحرك للوقوف بوجهكم عندما يرى أنكم أعلنتم ذلك.

 

 إن عليكم أن تدركوا ذلك منذ البداية فمثلما نهض الحسين (عليه السلام) وثار بوجه كل تلك الأعداد المدججة بالسلاح حتى استشهد، فعلينا نحن أيضاً أن نثور وأن نوطن أنفسنا للشهادة ونحن مستعدون لذلك.

 

 وإنكم ترون كيف يعرب السادة الأجلاء من أئمة صلاة الجمعة وبكل رحابة صدر وطلاقة محيّا عن استعدادهم للبقاء في مواقعهم وأداء واجباتهم، وإن بلغ الأمر الشهادة التي نالها أقرانهم بعد انتصار الثورة الإسلامية في 22 بهمن هـ ش (11 شباط 1979) فإن الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا وضع ونفذ العديد من الخطط والمؤامرات للقضاء على الثورة الإسلامية الفتية. وكان من بينها - إضافة إلى إيجاد الفرقة - التخطيط لانقلاب عسكري وفرض الحرب التي استمرت مدة ثمان سنوات والقيام بتفجيرات واغتيالات بواسطة عملائه المتغلغلين (منظمة مجاهدي خلق) وخسرت الجمهورية الإسلامية خلال هذه العمليات اللاإنسانية عدداً من أفضل مؤيديها ومسئوليها.

 

 وكان من بين أولئك الشهداء، الشهيد آية الله مدني إمام جمعة تبريز والشهيد آية الله دستغيب إمام جمعة شيراز والشهيد آية الله صدوقي إمام جمعة يزد والشهيد آية الله اشرفي أصفهاني إمام جمعة كرمانشاه، على الجميع أن يكونوا على هذه الحال.

 

ـــــــــ

 

[1] في عام 60 هـ ق تربع يزيد بن معاوية (26 هـ ق - 62 هـ ق) على عرش الخلافة بعد والده. وكان شابا لا يملك من العلم والفضيلة أي شيء واشتهر بالفسق والفجور. استمر حكمه مدة ثلاث سنوات ونصف، إذ قتل في السنة الأولى الحسين بن علي (عليه السلام) مع أصحابه وأنصاره، واستباح في السنة الثانية المدينة المنورة (محل حكم الرسول الأعظم (ص) ومكان دفنه) وهجم في السنة الثالثة على مكة المكرمة.

 

[2] هي زينب (سلام الله عليها) الوليد الثالث للأمام علي (ع) وفاطمة الزهراء سلام الله عليها (ولادتها عام 6هـ ق - وفاتها عام 65 هـ ق) عاصرت زينب (سلام الله عليها) الأحداث التي جرت في عهد إمامة والدها وشقيقها الأكبر الإمام الحسن (ع) واستشهادهما.

 

وحضرت فاجعة كربلاء وشاهدت استشهاد أخيها وأبناء أخيها وأبنائها، وتبنت مسؤولية الأشراف على قافلة الأسرى بصبر لا نظير له وروحية كبيرة، وذلك عندما قام جيش يزيد بأسر عوائل الشهداء والمتبقين منهم عصر يوم عاشوراء وأوصلت نداء شهداء كربلاء إلى أغلب الذين واجهتهم على طول الطريق الذي قطعته القافلة من كربلاء إلى الكوفة أولاً ثم إلى الشام (مقر سلطة يزيد) ثانيا وإن خطبها الثورية والمؤثرة في مجلس عبيد الله بن زياد (حاكم الكوفة) ويزيد (خليفة زمانه) معروفة للجميع. أيضاً...