المسيحية في كلام الإمام الخامنئي
الفصل الأول: النبي عيسى بن مريم (ع)
الرسول الإلهي الكبير
أهمية السيد المسيح عليه السلام في نظر المسلمين ليست أقل بلا شك من قدره وأهميته في أعين المسيحيين المؤمنين بالمسيحية. قضى هذا الرسول الإلهي الكبير كل فترة تواجده بين الناس في جهاد وكفاح ليستطيع الوقوف بوجوه الظلم والعدوان والفساد والذين يستخدمون المال والقوة لأسر الشعوب وأخذهم إلى جحيم الدنيا والآخرة. المرارات التي تحملها هذا الرسول الكبير منذ فترة طفولته – حيث بعثه الله رسولاً منذ فترة طفولته – كانت جميعها في هذا السبيل.
النبي عيسى رسول الإله العظيم
المسلمون يعتبرون السيد المسيح أيضاً رسولاً إلهياً عظيماً كما يقبله المسيحيون ويؤمنون به. لا يمكن أن يقول اليهود إن النبي موسى نبينا ولا حق للآخرين فيه، لا جميع المسيحيين في العالم يؤمنون بالنبي موسى، كما يؤمن به كافة المسلمين. وكذا الحال بالنسبة للنبي عيسى. إي إنه ليس للمسيحيين فقط، بل هو للمسلمين أيضاً. الشعب الإيراني المسلم يحبّ ذلك الإنسان العظيم ويكنّ له احتراماً وافراً. مسيحيو إيران – سواء الآشوريون أو مسيحيو المنطقة الشمالية وأرومية – يعتقدون أن المسيحية أصلها من هنا. يقولون إن النبي عيسى كان هنا والمسيحية انتشرت في الحقيقة من هنا. وربما كان الحق معهم من الناحية التاريخية.
مريم نموذج للبشر
حينما يريد القرآن الكريم ذكر نموذج للمؤمنين لا يذكره من بين الرجال إنما يذكره من بين النساء. يذكر الله تعالى امرأتين اثنتين كنموذجين للإنسان المؤمن المميّز.. يذكرهما من بين النساء المميزات. أي حينما يروم الله تعالى ذكر نموذج ممتاز على مسرح الإنسانية والتكامل المعنوي لا يتحدث عن الرسل والرجال العظام والشخصيات العلمية والدينية، إنما يتحدث عن امرأتين إحداهما زوجة فرعون، والأخرى مريم أم عيسى وابنة عمران. مريم امرأة شابة تقف كالجبل أمام اتهامات أهالي مدينتها ومنطقتها ونظراتهم السيئة الملوثة، وتحمل على يدها كلمة الله والروح الذي وضعه الله في أحضانها الطاهرة، وتنشر ابنها كالنور على العالم المظلم آنذاك.
السيدة مريم مظهر الطهر
ثمة نقطة في قصة السيدة مريم في القرآن لفتت انتباهي جداً. يرى المسلمون في تعابيرهم وكلماتهم السيدة مريم تجسيداً للطهر والعفاف – امرأة طاهرة تماماً – وقد ورد حول السيدة مريم في القرآن الكريم عدة مرات: »ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا« جرى التشديد كثيراً على صيانة السيدة مريم لعصمتها كأمرأة وطهارتها وعفتها. فما كانت الظروف يا ترى؟ هذا برأيي شيء على جانب كبير من الأهمية. فتاة صغيرة التحقت بالمعبد ودخلته وبقيت فيه إلى حين شبابها. أية عوامل وحوافز جعلت مريم تقاوم هذه الوساوس بكل كيانها وبقوة فوق قوة البشر – ولو لم تكن تلك القوة فوق قوة البشر لما شدّد عليها القرآن كل هذا التشديد – حتى يقول القرآن »أحصنت فرجها« أي حافظت على عفافها وطهرها. هذا شيء مهم جداً وهو درس لنا جميعاً.
استطاعت السيدة مريم في موقف حساس التأثير بذلك الشكل الكبير وتغيير التاريخ بمقاومتها وطهرها. وهناك في القرآن حالة مماثلة لهذه الحالة تتعلق برجل شاب هو النبي يوسف.
خصوصية قصة عيسى بن مريم (ع)
أنا كلما قرأت سورة مريم أو سمعتها – هكذا كان حالي منذ فترة الشباب وإلى الآن – أتأثر بشدة. لأن الأحداث أحداث استثنائية جداً. قصة ولادة السيد المسيح في تلك الظروف المكانية والزمانية وتلك الأحوال والموقع الذي كان لهذه الظاهرة في التاريخ والمجتمع آنذاك، حينما تؤخذ جميع هذه الأمور بنظر الاعتبار ستبلغ من العظمة ما لا يمكن لأي بيان وصفها والتعبير عنها، إلا بيان الفن!
الحدث من تلك الأحداث النادرة والعجيبة جداً.. دور السيدة مريم، ودور النبي زكريا، والوضع الاجتماعي آنذاك، وبزوغ شمس وضاءة في سماء البشرية وفي الذهن الإنساني وحياة البشر – وهي تعاليم السيد عيسى – وملاحظة أن تعاليم النبي عيسى لا تتعارض إطلاقاً مع تعاليم النبي موسى، أي إنها تتمة ومكمِّل لها.. الكثير منها تكرار لتلك التعاليم ومع ذلك حينما كانت هذه التعاليم تعرض آنذاك كان أتباع النبي موسى بعيدين عنها نتيجة التحريفات إلى درجة أنهم يجدونها بدعة وكفراً، والحال أنها صادرة عن نفس المصدر وبنفس مقاييس ومعايير الديانة الموسوية.. معايير الوحي الإلهي. في هذه القصة يبدو دور التحريف والقوى المختلفة والتعسف والتجبر وسوء الفهم والأنانيات واضحاً جداً.
رائد الهداية
كلمة الله تلك (المسيح عيسى بن مريم) حمل على عاتقه راية هداية الناس وإنقاذهم في عهد الضلال والجهل والإجحاف وإهمال القيم الإنسانية، وحارب قوى المال والتعسف المتجبّرة الظالمة، وعقد العزم على بسط العدل والرحمة والتوحيد. على المؤمنين بهذا الرسول العظيم – أي المسيحيين والمسلمين – العودة إلى تعاليم وطريق الأنبياء من أجل النظام العالمي المناسب، وعليهم أيضاً نشر الفضائل الإنسانية طبقاً لتعاليم الأنبياء وهم معلمو الإنسانية العظام.
المنقذ من الظلم
بعث عيسى المسيح مسلحاً بالمعجزة والدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية من ظلمات الشرك والكفر والجهل والظلم وإيصالها إلى نور المعرفة والعدل وعبودية الله، ولم يتردد لحظة واحدة خلال فترة وجوده بين البشر في مكافحة الشر والدعوة إلى الإحسان. وهذا درس يجب أن يستلهمه المسيحيون والمسلمون المؤمنون بنبوة هذا العظيم. البشرية اليوم أحوج من أي وقت آخر لهذه التعاليم، والإسلام وهو مكمِّل الديانة المسيحية جعل الدعوة إلى الخير والصلاح والكمال على رأس أولوياته. الإنسان الضال وبتمتعه بالقدرات الطبيعية اللامتناهية التي تتوفر له بفضل العلم يسير في الاتجاه المعاكس لتلك الأهداف ويجعل واجبات أتباع الأديان الإلهية أثقل وأجسم.. القوى والحكومات المهيمنة في العالم والتي تعيش تحت اسم وغطاء المسيحية واقعاً مادياً بعيداً كل البعد عن سلوك السيد المسيح وتعاليمه تضيّق الخناق على الشعوب والمظلومين ولا تتوانی عن ارتكاب أي تعسف في حقهم.
الدعوة إلى السعادة
دعا ذلك الرسول الذي اختاره الله الناس إلى سبيل الله وهو سبيل سعادة الإنسان، وحذرهم من إتباع الأهواء والنـزوات وتلويث صفاء الروح الإنسانية بالقبح والظلم والإساءات. القوى الفاسدة والمتعسفة وعبّاد المال والقوة آذوا هذا الرسول الإلهي واتهموه وهمّوا بقتله، وبعد أن ضمّه الله تعالى إلى أحضان حفظه وأمانه راحوا يعذبون ويؤذون حوارييه وإتباعه سنوات طويلة ليقضوا على تعاليمه المناهضة للفساد والظلم والشرك والنـزوات وإشعال الحروب وخداع الناس. لقد كانوا فاسدين وظلمة وأصحاب نزوات وأهواء ومشعلين للحروب ومحتالين على الناس لذلك لم يستطيعوا الصبر على دين الله ورسوله وإتباع سبيل الله.
ولادة السيد المسيح
منذ مئات السنين وولادة المسيح (ع) يُحتفل بها. لماذا تكتسب بعض الولادات أهمية وقيمة؟ لأنها تمثل مقطعاً حساساً ومصيرياً ونقطة عطف في التاريخ، بمعنى أن التاريخ كان يسير في طريق معين لكنه غيّر طريقه منذ تلك اللحظة. إنها نقطة عطف نحو اتجاه آخر.
إننا نبعث رسائل التبريك كل عام لأبناء وطننا المسيحيين ولمسيحيي العالم بمناسبة ميلاد السيد المسيح (عليه الصلاة والسلام)، ولكن لأن معظم المسيحيين الذين يقطنون إيران يعتقدون أن ولادة السيد المسيح لم تكن في الخامس والعشرين من ديسمبر بل في الأيام العشرة الأولى من يناير – والأرمن أيضاً من القائلين بهذا الرأي – لذلك لا نتّبع الشيء السائد ولا نبعث تبريكاتنا في التاريخ الدارج بل ننتظر دخول شهر يناير فنبعث التبريكات كي نتطابق مع رأي أبناء وطننا المسيحيين أكثر.
نتمنى أن تكون ولادة السيد المسيح عليه السلام مباركة على جميع مسيحي العالم وكل المسلمين في العالم إن شاء الله. على كل حال هذه الأيام العشرة أيام ولادة السيد المسيح. عسى أن يتعلم جميع المسلمين والمسيحيين سلوك ذلك العظيم، ويعرفوه جيداً ويتبعوه.
الفصل الثاني: الإسلام والمسيحية
رسول الإسلام (ص) يعترف بالجميل لملك مسيحي
جاء في الرواية أن وفداً جاء إلى الرسول الأكرم في المدينة من قبل النجاشي ملك الحبشة ليوصلوا إليه رسالة كما هو الدارج بين الدول. كان النجاشي ملكاً في بلاد الحبشة وكان كالكثير من السلاطين والأمراء في العالم آنذاك مسيحياً وليس بمسلم. ولكن حين جاء وفد الحبشة رأوا أن الرسول (ص) قام من مكانه وراح يرحّب بهذا الوفد ويضيّفه. فقال الأصحاب: يا رسول الله نحن هنا فلنضيّفهم بدلاً عنك. فقال: لا، حينما هاجر المسلمون إلى الحبشة احترمهم ملك الحبشة وأكرمهم كثيراً، وأريد أن أعوّض. هذا عرفان بالجميل.
العبادات المشتركة بين الإسلام والمسيحية
«كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم». نعلم أن الصلاة والزكاة لم تكن خاصة بالأمة الإسلامية، إنما كان للرسل قبل رسول الإسلام الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة وزكاة في صدر أحكامهم.« وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً». يروي القرآن الكريم قول النبي عيسى (ع) لقومه: إن الله أوصاني بالصلاة والزكاة. ويستفاد هذا المعنى أيضاً من آيات أخرى في القرآن. يقول الله إن الصيام كالصلاة والزكاة من جملة الأحكام التي لا تختص بأمة الإسلام، إنما أمرت الأمم السابقة والأنبياء الماضيين بالصيام أيضاً.
الكلمات الحكمية للسيد المسيح
من بين الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، هناك قسم يروي أقوال السيد المسيح. إنه قسم موجود في كافة الكتب الحديثية الإسلامية، ويعد من أعمق أقسام الروايات الإسلامية. إنها أقوال جد حكيمة وعميقة ومتينة. لا يدعي المسيحيون أن كلمات النبي عيسى عليه السلام هي تلك الواردة في الأناجيل فقط. ما عدا الأناجيل الموجودة كان هناك العديد من الأناجيل الأخرى، وقد تكون الأقوال الواردة في الروايات الإسلامية من الأجزاء الضائعة من الأناجيل. على كل حال الأقوال المروية عن أئمة الإسلام أيضاً ينظر لها المسيحيون بعين الجد، ويحتفظون بها وينتفعون منها. وقد يكون هذا وسيلة لتقارب أتباع الديانات من بعضهم. بمقدور المسلمين أن يهدوا جانباً من رسالة السيد المسيح للبشرية كلها. الأقوال الواردة عن السيد المسيح في الروايات الإسلامية كلها حكمة ومضامين رفيعة. لقد نظرت طويلاً في الأناجيل سابقاً. في هذه الأناجيل الموجودة – الأناجيل الأربعة للمسيحيين – هناك العديد من العبارات الحكمية. صحيح أن المسلمين من الناحية العقيدية لا يوافقون مجموعة العقائد الواردة في الأناجيل، بيد أن الإنسان يقبل الحكمة.
اكتشاف القواسم المشتركة بين الإسلام والمسيحية
ربط الدين بالشباب ونفوذه في المجتمع فكرة صحيحة تماماً. الدين موهبة إلهية، وأي مجتمع يستطيع تمتيع أبنائه بهذه الموهبة سوف يتمتع بالكثير من الحسنات والإيجابيات. طبعاً، التعامل مع الشباب عملية دقيقة لكنها حسنة العاقبة.
ثمة مشتركات عديدة بين الإسلام والمسيحية وبين جميع الأديان الإلهية. الحوارات التي تجري بين المسلمين والمسيحيين في المؤتمرات الثنائية أو المتعددة الجوانب بوسعها البحث عن هذه المشتركات وتشخيصها. يمكن أن لا يكون القصد تقريب آراء الديانتين من بعضهما، بل يمكن أن يكون القصد تشخيص النقاط القريبة أو المتشابهة تماماً. ليست الغاية في مثل هذه الحوارات إثبات أحقية دين أو بطلان دين آخر. الغاية هي الوصول إلى نقطة مشتركة. ويلوح أن هذه النقاط المشتركة تشتمل على أهم قضايا الحياة.
الرؤية المشتركة بين الإسلام والمسيحية حول الحرية
قضية حرية الإنسان من هموم الإنسان الدائمية. ما هي هذه الحرية وإلى أين تمتد حدودها؟ للأديان في هذا المجال كلام لافت كثير. ومن الموضوعات التي يمكن أن تنظر لها الأديان – الإسلام والمسيحية – هي هذه المسألة. نلاحظ اليوم حالات إفراط وتفريط في هذا الميدان. في بعض جوانب حياة الناس هناك استبداد ونفوذ مرئي وغير مرئي يسلب حرية الناس. وفي جانب آخر تمنح للناس حريات جمّة اسمها حريات لكنها انحلال. من وجهة نظر الأديان يعدّ كلا طرفي القضية انحرافاً. ليكن للمسيحية والإسلام آراء قريبة في رفض الطرفين المنحرفين للحرية الحقيقية. من الواجبات المهمة والأساسية لجميع محبّي مصير الإنسانية وجيل الشباب هو مواجهة الفساد والانحلال المتزايد في العالم. خصوصاً الأجهزة المسيحية في أوربا تقع على عاتقها في هذا المجال مسؤوليات جسيمة. ثمة أيادٍ أشاعت الفساد بشكل جدي، ومن المناسب جداً لأجهزة الكنيسة – خصوصاً الكنيسة الكاثوليكية – بما لها من انتشار وقدرة أن تواجه هذه الظاهرة – غير الجديدة – بشكل جاد ومنطقي. إذا جابهت أجهزة المسيحية في أوربا الفساد، فإن الكثير من أبناء البلدان غير الأوربية سوف يشكرونكم، لأن بعض المفاسد تنتقل من مكان إلى آخر.
رائد الدفاع عن العدالة والمظلومين
إذا دخل الدين إلى ساحة الدفاع عن العدالة والمظلومين فسيجري تأمين جانب مهم من هذه الجاذبية (جاذبية الدين). الشباب في جميع أنحاء العالم تستخفهم مشاهدة الممارسات العادلة. العدالة شيء مرتبط بالأديان. أكبر أبطال العالم الإنساني في سبيل العدالة هم الأبطال الدينيين. السيد المسيح جاهد طوال عمره في سبيل العدالة. وقضى رسول الإسلام كل عمره في سبيل الكفاح من أجل تحقيق العدالة. الشخصيات الكبيرة في المسيحية في فجر الديانة المسيحية ضحوا أيّما تضحية في سبيل العدالة. الكتب الدينية – سواء التوراة أو الإنجيل أو القرآن – محفوفة بالحث على طلب العدالة. وإذا غدت هذه المواضيع اليوم شعاراتٍ لرجال الدين – سواء منهم المسيحيون أو المسلمون – فسوف تكون لها جاذبيتها وبريقها دون شك. واليهود الملتزمون بالتوراة – طبعاً لا نقصد الصهاينة لأنهم لا يلتزمون بأي شيء – ينشدون العدالة.
الاتصال بالله ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية
لا يمكن للإنسان أن يعيش من دون اتصال وارتباط بالله. والمثال على ذلك هو العالم الشيوعي. يوم فقد النظام الماركسي الملحد قوته في الاتحاد السوفيتي السابق، امتلأت الكنائس بالناس. تصوروا أنهم إذا رفعوا تلك الضغوط عن الناس فبالنظر لإعلامهم الذي سلطوه مدة سبعين سنة عليهم سوف لن يتوجه الناس إلى الكنائس من أنفسهم. وكان هذا خطأهم. فالناس من بعد سبعين سنة عادوا وتدفقوا على الكنائس. إذا سافرتم اليوم إلى روسيا أو بلدان أوربا الشرقية ستجدون الكنائس مكتظّة بالناس. بل إن انتفاضة الشعب البولندي على الماركسيين كانت انتفاضة مسيحية ودينية.
المعنوية القطب المشترك بين الأديان الإلهية
مع أن الأديان الإلهية تختلف عن بعضها في نقاط معينة لكنها لا تعدم نقاط الوحدة والاشتراك. نقطة الاشتراك الأهم بين الأديان هي التركيز على المعنوية.. المعنوية هي الرسالة الأولى التي تأتي بها الأديان للبشر. نبهت الأديان البشر إلى أن لا يبقوا مقيدين في إطار الظواهر التي تراها أعينهم، وتسمعها آذانهم، وتلمسها أبدانهم. نبّهت البشر إلى وجود حقيقة أكبر بكثير من كل ما يستطيعون أن يرونه ويلمسونه.
انتشار المعنوية في العالم اليوم أمر محسوس، لكن التيار السائد في العالم هو التيار المعاكس. إذا استطاع أتباع الأديان إزاحة هذه الغفلة ولو بمقدار قليل يكونوا قد قدموا خدمة كبيرة. هذه هي نقطة التقاء الإسلام والمسيحية. الحوار مع رجال الدين من الأديان المختلفة يتركز غالباً على هذه النقطة.
الأديان الحقيقية لم تحاول إقصاء الناس عن المساعي الدنيوية، لكنها أفهمتهم أن كل هذا السعي الدنيوي يمكن أن يصب لصالح الوصول إلى مرتبة معنوية، لذلك وجّهت قلوبهم نحو حقيقة متألقة. غفلة الإنسان عن هذه الحقيقة كان في ضرره، وهو ضرر لا يمكن مقارنته بأي ضرر آخر. الإنسان اليوم يعاني الغفلة بأشد درجاتها. أي إن الحركة الهائلة والواسعة للعالم المادي ترك الإنسان غافلاً بالتمام.
المواجهة بين المسيحية والإسلام
المواجهة بين المسيحية والإسلام غير موجودة ولن تحصل. إذا كان المراد من المواجهة بين الإسلام والمسيحية المواجهة بين الحكومات التي تحكم شعوباً مسلمة وأخرى مسيحية فيجب القول إن هذه المواجهة ليست أشد من المواجهة بين الحكومات المسيحية. طبعاً، هناك في العالم محفزات لإشعال الحروب للأسف. وقد وقعت في العالم المسيحي نفسه خلال السبعين عاماً الماضية حربان طالت نيرانها المسلمين أيضاً.
النظام الإسلامي في إيران يدعو المسلمين للاتحاد، وهذا الاتحاد ليس ضد المسيحيين أو سائر الأديان والشعوب، إنما هو لمواجهة المعتدين والمحتلين ومؤجّجي الحروب. إنه من أجل تطبيق الأخلاق والمعنوية وإحياء العقلانية والعدالة الإسلامية والتقدم العلمي والاقتصادي واستعادة العزة الإسلامية. النظام الإسلامي في إيران يذكّر العالم بأنه حين كانت القدس بيد المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين، كان المسيحيون واليهود يعيشون بأمن واستقرار تأمّين. أما اليوم حيث تخضع القدس والمدن الأخرى لسلطة الصهاينة أو الصليبيين الصهاينة فنرى كيف أباحوا دماء المسلمين؟!
دين الرحمة والرأفة
الإسلام ليس ضد الأديان الأخرى. الإسلام هو ذلك الدين الذي حينما تسلط على المناطق غير المسلمة، شكر أتباع الديانات الأخرى رحمته وقالوا إنكم أرحم بنا من حكامنا السابقين. في منطقة الشامات حينما دخل الفاتحون الإسلاميون، قال لهم اليهود والمسيحيون في المنطقة إنكم أيها المسلمون عطوفون علينا. لقد تعامل المسلمون مع الناس بعطف. الإسلام دين الرأفة والرحمة.. رحمة للعالمين. يقول الإسلام للمسيحية:« تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم». يأخذ القواسم المشتركة معهم بنظر الاعتبار. الإسلام ليس ضد الشعوب الأخرى، إنما هو ضد الهيمنة. المهيمنون والظالمون والمستكبرون يصورون هذه الحقيقة معكوسة في العالم. ويستخدمون كافة الإمكانيات من هوليوود إلى الوسائل الإعلامية إلى الأسلحة والقوات العسكرية من أجل أن يشيعوا ويصوروا للعالم عكس هذه الحقيقة.
الفصل الثالث: المسيحية في العصر الحديث
المسيح بيننا
لو كان السيد المسيح (عليه السلام) بيننا اليوم لما فوّت لحظةً واحدةً من الكفاح ضد أقطاب الظلم والاستكبار في العالم، ولما صبر على جوع وضياع مليارات البشر الذين يُدفعون بواسطة القوى الكبرى نحو الحروب، والفساد، والصراع.
سبيل لتغلغل الاستعمار
من أهم ممارسات الاستعمار والاستكبار وعملائهم هي أن يقضوا على عقيدة الأمل والكفاح في أفئدة الناس. أرادوا دائماً إخماد هذا الضوء لكنهم لم يفلحوا. بذل الاستعمار والاستكبار جهوداً كبيرة بهذا الاتجاه – لا في إيران وحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي – ليطفئ هذا النور. في تقرير بالغ الأهمية يعود إلى السنين الماضية، ولا يعتبر تقريراً جديداً، هناك عرض وافٍ لمساعي الفرق التبشيرية المسيحية التي كانت توفد من أوربا إلى شمال أفريقيا لتمهد الأرضية للاستعمار هناك. توجّه القساوسة إلى مناطق بعيدة في أفريقيا وبقوا هناك سنوات طويلة. لماذا مكثوا هناك؟ وماذا كان وراء إدخال القبائل الأفريقية في المسيحية؟ من لا يدري أنهم كانوا روّاد الاستعمار؟ ذهبوا وادخلوا الناس في المسيحية لتستطيع العناصر الاستعمارية القدوم إلى هناك وممارسة دورها. والقساوسة كانوا يعلمون لأية غاية يعملون – لم يكونوا جاهلين لحقيقة الأمر – ولكن لاحظوا أية مصائب صبروا عليها في سبيل هذا الهدف.. مصائب لا يمكن تعويضها بأي مال. أن يذهب شخص مثلاً ويعيش سبعة أعوام بجوار منطقة يسكنها أكلة البشر! يقرأ الإنسان هذه الأمور في الكتب ويراها في بعض التقارير ويلاحظها في بعض الأفلام والروايات، وأنا على علم بها وأدري ما الذي حدث طوال فترة الاستعمار.
من حسرات المتدينين في العالم أن الأقوياء المسلطين على البلدان المسيحية جعلوا التبشير للدين المسيحي في العالم وسيلة لتمرير أغراضهم الاستعمارية، فصار أولئك الممهدين للاستعمار. بعثوا الفرق التبشيرية للدعوة المسيحية – وكان ظاهر الأمر التبشير بالمسيحية لكن باطنه فتح الأبواب والطرق للمستعمرين الأوربيين كي يدخلوا البلدان الإسلامية ويهيمنوا على السلطة السياسية – إلى شتى أرجاء العالم، وقد نجحوا في الكثير من المناطق للأسف.
نهاية المعرفة الدينية، بداية المعرفة العلمية
في أوربا المسيحية تزامنت بداية حركة المعرفة العلمية مع نهاية المعرفة الدينية. أي إن بداية هذه المرحلة كانت تعني اختتام تلك المرحلة. وربما كان هذا هو الحق، لأن المعرفة الدينية في المناخ المسيحي معرفة خرافية متعصبة ومناهضة للعلم تماماً. الزمن الذي كانوا يحبسون أو يجلدون أو يحرقون فيه العالم في أوربا بجريرة اكتشاف علمي زمان بعيد جداً عن زماننا. طوال قرون كانوا يحرقون العلماء باعتبارهم سحرة، وهذا ما يلاحظ بكل وضوح في الأعمال الأدبية وتاريخ العلوم الغربية. حينما يتعامل المجتمع الديني ورجال الدين وشخصياته مع العلم بهذه الطريقة، فمن البديهي والطبيعي أنه إذا استطاع العلم النهوض في مثل هذه الظروف الاجتماعية فسوف يدحر الدين والمعرفة الدينية ويقضي عليهما ويُنهي عهدهما.. هذا شيء واضح.
طبعاً الدين الذي عارضته حركة التنوير الأوربية لم يكن جديراً بالحياة البشرية.. كان ديناً مليئاً بالخرافات.. الدين الذي حكم على غاليلو بالإعدام وعلى آخر بالتعذيب لأنه اكتشف اكتشافاً علمياً! لم يكن المسيحية الحقيقية بل مسيحية محرفة. لا إشكال في الانفصال عن ذلك الدين، الإشكال يرد على فصل المعنوية والأخلاق عن العلم والسياسة ونظام الحياة والعلاقات الفردية والاجتماعية.
غير المؤمنين بالمسيحية
يجب أن لا يرتاب الآن أحد في أن الدوافع الصليبية وراء الظواهر الخادعة للديمقراطية وحقوق الإنسان تسيطر على غالبية أو جميع القوى الغربية. من السذاجة أن نصدّق أن الدوافع القاسية في البوسنة [إشارة إلى الجرائم التي ارتكبت ضد المسلمين في البوسنة من قبل المليشيات المسيحية الصربية] وفي أي مكان آخر نابعة من الإيمان العيسوي. الذين يعادون اليوم ومن الأعماق أي مظهر أو علامة للإسلام وأي نبض للمسلمين لا يؤمنون كذلك بالمسيح عليه السلام وتعاليم المسيحية الحقيقية. إنهم لا يؤمنون إلا بالقوة المنفلتة ومصالحهم وأهوائهم وعدائهم اللامتناهي لكل ما يهدد سلطتهم الظالمة، ولا يؤمنون بأي شيء آخر! لكن أيديهم الدامية تنظّم اليوم صفوف المسيحية مقابل الإسلام، وترفع بكل قوة راية العداء أمام الإسلام كدين وعقيدة وإيمان.
أصالة مناهضة المعنوية
في مثل هذا العالم وبهذه الخصائص (الإقبال على الدنيا والعزوف عن المعنوية) ظهر نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس المعنوية. هذا هو المهم. حتى أن قضية هل مثل هذا النظام هو نظام إسلامي أم مسيحي قضية تأتي في الدرجة الثانية. المهم أن تزول أصالة مناهضة المعنوية وأصالة عدم الإيمان التي خيّمت على جميع الاتجاهات في العالم بما في ذلك توجهات رجال الدين في العالم. حتى رجال الدين في العالم كانوا يسيرون باتجاه عدم الاعتقاد بالدين! مثلاً يزينون الكنيسة بشكل وينظمون برامجها بشكل يجتذب إليها جيل الشباب، ولو بإيجاد« دانسينغ » تابع للكنيسة ويقع إلى جوارها! هل يخطر أساساً بذهن إنسان مسيحي في العالم أن يفعل أرباب الكنيسة مثل هذا وأن يكون الوضع على هذه الشاكلة؟!
كتب أحد الكتاب المعروفين في العالم العربي يقول: شاهدت بأم عيني في إحدى الليالي في« دانسينغ » تابع للكنيسة أن القس ظهر على المنصّة، والأزواج الشباب كانوا يرقصون. وكان القس ينظر ليرى هل أن كل شيء على ما يرام أم لا؟ وكأن الأضواء المسلّطة على الـ « دانسينغ » كانت شديدة، ونظّم القس الإنارة والمصابيح بيديه ليخفّف الأضواء المسلّطة على المسرح. ثم أوصى خادم الكنيسة بإغلاق الأبواب بعد أن ينصرف الجميع. ثم ذهب إلى محل نومه لينام.
يضيف هذا الكاتب العربي: في غد ذلك اليوم أو بعده قصدتُ القس وقلت له: يبدو أن الأوضاع قد تغيّرت؟ فقال: لا، بل عملنا سياسة معينة لاجتذاب الشباب إلى الكنيسة! ألم تر كم من الشباب قصدوا الكنيسة؟!
طيب، هذا معناه الميل للانفصال عن المعنوية حتى في عالم رجال الدين. كان ذلك قساً أي رجل دين مسيحي، ويمكن ملاحظة شبيه له بين رجال الدين المسلمين من الشيعة أو السنة.
في مثل هذه الأجواء والبرهة الزمنية من التاريخ، تقع فجأة حادثةٌ ويتأسس نظام على أساس المعنوية. إنه نظام جاء بالمعنوية إلى وسط مسرح الحياة، وقامت حكومته وحربه وميزانيته وسياسته على أساس هذه المعنوية. وربما أتيح القول إن تأسيس مثل هذا النظام لا سابقة له في العالم حقاً باستثناء بعض الفترات القصيرة. طبعاً الحكومة الدينية بالمفهوم الخاص للحكومة الدينية كانت موجودة دوماً في مناطق من العالم، وفي العالم المسيحي غالباً. بيد أن النظام والحكومة الإسلامية ليست من ذلك القبيل. تلك الحكومات كانت في الحقيقة حكومات المتدينين ورجال الدين لا حكومة القيم الدينية والمعنوية.
عدم اكتراث الكنيسة للجور والإجحاف في العالم
المؤسسة المسيحية اليوم غير آبهة لأهم قضايا الإنسانية. ثمة اليوم إجحاف على مستوى العالم. ماذا تفعل المسيحية لمواجهته؟ تتحدث عن السلام! شعار السلام للإنسان شعار جيد جداً، لكنه لا يكفي. ينبغي أن يرفع إلى جانب شعار السلام شعار العدالة. البشرية اليوم أسيرة انعدام العدالة. ثمة قوى كبرى تظلم الشعوب وأكثرية الإنسانية.
الأوربيون أنفسهم أشعلوا الحروب الكبرى، ثم رفعوا شعار السلام! لم تعد هذه الحروب موجودةً منذ عشرات الأعوام لكنهم يتذرعون بشعار السلام. والحال أن الشعار الذي تحتاجه البشرية هو العدالة. لكنهم لا يذكرون هذا الشعار بأي حالٍ من الأحوال، والمؤسسة المسيحية والبابا ينظرون هكذا للوضع ولا يأبهون! النظام الإسلامي في إيران يرفض تماماً موقف زعماء الكنيسة مقابل الغرب والاستكبار الغربي. واجباتهم أجسم من هذا بكثير. لقد بعثت رسالة للبابا وقلت له شددوا على العدالة. إن رسالة الأديان اليوم هي تكريس العدالة. وقد كان هذا الشعار والرسالة الأصلية للنبي موسى والنبي عيسى ورسول الإسلام.
نتائج البعد عن تعاليم المسيحية
الأوربيون يميلون أقل والأمريكيون يميلون بدرجة أكبر للدين والظواهر الدينية والأسماء والمناسبات الدينية والكنيسة، لكنهم يحملون تصورات جد عامية وسطحية وأحادية البعد حول الدين. إنهم مثلاً لا يجدون أي تعارض بين أن يتوسلوا بالنبي عيسى أو السيدة مريم ويطلبوا منهما حاجاتهم وبين أن يرتكبوا عشرات المعاصي المنكرة في الديانة المسيحية! أضف إلى ذلك أنه لا يسود توسلاتهم واستغاثاتهم أي منطق ولا أي استدلال. تقوم الديانة المسيحية – حسب المشهور – على المحبة والسلام، ولكن لاحظوا أن أكثر الحروب، والجفاء، وعدم الانسجام، والخيانات، والقتل، والجرائم تحدث في الغرب. ويوجد هناك أيضاً الإيمان بالمسيحية! واضح أن أساس تلك المدنية هو الانفصال عن الدين. حسب إحصاءاتهم فإن معدل عمر المدمنين ينخفض باستمرار – فترة كان المعدل 18 سنة وبعد ذلك أصبح 15 سنة وأصبح الآن 13 سنة – وبنفس النسبة تتفاقم الجرائم واللامبالاة وعدم الاكتراث للبيت والعائلة والأب والأم والتقاليد، وهذا نتيجة ذلك الانفصال. يمكن تصور بشرية توصلت إلى القوة الذرية العظيمة، لكنها لا تستخدمها إطلاقاً للتخريب والقتل والمذابح. إذا راعى الذين يمتلكون هذا العلم الأصول الأخلاقية والدينية وكانوا من أهل الإيمان لحصل ذلك. لكنهم لم يكونوا كذلك ولم يحدث ذلك وجرى على الشعوب ما جرى! مضت على استخدام القنبلة الذرية في العالم خمسون سنة، لكن الخوف من وجود القنبلة الذرية في العالم لا يزال قائماً بالنسبة للنابهين، وسوف يزداد في المستقبل، ولا يحتمل أنه سيقل.
قبل مدة عرضت إحدى المؤسسات المسيحية في العالم إحصائيات تقول إنه قتل في القرن الأخير من المسيحيين أكثر مما قتل منهم في جميع عصور المسيحية. كان بودي أن أسأل الذين عرضوا الإحصاء من هم الذين قتلوا هؤلاء المسيحيين؟ هل قتلهم المسلمون؟ أم هل قتلهم البوذيون؟ أم قتلهم المسيحيون أنفسهم؟! من الذي قتل الشعوب الأوربية في الحربين العالميتين الأولى والثانية؟ المسيحيون أنفسهم قتلوا المسيحيين. الأوربيون أنفسهم والغربيون أنفسهم قضوا عليهم وقضوا كذلك على الكثير من غير المسيحيين وغير الأوربيين! هذه هي النتائج الضارة والجسيمة للفراغ المعنوي عند البشر. يروم النظام الإسلامي في إيران عرض جيل نموذجي على العالم يثبت عملياً أنه بالإمكان طلب العلم والانتفاع إلى أقصى حد ممكن من الودائع الإلهية في عالم الوجود وفي الإنسان ذاته، إلى جانب التدين والالتزام بالقيم الأخلاقية والمعنوية.
الادعاء الكاذب
الكثيرون ممن يتحدثون اليوم عن السير على خطى السيد المسيح ينتهجون طريقاً غير طريق السيد المسيح. هداية السيد عيسى بن مريم على نبينا وعليه السلام هداية نحو عبودية الله ومواجهة التفرعن والطغيان. يتربع اليوم على عروش الفراعنة والطواغيت أشخاص يزعمون إتباع ذلك الرسول الإلهي الكبير، والحال أنه حاربهم وكافح ضدهم.
الجبابرة يذكرون اسم المسيحية والظاهر أن الإيمان بالمسيحية أمر مطروح بينهم، ولكن لا أثر إطلاقاً لمفهوم المسيحية بمعنى الدين الإلهي والأخلاق الإلهية في المؤسسات السياسية الحاكمة في العالم الاستكباري.. عالم الظلم وعالم الاستكبار هو بالمعنى الحقيقي للكلمة عالم العدوان والتعدي وعالم يستخدم العلم في سبيل الإجرام إلى أقصى الحدود. العلم اليوم بيد أناس لا يعرفون معنى الإنسانية. العلم والتقنية يستخدمان لخدمة أهداف تضرّ المجتمع البشري مائة بالمائة، ولا تنفع إلا الرأسماليين والأثرياء والمقتدرين.
الفصل الرابع: الجمهورية الإسلامية الإيرانية والأقلية المسيحية
تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على العالم المسيحي
ثورتنا لم تنبّه المسلمين فقط إلى الإسلام بل عادت بالنفع على المسيحية أيضاً. البلدان التي ابتعدت سنوات طويلة عن دينها المسيحي عادت إلى المعنوية والدين. وكانت هذه مقدمة لانهيار الإمبراطورية الشرقية وصرح الحكم الماركسي في العالم. إنه حدث عجيب ذو أبعاد هائلة.
والموقع الاستثنائي للجمهورية الإسلامية إنما هو بسبب وقوفها بوجه عالم يمسك فيه الماديون بزمام الأمور، ولا يعتقدون بأية حقيقة أخلاقية أو معنوية أو دينية.
التعايش السلمي بين الأديان في إيران
يتمتع نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الداخل بالتعايش بين الأديان لحسن الحظ. اليهود، والمسيحيون، والزرادشتيون يعيشون إلى جانب المسلمين في ظل النظام الإسلامي. لهم تعاونهم وتعايشهم مع النظام ويمارسون دورهم فيه. ولهم طبعاً واجباتهم، والدولة الإسلامية لها قبالهم وبوصفهم مواطنين إيرانيين واجبات ينبغي عليها أداؤها وهي تؤديها. النظام الإسلامي ليس له أي عتاب على مواطنيه من الأقليات الدينية. حينما يكتسب إعلام الأعداء ضد الجمهورية الإسلامية أشكالاً مؤذية، يصدر اليهود الإيرانيون بياناً. وفي قضايا أخرى أصدر الأرمن الإيرانيون أو بعض الفرق المسيحية الأخرى بيانات دافعوا فيها عن الجمهورية الإسلامية وهذه من مفاخر الجمهورية الإسلامية.
أبناء وطننا المسيحيون
اللقاء بالأسقف الأعظم للأرمن وممثليهم في مجلس الشورى الإسلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن مسرورون لأن أبناء وطننا المسيحيين يشعرون بالسكينة والرضا والارتياح في البلاد، وهذا ما نريده. نحن نريد للأقليات الدينية في بلادنا من مسيحيين ويهود وزرادشتيين أن يشعروا أنهم يتمتعون هنا بالأمن والهدوء وحقوق المواطنة. وهذا حاصل والحمد لله وأنتم تلاحظونه. ونحن نشكركم أيها الأصدقاء لإبدائكم الأسف والحزن بخصوص زلزال بم. وهذا هو الوضع الطبيعي. مارس الأرمن الإيرانيون خلال فترة الدفاع المقدس طوال ثمانية أعوام دوراً مهماً جداً في مجال الإسناد التقني، فهم في طهران وغيرها من المدن لهم خبرة واسعة في القضايا التقنية. أنا على معرفة قريبة بأعمال الأرمن حتى قبل الثورة، وأعلم أنهم متخصصون في السيارات وقطع غيارها. وقد جاؤوا أيام الحرب وقالوا لنا إننا مستعدون للعمل. في سنة 59 أو60 توجهوا للأهواز وضربوا مخيمهم هناك. وقد ذهبت وزرت مخيمهم. وذات مرة حينما كنا متوجهين من طهران إلى الأهواز جاء نحو مائة أرمني وقالوا نحن نسير إلى الجبهة فخذونا معكم إلى الجبهة. فأمرت فركبوا الطائرة وتوجهوا إلى الجبهة. لذلك ليس من العجيب بالنسبة لنا أن تصرحوا بمثل هذا فيما يخص قضية بم. طبعاً كانت لي علاقاتي الشخصية والقريبة مع بعض العوائل الأرمنية والآشورية في طهران لاستشهاد أبنائهم في الجبهات، وزرتهم إلى بيوتهم وتعرفت عليهم، وأعلم أن مشاعرهم جيدة جداً.
نتمنى أن يوفقنا الله تعالى نحن وإياكم للسير في الطريق الصحيح. شملنا الله جميعاً برحمته وهدايته ولطفه. وأبلغوا تبريكنا لأعزائنا الأرمن بمناسبة السنة الجديدة وولادة السيد المسيح عليه السلام. موفقين إن شاء الله.
الشعور بالمحبة والقرب
أشعر بالمحبة والقرب تجاه الأرمن الإيرانيين. نحن نحب المسيحيين. لقد ساعدنا الأرمنُ كثيراً طوال فترة الثورة والحرب. طبعاً أنتم سمعتم بهذه الأمور لكنني شاهدتها عن كثب. لقد شاهدت في ساحات الحرب – في الجبهات – الكثير من الأرمن ساعدونا بصدق وحميمية تحت القصف وتحت نيران المدفعية. طبعاً هذا لا يتعلق بمن كانوا جنوداً مكلّفين، بل بالناس العاديين والمتطوعين.
إننا نتعامل ونتصادق مع الأقليات الدينية كإخوتنا. لا نتذكر إطلاقاً أن لفلانٍ ديناً آخر وأنه لا يؤيد أفكارنا وديننا وإسلامنا! نزورهم حتى إلى بيوتهم. إنني منذ سنوات أزور عادة عوائل الشهداء المسيحيين بمناسبة السنة المسيحية الجديدة. وهم إما آشوريون أو أرمن. نذهب إلى بيوتهم ونجلس مع نسائهم وأطفالهم وشبابهم ونتحدث معهم ونتناول الفاكهة والحلويات.
تعليقات الزوار