الإشراف من وجهة نظر الإمام الخامنئي
مفهوم الإشراف
الإشراف على المنظومة أو المؤسسة التي نديرها قضية على جانب كبير من الأهمية. إنني أصرّ وأؤكد عليكم أيها الأصدقاء الأعزاء – وأنتم المسؤولون رفيعو المستوى والمدراء الكبار – بأن تولوا قضية الإشراف على المؤسسات التي تديرونها أهمية فائقة. أعينكم المفتحة البصيرة هي التي إن دارت داخل دائرة مسؤوليتكم بوسعها ضمان صحة العمل وتقدمه إلى الأمام. إذا غفلتم فقد يحصل خلل في القسم الذي غفلتم عنه. ليست المنظومات البشرية كالمكائن التي يضغط فيها الإنسان على زر فتبدأ هذه الماكنة بالعمل من تلقاء نفسها. المنظومات البشرية مجموعة من الإرادات والأفكار والآراء والأذواق والنـزعات النفسية السليمة والخاطئة. الشيء الذي اتخذتم قراره ودبرتموه ومن المقرر أن يتم إنجازه داخل منظومتكم قد يصطدم في موضع ما بعقبة من هذه النـزعات والأفكار والأذواق والإرادات المتنوعة فيتوقف. كالماء الجاري الذي يصطدم بحجر. وجريان الماء الضعيف إذا اصطدم حتى بالرمل سوف يتراجع. هنا ينبغي رفع هذه العقبة. وهذا غير ممكن من دون الإشراف. الإشراف مهم جداً.
ملاكات الإشراف
في الممارسة الإشرافية يجب اتخاذ القانون والضوابط ملاكاً ومعياراً وليس الأذواق والسلائق الشخصية. لا تذهبوا وراء الذوق الشخصي على الإطلاق. ينبغي أن تفعلوا ما تستطيعون أن تتحملوا مسؤوليته أمام الله تعالى وعباده. يجب أن لا تحول أية ملاحظة ولا أي اعتبار دون تنفيذ القرارات والضوابط.
ينبغي مراعاة الجوانب الأخلاقية، ومنها أنه يجب عدم الخلط كثيراً بين الشؤون الشخصية للأفراد والقضايا الرئيسية. مثلاً يجب عدم الخلط بين القضايا الفئوية والسياسية وبين المواقف الواقعية الثورية والمعادية للثورة. وكذا الحال بالنسبة لحالات الحب والبغض؛ أحياناً يرتاح إنسان لشخص معين ولا يرتاح لشخص آخر. ينبغي الحذر حقاً من أن تتدخل هذه المسألة في أي مستوى من المستويات. يجب أن لا توجّه التهم للأفراد من دون تحقق وتأكّد. وينبغي عدم الحكم بوقوع جريمة لدى شخص من الأشخاص بناءً على ظواهر بدائية جداً.
الإشراف والسلطات الثلاث
الإشراف والسلطة التنفيذية
هذه الماكنة البيروقراطية التنفيذية جهاز لا مفرَّ منه، وإذا لم تراقبوه فسيكون شيئاً خطيراً. هذه المراقبة هي التي يمكنها إيصالكم لأهدافكم بسهولة وسرعة. إذا لم تكن هناك أجهزة تنفيذية ولم تكن أيديكم لما استطعتم الوصول لأي هدف من أهدافكم. وفي الوقت ذاته فإن هذه الماكنة يمكنها متى ما أرادت صدكم عن بلوغ أهدافكم. الأمر يعود إلى طبيعة تركيبة منظومتكم والأهم من ذلك إشرافكم على هذه المنظومة. إذا أشرفتم عليها كانت تحت تصرفكم، وإذا غفلتم عنها كنتم أنتم تحت تصرفها ولن تستطيعوا السيطرة عليها مهما كنتم طيبين وصالحين.
لا نستطيع القول اختاروا الجميع أخياراً صالحين. إذ هل يمكن اتخاذ معيار ثم تطبيق ألف شخص، أو ألفي شخص، أو عشرة آلاف شخص من زملائكم على ذلك المعيار من أولهم إلى آخرهم؟ هل مثل هذا الشيء ممكن؟ وعلى فرض أنكم قمتم بهذا التطبيق فهل سيبقى الأخيار أخياراً إلى نهاية المطاف؟ ألا تؤثر وساوس النفس في الأشخاص الصالحين؟ إذن، الضمانة هي أن تخصصوا وقتاً للإشراف.
إذا قسّم المدير العام وقته ربما جاز القول إنه يجب أن يخصص نصف وقته للإشراف على المؤسسة التي يديرها، ونصفه الآخر لأعماله الأخرى من قبيل التفكير ورسم السياسات وإصدار الأوامر وعقد الاجتماعات. الإشراف على المؤسسة معناه أن تتواجدوا دائماً. وقضية المتابعة جزء من هذا الإشراف. طبعاً إشراف رئيس الجمهورية على وزرائه يجب أن لا يناقض استقلال الوزراء في أعمالهم، فالوزراء يتحملون مسؤوليات قانونية وقد أحرزوا ثقة المجلس ويجب أن يكونوا مستقلين. ولكن الإشراف يسري حتى على الوزراء. استقلالهم في مهامهم مصان من ناحية، لكن إشراف رئيس الجمهورية عليهم يجب أن يستمر بكل شدة من ناحية ثانية.
الإشراف ومجلس الشورى الإسلامي
الواجب الأول للمجلس هو المصادقة على القوانين التي تكلِّف الحكومة وتجعلها قادرة على إدارة الأمور بشكل صحيح ومن ثم الإشراف على تنفيذها بالسبل القانونية. وهذا الواجب يستلزم تعاوناً وتناغماً بين المجلس والحكومة، ويستدعي دعم المجلس للحكومة. الواقع أن واجب السلطة التنفيذية هو سن القوانين والإشراف على أداء المسؤولين الحكوميين، وحسب الدستور (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية) فإن المجلس يشرف على الحكومة. إذا تصرفت الحكومة في موطن ما بشكل سيئ أو معوج وسارت في الطريق غير الصحيح، أو إذا ابتليت لا سمح الله بالاستغلال والفساد فإن المجلس هو القطب الذي بمقدوره الحؤول دون الفساد والانحراف.
المجلس إلى جانب تعاونه مع الحكومة الخدومة وخصوصاً رئيس الحكومة، تمارس دورها في الإشراف، ومن مصاديق هذا الإشراف ديوان المحاسبات. ديوان المحاسبات أداة على جانب كبير من الأهمية. الميزانية الهائلة لهذا الشعب هي الوارد الكبير العمومي الوحيد للشعب والذي يوضع تحت تصرف الأجهزة المختلفة. ينبغي أن يكون واضحاً كيف تنفق هذه الميزانية. قضية ضبط الميزانية وتشخيص صحة أو سقم الأعمال التي أنجزت من أهم أدوات الإشراف لدى المجلس، ويجب عدم إغفالها. لا بد من وجود قانون لاستخدام الأدوات الإشرافية والارتباط بالأجهزة التنفيذية التي يجري الإشراف عليها. بعض العلاقات غير السليمة تضركم على الإطلاق، وتخلق في الأذهان فرضيات تفيد وجود علاقات غير سليمة وغير صحيحة مع جانب من الأجهزة الخاضعة للإشراف. هذا يمسُّ بالإشراف يقيناً ويسلب القدرة على الإشراف ويسلب السلطة الهائلة التي منحها القانون للمجلس، وعندها لن يعود للمجلس أي تأثير.
إشراف المجلس حالة ضرورية جداً، إما بهذه الأدوات الإشرافية من قبيل ديوان المحاسبات، أو النواب أنفسهم حيث يمكنهم بشكل مباشر ممارسة الإشراف عن طريق الأسئلة والتنبيهات. هذه أدوات مهمة وضرورية جداً.
ولكن يجب أن لا يتحول هذا إلى وسيلة تعارض بين سلطتين. التعاون المتبادل بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية بوسعه تمهيد الأرضية لتقدم البلاد، وجعل التحركات البناءة جزلة سريعة. ومن البديهي أن هذا لا يعني التقصير في واجبات الإشراف لدى المجلس. يجب أن يجعل المجلس معايير ثقته في مدراء الحكومة الكبار منوطة بالالتزام، والتدين، والكفاءة، والخبرة، والوفاء للنظام وللشعب، ويكون جاداً في إشرافه القانوني على أدائهم. سلامة هذه العلاقة تكمن في أن تعتبر الحكومةُ المجلسَ حلاّل عقد المشاريع الكبيرة وتستفيد من حكمته وتشخيصه للمصلحة في تنفيذ واجباتها العويصة.
الإشراف والسلطة القضائية
على السلطة القضائية الترحيب بإشراف القانون. القانون أحد أدوات الإشراف. القانون نفسه عامل موضوع داخل السلطة القضائية وهو عامل مهم ومؤثر جداً للإشراف على السلطة القضائية. ليكن القانون هو المعيار، ويجب عدم نقض القانون أو تخصيصه أو تقييده أو حذف شيء من مدياته لهذا السبب أو ذاك. على كل حال، يتوجب على السلطة القضائية أن ترحّب بكل أشكال الإشراف. كل حالات الإشراف وإبداء وجهات النظر وحتى حالات النقد المنصف ينبغي الترحيب بها. هذا جيد جداً. من تكون أيديه نظيفة – سواء على المستوى المالي أو المستويات غير المالية – لا يخاف من المحاسبة. دعوا العناصر المختصة بهذه العملية كمنظمة التفتيش ومختلف المنظمات الإشرافية وكذلك العناصر خارج السلطة القضائية كعلماء الحوزة والجامعة وعلماء الحقوق في البلاد دعوهم يبدوا وجهات نظرهم واقتراحاتهم ونقودهم. هذا ما يعاضد السلطة القضائية ويقوّي عودها. نحمد الله على أن أركان السلطة القضائية أركان جيدة. أساسها أساس جيد جداً فهو منبثق من الأصول المقدسة لنظام الجمهورية الإسلامية ومرتكز على أحكام الإسلام ويمثّل قوة متينة لا تهاب شيئاً. كلما واجهت السلطة القضائية تحديات قانونية وإشرافية كان ذلك خيراً لها ومبعث قوة وكفاءة لها.
الإشراف على القيادة
لا أحد فوق الإشراف. القيادة نفسها ليست فوق الإشراف، ناهيك عن المؤسسات المرتبطة بالقيادة. إذن ينبغي للإشراف أن يشمل الجميع. الإشراف على الذين يحكمون – لأن الحكومة تعني بشكل طبيعي تركيز السلطة والثروة، بمعنى اجتماع بيت المال والاقتدار الاجتماعي والسياسي في أيدي الحكّام – ممارسة ضرورية وواجبة ولا بد منها من أجل أن يكونوا أمناء ولا يستغلوا مواقعهم ولا تطغى نفوسهم. طبعاً هذا التصنيف القائل بوجود مؤسسات تحت نظر القيادة ومؤسسات ليست تحت نظر القيادة، تصنيف مغلوط. ليس لدينا مثل هذا الشيء. طبقاً للدستور فإن السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية تحت نظر القيادة. وكذا الحال بالنسبة للأجهزة والمؤسسات الأخرى. وأن تكون المؤسسات تحت نظر القيادة لا يعني أن القيادة تدير هذه المؤسسات، لكن الأمر لا يختلف على كل حال ولا بد من الإشراف. على جميع المؤسسات الحكومية والعامة أن لا تتهيّب المحاسبة. يقول المثل: ما خوف صاحب الأيدي النظيفة من المحاسبة؟ ينبغي عليهم تنظيف حساباتها لكي لا يخافوا المحاسبة. وإذن المؤسسات المرتبطة بالقيادة ليست معفية من الإشراف.
الإشراف يجب أن يكون جاداً. هذا رأيي وقد ذكرته مراراً لأعضاء مجلس الخبراء وغيرهم. إنني أحبّ الإشراف ولا ارتاح أبداً للتهرب من الإشراف إذا حصل لدى أحد أو في موضع معين. أنا نفسي كلما أشرفوا عليَّ أكثر كلّما سررت أكثر. أي إنني لا أشعر أبداً بأن الإشراف يثقل عليَّ. لذا أنا مسرور لهذا الإشراف والمراقبة. طبعاً إذا أشرف أحد وعلم شيئاً فالطريق الصواب هو أن يخبر مجلس الخبراء وسوف يأخذون كلامه بنظر الاعتبار يقيناً.
أسلوب إشراف مجلس الخبراء
الواجب المهم الذي يقع على عاتق مجلس الخبراء بالدرجة الأولى هو انتخاب القائد، وبالدرجة الثانية الإشراف على أحوال القائد ليتأكدوا هل لا يزال يتمتع بالأهلية والكفاءة؟ هل لا يزال عمله وتقواه وقدراته الإدارية وتدبيره وإخلاصه وصدقه كما كان، أم أنه تراجع عن حد النصاب؟ ينبغي أن يشرفوا. هذه هي الوظيفة المهمة لمجلس الخبراء. ما من مؤسسة أخرى في البلاد تستطيع النهوض بهذا العمل المهم ويسمح لها القانون بمثل هذا ويكلفها بهذا الشيء.
لمجلس الخبراء هيئة تحقيق وهي المسؤولة عن متابعة شؤون القيادة. لا تعمل هيئة التحقيق هذه مرةً واحدةً في السنة، إنما تقوم بواجباتها وأعمال القيادة معروضة أمام أنظار الجميع. لحسن الحظ ليس جهاز القيادة وأعمالها بالأشياء الخافية عن الأنظار، لأن واجبات القيادة ومهامتها معروفة. تأتي تلك الهيئة وتستفسر وتحقق ومن ورائها مجلس الخبراء الذي ترفع الهيئة تقاريرها له. أعضاء مجلس الخبراء يتناقشون كثيراً في اليوم أو اليومين الذين تنعقد اجتماعاتهم فيهما، ولا تقتصر القضية على إصدارهم بياناً. تدور هناك نقاشات عديدة وتطرح آراء مختلفة. إذن فهم يقومون بواجباتهم. والاجتماع مرتين في السنة من قبل تلك المنظومة الكبيرة ليس بالشيء القليل. كانت اجتماعات مجلس الخبراء تعقد مرة واحدة في السنة، ولكن منذ سنوات تعقد اجتماعاتهم مرتين في السنة. وجماهير الشعب تقف وراء مجلس الخبراء.
واجبات الإشرافِ لدى مجلس صيانة الدستور
الإشراف الاستصوابي
الإشراف الاستصوابي قانون. هذا النمط من الإشراف الذي يمارسه مجلس صيانة الدستور مطابق للقانون ويستند إلى دستور البلاد. جذوره وأسسه تضرب في الدستور، وقد تم تأييد ذلك في القانون العادي فهو موجود في القانون العادي. هذا الإشراف أيضاً غير مقرر على المواطنين العاديين إنما هو من أجل أن لا يدخل شخص مضرّ وسيئ وغير صالح للمراكز الحساسة. وهذا الإشراف الاستصوابي غير مقصور على المجلس بل يشمل رئاسة الجمهورية أيضاً. الإشراف الاستصوابي من أجل الحؤول دون صعود الأشخاص الذين لا يتمتعون طبقاً لقوانين البلاد بصلاحية الصعود للمناصب الحساسة سواء في مجلس الشورى الإسلامي أو رئاسة الجمهورية أو سائر المؤسسات الخاضعة لهذا الإشراف نظير مجلس الخبراء وغيره.. الهدف هو أن لا يدخل هؤلاء لهذه المراكز الحساسة. الإشراف الاستصوابي أمر حسن وليس سيئاً. الذين ينتقدونه ويشكلون عليه يدعون أن مجلس صيانة الدستور يوافق ويرفض حسب الميول السياسية، وهذا لا واقع له طبعاً، وقد أنكره دائماً السادة في مجلس صيانة الدستور أنفسهم. وأنا أيضاً في حدود مشاهدتي لأدائهم عن كثب لم أشعر بمثل هذا. من الممكن أن لا يدرك أحد الناس شيئاً بصورة صحيحة ويدركه بشكل مغلوط.. هذا بحث آخر. لكن الأساس أساس قانوني.
الإشراف على الانتخابات
الإشراف على الانتخابات عملية في غاية الأهمية لأن سلامة الانتخابات تستتبع سلامة المجلس، وسلامة المجلس من شأنها ضمان سلامة القوانين وأسس العمل في البلاد. الجهاز التنفيذي مهما كان كفوءاً إذا لم تكن القوانين التي توضع تحت تصرفه سليمة وصحيحة وفاعلة فسوف يعتريه الانحراف عاجلاً أو آجلاً. سلامة نظام الجمهورية الإسلامية منوطة بحفظ الاتجاه الإسلامي ومراعاة الدستور، وهذا ما يتم تأمينه بواسطة مجلس صيانة الدستور. إذا كانت سلامة النظام بأن تكون قوانينه صحيحة يراعى فيها الإسلام، فإذا لم يستطيع المجلس لا سمح الله تقديم قوانين مطابقة للإسلام ولم يكن منهجه منهجاً صحيحاً صائباً فإن ذلك سيترك آثاره بلا شك على وضع الحكومة والإدارة التنفيذية للبلاد. إذن، سلامة النظام رهن بسلامة المجلس. المجلس السليم والقوي والكفوء الذي يجتمع فيه نواب مؤمنون سيستطيع النهوض بدعم النظام بصورة قانونية وبالنحو الصحيح. مجلس صيانة الدستور أوثق مؤسسة أهدتها الثورة لنظام البلاد. من أجل أن نتأكد عموماً من سلامة النظام فإن المؤسسة الأهم والأقوى والأنفذ والأنشط والأكثر تأثيراً لهذا الشأن هي مجلس صيانة الدستور. مجلس صيانة الدستور المشرف الأمين على الانتخابات.
الإشراف العام
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مظهر للإشراف العام
الجانب المتعلق بعموم الناس هو بالدرجة الأولى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشؤون الاجتماعية. طبعاً في الشؤون الفردية أكد الإمام علي (ع) على التقوى تأكيداً شديداً. أما في الشؤون الاجتماعية فربما لا يوجد خطاب للناس أشد وأغلظ وأكثر حيوية وهياجاً من خطاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عام. الأمر بالمعروف معناه دعوة الآخرين إلى الممارسات الحسنة. والنهي عن المنكر يعني نهي الآخرين عن الممارسات القبيحة. الأمر والنهي هما مجرد كلام وأقوال. وهناك طبعاً مرحلة تسبق مرحلة اللسان هي مرحلة القلب التي إذا كانت فسيكتمل الأمر بالمعروف باللسان. حينما تأمرون الناس بالمعروف مساعدةً للنظام الإسلامي – كالإحسان للفقراء، والتصدق وكتمان السر، والمحبة، والتعاون، والأعمال الصالحة، والتواضع، والحلم، والصبر – وتقولون لهم افعلوا هذه الأشياء، إذا كانت قلوبكم مشدودة لهذا المعروف ومُحبَّةً له سيكون أمركم أمراً صادقاً. وحينما تنهون أحداً عن المنكرات – كالظلم والعدوان على الآخرين، وسلب الأموال العامة، والتطاول على أعراض الناس، والغيبة، والكذب، والنميمة، والتآمر، والعمل ضد النظام الإسلامي، والتعاون مع الأعداء – وتقولون له لا تفعل هذه الأمور، فإذا كانت قلوبكم مبغضةً لهذه الأشياء كان نهيكم عنها صادقاً وتكونون قد عملتم بدوركم طبقاً لهذا الأمر والنهي. إذا لم يكن القلب مطابقاً للسان لا سمح الله، عندها سيكون المرء مصداقاً للعبارة: »لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له«. الذي يأمر الناس بالإحسان ولا يعمل به، وينهى الناس عن السوء ويرتكب ذلك السوء ستحلّ به لعنة الله ويكون مصيره خطيراً جداً.
إذا كان معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحدوده واضحة للناس فسوف يتجلى أنه من أبدع وأحلى وأكفأ وأنجع أساليب التعامل الاجتماعي. هذا التعاون وهذا الإشراف العام وهذه المساعدة على إشاعة الخير وتطويق الشرور والسلبيات مساعدة على اعتبار الخطيئة في المجتمع الإسلامي خطيئةً دائماً. أسوء الأخطار أن يأتي يوم يعد الذنب في المجتمع الإسلامي ثواباً، ويعتبر الفعل الحسن فعلاً سيئاً وتتغير الثقافات. إذا شاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع سيكون من شأن ذلك أن تبقى الخطيئة خطيئةً في أنظار الناس ولا تنقلب إلى ثواب وعمل صالح. أسوء المؤامرات ضد الناس هي أن يعملوا ويتحدثوا بحيث تنقلب الممارسات الحسنة – الممارسات التي أمر بها الدين وفيها رشد البلاد وصلاحها – إلى ممارسات سيئة في أنظار الناس، وتتحول الأعمال السيئة إلى أعمال حسنة. هذا خطر كبير جداً.
على ذلك فإن النفع الأول للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أن يبقى الإحسان إحساناً والسوء سوءاً. من جهة أخرى إذا شاعت المعاصي في المجتمع وألفها الناس سيواجه الذي يتولى زمام المجتمع ويحاول توجيه الناس صوب الخير والصلاح والمعروف والإحسان صعوبات عديدة في واجباته، أي إنه لن يستطيع أو لن يستطيع بسهولة القيام بواجباته المذكورة وسيضطر لدفع تكاليف باهضة لهذا الشيء. يقول: »لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم«. يجب أن تعملوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينكم وتشيعونه وتلتزموا به، وإن لم تفعلوا سلّط الله عليكم شراركم والفاسدين والعملاء منكم. إذا لم يكن ثمة أمر بالمعروف ونهي عن منكر وشاعت الجرائم والسرقات والغش والخيانة في المجتمع وصارت تدريجياً من ثقافة المجتمع فسوف تتمهد الأرضية لتولي الأشرار زمام الأمور.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى المسؤولين
طبعاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستويات عديدة وأهمها مستوى المسؤولين. أي إن الجماهير يجب أن تأمر المسؤولين بالمعروف وتنهاهم عن المنكر. الجماهير يجب أن يطالبوا المسؤولين بفعل الحسنات. وليس على شكل رجاء وتمنيات، إنما على شكل مطاليب. هذا أهم مستوى من مستويات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنه طبعاً ليس المستوى الوحيد إذ توجد غيره مستويات متنوعة أخرى.
النهي عن المنكر ممكن في كافة المجالات المهمة. مثلاً الأعمال التي يستطيع الأقوياء القيام بها من قبيل استغلال المصادر العامة، والمحسوبيات في قضايا البلاد العامة، وفي الواردات والشركات واستثمار مصادر الإنتاج وغير ذلك، والعمل وفق المسحوبيات والصداقات بين المسؤولين. تارة هناك شخصان تاجران كاسبان بينهما تعاون وصداقة.. لهذه الحالة حكمها. وتارة يكون للمسؤول الحكومي الذي بيده القوة والتراخيص والتوقيعات علاقة خاصة بشخص من الأشخاص وهذا هو المحظور والمعصية والحرام والذي يتوجب النهي عنه على كل من يعرف به في تلك الدائرة مثلاً أو ذلك القطاع أو في المستويات الأعلى أو الأدنى. وذلك من أجل تضييق الأجواء على الاستغلاليين.
الوظائف الإشرافية للصحافة
نظام الجمهورية الإسلامية نظام شعبي جماهيري. والنظام الشعبي – الذي يتدخل الشعب في نسيجه الأصلي – ليس في غنى عن وعي الناس. يجب أن يوعّي جماهيره ويمنحهم القدرة على التحليل والاطلاع على المعلومات والمعطيات والمعارف الضرورية المفيدة. الوعي بالنسبة لمثل هذا النظام ضروري وواجب كالماء والهواء. وهكذا هو نظامنا. كلما كان الناس أكثر وعياً واطلاعاً كلما انتفع نظام الجمهورية الإسلامية أكثر. إذن، فهو نظام يحتاج إلى توعية الناس.
على الناس في مجتمعنا بمشاركتهم في الميادين السياسية والاجتماعية المختلفة وبإشرافهم الدقيق وبتدخلهم وتوجيههم المدروس، عليهم إلفات الجميع إلى مسؤولياتهم. ما من شك في وجود حلقة وسيطة واسعة بين المسؤولين والشعب اسمها وسائل الإعلام عموماً والصحافة على نحو الخصوص. ولا مراء في أن من واجب صحافتنا الداخلية تأمين الوعي والمعرفة الصحيحة للناس وفي الوقت المناسب. على صحافتنا السعي لتأمين قيم الشعب وأصالته ومبادئه. بمقدور الصحافة عبر إطلاق مشاريع تعريفية تنبيه الجماهير لمسؤولياتهم وإلفات المسؤولين أيضاً لمسؤولياتهم الجسيمة. وإذا حصل العكس فإن الصحافة بممارساتها وضجيجها وخلقها لحالات الغموض والطوفان والتشتت والتفرقة سوف تحرف كلا الفريقين – الجماهير والمسؤولين – عن واجباتهم الرئيسية.
إنني اعتبر الصحافة ظاهرة ضرورية ولازمة ولا مندوحة منها للمجتمع الإيراني ولكل مجتمع يروم العيش حياةً كريمة. وأرى للصحافة ثلاثة واجبات رئيسية: واجب النقد والإشراف، وواجب الإعلام الصادق الشفاف، وواجب طرح الآراء وتبادل الأفكار في المجتمع. أعتقد أن حرية الكتابة والتعبير عن الرأي حق أكيد للشعب والصحافة. هذا أيضاً شيء لا أشك فيه وهو من المبادىء الصريحة في الدستور. اعتقد أن المجتمع إذا افتقر للصحافة الحرة الراشدة والأقلام الحرة الفاهمة فسيفقد الكثير من الأمور الأخرى. وجود الصحافة الحرة من مؤشرات رشد الشعب وهي بذاتها من عوامل الرشد. أي إن رشد وحرية الشعب يفرزها وهي بدورها تفرز وتضاعف رشد الشعب. طبعاً اعتقد أن هناك إلى جانب هذه القيمة قيم وحقائق أخرى يجب أن لا تسحق بذريعة حرية الصحافة والكتابة. الميزة الكبرى أن يستطيع الإنسان الحفاظ على الحرية ويدرك أيضاً الحقيقة، فتكون له صحافة حرة ولا تعاني في الوقت نفسه من تلك الآفات. ينبغي السير على هذا النهج.
الإشراف على الصحافة
الإشراف على الصحافة واجب وعملية ضرورية. هذا نصّ القانون وقانون الصحافة والقانون العادي. من دون الإشراف لن تتحقق يقيناً تلك المطالب والمصالح من الصحافة. البعض يتصورون أن الرأي العام منطقة حرة دون قيد أو شرط يمكنهم أن يفعلوا بها كل ما شاءوا. ليس الرأي العام فأرة مختبر يمكن لكل من هبَّ ودبَّ أن يفعل بها ما يشاء، فيوجِّه الضربات لإيمان الشعب وعواطفه ومعتقداته ومقدساته بالتحليلات الخاطئة وبث الإشاعات وتوجيه التهم ونشر الأكاذيب. هذا غير صحيح. إذن، الإشراف لازم لكي لا تحصل هذه الأمور. هذا واجب ووظيفة.
الإشراف الإلهي
علينا استذكار الآخرة وإشركها في كل قراراتنا وخطواتنا وتخصيص دور لها. البعض يخصص دور لكلام الناس وإشرافهم لكنه لا يرى دوراً للإشراف الإلهي وما سيكون عليه حالنا غداً. إننا على حافة الوجود والعدم في أي سنّ كنا. في الجهة الأخرى من هذه الحافة هناك الموت والمحاسبة الإلهية ومؤاخذة المحاسبين الإلهيين الدقيقين. علينا التفكير فهناك الحياة والأبدية والمصير الحقيقي للإنسان. يجب أن نخصص دوراً للآخرة. لقد جئنا إلى هنا بضعة أيام لنعمر دارنا الآخرة. في كلامنا الذي نقوله وفي توقيعنا الذي نخطّه وفي استشارتنا التي نقدمها، وفي قرارنا الذي نتخذه، وفي عزلنا ونصبنا يجب أن نشرك الآخرة ورضا الله والمحاسبة الأخروية ونجعلها مؤثرة.
البعض يتصورون أن السلطة أو الثروة شرّ بذاتهما، والحال أن الأمر ليس كذلك. السلطة والثروة كباقي مواهب الحياة زينة للحياة «زينة الحياة الدنيا». كيف نستخدم هذه السلطة؟ إذا استخدمناها استخداماً جيداً كانت خيراً. إذا وظفناها لصالح الناس كانت خيراً. إذا جعلناها لخدمة وإشاعة الأخلاق والمعنوية والصلاح والفلاح لدى الناس فهي خير. أما إذا كانت لخدمة المطامع الشخصية والأهواء النفسية، وضد هذا وذاك كما تفعل الحيوانات المفترسة فستكون شراً. وكلما كانت أكبر كان شرها أكبر، وكلما كانت أعلى كان شرها أشد.
ليعلم مسؤولو النظام أن الله حاضر ناظر في كل الأحوال. يجب أن يعدو الحساب الإلهي يوم القيامة أمراً جدياً. المحاسبة الإلهية حق. أصغر الأعمال لا سمح الله، وحتى لحظة واحدة من لحظات الغفلة، ولحظة تقاعس واحدة تكتب وتسجل كلها في ملفنا وصحيفة أعمالنا وتبقى وتقدم الحسابات على أساس كل هذا دون استثناء. كما أن أية لحظة صعبة تمرون بها في طريق المسؤولية تسجل وتحفظ في صحيفة أعمالكم. قلقكم على عملكم وبذلكم الجهود والمساعي والضغوط التي تتحملها أعصابكم وأجسامكم وعوائلكم من أجل إنجاز عمل معين في سبيل الله، هذه أيضاً ستحفظ عند الله ولا تضيع. وإذا كانت هناك لا سمح الله غفلة أو تقاعس أو عدم تنبّه في عمل من الأعمال، وعدم مراعاة لمصالح الشعب والنظام العليا بسبب بعض الملاحظات الشخصية والفئوية فهذه كلها ستحفظ عند الله تعالى وسيسألنا الله عنها.
تعليقات الزوار