ترجمة: دار الولاية للثقافة والإعلام

 

المترجم: علي قازان

 

حوار مع حجة الإسلام والمسلمين غلام حسين محسني اجئي المدّعي العام في قضايا إنتخابات رئاسة الجمهوريّة قضيّة كهريزك وأداء الأفراد في أحداث عام 88 هجري شمسي

 

تُقدّم نماذج الحكم في العصر الحالي تعاريف خاصة للنسبة القائمة بين الدولة والشعب، بناءً على ما لديها من فلسفة ومهمة، وهذا ما يفهم من خلاله مدى الأهميّة التي يتحلى بها الشعب في أعين الحكام. ويلعب هذا التعريف دوراً كبيراً في تحديد الدور الذي يلعبه النّاس في اتخاذ القرارت المتعلقة بكيان الشعب والحكومة[1]. وقد أشار دستورنا بوضوح إلى أهميّة الحضور الشعبي ودوره، ولكن إذا أردنا أن نتحدث حول مصداق هذا الموضوع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فكيف هي هذه العلاقة؟

 

_ إسمح لي أن أذكر لك نقطة يمكن من خلالها أن أوضح هذه المسألة. لقد كان قائد الثورة العظيم، منذ سنوات خلت ـ فليس هذا الأمر وليد اليوم ـ كان يصرّ في جميع الإنتخابات أن يقوم النظام بأعمال من شأنها أن ترفع مستوى المشاركة الشعبية في الإنتخابات إلى الحد الأقصى. منذ حوالي الخمسة عشر أو عشرين سنة ـ تحديداً خلال الدورة الثانية من رئاسة الشيخ رفسنجاني للجمهورية على ما أذكر ـ كان قائد الثورة يؤكّد على السعي من أجل حضور النسبة الأكبر من الشعب في الإنتخابات؛ في حين أن البعض من رجال النظام الكبار كانوا يخالفون هذه الرؤية، ويرون أنّه في النهاية يجب أن يصبح أحدهم رئيس جمهورية، سواءٌ تحقق هذا الأمر بأكثرية أعلى أم أدنى؛ فعلام نخلق جوّاً قد لا نستطيع السيطرة عليه فيما بعد؟ .. ولكن القائد كان يعارض. وبالطبع، كما أشرت سابقاً، لا يختص هذا الأمر بالسنة الماضية، فقد كان القائد يصرّ على هذا الموضوع في السنوات السابقة أيضاً؛ لذا كان يؤكّد على شورى صيانة الدستور والوزارة الداخلية، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع وغيرهما من رجال الدولة في الجلسات الخاصة والعامة، وفي خطاباته، قائلاً «عليكم أن تهيئوا الأرضية وتمهّدوا الطريق أمام الناس بحيث تكون مشاركتهم أكثر»؛ وهذا هو بعد المشاركة الشعبية، أو ما يعبّر عنه بجمهوريّة النظام.

 

أما النقطة الأخرى المثيرة للإهتمام، فهي ثقة قائد الثورة بحضور ومشاركة الشعب. لقد كان القلق يعتري الكثير من المسؤولين خلال الدورات (الإنتخابية) المتعددة من أن تكون مشاركة الشعب هذه المرة أقلّ، لكن القائد كان من الأشخاص الذين يقولون في الدورات المختلفة «أنا مطمئنّ أنّ الشعب سينـزل إلى الساحة، لأنهم يحبون بلدهم ويحبون الإسلام، وسيشاركون هذه المرة أكثر من سابقتها، وسيلقون اليأس في قلوب الأعداء». وقد تكرّرت هذه المفردات والجملات مراراً في كلام قائد الثورة سواءً عندما تحدّث حول موضوع الإنتخابات أم في المناسبات المختلفة، كالثاني والعشرين من بهمن. وفي هذه المناسبات التي نشهدها سنويّاً، عندما تكون هناك عطلة من أربعة أيام متوالية، حيث يترك الكثير مدينة طهران، أو مثلاً عندما تطرح قضية تدخّل العدو أو قضية الأوضاع الداخلية، كان البعض يشكّ أنّ الشعب سيشارك. أما قائد الثورة فقد كان أحد الأشخاص الذين كانوا يقولون بضرس قاطع أن الشعب سيشارك بنسبة عالية.

 

لطالما كانت نقطة قوة النظام الإسلامي هذه[2] محلّ إنكار و تشكيك من أعداء النظام، بحيث بذلوا كامل جهدهم من أجل الخدش بهذه الخاصية التي يتمتّع بها النظام؛ وقد كانت الحوادث التي وقعت بعد الإنتخابات العاشرة لرئاسة الجمهورية أحد الشواهد الواضحة على ذلك. وقد قال حينها قائد الثورة: «مهما تكن الجهة الرابحة، أيّا يكن الشخص الذي كان سيعتلي كرسي الرئاسة، حتى لو أن نتائج الإنتخابات جاءت على غير هذا، أستطيع أن أقول بكل ثقة أننا كنّا سنشهد أحداثاً مشابهة، لكانت ستحصل مثل هذه الأحداث، إذ أنّهم لا يريدون أن يحلّ السلام في هذا البلد أصلاً. لقد وضعوا أمن البلد وصفاءه هدفاً نصب أعينهم. كيف تقيّمون هذا النوع من الإحاطة بخدع العدو؟».

 

ـ  إن إحدى الأمور التي تثبت أن قائد الثورة يتمتّع بنظرة أجمع وأعمق من الجميع من ناحية الإحاطة بخطط العدو، هي أحداث الفتنة في السنة الماضية، لكنّي أريد أن أقارب الموضوع من زاوية أخرى. لقد ذكر القائد في كلمته التي ألقاها أول سنة(88 هجري شمسي)[3] في مدينة مشهد، أنّه في نهاية المطاف، «نحن نعتقد أنّها قبضة حديدية في قفاز مخملي». عندما أظهرت أمريكا بعض المرونة وضوءاً أخضراً ـ ضوءاً أخضراً للقيام بحركة هدفها الإستئصال ـ عندها قال بعض المسؤولين الكبار في النظام للقائد، أنّه لماذا لا نتفاوض معهم؟ فلنفتح أبوابنا للغرب وأمريكا، فلنعط تأشيرة بمدة أسبوع لمن يريد أن يأتي وهكذا.

 

قال القائد حينها إنّ هذه خطط مبرمجة، ولعلّ هذه الكلمات من المسؤولين الأمريكيّين هي عبارة عن تكتيك آخر. هل تعرفون مثل «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»[4]؟! إصبروا قليلاً، فكّروا قليلاً. عندما عبّر ذلك اليوم القائد قائلاً «قبضة حديديّة في قفّاز مخمليّ» اعترض البعض حتى من المسؤولين على كلام القائد، ولكن لم يتفوّهوا بذلك علنا، «ما هي هذه القبضة التي يتحدث حولها؟ وما معنى هذه الكلمات؟» وقد كانت الأحداث الأخيرة نموذجاً من تلك القبضة الحديديّة، وهذا ما نراه الآن. إن نظرة القائد هي من العمق بحيث أنّه لا غنى عنها بالنسبة لمؤامرات العدوّ، والقضايا الخارجيّة، وهذا ما نراه قبل وبعد الإنتخابات، وفي صلاة الجمعة التاريخيّة في 29 خرداد.

 

إنّ الدور الآخر الذي أداه قائد الثورة في إبطال مفعول فتنة السنة الماضية هو إرشاد البصائر والتنوير. كيف تنظرون إلى هذا الدور من القائد؟

 

ـ لقد كان القائد برأيي أنا، الشخص الأوحد على الإطلاق ـ وإن ساعد البعض وبذل المساعي ـ ولكنه الشخص الذي استطاع فهم الأبعاد الواقعيّة للفتنة بكل ما للكلمة من معنى، وأن يعنونها بأنها فتنة. هناك صفات خاصّة تتصف بها الفتنة. كان قد قدّم أشخاص متعدّدون حتى ذلك الوقت تحليلات مختلفة حول الأحداث التي تلت الإنتخابات، ولكن القائد، كان هو الشخص الذي وفى بمهمة كشف هذه الأحداث و أبعادها للخواص ولعامّة النّاس على أكمل وجه، وكان أوّل من حمل الراية خلال فترة السنة ونيّف التي مرّت، أي منذ ما قبل الإنتخابات وحتى اليوم. أنظروا كم ألقى القائد في هذه الفترة من خطابات منوّرة، وكم أوصى بإرشاد البصائر والتنوير! كان الكثيرون قد بذلوا الجهود، ولكن ليس هناك ما يناظر ما أنجزته إرشادات القائد في تنوير النّاس وتوعيتهم.

 

أما النقطة التالية التي يجب أن تسترعي انتباهنا فهي نظرته الجامعة للمسائل المغايرة للقضيّة، بمعنى أن تركيزه على موضوعٍ ما لا يوقعه في الغفلة عن مواضيع أخرى. عادةً ما يتسبّب الحجم الكبير للعمل في موضوعٍ ما أو مواضيع متعددة بالغفلة عن المواضيع الأخرى، أو أنّه إذا طرأت بعض الأمور المهمّة، قد يغفل الإنسان عن الأمور الصغيرة. أما القائد فلم يغفل خلال هذه الأحداث عن الشعب، أو القوى العاملة في الدولة، أو القوى العسكريّة، الإستخباراتية، القضائية، الأمنيّة وغيرها من القوى التي كانت منشغلة بهذه الأحداث، كما لم يغفل عن المعارضين، والمعارضة، والمخدوعين، والعدو وأعداء الثورة. ويمكن للمرء العثور على شواهد متعددة في جميع هذه الموضوعات. وقد ثمّن القائد وعي الشعب وحضوره في الساحة عندما اقتضى الأمر ذلك، فعبّر عن التقدير والدعم، ولكن في نفس الوقت، لم يغفل عن المشاكل التي يمكن أن يتسبّب بها الشعب؛ فأوصاهم بالتقوى، وقال لهم أن إنتبهوا من الإفراط، إحذروا إذا ما تحرّكت مشاعركم بسبب تعرّضهم لقيمكم وأموالكم ونظامكم، من اللجوء إلى أفعال من شأنها أن تخلق المشاكل لنظامكم، أي بالنسبة للقوى التنفيذية، سواءٌ العسكريّة منها أم قوّة الشرطة أم الأمن.

 

كان يخاطب بعض الجهات بخطاب عام، ولكن كان يوجّه الكلام إلى جهات أخرى بنحو مباشر، وهذا ما لدي شخصيّاً معلومات بشأنه، فكان يؤكّد على البعض، أنّه «بالنسبة للذين ظلموا هذا النظام، وأوجدوا كل هذا الخلل الأمني، وقاموا بأعمال تصب في مصلحة العدوّ، وخدشوا بما تمكنّا من الوصول إليه من مقام وثقة على صعيد عالمي بفضل هذه الديموقراطيّة الدينيّة ومشاركة 85% من الشعب، وتحدّوا هيبة الدولة، إيّاكم أن تظلموهم بسبب هذه الأمور، وبسبب حبّكم للنظام».

 

وقد سمعت القائد بنفسي مرتين أو ثلاث، يؤكّد قائلاً «أيتها الشرطة وأيها القاضي، فلتكونوا على حذر بالنسبة للمتهمين. إيّاكم أن تغفلوا عن حقّ متهمٍ ما، وتجازوه بأكثر ممّا يستحق». ولو أنّ الآخرين حسّاسون إلى هذا الحدّ كما هو القائد، لما كنّا واجهنا مشاكل.

 

عندما كنت في وزارة الأمن كان يؤكّد على رجال وزارة الأمن وما يرتبط بها من مؤسّسات، أن «إنتبهوا للناس الذين يتواجدون في الشوارع، للذين تعتقلونهم، عليكم أن تنتبهوا لأولئك الذين تحاكمونهم. إذا ما أردتم تفتيش منـزلٍ ما، يجب أن يكون تعاملكم مع عائلة المجرم مختلفاً». فكان يذكّر باستمرار الأفراد العاملين على درء هذه الفتنة، أن يحاذروا ويرقبوا الحدّ الإلهي، فلا يخرجوا عنه. وكان القائد يذكر توجيهاته هذه في خطاباته العامّة بالطبع، ولكنّ حديثه كان يتّسم بشفافيّة أعمق، ووضوح أكثر، وتأكيد أشدّ حينما كان يتكلّم في المجالس الخاصّة.

 

وقد كان البعض يوجّه اتهاماتٍ إلى أشخاص ما، فيقولون سيّدنا، إنّه عميل، ذو علاقة بالخارج، إنّه معادٍ للثورة؛ والقائد يراعي جانب الإحتياط كثيراً في أمور كهذه. حتى عندما كان يتكلّم ردّاً على كلام الآخرين كان يحذّر، «لا تطلقوا صفة العميل على فلان. كما كان يطالب مدراء بعض المطبوعات، لماذا أسميتم فلاناً عميلاً؟ هل لديكم دليل؟» كما أنّه كان يخاطب بعض الأفراد الذين يتحدثون في بعض الدوائر، أو يكتبون في مكان ما، كان يسألهم، «هل لديكم واقعاً دليلٌ شرعيٌّ على ما تقولون، وهل تستطيعون إثبات قولكم هذا؟ ها نحن نقول إنّ ما ارتكب هو عمل سيٍّء، فيه ظلم للإسلام، فيه ظلم للنظام، لقد ظلموا النظام ظلماً عظيماً، أمّا أن ننسب أحداً إلى العمالة، والتبعيّة للخارج، فهذا ما يحتاج إلى دليل وإثبات شرعي وقانوني». لذا كان القائد يحتاط أشدّ الإحتياط في نسبة شيءٍ إلى شخصٍ ما، كأن ينسب إليه أنه ارتكب ظلماً قاصداً بذلك الخيانة... ولم يكن القائد ليكتفي بالإمتناع عن نسبة هذه الأمور إليهم بل كان أيضاً ينهى الآخرين عن هذا الفعل. إن هذه الأمور برأيي هي دروس في الأخلاق للمجتمع البشري المعاصر.

 

في أحداث الفتنة التي جرت بعد الإنتخابات، برز على الساحة دوران لأناسنا[5]: فالقسم الأوّل هم أولئك الذين كانوا معارضين، ثم تلبّسوا بحالةٍ من العناد والخروج على القانون. أما القسم الثاني، فهم الجانحون الذين أدّى أداؤهم إلى وقوع حادثتي (كهريزك)[6] و (كوي دانشگاه)[7]. كيف كان تعاطي قائد الثورة مع الجانحين من القسم الثاني، الذين كانوا السبب في ارتكاب تلك المخالفات على الرغم من التوصيات والأوامر الأكيدة التي صدرت عنه؟

 

ـ لقد بلغ قائد الثورة أنّ في (سجن) كهريزك ظروف غير مناسبة، فأمر بإغلاقه. ولكن ليس هذا كل ما حدث. عندما عرف القائد أن ظروف كهريزك غير ملائمة، أمر أن لا يسجن أحدٌ هناك. فأوّل من أمر إذن بعدم سجن المعتقلين في كهريزك هو قائد الثورة. ويظهر أنّهم سألوه ـ وهذا ما نقل لي ـ أنّه من الممكن أن لا يتّسع سجننا الفلاني، فقال لهم «إذا لم يكن لديكم من مكان فأطلقوا سراحهم. إذا اعتقلتم أفراداً في الشارع تعتبرونهم متّهمين أو حتى مجرمين، ثم كنتم تريدون أخذهم إلى مكان غير ملائم، فأطلقوا سراحهم». أو أنّهم أخبروه أن محلّ الإعتقال الفلاني لم يعد يتّسع، فقال لهم «لا تأخذوهم إلى هناك، فليذهبوا إلى منازلهم». ومن جهة أخرى فقد كان القائد أوّل من قال أنّ قضية المخالفات التي ارتكبت في كهريزك يجب أن تجري متابعتها بجديّة، وهو أوّل من أمر أن يغادر الأشخاص الموجودون في كهريزك ذلك المكان. لا زلت أتذكّر أنّه في 19 تير 1388[8] اتّصل أحد المسؤولين في مكتب القائد وقال أنّه بالنسبة للأشخاص الموجودين في كهريزك الآن فلتأمروا حتماً بنقلهم إلى مكان آخر. وقد صادف أن كنّا في جلسة تلك الليلة، وكان قد حضرها مدّعي عام ذلك الوقت، مدّعي عام طهران، وآخرون من رجال وزارة الأمن، وغيرهم، وكانت قد عقدت الجلسة في مكتبي. وبما أنّني كنت حاضراً في تلك الجلسة، فقد تحدّثت مع السادة الحاضرين، وطلبت منهم هذا الأمر بعينه، وهو أن يسرع مدّعي عام طهران قدر الإمكان في نقلهم (السجناء) من هناك وترحيلهم إلى مكان آخر، وقد وعدني هو أيضاً أنّه سيقوم بهذا العمل، لذا فقد طمأنت الشخص الذي اتصل من قبل القائد، وقلت له أن الجلسة انتهت، وأنّه وعدني بتنفيذ هذا الأمر الليلة، وأنّه سينقلهم جميعاً. ويمكننا أن نلاحظ في هذا المورد أيضاً جامعيّة نظرة القائد. فهو لم يكن ليغفل عن موضوعٍ ما بسبب تركيزه على موضوعٍ معيّن.

 

في اللقاء الذي جرى شهر رمضان العام الماضي مع أساتذة الجامعة، قال قائد الثورة، إذا كان هناك من جناية ارتكبت فنحن سنتابعها. وبعد قضيّة كهريزك، قد نستطيع القول أنّ الشعب أصبح ينظر إلى هذه القضيّة إضافةً إلى حادثة (کوي دانشگاه) كمعيار لأداء النّظام في التعامل مع الأخطاء التي يرتكبها البعض.

 

ـ لا بدّ لي من القول أنّنا قد قصّرنا في متابعة هذه الأمور، أي أنّه كان على جهازنا القضائي والشرطة والجهاز الأمني أن يعملوا بشكل أسرع للحساسيّة التي تعامل بها القائد مع الموضوع. لا أريد القول أنّ هذا التقصير هو خطأ أو لا، فمن الممكن في النهاية أن يكون لدى المسؤولين المباشرين تبريرات مقنعة، ولكن على أيّ حال كان علينا أن نتعامل مع الملفّات وننجزها بأسرع من هذا بكثير، بناءً على ما صدر عن القائد من تأكيدات. واقعاً كان لا بدّ من توضيح الأمر أمام النّاس، أنّه كلّ من يرتكب خطأً أو يظلم، لا بدّ أن يحاسب بما يتناسب مع جرمه. طبعاً، هذا ما قمنا به، لكن كان المطلوب أن ينجز ذلك بشكل أسرع. شُكّلت محكمة كهريزك وأصدرت حكماً أوليّا. أعتقد أن المحكمة كانت قد عيّنت موعد المحاكمة في شهر بهمن[9] وقتاً لملف كهريزك، وبدأت عملها في شهر (اسفند)[10]. أمّا بالنسبة لملف (كوي دانشگاه) فلم ينته العمل به على حد علمي حتى الآن للأسف.

 

أمّا بالنسبة لملفّ مخالفات كهريزك، فقد استدعي أفراد من مدنيّين وغيرهم؛ وحصل المشتكون كلٌّ منهم على محامٍ بالوكالة، وقد كان البعض من هؤلاء المحامين إنصافاً من السيئين جداً، حيث أنّهم كانوا يتحدّثون مع إذاعات الراديو الأجنبيّة، وكانوا من المحكومين جزائيّاً، ولكنّ النّظام تحمّلهم. لم يبدِ النظام أيّ اعتراض على الرغم من كون البعض من الذين كانوا يتحدّثون باستمرار مع إذاعات الراديو ضدّ النظام، وعلى الرغم من وجود مخالفات متعدّدة ـ ليس في ما يتعلق بهذا الملف تحديداً ـ بل لديهم سوابق جزائية في سجلّهم، وهم مرتبطون بشكل كامل بالتحركات المعادية للنظام وبالمعارضة.

 

ويختلف الإجراء الذي تتخذه كثير من البلدان عن هذا. لا يسمحون لأي محامي بالعمل على أيّ ملفّ، ويحاولون أن يحيّدوه بأي طريقةٍ كانت، أما نحن فقد سمحنا لهؤلاء المحامين بالمشاركة في كثيرٍ من الملفّات التي قد تعتبر حسّاسة بالنسبة للنظام، حيث قرأ المحامي، وجهّز عريضته الدّفاعية، حضر في المحكمة، شارك في الجلسات المختلفة مع أو بدون موكّله، وقال ما أراد.

 

ولكن كيف تعامل قائد الثورة مع أناسنا الذين اعترضوا بادئ الأمر على نتيجة الإنتخابات، ثم للأسف أدّى عنادهم وسلوكهم فيما بعد إلى تمهيد الطريق أمام أحداث الفتنة؟

 

ـ بالنسبة لهذه المجموعة، يجب أن أقول أن سعة صدر القائد وصبره وتحمله في قبالهم كان أمراً على مستوى من الأهميّة. لقد كان القائد يفسح المجال أمام أيّ شخص يريد أن يقول شيئاً مخالفاً، مهما كانت خلفيّته. وقد جاؤوا بأنفسهم، وأرسلوا ممثّليهم، وقالوا الكثير من الأمور التي لم يكن غير القائد من المسؤولين ليتحمّلها، ولكنّ قائد الثورة تحمّلها بسعة صدره الرحب وفتح لهم المجال. قال القائد «أليس لديكم إعتراض؟ ما هي سلسلة الإجراءات التي كنا نعتمدها في كثير من الإنتخابات عندما كان يعترض البعض؟ هناك مجرى قانوني. حتى إذا أردتم أن نخرج شيئاً ما عن الأساليب المتعارفة، فلا مشكلة عندنا، وزارة الداخلية وغيرها موجودون، نحن نقول إذا كان لديكم من سؤال تريدون الإجابة عليه، لا مشكلة عندنا، إذا كان لديكم من سؤال واقعاً، وتريدون أن يرتفع الإبهام الموجود عندكم لا مشكلة. أنا سأوصيهم بأنّه إذا كان لديكم من مشكلة أو إبهام حقيقي، فلتجلسوا ولتفحصوا عدة صناديق بصورة عشوائية أو غير عشوائية من مدينة واحدة أو من عدة مدن». كان القائد يؤكّد أن: «لا تفعلوا شيئاً يمكن أن يؤدي إلى إيجاد بدعة بحيث تكرّسوا خلافاً قانونياً مستمرّاً. ليس هذا بالعمل الصحيح، وأيّاً يكن أنا أم أنتم أم أي شخص آخر، يجب أن نقف في وجهه». هناك مثل معروف يضرب، وهو أنّه من الممكن أن توقظ شخصاً نائماً، لكن إذا كان يتظاهر بالنوم فهذا أمر غير ممكن.

 

ولكنهم عادوا فقالوا ما أرادوا.

 

ـ إن الحديث عن هذه الأمور مؤلم واقعاً. كنت على علم أنّ القائد أحياناً كان يقول بكل تواضع للبعض من هؤلاء، «لا تفعل هذا الشيء، لا مصلحة في هذا العمل». في بداية الثورة عندما حمل المنافقون السلاح، وبدؤا عملهم العسكري نوعاً ما بالسلاح الأبيض، ورفضوا الدستور، وقاطعوا، ثم طلبوا بعدها لقاء الإمام الخميني(قدس سره) فقال لهم حينها: «لو أنّي أحتمل واحداً في الألف أن سيكون لهذا تأثيراً، لما كان هناك حاجة أن تأتوا أنتم! كنت سآتيكم أنا!» وقد رأيت من القائد خلال هذه الفترة ما يشبه هذا حقّاً، فقد ذهب القائد للقاء بعض هؤلاء، واستقبل البعض، أشخاص كانوا قانونيّاً مجرمين، أشخاص أساؤا إلى النظام والإمام وولاية الفقيه، ولكن القائد كان مع ذلك يستقبلهم ويعانقهم. كانوا أحياناً هم وممثّلوهم يتحدّثون بكلام بعيد عن المنطق، ولكنّ القائد كان يصغي بكثير من التواضع والرحمة والعطف، وبدقّة، ويعطي التوصيات. ولكن القائد كان يذكّر هؤلاء الخواصّ بصراحة وبشتى الطرق، أي لم يكن يستحي منهم، وذلك لكي تتمّ الحجّة، وتتّضح الأمور للنّاس، وكي لا يبقى بعدها أي إبهام عند أحد، وكي لا يتاح المجال لأحد للتظلّم. لم يكن القائد ليستحي من الأشخاص الذين هم من الشخصيّات المهمّة في هذا البلد. كان القائد يتحدّث معه[11] من أجله، ومن أجل عمل آخرين كان يدعمهم، أو أنّه لم يكن يتبرّأ من فعلهم، فكان يسأله القائد، «لماذا لا تتبرّأ (من أعمالهم)؟ ألم يظلموا؟ لماذا لا تساهم في دفع ظلمهم؟ على الأقل تبرأ منهم». أرأيتم كيف أنّه لا مراعاة للحياء والصحبة والإنجازات الماضية وغيرها. طبعاً كان القائد يبادر إلى التحدّث مع صاحب العلاقة أوّلاً، ثم إذا لزم الأمر، كان يقول لشخصٍ آخر ليتحدّث معه. ثم كان بعد ذلك، يعلن قسماً من تلك المحادثات والتوصيات. وما أريد قوله، أنّ القائد كان يراعي دائماً مصلحة النظام العامّة. وهنا نشهد أيضاً النظرة الجامعة في سلوكه، بحيث أنّ التركيز على جهة معيّنة لم تكن لتتساوق مع الغفلة عن جهة أخرى. ولكن عندما شعر أن هناك تحرّكاً ما، يراد به أن تبطل نتيجة الإنتخابات مهما كان الثمن، واقتضى الموقف صلابة وصرامة، لم ينكسر أمام أي ضغوط. يؤمن القائد أنّه يجب تجربة جميع الطرق مع أناسنا، والأشخاص المخدوعين، وأصحاب التساؤلات. وكان مستعدّاً لتقديم ما يلزم لكي يتّضح الأمر حتى لو تطلّب ذلك التجاوز عن حقّه أو حقّ من هم تحت إمرته في الدولة. ولكن عندما شعر أنّ شيئاً ما يحصل، قام بما يلزم. ثمّ مهما تكن التهديدات التي أطلقت، فلنقل من جميع الخواص والسياسيّين، الأصوليّين أم الإصلاحيّين، في الداخل أم في الخارج، عندما كانوا يقولون سوف نفعل كذا و كذا، فهم في الحقيقة ما كانوا يمارسوا الخداع، إلّا أنّهم عجزوا عن تحقيق ما أرادوا؛ لقد كانوا يريدون حقّاً هدم بلدٍ بأكمله، ولكنّ قائد الثورة وقف بثبات.

 

أحيانا يكون الثبات أعمى، وهذا ليس بالشيء المهم. أمّا ثبات قائد الثورة، فمبتنٍ على رصدٍ يوميّ لجميع الأمور، وعلى إشراف وإلمام كامل بالأوضاع والأمور السياسيّة وغير السياسيّة في المنطقة والعالم، وفي بلدنا، ومرتكز على قدرته على تركيب وتحليل جميع المسائل بوعي كاملٍ ووفق سلّم أولويّات الأعمال، ومعرفة أصول المسائل من فروعها.

 

لطالما كان القائد يقول، هذه هي القضايا الأساسيّة، وهذه هي الفرعيّة، لا تَدعوهم يخدعوكم أو لا تنخدعوا، ولا تغفلوا، لا تتعاملوا مع مسائل من الدرجة الفلانية على أنّها مسألة ذات أولويّة، فتنفقوا المال، وتصرفوا الوقت، ثم تغفلون عن القضايا الأساسيّة فيؤدّي ذلك إلى تلقّي ضربة. هذا أمرُ يحصل في جميع الإنتخابات، حيث يتمكن أحدهم من جمع عدد كبير من الأًصوات خلافاً لآخر، فيعترض هذا الآخر. هذا ما يجري في كل العالم، وليس بلدنا مستثنى. ولو أنّ القائد تراجع عن شيءٍ من كلامه، لكانوا تقدّموا عشر خطوات؛ وقد اتّضح فيما بعد ما هو برنامجهم وهدفهم، ولم يكن موضوع الغش[12] يطرح أصلاً، وكانوا يطلقون التهديدات علناً.

 

 

 

سؤال آخر، لقد كان لدى بعض المسؤولين وبعض الأشخاص إصرار على اتخاذ إجراءات والتعامل بشدّة أكثر مع رؤوس الفتنة، ولكن قائد الثورة عارض هذا الأمر. نودّ أن نسمع منكم السبب في هذه المعارضة.

 

ـ لقد كان رأي القائد، أن يجري التحادث، أن تتمّ الحجّة، أن تتوضّح الأمور مهما أمكن، فلعلّ الطرف المقابل مخدوع، أو جاهل، ولعلّه غافلٌ واقعاً، فيكون هذا النوع من الكلام سبباً لصحوته، ولعلّه لتوبته، والنقطة التالية هي أنّ القائد كان يؤمن أنّه «يجب أن لا يحصل ما من شأنه أن يفهم الناس ما خلفيّة تصرّفكم بهذه الطريقة. يجب أن لا يظنّوا أن أداءكم هذا ضربٌ من تعاطي السياسة، أن يظنّوا أنّ تعاملكم مع الموضوع بهذه الطريقة كان تلكّؤاً عن المجازاة والتعامل مع الموقف». وقد ذهبت إلى قم منذ مدة، والتقيت بعض المراجع، وكانوا يقولون، نحن الآن نشعر كم كان تدبير الأمور ممتازاً بالنسبة لبعض رؤوس الفتنة. كنّا نظنّ في الأيّام الأولى أنّه يجب أن يتم التعامل معهم بنحو آخر، ولكن اليوم بعد مضي فترة من الزمن، وبعد أن توضّحت بعض الأمور واقعاً، فهمنا كيف أنّ التدابير التي اتّخذت كانت هي الصحيحة، ولو كانت غير هذا لما خلت من إشكال.

 

ــــــــــــــ

 

[1] التركيب المؤلف من الشعب والحكومة، أي البلد (من المترجم).

 

[2] مشاركة الشعب القوية.

 

[3] 2009 م.

 

[4] المثال بالفارسية: از حول حلیم توی دیگ می افتد. و هو مثال يعني أن الشخص من حرصه على الحصول على شيءٍ ما، يؤذي نفسه بسبب هذا الشيء، ومعناه الحرفي، هو أنّ الشخص يحوم حول الحساء حتى يسقط فيه.

 

[5] المراد: المنتسبين إلينا.

 

[6] منطقة من محافظة طهران، تحوي سجناً.(المترجم)

 

[7] (Kooye Daneshgah) الحيّ الجامعي، يحتوي على مباني السكن الأساسيّة لجامعة طهران (المترجم).

 

[8] 10 تمّوز ـ يوليو، 2009.

 

[9] الشهر الحادي عشر من السنة الإيرانيّة، الموافق لـ 21 كانون الثاني (يناير) ـ 19 شباط (فبراير).

 

[10] الشهر الثاني عشر والأخير من السنة الإيرانيّة، الموافق لـ 20 شباط (فبراير) ـ 20/21 آذار (مارس)

 

[11] يظهر أن المقصود شخصيّة معروفة، ولعلّه مرشّح أساسي منافس لأحمدي نجاد في الإنتخابات الأخيرة.

 

[12] ادّعاء الغشّ في فرز الأصوات في الإنتخابات.