تأملات في الفكر الاجتماعي للإمام القائد الخامنئي (دام ظله)

يقف المتابع لفكر هذا القائد الحكيم عند ظاهرة، ربما ليس لها مثيل بعد الإمام الخميني "قدس سره الشريف". هذه الظاهرة التي تحتاج إلى مدة زمنية علمها عند الله لتُكتشف على حقيقتها، وهي ما يتعلق بالفكر الاجتماعي للإمام الخامنئي (دام ظله).

وفي محاولة الاقتراب من هذه الظاهرة العظيمة التي من شأنها أن تكون فتحاً كبيراً في الفكر الإسلامي، نجد أن مسألة المجتمع وقضاياه المصيرية كانت شبه غائبة عن مسرح الأبحاث العلمية لعلمائنا الكبار. وإذا وجد من يتناولها انطلاقاً من موقعيته الدينية، ففي أغلب الأحيان يكون العرض بشكل كلي دون الدخول في عمق التعاليم الإسلامي والنصوص الشريفة واستنباط أبعاد وقوانين الفكر الاجتماعي منها. هنا نشاهد فكراً جديداً يترعرع في رحاب روح جيّاشة ثابتة في أرض الأصالة متفرعة إلى سماء شؤون الحياة بأبعادها المصيرية، ليبثّ في أجواء العالم الإسلامي، الغارق في وحول القرون الماضية للغربة التامة عن التعاليم الاجتماعية للإسلام، روحاً جديدة ستثمر في المستقبل نهضة كبرى بإذن الله.

لعل هذه الإشارة نفسها لن تكون واضحة ما لم نبيّن أصول هذا الفكر الاجتماعي ولو بشكل موجز يتناسب مع هذه المقدمة. فالأصل الأول في هذا المجال هو مركزية الحكومة والمسؤولية الاجتماعية ــ الشرعية تجاه الحكم. ويتفرع من هذا الأصل تحليل أحداث التاريخ على هذا الأساس ورؤية جميع الأنشطة والتحركات ضمن حركة الحكم، التي هي رؤية واقعية نافذة لا تقف عند ظواهر الأحداث. وينبع من هذه الرؤية أيضاً اعتبار تشكّل الثقافة الواقعية للشعب من خلال نظام الحكم.

إن كل واحدة من هذه القضايا تحتاج إلى بحث مفصل وعميق. وما يظهر من كلمات سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) أنه يرسم الرؤية الشاملة لهذا الأصل، بحيث يمكن القول إن الحكومة تمثل محور فكره كلّه. ولقد قال الإمام الخميني في كتاب البيع ــ مبحث ولاية الفقيه: "إن الإسلام هو الحكومة"، مختصراً هذا الدين برؤيته الكونية ونظامه السلوكي بهذه القضية الرئيسية.

ومن مظاهر هذه المحورية، تبيان وشرح التعاليم الأخلاقية والوظائف الشرعية الفردية وفق هذه الرؤية الاجتماعية بحيث يصل المتتبّع لفكر سماحته إلى الاعتقاد بما قاله إمامنا الراحل سابقاً "إن الأخلاقَ كلَّها سياسة"، أو قوله "قدس سره الشريف": "إن الفلسفة العلمية لكلّ الفقه بكل أبعادها هي الحكومة".

الأصل الثاني في هذا الفكر الاستنهاضي هو الشعب. فإننا إذا طالعنا جميع ما كُتب من قبل عملاء الإسلام منذ القرن الأول وإلى يومنا هذا من مؤلفات في شتى الميادين لا نستطيع أن نعثر على هذا الأصل. حتى ان هذا البعد الاجتماعي لم يتشكل يوماً كما أراد الله تعالى من خلال مفهوم الأمة الواحدة في القرآن الكريم، لأنه سرعان ما حكمت العقلية العشائرية والقبلية بعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" ووصلت إلى ذروتها على عهد معاوية حيث جعل الحكم ملكاً عضوضاً. ولم تنفع المساعي الكبرى لأئمة المسلمين الصالحين للقضاء على هذا الانحطاط الكبير الذي أصاب المجتمع الإسلامي بأسره.

هنا نجد الإمام الخامنئي ــ وبرؤيته الاستراتيجية للأمور ــ يغوص في أحداث التاريخ ويدرس المجتمع الإسلامي من زاوية الناس أو الشعب؛ فهو يسعى للبحث عن هذا البعد الذي ضاع في كتابات العلماء وبعد أن يجده يعطينا على أساسة تفسيراً عميقاً للتاريخ، يصلُح بكل جوانبه أن يكون درساً استراتيجياً للحاضر والمستقبل.

وكما أشرت في طيّات الكلام، من الصعب الآن أن ندرك هذا الامتياز الذي حقّقه سماحته مما يجعله من الفاتحين الكبار في مجال الفكر الإسلامي.

ما نحتاجه أولاً هو المطالعة الشاملة لفكره ومقارنته بفكر عظماء العلماء، بالإضافة إلى امتلاك الحس السياسي والهم الاجتماعي الذي يعني البحث الدائم عن اكتشاف أمراض المجتمع الإسلامي وأسباب انحطاطه ووسائل وبرامج علاجها.

آمل أن يهتدي القراء الأعزاء إلى هذا الكنز العظيم.

قم المقدسة ــ 14 شوال 1420هــ