إنتاج الثروة في الاقتصاد الإسلامي

إنتاج الثروة في الإسلام

لا إشكال علي الإطلاق في الإثراء بالطرق القانونية والمشروعة من وجهة نظر الإسلام.

على المسؤولين والمدراء أن يذكروا للناس سبل مساهمتهم في الأنشطة الاقتصادية.

هذه السياسات بمعنى إنتاج الثروة العامة للمجتمع.

لا مانع من إنتاج الثروة في الرؤية الإسلامية.

إنتاج الثروة يختلف عن نهب ثروات الآخرين. تارة تتطاول يد أحد الناس على الأموال العامة، وتارةً يحصل الشخص على مكاسب مادية خارج دائرة القانون ودون السير على جادة القانون... هذه ممارسات ممنوعة. أما بالطرق القانونية فإنتاج الثروة حالة محبذة ومستحسنة في نظر الإسلام ومن زاوية الشارع المقدس. لينتجوا الثروة ولكن لا يكون إلى جانبها إسراف. يقول الإسلام: أنتجوا الثروة ولكن لا تسرفوا. النزعة الاستهلاكية المفرطة لا يقبلها الإسلام. ما تكسبونه من إنتاج الثروة اجعلوه تارة أخرى وسيلة لإنتاج الثروة. لا تجعلوا المال راكداً عقيماً – وهذا ما يسمى في الإسلام بكنز الأموال – ولا تبذروه على شكل إسراف وصرف غير مدروس على أمور حياتية غير ضرورية. إذا راعيتم هذه الاعتبارات فلكم أن تنتجوا الثروة لأنفسكم. ثروة أبناء الشعب هي ثروة عموم البلد، والكل ينتفعون منها.

شرط مضاعفة الثروة الوطنية

من أجل البلوغ بالبلاد درجة الاستغناء في الثروة الوطنية يجب أن يكون الاستثمار والنشاط الاقتصادي وإنتاج الثروة مجالات مفسوحة أمام جميع أبناء البلد الناشطين. أي يجب أن يستطيع الجميع العمل ومزاولة أنشطتهم في هذا الميدان. على الحكومة دعم هذه الحالة، وعلى القانون أيضا مباركة هذه الظاهرة.

الأسس النظرية للاقتصاد الإسلامي

تلاحظ ركيزتين رئيستين في الاقتصاد الإسلامي. أي منهج اقتصادي وأية توصيات أو وصفات اقتصادية تؤمّن هاتين الركيزتين فهي ذات قيمة واعتبار. وأية وصفة مهما كانت مرتكزة على المصادر الدينية في ظاهرها، لكنها عاجزة عن تأمين تلكم الركيزتين فهي ليست بالوصفة الإسلامية. إحدى هاتين الركيزتين هي ((مضاعفة الثروة الوطنية)).

البلد الإسلامي يجب أن يكون بلداً ثرياً، وليس بلداً فقيراً. يجب أن يستطيع بفضل ثروته وبفضل قدراته الاقتصادية أن يتقدم نحو أهدافه السامية على المستوى الدولي.

الركيزة الثانية هي ((التوزيع العادل ورفع الحرمان داخل المجتمع الإسلامي)). ينبغي تأمين هاتين الركيزتين. والأولى شرط الثانية. إذا لم يتم إنتاج الثروة وإذا لم ترتفع قيمة الفائض في البلاد، فلن يتسنى القضاء على الحرمان والفقر. إذن، كلا الركيزتين لازم وضروري.

أهمية إنتاج الثروة وتوزيعها

ينبغي عدم الخلط بين مسألتين. المسألة الأولى إنتاج الثروة. شخص ينشط اقتصادياً على نحو سليم وينتج الثروة. والمسألة الثانية هي أسلوب الإنتاج وأسلوب الاستخدام. الجزء الأول من القضية جيد ومحبذ، لأن أية ثروة تنتج في المجتمع تعني إثراء عموم المجتمع. لكن الجزء الثاني من القضية هو الجزء الحساس وهو: كيف نهتم بالإنتاج. يجب أن لا يكون الإنتاج بالسبل غير القانونية وعبر الغش والمخالفات. واستهلاك المال أيضاً يجب أن لا يكون ممنوعاً من الناحية الشرعية، بل ينبغي أن يجري المال كالدم في شرايين المجتمع، ولا يصرف في الفساد.

إنتاج الثروة

الإنتاج على مديات واسعة يجب أن يكون شعار المجتمع. إنتاج فرص العمل، وإنتاج العلم، وإنتاج التقنية، وإنتاج الثروة، وإنتاج المعرفة، وإنتاج الفرص، وإنتاج العزة والمنزلة، وإنتاج البضائع، وإنتاج الكوادر الكفوءة.. هذا كله إنتاج.

النظام الإسلامي يعتبر أساس قضية الاستثمار وأهميته وروح إنتاج الثروة من قبل المستثمر الداخلي حالة إيجابية ويعاضدها تمام المعاضدة، لأنها تساعد طبعاً على التقدم، ورقي الاقتصاد، وإنتاج فرص العمل في البلاد.

إنه الجهاز الحكومي الذي يجب أن ينظم سياساته بحيث يصار إلى إنتاج الثروة – أو تراكم الثروة حسب تعبير بعض الأصدقاء – في الوحدات الإنتاجية، ويتم في الوقت ذاته تأمين العدالة الاجتماعية. إذا لم يكن ثمة ازدهار اقتصادي في المجتمع وإذ لم يكن هناك إنتاج للعمل والثروة فمن جملة من سيتضررون بالدرجة الأولى وأكثر من غيرهم هم أبناء الشرائح المستضعفة والمحرومة وخصوصاً طبقة العمال.. وهذا ما يريده العدو.

المسؤولون هم الذين يمسكون بزمام الأمور. عليهم من ناحية أن يسمحوا للأفراد بمزاولة مساعيهم القانونية السليمة عبر القنوات الصحيحة – فإنتاج الثروة ليس مذموماً في الإسلام – ولكن عليهم من ناحية ثانية أن يحولوا دون استخدام الأساليب غير القانونية وطرق الغش والخداع والمكر واستغلال الثروات العامة.. هذه ممارسات ممنوعة.

إنتاج الثروة بمعزل عن العدالة

في البلدان الصناعية المتقدمة الثرية لم يجر استئصال الفقر، ولا تكريس العدالة، ولا تأمين الأخلاق. مع أنه تم هناك إنتاج ثروات كبيرة، لكن الأخلاق هبطت وانحدرت. أساس العمل والسعي الاقتصادي في العالم الرأسمالي يقوم على إنتاج الثروة. الأساس في هذا النظام هو النمو والازدهار الاقتصادي وزيادة الثروة وإنتاجها. كل من أنتج الثروة أكثر وأفضل فهو المقدم. ليست القضية هناك ظهور تمييز أو فواصل طبقية. الفواصل في المداخيل وعدم تمتع الكثيرين بالرفاه ليست أموراً تقلق النظام الرأسمالي. في النظام الرأسمالي، حتى التدابير التي توزع الثروة تعد تدابير سلبية مرفوضة. النظام الرأسمالي يقول: «لا معنى لأن نقول اجمعوا الثروة لكي نأخذها منكم ونقسّمها ! لا معنى لهذا الكلام. ولن يتحقق الازدهار بهذه الطريقة!».

توزيع الثروة

الذين يقولون إن العدالة هي توزيع الفقر، يلوح أن جوهر كلامهم وروحه هو لا تنشدوا العدالة... بل اقصدوا إنتاج الثروة ليكون ما يوزّع هو الثروة. إنتاج الثروة من دون أخذ العدالة بنظر الاعتبار سيفضي إلى ما نشاهده اليوم في البلدان الرأسمالية. في أغنى بلدان العالم – أي أمريكا – ثمة من يموتون من الجوع ومن البرد ومن الحر. هذه ليست شعارات... إنه واقع مشهود.

الشيء المهم بالدرجة الأولى للنظام الإسلامي هو أن يتمتع الجميع بالنعم في داخل البلاد، وأن لا يكون هناك حرمان ولا فقر، ولا تمييز، ولا تمتع غير متكافئ بالإمكانات والفرص. ولا توظيف غير عادل للقانون.

معيار توزيع الثروة

حينما ينفصل إنتاج الثروة عن محورية العدالة، فسينتهي بنا المطاف إلى أن الأشخاص الأكثر شطارة في المجتمع سيحصلون بين ليلة وضحاها على ثروات هائلة كبيرة. وإلى جانب ذلك سيكون هناك أفراد مع أنهم أكثرية لكنهم يعيشون حياة عادية تشوبها الحسرات، بل وسيكون هناك من يعيشون حياة جد صعبة وعسيرة. وعليه، حين يقال لا ترفعوا شعار العدالة بل ارفعوا شعار إنتاج الثروة، وتكون ذريعتهم أنه يجب الاهتمام بالعدالة من بعد إنتاج الثروة، فهذا شيء غير ممكن. العدالة معناها وجود إمكانات في البلاد يجب تقسيمها بشكل عادل ومعقول – وليس بشكل عادل دون حساب أو كتاب – ويجب العمل لمضاعفة هذه الإمكانات ليزداد نصيب كل شخص.

توزيع الثروة في النظام الإسلامي

النظام الإسلامي يؤمن بمجتمع ثري وليس بمجتمع فقير متخلف. يؤمن بالنمو الاقتصادي، ولكن، النمو الاقتصادي من أجل العدالة الاجتماعية والرفاه العام ليس هو القضية الأولى. القضية الأولى هي أن لا يكون ثمة فقير في المجتمع، ولا يكون هناك حرمان، ولا تمييز في استخدام الإمكانات العامة. كل من وفر لنفسه إمكانات فهي له، لكن الأشياء العامة كالفرص والثروات العامة هي لكل البلاد ويجب عدم التمييز فيها. لا يخال أحد أن هدف النظام الإسلامي هو زيادة حجم الثروة المادية! أي أن يتمتع البعض بشتى أنواع وسبل إنتاج الثروة، وأن يرتفع دخل الفرد في البلاد من الرقم الفلاني إلى الضعف، أو يرتفع إنتاج البلد العام من المستوى الفلاني إلى المستوى الفلاني.

طبعاً يمكن لهذه المؤثرات في بعض الأحيان أن تكون دلائل على الحركة نحو العدالة، بيد أن الأمر ليس كذلك دائماً.

صندوق النقد الدولي

الذين يعملون في مراكز البرمجة والتخطيط أو في المراكز العلمية والبحثية ويعملون ويفكرون ويدرسون القضايا الاقتصادية والسياسية والسياسة الدولية وغيرها من قضايا البلاد الحيوية الأخرى، يجب أن لا يحاولوا تطبيق المعادلات الغربية ومعادلات الاقتصاد الغربي، ومعادلات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي على شؤون البلاد، كلا، تلك النظريات ليست نظريات مفيدة لبلد إيران. طبعاً يمكن الانتفاع من علومهم... أينما كان هناك تقدم علمي وتجربة علمية فيمكن الانتفاع منها. ولكن يتعين رسم الخطط حسب الأفكار والاحتياجات الوطنية.

مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق – وهو رجل دؤوب ودقيق وجاد وملتزم – جاء إلى طهران، وأتى لزيارتي وتزامن ذلك مع تحولات مختلفة في آسيا الشرقية؛ في ماليزيا، واندونيسيا، وتايلند، حيث ضرب تلك البلدان زلزال اقتصادي. رأسمالي صهيوني ورأسماليون آخرون من بعده استطاعوا ببعض الألاعيب المصرفية والمالية جرّ عدة بلدان إلى هاوية الإفلاس. قال لي مهاتير محمد وقتها: أقول لك فقط إننا أصبحنا متسولين في ليلة واحدة! البلد إذا كان تابعاً من الناحية الاقتصادية وأراد العمل بوصفات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي فسيكون هذا مصيره طبعاً. هذا البنك العالمي نفسه وصندوق النقد الدولي نفسه من قطع أجزاء هذه اللعبة ( النرد). من الخطير جداً أن تكون أزمّة التحولات العالمية بيد عصابات القوى الدولية، وهو الواقع اليوم.