أجرى الحوار: الأستاذ سالم جاري

 

الضيوف: الدكتور عصام العماد (الباحث الاسلامي اليمني)

 

الدكتور علي عقلة عرسان الكاتب والصحفي السوري ورئيس اتحاد الكتاب العرب سابقاً

 

الأستاذ يحيى حرب المحلل والكاتب اللبناني

 

سالم جاري: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ صدق الله العلي العظيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الامين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين.

 

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. نهنئكم اولاً بذكرى انتصار الثورة الاسلامية وقيام الجمهورية الاسلامية الايرانية بقيادة الإمام الراحل الإمام الخميني (قدس سره الشريف) عنوان الحلقة: الثورة الاسلامية نور لا ينطفئ، منذ ان قامت الثورة الاسلامية وفجرها الإمام الراحل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه)، ساء هذا العمل العظيم الجبار اعداء الثورة واعداء الشعب الايراني المسلم واعداء المسلمين عموماً، لا سيما الدول الغربية التي كانت قد اتخذت من ايران عنصراً مساعداً لها وقوة ضاربة لها في المنطقة، ولكن حينما انتصرت الثورة الاسلامية وقامت الجمهورية الاسلامية بصورة عجيبة تبعث على الانبهار وبتوفيق وتسديد من الله (سبحانه وتعالى) وبجهود مباركة من الإمام الراحل ومساعديه، وبالتضحيات الفريدة من الشعب الايراني المسلم المضحي، حاول الغرب اجهاض هذه الثورة منذ انطلاقتها، حاولوا بشتى الوسائل زعزعة الامن داخل ايران، تحريك بعض الجهات التي لا ترغب بقيام الثورة الاسلامية، اشعلوا الحرب العراقية الايرانية بعد ان عجزوا عن اجهاض الثورة منذ انطلاقتها، عملوا جاهدين على تحريك الاوضاع واشعال الحرب العراقية الايرانية التي  اخذت كثيراً من الشباب وكثيراً من المقدرات التي آل امرها بعد ذلك الى انتحار عسكري قام به الرئيس العراقي السابق صدام حسين في دخوله الكويت، ايضاً عوّل الغرب على وفاة الإمام الراحل وانتقاله الى الرفيق الاعلى، كانوا يراهنون على ان الثورة ستنتهي وان الشعب الايراني سيفقد حماسه وثوريته بوفاة الإمام الراحل، ولكن تلاحم الشعب الايراني وتكاتف صفوفه مرة اخرى بعد رحيل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) ايضاً افشل مخططاتهم، تآمر العالم كله ضد الثورة الاسلامية، ولكن شاء الله تعالى للثورة ان تدوم وان تستمر وان لا تنطفئ شعلتها، وها هي بعد قرابة الثلاثين عاماً تواصل مبادئها وتواصل انجازاتها العلمية وتواصل تطورها وتواصل استمرارها على النهج الذي رسمه الإمام وبقية القادة المؤمنين، كسماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي والشيخ الرفسنجاني وسائر القادة الذين كانوا من حول الإمام (رضوان الله تعالى عليه)، هذه الانتخابات متكررة والديمقراطية متحققة باعلى درجاتها، ولكن هنا التساؤلات، انه كيف استطاعت الثورة الاسلامية الصمود على الرغم من كل هذه المحاولات وعلى الرغم من كل هذه المؤامرات، كيف استطاعت الثورة الاسلامية ان تؤثر في شعوب المنطقة وشعوب العالم، ما هي ردود الافعال، كيف استقبلت الشعوب المسلمة، الشعوب العربية المجاورة للجمهورية الاسلامية الايرانية، كيف استقبلت هذه الثورة، كيف انطلقت هذه الثورة وتعدت الحدود الايرانية الى الدول الاقليمية المجاورة الى دول العالم، ما هي عناصر ثبات الثورة وديمومتها واستمرارها، كيف بقيت الثورة قائمة على اصولها على الرغم من تلك المؤامرات؟ مشاهدينا الكرام، هذه المباحث وغيرها سأبحثها مع ضيوفنا الكرام معي الدكتور عصام العماد (الباحث الاسلامي اليمني). والدكتور علي عقلة عرسان الكاتب والصحفي السوري ورئيس اتحاد الكتاب العرب سابقاً. ومن لندن الاستاذ يحيى حرب، المحلل والكاتب اللبناني. احييكم واحيي ضيوفنا الكرام وابدأ مع ضيفي الدكتور عصام العماد.

 

سالم جاري: السؤال الاول الموجه الى جنابكم لكم ان تنقلوا لنا تجربتكم السابقة وتجربتكم الحالية، كيف استطاعت الثورة ان تخترق الجدر وكيف استطاعت ان تخترق القلوب بحيث انها نفذت بسرعة الى قلوب المسلمين سواء كانوا من الشيعة ام من الاخوة السنّة، ولاسيما انتم كنتم في تلك المدة تتبنون افكار الاخوة الكرام السنّة، كيف استطاعت الثورة ان تخترق قلوب المسلمين؟

 

الدكتور عصام العماد: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. في الحقيقة ان هذه الثورة الاسلامية المباركة كانت هي الاوج الذي ثبت وجود الحركة الاسلامية حيث ان الحركة الاسلامية كانت في مراحل ابتدائية وكانت تعاني من مشاكل كثيرة وما ان ولدت الحركة الاسلامية إلا وابتدأت الحركة القومية لتواجه الحركة الاسلامية والحركات العلمانية، وكانت في مرحلة الطفولة. فعندما قامت الثورة الاسلامية تقوت الحركات الاسلامية في العالم الاسلامي، اذ ان الثورة الاسلامية هي بمثابة حركة اسلامية بقيادة الإمام الخميني وصلت الى الحكم الاسلامي، واعتقد ان اسباب ثبات هذه الثورة تعود الى امرين، الامر الاول يعود الى جهل الاستكبار العالمي او الغرب وفي مقدمته امريكا باسباب الثورة وعوامل الثورة، والامر الثاني يعود الى الصفات وخصائص وسمات موجودة في نفس الثورة، أما فيما يتعلق بالجانب الاول فنجد ان المشكلة الكبرى في الادراة الامريكية انها عندما طرحت قضية الثورة نظرت الى الثورة الاسلامية كبقية الثورات التي قامت بالعالم وانطفأت، ولذلك نجد من خلال استقراء وقراءة المستندات الامريكية سواء الموجودة في السفارة الامريكية في طهران بعد ان احتلت او التقارير التي كتبها السفير الامريكي الذي كان في طهران عند اندلاع الثورة، او بعض الكتاب من الغربيين ان هنالك خطأ كبير عند الغربيين في فهم عوامل الثورة، اولاً انهم حاولوا ان يفسروا الثورة الاسلامية تفسيراً مادياً تبعاً لبقية الثورات التي قامت قبل الثورة الاسلامية وبعد الثورة الاسلامية، ولم يفهموا العوامل والاسباب التي دفعت الشعب الايراني لهذه الحركة، ولم يميزوا بين المميزات والخصائص الموجودة في الثورة الاسلامية ويفصلوا عنها بقية الخصائص الموجودة في الثورات الاخرى التي لم تكن اسلامية، لذلك انا اعتقد ان التقارير التي وصلت عن طريق امريكا وعن طريق السفير الامريكي، انا عندما قرأتها وجدت انه تصور الكثير من الامريكيين بان هذه الثورة الاسلامية هي مثل الدولة الباكستانية عندما نشأت في بدايتها بقياة المفكر الاسلامي محمد ابيجنة وبامكانهم ان يدعوا الثورة تمشي ثم بعد ذلك يستطيعون بكل سهولة ان يقضوا عليها، تماماً كما قضوا على الثورة الاسلامية في باكستان، او انهم تصورا كذلك، كما رأيت في بعض تحليلات البنود الموجودة في التقارير الغربية، انها ستكون كالحركة التي في ظاهرها دينية وفي الباطن  لا، كحركة الدولة الظاهرية السعودية فهي تهتم بالمظاهر الدينية ولكنها في الحقيقة في العمق الديني لا تهتم بالدين، فتصوروا بانه بالامكان ان يوظفوا الإمام الخميني ومن حوله بخدمة المصالح الامريكية، كما انهم وظفوا آل سعود لخدمة المصالح الامريكية، فلذلك نجد انهم اخطأوا في تفسير العوامل والاسباب التي قامت من اجلها الثورة، ولم يعرفوا الحقائق والصفات التي يتصف بها المجتمع الايراني، يتصوروا بانها مجرد حركة ضد الملك الايراني السابق لما يتصف به من دكتاتورية،  ثم بعد ذلك ما ان تمر ايام قليلة إلا ويعود الامر الى مجاريه وتستطيع السياسة الامريكية بحركتها ان تحتوي الثورة وتحتوي الإمام الخميني، وينتهي كل شيء، هذا هو التصور الاولي وهذا من اسباب استمرارية الثورة في الجانب الاول، وهو عدم فهم العدو لحقائق الثورة، أما في الجانب الثاني وهي الخصائص والسمات التي تتصف بها الثورة، اعتقد بالنسبة انه هنالك صفة مهمة جداً في الثورة الاسلامية، وهي التجربة الكبرى المتمثلة بالحركة الاسلامية الشيعية، الحركة الاسلامية الشيعية كحركة اسلامية عالمية لديها تجربة في المعارضة الاسلامية، من العصر الاموي ومن العصر العباسي فانا استطيع ان اقول انها حركة اسلامية لها قرون من الزمن ولها تجارب عديدة.

 

سالم جاري: هذه نقطة مهمة دكتور عصام، سنعود اليها ان شاء الله تعالى بعد ان ننتقل الى ضيفنا من دمشق فضيلة الدكتور علي عقلة عرسان.

 

سالم جاري: دكتور علي. الملاحظ ان الثورة الاسلامية استطاعت ان تتحدى كل المؤامرات وتبقى قائمة على اصولها كما ذكرنا في المقدمة بل استطاعت ان تتطور يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام، ما السر في ذلك في رأيكم؟

 

الدكتور علي عقلة عرسان: انا اعتقد ان الثورة الايرانية استطاعت من خلال الفكر والايمان والعمل ان تكسب الشارع الايراني، ان تدخل الى نفوس الناس وان تستثمر كل الوقائع التي كانت في عهد الشاه، مسيئة إما لايران كدولة وسياسة واستراتيجية وموقع جغرافي وموقع تأريخي، او مسيئة للناس في الخدمات التي تقدم لهم او في النظرة الايجابية غير الدكتاتورية التي يمكن ان تجعلهم يقبلون على نظام وحياة، ومن ثم الثورة استطاعت ان تقدم في المنطقة ككل شيئاً جديداً تحتاج اليه المنطقة بعد انتفاع انظمة معينة وبعد سيطرة استعمارية واضحة، وبعد استغلال للناس وظلم لهم واستغلال للموارد والطاقات بشكل لا يعود على الناس بمردود ايجابي، والثورة استطاعت ان تكتسب مصداقية من خلال ربط الشعار الذي تطرحه بالممارسة التي تقوم بها، ومن خلال مصداقية الرجال الذين قادوها فهم لا يرفعون شعاراً ويمارسون ممارسات اخرى، ومن ثم معرفة هؤلاء لروح الشعب والاتصال بهذه الروح من خلال حجج وبراهين وافعال استطاعت ان تقنع حتى العسكريين، الذين كانوا في الجيش الايراني بأمرة الشاه او تحت سيطرة السافاك، تقنعهم بان لا يشهروا اسلحتهم على الثورة وانما يشهروها مع الثورة ويتخلوا عن ظلم الشاه، عن الملكية عن توظيف ايران في صالح الاستعمار والاستكبار العالمي وضد مصالح ايران والمنطقة والجوار، وايضاً ضد  جوهر العقيدة الاسلامية، لان الممارسات التي كانت في عهد الشاه ممارسات لا تتلائم مع جوهر العقيدة الاسلامية ومع نظرة الشيعة والفقه الشيعي لعصور الحكم.

 

سالم جاري: احسنتم كثيراً فضيلة الدكتور سنعود اليكم. ننتقل الآن الى لندن وضيفنا الكريم فضيلة الاستاذ يحيى حرب المحلل والكاتب اللبناني. استاذنا الكريم، الملاحظ ان الثورة الاسلامية في ايران منذ قيامها قد لاقت ترحيباً عجيباً من قبل المسلمين، ومن قبل الشعوب المجاورة العربية وغير العربية، وجميع المنطقة تقريباً استبشرت خيراً بهذه الثورة الاسلامية، برأيكم ما السر في ذلك؟ أهو الشعارات التي طرحتها الجمهورية الاسلامية، وشخص الإمام، والتغيير الذي حصل، في رأيكم ما السر في هذا الترحيب وهذا الاستقبال، وهذا الاختراق لقلوب المسلمين؟

 

الاستاذ يحيى حرب: بسم الله الرحمن الرحيم، بداية ابارك لكم وللامة الاسلامية جميعاً هذه الذكرى المجيدة، ونسأل الله تعالى ان يعيدها عليكم والامة بافضل حال. بالنسبة للموقع الذي اخذته الجمهورية الاسلامية وهذه الثورة العظيمة في قلوب المسلمين في داخل الاقطار الاسلامية، وخارج الاقطار الاسلامية، انما تنبع برأيي من حقيقة اساسية هي ان هذه الثورة كانت مصداقاً رئيسياً لجوهر الاسلام، ما كان ينقص المسلمين سواء في داخل او في خارج البلاد الاسلامية (في بلاد المهجر) هو هذا الانتماء او هذه العودة الى الهوية الحقيقية، الناس جميعهم كانوا مسلمين ولازالوا مسلمين وكانوا يمارسون ربما شعائرهم، ولكنهم يكونوا يشعروا بهذه الكينونة الاسلامية وهذه القوة الاسلامية وهذه الثقة بالنفس، بانهم قادرون على التعامل والتعاطي مع معطيات العصر بلغة العصر وبهذه المصداقية الكبيرة، الثورة الاسلامية في ايران هذا ما فعلته بالذات، فالشعارات الثورية كانت موجودة والقضايا الوطنية وكثيرون تعاملوا معها وكانت موجودة في الشارع وعلى مستوى الامة، ولكن هذه المرة ومع الثورة الاسلامية ومع هذه القيادة الحكيمة التي رأت هذه الشؤون اصبح هناك مصداقية لهذا القول، هناك صدق في القول وفي الممارسة وفي متابعة القضية حتى نهايتها ليس هناك اي امكانية للانحراف او التشويه، وهذا ربما واحد من العوامل الاساسية الذي صدم الغربيين او الغرب بشكل عام من هذه الثورة، كان هناك سلسلة من الصدمات في التعامل الغربي مع الجمهورية الاسلامية ومع الثورة الاسلامية في ايران، كانوا يريدونها ان تكون دولة شيعية لكي يصدموها بالمحيط السني الكبير الذي يحيط بها، فكانت ثورة اسلامية ولا تكون ثورة شيعية، هي اخذت جوهر الفكر الشيعي وتعاملت مع هذا الفكر بثوريته وبنقائه وبالتزامه العميق في مفاهيم الدين الاسلامي، ولكنها كانت في حركتها حركة اسلامية شاملة وجامعة، فسقطت كل محاولات تحويلها او تأطيرها في اطار ضيق وتحويلها الى مجرد حركة شيعية في محيط اسلامي سني كما هو المتعارف عليه في المنطقة، اخذت بعدها في العالم الاسلامي الكبير والواسع. النقطة الثانية، كل الادعاءات والحواجز والتآمرات التي حاولوا ان يصدموا فيها هذه الثورة لم تصمد أمام قدرة الفعالية الداخلية لهذه الثورة الديناميكية الداخلية لهذه الثورة، التزام الجماهير بها، التزام القيادة بشعاراتها وبقراراتها، والتصاق هذه الثورة بالقضايا الحية، فاصبح الاسلام هنا ليس مجرد طقوس وشعائر وممارسات وفتاوى بل اصبح ايضاً اضافة الى ذلك ممارسة مع القضايا الاساسية للامة الاسلامية، بدءاً من قضية فلسطين وانتهاءاً بقضايا التصدي لمحاولات التغول الاجنبي والامريكي بشكل خاص على المنطقة، ومحاولة تغيير صورة هذه المنطقة. اعتقد ان هذا جوهر القوة الذي اعطى لهذه الثورة الاسلامية مصداقيتها بين الجماهير في الداخل وفي الخارج وهو سيبقى مصدر قوتها للمستقبل ان شاء الله.

 

سالم جاري: احسنتم كثيراً شكراً لكم. ننتقل الآن الى بيروت وعبر الهاتف معنا فضيلة الشيخ ماهر حمود، عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان والباحث والكاتب الاسلامي، السلام عليكم فضيلة الشيخ.

 

فضيلة الشيخ ماهر حمود: وعليكم السلام ورحمة الله.

 

سالم جاري: حياكم الله. شيخنا الكريم، الملاحظ ان الثورة الاسلامية في ايران اختلفت عن كل الثورات والحركات التي سبقت والتي تلت، كما اشار ضيوفنا الكرام من نواحي عديدة ؛ من ناحية استقبال الجماهير في داخل ايران وفي خارج ايران، من ناحية الشعارات، من ناحية التطبيقات الفعلية لهذه الشعارات كما اشار ضيوفنا الكرام، كيف تفسرون ذلك؟

 

فضيلة الشيخ ماهر حمود: بسم الله الرحمن الرحيم، لعل اول شيء يعيدنا من هذه الثورة الى دراسة تأريخ الامة الاسلامية والعربية، حيث على سبيل المثال اكتشف ابن خلدون العلّامة المعروف قال: ان هذه الامة لا تقوم لها قائمة إلا بعقيدة دينية. معلوم ان امتنا كانت تتوق الى التحرر، والى ضرب الانظمة المرتبطة بالعدو او بالامريكي المستعمر، ومعلوم ان امتنا كانت مليئة بالحركات القومية والاشتراكية التي تطمح الى ذلك، ولكنها فشلت جميعاً. والحركات الاسلامية الاخرى حاولت ولكن اصطدمت بالحكومات ولم تؤد الوظيفة المطلوبة. جاءت الثورة الاسلامية تختزن تجربة الحركات القومية والوطنية كاملة، مضيفة اليها العقيدة الاسلامية بطريقة مزجت فيها مزجاً عميقاً ومهماً وواعياً، وهذا الذي ميزها بشكل واضح. في بدايات الثورة ترى ان الحركات حتى اليسارية والحزب الشيوعي وما الى ذلك من الحركات غير الاسلامية، كلهم اعطوا القيادة للإمام الخميني (رحمه الله)، والطريقة التي استعملوها ؛ التأثير على الجمهور، المظاهرات، الصعود الى السطوح من اجل التظاهر والى آخره، كل ذلك من تجارب الحركات الوطنية والقومية، والالتزام بالشريعة الاسلامية بطريقة او باخرى جاء طبعاً من العقيدة الاسلامية، فهذا المزج كان مزجاً فاعلاً ومميزاً اعطى لهذه الثورة امكانية بقاء لم تكن للقوى الاخرى، هذا اولاً. الامر الثاني، لا شك ان شخصية الإمام الخميني (رحمه الله) وما يسمى في هذا العلم الكريم انها الشخصية المؤثرة على القيادة، كانت متميزة تميزاً واضحاً فكان هذا الرجل (رحمه الله) بقدرته قادراً على ان يمزج الفهم الاسلامي المتطور الثوري مع الفهم الوطني مع المرحلية المطلوبة، اي كان في كل مرحلة يعطي الفتوى المناسبة لها، ولم يكن متسرعاً في فترات ما وكان سريعاً في فترات اخرى، كان هذا كأنه الهام من الله تعالى حتى وصلت الثورة الى ما وصلت اليه. النقطة الثالثة، رأى الناس الانجازات بام العين، فاستطاعت الثورة ان تحقق كثيراً من اهدافها على مستوى الداخل، كما استطاعت ان تصمد على الحرب المفروضة عليها فترة طويلة، وان كانت خسرت الكثير الكثير من البنيان والشباب، من الاعمار والشباب ولكن بنفس الوقت استطاعت ان تقف وتصبح اكثر صلابة، استطاعت ايضاً ان تصطفي من كافة المشاركين في الثورة من يستطيع ان يستمر، وهي الآن مستمرة بشكل مميز. طبعاً برأينا هنا من يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية المقدسة الام لنا جميعاً وهي قضية فلسطين، هو الذي يبقى، يعني يستمد بقاءه وقدسيته من قدسية فلسطين، وبعد هذه السنوات الطويلة التي تكاد تبلغ الثلاثين سنة، لا اتصور ان منصفاً واحداً يستطيع ان يشكك في التهاب الثورة الاسلامية بقياداتها وبكوادرها وجنودها وبتموليها، لا يستطيع احد ان يشكك في انها ملتزمة في هذه القضية العظيمة (القضية المقدسة قضية فلسطين)، فمن حيث مثلاً دعم القوى الفلسطينية في الداخل معنوياً وسياسياً، سواء من دعم حزب الله المجاهد الذي ادى في حربه ضد الكيان الصهيوني، من البطولات عجزت عنها القوى الاخرى والجيوش حتى العربية. برأيي في هذه السنوات الاخيرة بالتحديد وبعد عام (2000) انتصار حزب الله في لبنان، والانسحاب اليهودي الصهيوني في جنوب لبنان مذلولاً اعطى للثورة الاسلامية قوة ليست عادية لانها تستطيع ان تقول ان هذا الفكر او هذا النموذج الذي ندعمه قام بما لم تستطعه الجيوش العربية احياناً مجتمعة حتى، فمن اجل ذلك هناك الكثير من العوامل التي تجعلنا نؤكد استمرارية هذه الثورة وان عندها من العوامل ومن المقومات ما لا نستطيع ان نشبهها الى ثورات اخرى قامت ثم قعدت لانها لم تكن مرتبطة ارتباطاً صادقاً بالقضايا الهامة لامتنا وعلى رأسها قضية فلسطين وقضية التنمية، ومواجهة المستعمر والتحرير والعدالة الاجتماعية والى آخره، هذه كلها ان شاء الله ستبقى حتى نقفز القفزة الكبرى التالية والتي هي جمع المسلمين جميعاً على قيادة واحدة دون خلاف في المذاهب، حتى نصل الى التحرير الذي وعدنا الله به في قوله تعالى ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } والسلام عليكم ورحمة الله.

 

سالم جاري: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكراً لفضيلة الشيخ ماهر حمود، عضو تجمع العلماء المسلمين في لبنان والباحث والكاتب الاسلامي اللبناني. أعود الآن الى ضيفنا الدكتور عصام العماد. ربما كانت لديكم بعض الملاحظات والمداخلة التي تودون ذكرها، وقبل ذلك او بعد ذلك اعيد اليكم السؤال الذي يذكركم بما كنتم تتحدثون به قبل الانتقال الى ضيوفنا الكرام الآخرين، الملاحظ ان الثورة الاسلامية في ايران وان كانت صبغتها شيعية على اعتبار ان القائد الإمام الخميني (رحمه الله) كان شيعياً، غالبية الشعب الايراني كان شيعياً، التجربة الشيعية غنية كما تفضلت بالاشارة، ولكن الملاحظ ان الإمام الخميني لم يتخذ من هذا شعاراً خاصاً ضيقاً بل اطلق الشعارات الاسلامية وجعل من الثورة حتى ان الغرب روّج لمخاوف مزعومة بان على شعوب لمنطقة ان تخاف مما يعرف بتصدير الثورة الاسلامية الى الدول المجاورة والدول الاقليمية ولدول العالم، اراد الإمام من هذه الثورة ان تكون ثورة عالمية بنفس القوة ونفس الدرجة التي كانت هي ثورة اسلامية شيعية ايرانية، اذن لا شك انه للإمام كان نظر بعيد ونظر معمق في استجلاب الاسباب التي تكفل لهذه الثورة الاستمرار والديمومة، كيف تفسرون ذلك؟

 

الدكتور عصام العماد: اعتقد ان بعض المصطلحات خلقها الاعلام الغربي، مثل مصطلح تصدير الثورة الاسلامية اول من استخدمه هو الغرب من اجل تخويف المنطقة وتخويف الدول الاقليمية من الثورة الاسلامية، فقضية الثورة الاسلامية لم تكن من اهدافها تصدير الثورة، بل كانت ثورة اسلامية بمعنى الكلمة، ثم بعد ذلك التأثر هذا أمر خارج عن الارادة الاخرى (التأثر بالثورة الاسلامية)، ولكن مسألة التخويف من الثورة الاسلامية كانت السياسة الاسلامية تجاه بعض القضايا التي حشرت فيها الثورة الاسلامية مثلاً قضية الحرب الايرانية، اعتقد انها كانت تجربة مهمة جداً طمأنت العالم الاسلامي وحتى العالم الغربي المعتدل بالشعوب الغربية والمفكرين الغربيين بعيداً عن الانظمة الغربية، طمأنت الى مصداقية الثورة، حيث رغم ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين استخدم كل الاساليب غير الانسانية والاسلحة الجرثومية والاسلحة الكيمياوية في ضرب الثورة الاسلامية، وكان باستطاعة الثورة الاسلامية ان تضرب بعض المدن العراقية بالاسلحة حتى الخفيفة ولكن مصداقية الثورة الاسلامية ثبتت للعالم بانها لم تستخدم اي سلاح حتى السلاح الخفيف في ضرب المدن العراقية من منطلق المبادئ الاسلامية فكانت هذه من الاساليب. ثانياً مسألة اخرى من القضايا الموجودة في داخل المجتمع الاسلامي، الغرب راهن على امور كثيرة في اسقاط الثورة، مثلاً راهن على قضية المرأة ودور المرأة وحقوق المرأة، ولكن تفاجئ العالم الغربي بمكانه المرأة في الثورة الاسلامية بل انه حدث موقف بين الإمام الخميني وبين بعض الجهات، حيث بعد قيام الثورة جاء بعض المتطرفين وطالبوا تهميش المرأة، فقال لهم الإمام الخميني: راجعوا الصور، حتى الصور تجدون ان الذين كانوا ينادون الموت للملك الايراني كان اكثر الحضور من النساء، فقال: لو لا النساء ما نجحت الثورة الاسلامية. فكثير من الاساليب وطريقة الإمام وانفتاح الإمام وفهم الإمام لدور كثير من مخططات الغرب كما انه التزام الإمام بالكتاب وبالسنّة النبوية وتطبيقها بالكامل بعيد عن تأثيرات الادخالات التي دخلت بعد الرسول وحرّفت الاسلام عن مساره، كان لها الدور في استمرار الثورة. ثانياً الموقف الذي فاجئ العالم من قضية موقف الثورة الاسلامية من الرهائن الامريكيين حيث انه كانت الثورة قائمة وفي اوج الثورة وتبين الخيانة الكبرى التي ارتكبت امريكا في اغتيال الشخصيات الكبرى من الثورة الاسلامية، وفي دور السفارة الامريكية في قتل قيادات في الثورة الاسلامية، ومع ذلك نجد التعامل الاسلامي المنطلق من القرآن ومن السنة النبوية ومن سيرة اهل البيت حيث ان الذين احتلوا السفارة الامريكية لم يمسوا المسؤولين عن السفارة الامريكية بسوء، بل حجزوهم الى ان انتهى التحقيق وذهبوا سالمين غانمين. هذا الموقف في عصر لم تكن الثورة قد وصلت الى مستوى الدولة المنظمة، اذ كان بالامكان ان يتم قتل هؤلاء، ولكن تصرف ابناء الثورة، التصرف العقلائي، ثم وصول هؤلاء الرهائن سالمين الى امريكا فاجئ المجتمع الغربي الذي حاول ان يصور الإمام الخميني واتباع الثورة انهم وحوش قاتلة، فاذا كان تعاملهم هؤلاء مع الاعداء ومع اكبر عدو للثورة وهي امريكا فكيف سيتعاملون مع سائرهم، كذلك نجد ان موقف ايران العظيم من قضية غزو الكويت كان له دور في طمأنة الدول المجاورة، فاذا كان الشاه قد احتل بعض المناطق المجاورة، ولكن نجد ايران رغم انها كانت تمتلك القوة العسكرية الكبيرة، رغم ذلك نجد مع ان الرئيس العراقي السابق صدام حسين اتصل الى ايران وحاول ان يقنع ايران بان تخضع او ان تؤيد في احتلال الكويت، ولكن موقف ايران كان موقف حازم ورفض احتلال أي منطقة اسلامية او أي دولة مجاورة، هذا طمأن الدول الخليجية مع اننا نعلم ان مجمع التعاون الخليجي لم يؤسس إلا بعد قيام الثورة الاسلامية بغرض مواجهة الثورة الاسلامية، لكن هذا المجمع الذي اسس لمحاربة الثورة بعد ان رأى سياسة ايران ومصداقية ايران في الدفاع عن الاراضي الخليجية، وان الدول المجاورة ما كان منه في سنة (90) إلا ان نادت عمان بحضور مندوب ايراني في منظمة الخليج، ولذلك نجد ان ايران مع مرور الزمن اثبتت للعالم بانها ليست دولة الملك الايراني الذي كان يمثل شرطي لضرب الحكومات الاسلامية وضرب العالم الاسلامي، وكان بمثابة جسم غريب مغروس من امريكا ومن اسرائيل في العالم الاسلامي، واذا بهذه الثورة تتحول الى قلعة كبيرة لحماية الدول الاسلامية في العالم الاسلامي.

 

سالم جاري: احسنتم كثيراً، ننتقل الآن الى ضيفنا الدكتور علي عقلة عرسان. الملاحظ ان العالم قد تفاجئ مفاجئات اخرى، وهو انه بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، كان الغرب يظن ان الثورة الاسلامية في ايران قد شغلت وانهكت كثيراً في هذه الحرب وربما تخلت عن بعض مبادئها، ولكن الملاحظ انه بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية فوجئ العالم بان القوة الاسلامية الايرانية اصبحت تتعاظم وان الدولة الاسلامية الايرانية اصبحت في تطور واضح على شتى الاصعدة ؛ العلمية، والطبية، والتقنية، والطاقة النووية السلمية، فهذا يعني ان الإمام الراحل الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) قد خطط الى العمل والتطوير والاعمار والانجاز العلمي الى جانب تحديات الحرب، كيف ترون ذلك؟

 

الدكتور علي عقلة عرسان: اولاً اسمح لي ان اعود الى نقطتين احب ان لا يفوتني الاشارة اليهما. اولاً فيما يتعلق بموضوع الثورة الايرانية والمحيط العام الاسلامي والانساني، كان في رؤية الإمام الخميني وفي توجهات الثورة (نشر الصحوة الاسلامية) وليس بالضرورة كما سمى الغرب (تصدير الثورة)، وانما نشر الصحوة وجمع المسلمين على كلمة، وتوحيد الصف والرؤيا ان استطاعت الثورة الى ذلك سبيلاً، ونشر ثقافة الوعي السياسي الذي يرتكز على التعالم الاسلامية، التي تغلغلت في عمق الفكر وانجزت انجازات هامة، هذه النقطة نلاحظها ونلحظ تجلياتها بالدرجة الاولى في وصية الإمام الخميني، التي كانت شاملة وواضحة وتعطي دوراً للبعد الاسلامي بالدرجة الاولى وللبعد الانساني العالمي العام، ومن هنا كان في صلب وعي الثورة مقاومة العنصرية مقاومة الاحتلال، مقاومة الاستعمار، مقاومة الاستكبار، ومن ثم تصحيح او تقديم رؤيا اسلامية من موقع فكري ناضج. انا اعتقد ان المراهنات التي كانت منذ البدايات (منذ انطلاقة الثورة) ان هذه الثورة بين قوسين كما كانوا يسمونها (ثورة الملالي) لن تشكل حكماً عصرياً  وسوف تسقط، ومن ثم لا نريد ان نعود الى الجراح، كانت هناك الحرب وكان في الحرب كل الاطراف عملت على ان تنتصر، وكان الرابح او الذي حاول ان يشعل فتيل هذه الحرب لمصلحته، الغرب والولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني، وتم حقيقة تجاوز هذا الجرح الآن، استطاعت الثورة ان تحقق نقلة نوعية في الداخل وفي الخارج وفي الرؤية العامة، في الداخل استطاعت ان تنجز انجازات كبيرة لصالح الشعب في البنية التحتية العامة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، واستطاعت ان تقدم خدمات كبيرة وقدمت ما يمكن ان يؤدي الضرورات للانسان في المجال الصحي وفي المجال الاجتماعي المعيشي، وايضاً في مجال الخدمات الاخرى المكملة، وعلى الصعيد الآخر بنت ايران التي استطاعت الآن ان تدخل بتحد واضح مجال علمي متقدم وهو مجال امتلاك الطاقة النووية، والصواريخ البعيدة المدى وايضاً على مشارف دخول الفضاء بقمر صناعي قادم، هذا لم يكن يتوقعه احد، ثم ان هذه الثورة صمدت لكثير من التدخلات والحصار واخذت بتعاليم الفقهاء والقادة وعلى رأسهم الإمام الخميني (رحمه الله) الذي جسد رؤيته وموقفه وخلاصة تجربته في وصيته، هذا الرجل لم يكن ليمتلك قلب وعقل الكثيرين من الشعب الايراني او كل الشعب الايراني لو لم يكن صاحب رؤية عميقة، صاحب ثقافة واسعة، صاحب ايمان راسخ، وايضاً صاحب نظرة للمحيط. وعندما اطلقت الثورة الايرانية موقفها من الكيان الصهيوني وموقفها لصالح فلسطين استطاعت ان تنتشر انتشاراً عاطفياً في البداية لدى الجمهور العربي والجمهور الاسلامي بشكل عام وجمهور المستضعفين في العالم، وعندما اقامت سفارة فلسطين في محل سفارة الكيان الصهيوني كان هذا يسجل مصداقية معينة. استطاعت هذه الثورة ان تقدم شيئاً متميزاً ليس فقط في الحقل السياسي والثقافي وانما في الحقل التشريعي، اذ ان العودة الى الدستور الذي وضع في ايران على ارضية المعطى الاسلامي الايماني الثوري الحقيقي يستطيع ان يقدم لنا ديمقراطية متآخية مع الشريعة ومتوافقة مع التعاليم وايضاً مع الشورى، وتجلت هذه التوجهات في البنية الديمقراطية وممارسة الحكم، والوصول الى القرارات الملائمة من خلال جهات مختلفة يكمل بعضها بعضاً، من البرلمان المنتخب الى اللجان التي تراعي مصلحة النظام، الى القائد الاعلى الذي يملك صلاحيات معينة، في هذا التكامل العام نستطيع ان نرى شورى وديمقراطية واصول حكم لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية ولا تجور على حقوق الآخرين وتقدم انموذجاً في هذا المجال يخالف تماماً الصبغة او الصيغة التي يقدمها الغرب للديمقراطية والتي يجلبها احياناً على ظهور الدبابات وبافساد الناس وممارسة الفساد، ونشر الفوضى التي يسميها بوش بنّاءة وهو كاذب في هذا المجال. اما ان الشيء الآخر الذي اريد ان اشير اليه، تفعيل الجانب الاقتصادي وجعل هذا الجانب الاقتصادي يحمل اعباء الثورة واعباء التقدم واعباء التطوير، ثم اقامة علاقات واسعة على مستوى العالم، وتأثير هذه العلاقات في تقديم صورة ايران (الثورة الاسلامية في ايران) للعالم، وتقديم تصورها، وايضاً شجاعة في تقديم مواقفها المبدئية التي جسدها بشكل واضح الرئيس احمدي نجاد وايضاً وعي لعدم اتهام الآخرين في المحيط والتواصل معهم وتقديم مبادرات ايجابية، ولا اريد ان اوافق على تقديم مواصفات او صفات للسعوديين وسواهم، لا، احمدي نجاد بادر الى زيارة الرياض لكي يصل هو والملك عبد الله بن عبد العزيز الى نزع فتيل الفتنة السنية الشيعية التي كانت تسعى رايس وتسعى الولايات المتحدة الامريكية الى اشعالها في المنطقة، بادر ايضاً بتقديم رؤيا وتعاون وخطة عمل لمجلس التعاون الخليجي، بادر ايضاً بطمئنة المحيط العربي والاسلامي، ولكنه لم يتنازل عن مبدئية الثورة ولا عن الموقف من اسرائيل ولا عن الموقف من القدس، ولا عن الموقف من دعم كل المقاومة التي يجب ان تدعم من قبل الجميع بشرف، والتي ادت الى هزيمة الكيان الصهيوني على يد حزب الله، هذا الذي قدم نوعاً متميزاً من الاداء في ظل رؤية الثورة الاسلامية ومن ضمن تجليات عطائها.

 

سالم جاري: احسنتم كثيراً شكراً لكم فضيلة الدكتور علي عقلة عرسان الباحث والكاتب السوري، ورئيس اتحاد الكتاب العرب سابقاً، وشكراً جزيلاً على هذه المعلومات القيمة التي قدمتموها.

 

معنا فضيلة الدكتور محمد التيجاني السماوي الباحث الاسلامي والكاتب التونسي.

 

سالم جاري: دكتور محمد لا شك انكم واكبتم وتابعتم انتصار الثورة الاسلامية منذ بدايتها والى يومنا هذا، ولا شك انكم ايضاً تلاحظون هذه الانتصارات المتلاحقة وهذا التقدم والتطور، وهذا التأثير في المنطقة الاقليمية وفي العالم تأثير ايجابي يثبت يوماً بعد يوم ان الثورة الاسلامية نموذج (كما تفضل ضيفنا قبل قليل الدكتور علي عقلة) واثبت للعالم انه لا تنافي بين الاسلام والديمقراطية، كيف ترون ذلك؟

 

الدكتور محمد التيجاني: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. اولاً نبارك لكم ولجميع المشاهدين في العالم ذكرى نجاح الثورة الاسلامية في ايران، وانا كما تفضلتم واكبت الثورة من بدايتها، كنت مع الإمام في نوفل لوشاتو وحضرت الى كل المعتقلات تقريباً، لو سألتني عن انجازات الثورة فاقول بان انجازات الثورة الاسلامية الايرانية المباركة رحمة الله على مفجرها ومؤسسها الإمام الراحل الإمام الخميني (قدس الله سره)، اذا ما تحدثنا عن انجازاتها فهي كثيرة جداً ولكني سأختصرها (لضيق الوقت) في ثلاثة مواقع مهمة، الموقع الاول اتحدث عن الانجازات الداخلية على صعيد الدولة والشعب الايراني، والموقع الثاني ساتحدث ايضاً عن الانجازات الخارجية على الصعيد الاقليمي ودول الجوار، واما في الموقع الثالث الانجازات الخارجية على الصعيد الدولي والعالمي. فبالنسبة للانجازات الداخلية يا سيدنا الكريم، لقد نجحت الثورة الاسلامية في تحقيق كل اهدافها، وشعاراتها التي تبنتها من الايام الاولى، لقد كانت بحق ثورة المستضعفين ضد المستكبرين، فقد رأينا ان الاغلبية الساحقة من الشعب الايراني المتمثل بالطبقة الفقيرة هو الذي دعا الى الثورة وحاماها من العدوان الداخلي والخارجي، عندما شن عليها النظام البعثي تلك الحرب التي دارت ثمانية سنوات، فان حراس الثورة والجيش اغلبه او كله كان من تلك الطبقة الفقيرة، وهي التي دحرت العدوان وادرجته الى ما وراء الحدود، كما حققت الثورة الاسلامية اهدافها عندما عملت على الاعتماد على ابنائها وكفاءاتها الشخصية والذاتية، فاخترعت وانجزت كل المعدات تقريباً والاسلحة رغم الحرب ورغم الحصار المفروض عليها منذ ولادتها من كل دول العالم، في ذلك حققت في المجال الاقتصادي انجازات هائلة فلم تخرج من الحرب ومن الحصار الاقتصادي إلا منتصرة، فلم تكن لها ديون لأية دولة ولا لصندوق النقد الدولي، كما هي حالة الدول العربية والاسلامية الاخرى، اعتمدت الثورة الاسلامية في ايران على الاكتشاف الذاتي في الميدان الزراعي والصناعي وبالتغذية وفي الطاقة وفي غير ذلك، وكونت البنى التحتية والجسور والطرقات والمعامل ذات الصناعات الثقيلة وغير ذلك، وارتفعت نسبة الدخل الفردي في ايران الى كثر من خمسين بالمئة ما كانت عليه في عهد الشاه المقبور، كذلك حققت الثورة الاسلامية على الصعيد السياسي انجازات ضخمة لا يوجد لها مثيل في كل العالم، وعلى سبيل المثال رأينا ان السيد محمد علي رجائي (رحمه الله) رئيس الجمهورية وباهنر، وهو رئيس الوزراء، واثنين وسبعين بين وزير واعضاء البرلمان، يقتلون كلهم في يوم واحد بالتفجير الغادر، وقد زرت بنفسي (بهشت زهراء) المقبرة الشهيرة ورأيت مقبرة كتب عليها (مقبرة الحكومة الاسلامية) ومع ذلك تماسك الشعب الايراني كرجل واحد واجريت انتخابات لرئيس جديد وحكومة جديدة من غير ان تزيل قطرة واحدة من الدم وهذا لم يحدث مثله في العالم.

 

سالم جاري: شكراً لكم دكتور محمد التيجاني الباحث الاسلامي والكاتب التونسي الذي تحدث الينا من امريكا.

 

ننتقل الى الاستاذ يحيى حرب المحلل والكاتب اللبناني، الملاحظ ان الثورة الاسلامية لم تقف عند حدود الشعب الايراني بل تجاوزت تأثيراتها الايجابية الى شعوب المنطقة والى العالم، كيف تقرأون ذلك؟

 

الاستاذ يحيى حرب: حقيقة هذا هو الواقع الذي اشرت اليه والتوصيف الصحيح الذي يمكن الحديث عنه، بكل بساطة وبدون مغالاة يمكن ان نقول ان المرحلة كاملة منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران حتى الآن، في المنطقة العربية على الاقل وفي الجوار الاسلامي هي مرحلة الثورة الاسلامية في ايران، لقد اعطت هذه الثورة طابعها وسماتها لكل الحركات او لكل الحركة السياسية، ولكل النشاطات الثورية والوطنية في عموم المنطقة، فلا تكاد تجد أي حركة او أي نشاط سياسي إلا وهو متأثر بدرجة ما وبشكل ما فيما قدمته هذه الثورة من انموذج بحيث اصبحت مصدر الهام لكل الحركات ولكل الشعوب في هذه المنطقة، وطبعاً هذا الامر لم يأت من فراغ، فالاساس الذي شهدناه في المراحل السابقة لهذه المنطقة، كان هناك حركات اسلامية كثيرة نشطت في المنطقة العربية وفي المنطقة الاسلامية في الشرق الاوسط، ولكن هذه الحركات اصطدمت بعدة عوامل ادت الى تهميشها او احياناً الى افشال اهدافها السياسية، فلم تستطع هذه الحركات الاسلامية ان تتجاوز فئويتها ولم تستطع ان تتعاطى مع العصر بلغة العصر، وهذا هو الشيء الذي فعلته او فعلت نقيضه الثورة الاسلامية في ايران. الثورة الاسلامية في ايران جاءت الى هذا الواقع وهو يغلي بكثير من المشاكل، فما الذي فعلته؟ اولاً تجاوزت مسألة الصراع الطائفي هذه الطائفية التي راهن عليها الغرب كثيراً واستعملها سلاحاً لافشال جملة من الحركات السياسية الثورية الاسلامية في تأريخ المنطقة، واعتبر الجمهورية الاسلامية في ايران، اعتبرت ان اي حديث طائفي بين السنّة والشيعة او غير ذلك هو فتنة، والاقتراب من الفتنة حرام وهو جريمة سياسية واخلاقية، ولم يكن ذلك على مستوى الخطاب الاعلامي او الخطاب الفكري وحسب، بل كان له مصاديق وترجمة فعلية على مستوى التعامل، هذه الدولة وهذه الثورة تعاملها مع الواقع الفعلي ومع حركة الشعوب في هذه المنطقة. الحاجز الآخر او المعيق الآخر لحركة المجتمع العربي والاسلامي في المرحلة الماضية، كان ايضاً الصراع الفكري ما بين الحركات القومية والحركات اليسارية الشيوعية والحركات الاسلامية، مثلث من الحركات او الاتجاهات لحركة الجماهير العربية كان هناك صراع فيما بينها دائماً وهذا الصراع اعاق الحركة.

 

سالم جاري: احسنتم كثيراً، اشكر ضيوفنا الكرام، فضيلة الدكتور عصام العماد الباحث الاسلامي والاستاذ في الحوزة العلمية من اليمن. ومن دمشق الدكتور علي عقلة عرسان، الباحث والكاتب السوري ورئيس اتحاد الكتّاب العرب سابقاً. ومن لندن الاستاذ يحيى حرب المحلل والكاتب اللبناني. ايضاً نشكر ضيفينا عبر الهاتف، فضيلة الدكتور محمد التيجاني الباحث الاسلامي التونسي من امريكا والشيخ ماهر حمود الباحث الاسلامي وعضو تجمع العلماء المسلمين اللبنانيين. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...