في هذا الحوار يستعرض سماحة آية الله الشيخ نظري ذكرياته مع الإمام الخميني(قدس سره) والثورة الإسلامية، كما يضعنا في صورة ملابسات تعرفه على سماحة الإمام السيد علي الخامنئي..أهمية هذه الشهادة هي أنها تصدر عن شخص عايش المخاض الثوري، وأنها تذكرة للأجيال الشابة عن مسيرة من الكفاح المضني أنتجت ثورة مباركة.
كان ذلك حديث آية الله نظری خادم الشريعة الذي هب لمساندة روح الله، وسافر إلى باريس لنقل بيان علماء شمال البلاد وجماهير مازندران. آية الله الشيخ عبد الله نظري خادم الشريعة من علماء مازندران وأستاذ خارج الفقه والأصول في الحوزة العلمية الذي مازال يمنح کرسي إعداد علماء الدين بهاءه، وکما يقول هو نفسه بأنه مازال يواصل عمل رجال الدين، وفي أي وقت تحتاج الثورة الإسلامية إلى الدفاع المستميت فسينزل إلى ساحات المواجهة، وهذا ما يمکن إثباته من دعمه اللامحدود لسماحة قائد الثورة الإسلامية.
يقول سماحة آية الله الشيخ نظري في تسجيل: انتخب مجلس الخبراء سماحة آية الله السيد الخامنئي، ويجب على الجميع تمهيد المسيرة لتقدم الثورة الإسلامية بدعمه وإطاعته، وأنا محبّ ومخلص له منذ زمن، فهو زاهد في مال الدنيا، مسيطر على نفسه، ومن أسرة جليلة، وشخص جدير ومدير كفوء. کما ينبغي على الجميع أيضاً أن يتكاتفوا ليبقى الدين والوطن محفوظين مصانين.
ومع أن هذا العالم المازندرانی البارز قليل الحوار مع وسائل الإعلام ولكنه حينما يسمع اسم "روح الله" يستعد لإجرائها ليبدي حبه واعتزازه بالإمام والشهداء.
وإليكم نص الحوار مع سماحته:
کيف تعرفتم على الإمام الخميني (قدس سره)؟
تعرفت عليه أول مرة في حلقة الدرس، كنت أحضر درس الفقه للمرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي، وأشترك في درس الأصول للإمام الخميني (قدس سره)، وفي أحد الأيام وبعد انتهاء الدرس ذهبت إلى بيته في نفس الزقاق بمحلة جوب شور بمدينة قم، فسألني: من أي مكان في مازندران؟ فقلت: من مدينة سوادکوه. فقال: کيف حال الناس هناك؟ كان شيء جديد بالنسبة إلي أن يسأل فقيه وعالم ومدرس عن أوضاع الناس وأحوالهم المعاشية، فقلت: ليست على ما يرام، فهم يعيشون الضيق والحرمان. كان ذلك قبل الثورة بالطبع قبل سنة (1381و1382هـ)[1]، وهنا تنهّد الإمام وقال: إن لإيران القدرة على الإدارة الحديثة لأوضاع مئة وثمانين مليون شخص. ثم قال: الشيخ عبد الله مؤمن بالأوضاع الحديثة، يعني أن يذهب الفلاح بالطائرة المروحية إلى مزرعته، ولکن مع الأسف ثلاثون أو أربعون مليون شخص يعيشون بهذه الأوضاع. ومن هنا ازداد حبي وإيماني بالإمام يوماً بعد يوم.
ماذا حدث لتعود إلى مازندران؟
كان ترددي على مازندران وخاصة مدينة سوادکوه مؤقتاً من أجل التبليغ والإرشاد وتقديم الخدمات الثقافية والعلاجية والعمرانية والاجتماعية، ذلک لأنني كنت في زمن المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردی مدرساً في الحوزة العلمية، ولي حجرة إلى جانب مقبرة الشيخ فضل الله النوري هي محل تدريسي وسكني، وفي سنة (1374و1375هـ)[2] وخاصة سنة 1376و1377هـ وباعتراف كثير من أهل العلم والفضل سطعت ـ بفضل الله ـ جهود مميزة على مستوى الحوزة والجامعة وغيرها من مصادر الخدمات الاجتماعية، ولکن في يوم استدعاني الإمام (رحمه الله) وأمرني مباشرة وهو يقول: يجب أن تذهب إلى مازندران وتساعدنا في هذه النهضة العظيمة. وأنا مؤمن به وهو أستاذي أيضاً، ولذلك كان أمره لي تکليفاً وواجباً وقد عملت طبقاً لتکليفي، حيث بدأت آنذاك حرکة ثورية من قبل علماء الدين في مازندران، ولأنني كنت مشهوراً بين أهاليها فيمکنني أن أؤثر فيهم، ولذلك عدت لکي أستفيد من هذه الشهرة للترويج للثورة ومتابعة ما يتعلق بالحوزات العلمية وبشؤون المحافظة. ولاقيت استقبالا جيداً من قبل الناس وعشائر سوادکوه وقاديکلا بزرک في قائمشهر (علي آباد سابقاً) وخصوصاً ساري وغيرها من مدن مازندران.
النشاطات التي أنجزت هناك كانت مؤثرة جداً ولا نظير لها، ففي اليوم الذي وقع فيه البيان تسعة من مراجع التقليد بمدينة قم أتيت به إلى سوادکوه وقرأته على الناس في إحدى حفلات الزواج لبعض الأقارب، وكان حاضراً فيها عدد من الشخصيات البارزة ورؤساء عشائر سوادکوه، فتعجب الناس في بداية الأمر وقالوا: وهل يمکن القيام بعمل کهذا ؟ فأوضحت لهم أن رجال الدين بعيدو النظر ولا يقومون بعمل بدون تأمل وتدبر، فوافق الجميع في آخر الأمر وقالوا في نفس المكان: نحن مطيعون لكل ما تقول. حتى إن بعض شيوخ العشائر قال بأنهم حاضرون للقيام بثورة مسلحة، فذهبت إلى آية الله الميلاني بطهران وأخذت رأيه في الأمر، فقال بأن الوقت مازال مبكراً على ذلك.
يعيش في سوادکوه كثير من شيوخ العشائر والأعيان والمفكرين، ومع أن فيها مسقط رأس الشاه غير أنهم لا يعترفون به إلا قليل من أقاربه، وأكثر الشخصيات البارزة في سوادکوه لا ينظرون إليه باحترام حتى إنهم لا يطلقون عليه لقب شاه، هؤلاء الناس كانت تربطهم علاقة عجيبة بي، لأن المرحوم والدي كان من علماء النجف الكبار وتلميذ المرحوم السيد محمد کاظم الطباطبائی اليزدي صاحب العروة الوثقى والمرحوم الآخوند الخراسانی، ولذلك كان الناس يحبونني منذ صغري وكانوا يعتبرونني عالم دين حتى قبل أن أرتدي زي العلماء.
إن أصلنا من العشائر وهم متحدون ويضحی بعضهم من أجل بعض، فأنا أنتسب إلى عشائر قاديکلا بزرک (علي آباد سابقاً) من جهة الأب، وإلى عشائر سوادکوه من جهة الأم. وتمتاز هذه العشائر الغيورة بوعي فکري وشهامة قبلية ونضج ثقافي، وقد نشأ کل ذلك من الجهود المستمرة والعلاقة الوطيدة بي وبالمرحوم والدي آية الله المجاهد الشيخ عبد النبي المجتهد القاديكلائي الذي كان من فحول العلماء حتى أن رضا خان كان يتهيب منه، وله مواقف جريئة في الثورة الدستورية، وفي الدفاع عن الشيخ الشهيد العالم الرباني العلامة فضل الله النوري، ومواجهة المعضلات والصمود حتى بلوغ تخوم الشهادة.
وعلى کل حال شعرت شخصيات سوادکوه ببعض الاضطراب في بادئ الأمر لذلك ترددت قليلا في مواكبة الثورة، وفي يوم قلت لهم: إن لجميع العلماء رأياً واحداً في سبيل قيام الثورة، وأنتم إذا أردتم اجتثاث جذور الظلم فعليکم بالطاعة، لأن المسألة ليست شخصية، بل هي مسألة مبادئ وأصول الدين والقرآن، ومن أجل ذلك ثار الإمام وجميع رجال الدين. وفي النهاية اقتنعوا بکلامي وسلموا به.
عندما ذهبت إلى ساري فيما بعد استقبلني الناس بحفاواة، واشتركوا في أحداث الثورة بنحو فاعل، وقد أيد هذه المسألة سماحة قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي، ففي أحد اللقاءات به كنا حاضرين أنا والسيد محمود ـ ابن آية الله نظري ـ فأبدى تعجبه من استقبال شباب ساري وأهلها لدرس التفسير الذي ألقيه عليهم، وقال: کأن للثورة جذوراً تمتد بين خراسان وطهران ومن ساري وسوادکوه، وهذا نتيجة لجهود وخدمة السيد نظري فقد كان شاهداً ومشرفاً ورفيقاً لنا في الجهاد.
وفي مقالة من أربع عشرة مادة متنها وهوامشها لي وخطها الجميل لأحد علماء مازندران وهو المرحوم الشيخ أبو القاسم الرحماني، كنا نخاف أن لا تنشرها المطبعة لذلك كتبها بخطه، ثم أعطيت مبلغ أربعة آلاف تومان لنجل المرحوم آية الله المشکيني ليكثرها ويحولها إلى كراريس صغيرة ، ووزعها المرحوم الفريق قرني بنحو عالمي على جميع سفارات الدول والأماكن المهمة، هذا البيان المهم موجه ضد الشاه في أربع عشرة مادة، ومازال موجودا لدی، ويعتبر من الوثائق التاريخية المهمة للثورة، في هذه الأربع عشرة مادة أدنت الشاه وأثبت عدم أهليته للحكم وانتهاجه لسياسة أخضعت البلاد للأجانب. وقد كان في ذلك الوقت يعتقد بأن العلماء لا يخالفونه كثيراً إلا بعض المتشبهين برجال الدين ـ على حد قوله ـ رعاع وسيقفون في وجهه.
رحم الله الفريق قرني كانت له علاقة جيدة بنا، ففي يوم قال: إن الشاه أشاع شيئاً معيناً في الخارج، وهذه مادة جيدة لمواجهته والوقوف بوجهه، فاكتبوا ردوداً على کلامه في کل محافظة وانشروها کمقالات. والمكان الوحيد الذی کتب فيه بيان عن ذلك هو مازندران ولم يکتب أي شيء في محافظة أخرى، وقد احتوى البيان على إشارات جيدة إلى تغيير التاريخ منها: أين التواريخ من التاريخ الإسلامي المشرّف ... وجاء في مكان آخر منها: إيران بکل ثرواتها العظيمة التي منحها الله غدت تمد يد الحاجة إلى الخارج لتقتني الفانتوم للجو وحتى البصل للمطابخ و...
کيف كان أسلوب الجهاد؟
كنت أقرأ وحدي رسالة الإمام في سوادکوه وساري وقائمشهر وأماکن أخرى، وبالطبع تعاون معی العلماء كثيراً هناك، وفي اليوم الذي أقمنا الفاتحة على روح السيد مصطفى في مسجد الجامع بساري لم يجرؤ أي أحد على ارتقاء المنبر، وارتقاه المرحوم الشيخ مفيد روحاني زاده، وهو من رجال الدين الخدومين والمجاهدين وينتسب إلى عشيرة تتكون من عدة آلاف شخص في قاديكلا علی آباد.
وقد حدثت آنذاك تحركات مؤثرة في مسيرة الثورة، مثلا انطلقنا ذات يوم من منطقة زيراب في سوادکوه في حدود مئة ألف شخص واتجهنا إلى منطقة شيركاه، ومن هناك واصلنا مظاهرتنا هاتفين باسم الإمام وقارئين رسالته، فی الحقيقة لقد حاولنا مدينة الشاه إلى مدينة الإمام، کل هذا بالطبع بمساندة ودعم الناس بجميع طبقاتهم نساءً ورجالا وشيباً وشباباً، بل حتى نساء الأسرة والعشائر بعثوا برسائل إلى دوائر النظام الظالم لمساندة رجال الدين قالوا فيها بأنکم إذا تعرضتم لسيدنا وعالمنا فسنقذف بکم في نهر تلار بسوادکوه وفي الأنهار المتصلة به إلى بحر قزوين. كان لي مثل هؤلاء الحماة والمساندين لکي أتمکن من طرح اسم الإمام فی مسقط رأس الشاه، واستناداً إلى هذا الدعم الجذري الأصيل حملت مساندة عشائر سوادکوه وذهبت إلى باريس لرؤية الإمام (رحمه الله)، فکتب بخطه المبارك رسالة في بضعة أسطر شکر فيها علماء سوادکوه وأهلها وعشائرها، جاء فيها : أشکرهم لإبداء محبتهم للإسلام ورجال الدين ولتفقدهم أحوالي ... وانقل لهم سلامي ... وهذه وثيقة سجلها التاريخ، وتعد مما تفتخر به عشائر سوادکوه.
هل كانوا يواجهون أمثال نشاطاتکم هذه؟
كانوا يريدون ذلک ولکن من جهة لم تکن لديهم القوات الكافية، لأنه ما كان هناك أکثر من عشرة إلى خمسة عشر من قوات الدرك، ومن جهة أخرى كان الناس كثيرين ولا يستطيعون مواجهة الجميع، بل كان الأمر بنحو حتى أن ثابتی معاون اللواء کتب أمراً جاء فيه: من هو الشيخ عبد الله نظري الذي يردد اسم الحاج روح الله فيعلو ذکر الصلوات؟ القوا القبض عليه. فقالوا له: لا يمکن، سيثور الناس علينا. وعلى کل حال لقد كنت مراقباً بنحو كامل.
ماذا حدث لتقرر طرح اسم الإمام علناً؟
رأيت الإمام وقد تعرض للظلم، فالناس يذكرون جميع العلماء سواه، ولذلك قررت في شهر رمضان أن أتعرض لذکره عندما أتحدث عن مسائل زكاة الفطرة وأن على المازندرانيين دفع الأرز، ولذلك بينت هذه المسألة لدى جميع المراجع مثل السيد الخوئي والسيد الحكيم، واستعملت تعبير المرجع البعيد عن الوطن السيد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني فتعالت أصوات الناس بالصلوات على النبي وآله.
وفي إحدى الليالي قلت من على المنبر: لا أدری أين رئيس وزراء إيران هذه الليلة؟ هل هو جالس أمام منبر السيد الخونساري فی مسجد السيد عزيز الله؟ أم في المسجد الفلاني أم إنه في لندن لأن غداً عطلة؟ لعل في هذا الأسلوب نوعاً من السخرية، ولکن من المهم جداً أن يتكلم أحد بهذا النحو عن الشاه آنذاك.
وفي مرة خاطبت الشاه من على المنبر قائلا: اترك الحكم لأنك لا تستطيع إدارة البلاد، وبهذا المضمون: لا تستطيع المحافظة على البلاد فتخلّ عن الأمر. وعند المغرب جاء مجموعة من رجال السافاك إلينا في المسجد، وكانوا يحلقون لحاهم ويرتدون نوعاً معيناً من القبعات، وقالوا: يجب أن تشرفنا إلى المنزل هذه الليلة. قلت: أنا مشغول بالدرس والمباحثة. فضحكوا وقالوا: أنت مجرم وكانوا يريدون أن يأخذوك إلى السافاك، ولكننا وضعنا ماء وجوهنا أمانة عندهم لکي لا يفعلوا، ولأن مفتشاً سيأتي من طهران فيجب أن تأتي معنا. وأخذوني معهم، وفي التحقيق معي حملت عليهم قائلا: لو قلنا لکم بأننا نريد نظاماً وقائداً إسلامياً فيجب أن تکونوا من الشاكرين، فما يريده الإمام هو اجتثاث الظلم والمفاسد من المجتمع، ونحن لا نخضع لشرب الخمر ولا السفور ولا نتعاون مع الشاه أبداً، ونضحي بأنفسنا من أجل ذلك، لأن أصولنا توحيدية واعتقادية، وللعلماء دور الولي في المجتمع خلال زمن الغيبة. فکتب المفتش الذی جاء من طهران في تقريره: متق، عالم، معارض.
كان هناك ثلاثة أشخاص لاتصالي بالإمام، أحدهم الحاج أحمد السيد علي زاده الذي كان وكيلا لي في سوادکوه في بداية الثورة، ثم انتقل إلى السلطة القضائية ومجلس أمناء الدستور، وهو متقاعد عن العمل في الوقت الحاضر.
الحاج أحمد كان من رجال الدین ويرتدي زيهم، وعندما يحدث شيء يضطره إلى الاختفاء وعدم الظهور استعين بابن خالتي الذي كان كبيراً في السن وخادماً يوزع الشاي على الناس هنا، وأحياناً أضع العمامة على رأسه وأقول له: اذهب إلى الإمام وأوصل له هذه الرسالة أو الخبر، لأنني لو أذهب بنفسي فسينکشف الأمر وتکون النتيجة على العكس مما نريد، فالجميع مراقب في ذلك الوقت.
وثالث الأشخاص لاتصالي بالإمام سكينة سلطان التي كانت تغسل الملابس في منزلنا ومنزل الإمام بمدينة قم، وأحياناً أقدم الرسالة لزوجتي لتعطيها إلى سكينة، وهي بدورها تعطيها لزوجة الإمام فتسلمه إياها.
ماذا لديکم من حديث عن ذهابکم إلى باريس وذكريات لقائكم بالإمام ؟
کما قلت سابقاً إن کبار سوادکوه ارتضوا أن يساندوا الثورة، ومن أجل أن أخبر الإمام بذلك کتبت رسالة وختمتها بتواقيعهم وذهبت إلى باريس مع السيد مصطفوي الذي كان عالماً بليغاً وخادماً للناس فی المنطقة، كان ذلك في أول الشهر الحادي عشر (في التاريخ الهجري الشمسي)، وخلال سفرنا قلت: نذهب يومين لزيارة الإمام ولتسليمه هذه الرسالة.
وعلى کل حال بقينا أحد عشر يوماً مع الإمام، ويبدو أن الشخصين الوحيدين اللذين جاءا من إيران ومازندران إلى باريس هما أنا والسيد مصطفوي.
وهناك كان المرحوم السيد مهدي العراقی حاجب الإمام وحارسه، وهو رجل مفعم بالنشاط ما إن رآنا حتى ذهب إلى الإمام وقال له: جاء الشيخ نظري من إيران. فقال الإمام: قولوا للشيخ عبد الله أن يأتيني الآن. وحينما ذهبت إليه ابتسم في وجهي وقال: تركنا أصدقاءنا وهم شباب والآن نراهم وهم شيوخ! نعم لقد ابيضت محاسنی، قلت للإمام: أردت الحضور قبل هذا الوقت ولکن الأجل وافي والدتي ولم أتمکن من السفر. فدعا لوالدتي بالرحمة والمغفرة.
كنت أمضي مع الإمام ساعة على انفراد في کل ليلة نتحدث فيها عن مسائل مختلفة. وفي ظهر أحد الأيام ذهبنا للصلاة خلفه وبعد أن أتمها قال بعصبية: أنا سأفتح الطريق. لقد سد بختيار کل مطارات البلاد ولم يعد لنا طريق للعودة، وبقينا في حيرة: ماذا نعمل؟
ومحل سکن الإمام كان بنحو لا يمكننا من البقاء معه أکثر من ذلك، وفي وسط الصلاة جاء إلي شابان وقالا: هل أنت الشيخ نظري؟ قلت: نعم. قالا نحن باونديان، أي من سوادکوه ، ولدينا بيت هنا. وعلى کل حال ذهبت إلى بيتهما، كانا طالبين جامعيين ارتبطا بالإمام وانضما إلى الثورة، ومن بيتهم إلى نوفل لوشاتو نحو أربعين دقيقة كنت أقطعها کل ليلة لألتقي الإمام ونتحدث ونتشاور في أدق المسائل.
في يوم عودتنا إلى إيران قال الإمام للسيد مهدي العراقي: الشيخ عبد الله سيكون معنا في الطائرة، إذا أراد أن يحدث شيء فسنکون معاً. وبالطبع عاد كثير من الأخوة إلى إيران في الرحلة السابقة.
کيف كانت نشاطاتکم بعد انتصار الثورة الإسلامية ؟
بعد استقرار الثورة الإسلامية وفي يوم السابع عشر من ربيع الأول قلت للسيد إشراقي: أريد أن أرى الإمام. فأوصلني إليه وقلت له: کما تعلم أنني أحب الدرس والبحث وحياة طالب علم بسيطة، واشترکت في المواجهة استناداً إلى الواجب الإسلامي والديني، وقد وصلنا إلى هذا الحد والحمد لله إذ ذهب ظالم وجاء عالم واستتبت حكومة الإسلام، فاسمح لي بمواصلة دروسي وأبحاثي. فقال الإمام: الغرفة المقابلة غرفتی وهي مکتبك، فإذا أردت أن تکون معنا فسنکون سعداء جداً بذلك. فقلت له: أنا خادم لکم ولکن اسمح لي بأن أواصل مسيرتي العلمية، وسأكون مطيعاً لأي أوامر وقرارات متى ما صدرت.
ومنذ أن انشغلت بالدرس والعلم لم أتقبل أي مسؤولية إجرائية وحكومية، ولکني كنت أؤدي واجبي تجاه الثورة في حدود المعقول والمشهور، ومتى ما أرى أنها بحاجة إلى دعم ودفاع فسأقوم بوظائفي لا خوفاً ولا طمعاً.
کيف كان عمل المجاميع الأخرى في أحداث المواجهة والنضال؟
كثير من الشباب في ساري وخصوصاً المعلمين والطلبة الجامعيين والتجار ومختلف طبقات الناس سجلوا أسماءهم بأنهم سيثورون لو أصدر الإمام أمراً بذلك، ولکنني كنت أخالفهم ولا أسمح لهم بالقيام بأعمال وفقاً لرغباتهم، ولأن کلامی كان نافذاً بين الناس لذلك دعمني الثوار واستندوا إلي، حيث كان لي تأثير كامل في مازندران، ولم تستطع الحكومة أن تتغاضى عن هذه المسألة، فلذلك كنت أتعرض لضغوط ومراقبة دائمين، وهجموا على بيتي عدة مرات وأدخلوا الخوف والرعب على أسرتي، وعندما اغتالوا عدة شخصيات کبيرة کشهداء المحراب والشهيد مطهري كان الدور في قوائمهم قد وصل إلي وإلى السيد محلاتي بشيراز، وظاهراً أن الله لم يقدره.
وفي آخر المطاف دسوا لي السم، ومازالت تبعاته تؤثر في صحتي، وهذه أول مرة أقول فيها ذلك.
کيف كان اتصالك بالسيد فلسفي والسيد مرواريد في مشهد؟
كنت أتصل بالسيدين فلسفي والسيد مرواريد، ولکن علاقتي في مشهد كانت أکثر بالسيد الخامنئي، فهو رفيق کفاح وطريق واحد وصديق وزميل دراسة حيث حضرنا معاً درس السيد الإمام، وشرّفنا عدة مرات هنا في ساري، لقد كان أساس الثورة في مشهد.
هل تعرفت على آية الله السيد الخامنئي في مشهد أم في قم؟
تعرفت عليه في مشهد، وحضرنا معاً بحث السيد الإمام الخميني (قدس سره) في قم، وكنا معاً في أحداث المواجهة والثورة، فأحياناً يشرفنا هنا، وأحياناً نذهب إليه ونستفيد من فيوضاته، مثلا جاء فی أحد الأيام صباحاً إلى بيت واحد من أقاربنا في طهران، وجلب معه طعام الإفطار. فنحن تربطنا معاً علاقة حميمة، وهو يودنا ونحن مخلصون له .
کيف كان وضع الجهاد والنضال أثناء دراستك في قم؟
الجميع يد واحدة ومتحدون حول الإمام، فالثورة الإسلامية إنما تقدمت لاتفاق آراء العلماء، الآن ربما اضطربت الأوضاع قليلا، ولكنها ليست کذلك حينذاك، كانت أفضل، وواجبنا الآن هو حفظ وحراسة هذه العظمة التي ما جاءت إلا بالجهود المتواصلة والآلام وشهادة الشباب والناس ورجال الدين. يجب أن نستثمر هذه الفرصة لمصلحة الإسلام والقرآن ورجال الدين الشيعة الذين لهم محبة خاصة في المجتمع، فيجب أن لا يعطي البعض بأقوالهم وأفعالهم نقطة ضعف للأعداء، وعلى الجميع أن يبذلوا جهودهم للوصول إلى النتيجة المطلوبة. وعلى کل حال ينبغي على من له الصلاحية أن يراقب الأمور ليحافظ على الثورة وبقائها واستمرارها، ولکي لا تذهب سدى تلك الجهود التي بذلت لانتصارها.
بعض العلماء والثوار وطلبة الإمام الخميني (قدس سره) الذين رافقوا الثورة نراهم بعد انتصارها قد انفصلوا عن مسيرتها في حوادث مختلفة واتخذوا مواقف ضدها بنوع وآخر، فکيف تفسر ذلك؟
لم أبحث عن هذه الأعمال والأمور كثيراً، ولکن بالتأكيد هناك عوامل داخلية وخارجية لا ترکن إلى الهدوء وهي مشغولة بحياكة مؤامرات مستمرة، ومن هنا يجب على الجميع أن يکونوا واعين يقظين.
إن راية الجهاد والنضال ضد الطاغوت كانت بيد الإمام (قدس سره)، ولکن بعض المجاميع اليوم تقول بأن لها دوراً أيضاً فی زمن النضال، فما أبعاد دورها في الثورة؟
لا دور للمجاميع والتيارات المختلفة إذا ما قورنت برجال الدين والعلماء، الشعب ورجال الدين كانوا في أحداث الثورة، أي يمکن مشاهدة هذين الطيفين بوضوح، بالطبع هناك مجاميع وتيارات أخرى كانت تعمل أيضاً، ولكنها لم تکن محور المواجهة، فالأصل هو مسألة الفقيه، أی لا يمکن للشيعة أن توجد بدون مرشد ديني كتابه القرآن، وبعده الإمامة، وبعد الإمامة والنبوة اللتين لهما جنبة تنصيصية، يأتي دور الفقهاء، ولا يمکن للشيعة أن تنفصل عن العلماء أبداً، والجميع يسلم بدور الفقيه في الأحكام، ومن لوازم إجراء الأحكام وجود حكومة، وقد قامت الحكومة الإسلامية طبقاً للقانون الأساسي الذي صوت له ويسلم به الجميع، وعلى رأسها فقيه مؤهل مقتدر، وهذه الطريقة حسنة جداً.
وعلى کل حال الناس أحرار اليوم في بيان عقائدهم وأفكارهم، والفقيه يستمع إليهم، ولا استبداد في الأمر، ولکن لو تکلم الناس في أمر وقال الفقيه فيه برأي يخالف رأيهم فالقول ما قاله الفقيه، لأنه أعرف بموازين الدين والشرع وما هو الأصلح للمجتمع.
ما هو رأيکم في الأوضاع الحالية؟ وما هو واجب الأخوة الآن؟
اليوم وقد انتخب مجلس الخبراء سماحة آية الله السيد الخامنئي، فيجب على الجميع تمهيد المسيرة لتقدم الثورة الإسلامية بدعمه وإطاعته، وأنا محبّ ومخلص له منذ زمن، فهو زاهد في مال الدنيا، مسيطر على عواطفه، ومن أسرة جليلة، وشخص جدير ومدير کفوء. کما ينبغي على الجميع أيضاً أن يتكاتفوا ليظل الدين والوطن محفوظين مصانين.
کيف ترى الأوضاع الحالية للحوزة العلمية؟ ويما يختلف جيل طلبة الحوزة الحالي قياساً إلى السابق؟
أرى أن دروس ومباحثات الطلبة غدت أضعف وأقل، ويجب أن يبذلوا جهوداً أکثر في الجوانب الأخلاقية، لقد كان الطلاب في ذلك الوقت أکثر وقاراً، والیوم کل العالم يراقبنا مراقبة شديدة، ولذلك يجب أن نکون أکثر دقة. لقد اهتم الشيعة بالعلم والتقوى والحكمة العملية والنظرية، هکذا كانوا على طول التاريخ، واليوم يجب أن يکونوا کذلك أيضاً.
من خصائص سماحة آية الله السيد الخامنئي ميزتان: الزهد في مال الدنيا والسيطرة على النفس في مسألة المرجعية، فقد امتنع عن كتابة رسالة عملية على الرغم من کثرة الإصرار عليه لوجود المراجع: الصافي ووحيد الخراسانی والسيستاني وغيرهم، وهذا حسن جداً، نحن نعلم ونعرف مدى أهمية السيطرة على النفس، ولذلك فقد اجتاز الامتحان بنجاح. وبالتأكيد أن هناك علماء آخرين أبراراً أيضاً.
والإمام كان کذلك، فحينما قالوا له: أرسل أبناءك ليحصلوا على منصب ووظيفة، قال: لا تشركوا أبنائي وأسرتي في المنصب والوظيفة أبداً. لقد كانت له حياة بسيطة، حتى إنه لم يملك بيتاً، كان يسکن کمستأجر في بيت السيد جماراني. الحمد لله على أن هذين القائدين أديا واجبهما بنزاهة وإحسان.
بماذا تنصح الطلبة الشباب المشغولين بالدراسة في الحوزة العلمية؟
اشفعوا العلم بالتقوى، واجعلوا الله سبحانه فی جميع الأعمال نصب أعينکم، واحترموا جهود الآخرين، وابذلوا جهوداً صادقة لتصلوا إلى النتيجة المطلوبة.
هل لديکم توصية بأوضاع الدروس ونوعية الدراسة؟
عليکم بفقه الجواهر الذي أوصى به الإمام، فهو جامع للعربية وأدبياتها وللمعقول والمنقول کلها في مكان واحد، ويجب أن يکون فقه الجواهر الحصن العلمي للطلاب، وعليهم أن يبذلوا جهودهم لکي لا تضيع هذه الخزانة النفيسة.
ــــــــــــــــــــ
[1] 2002، 2003م.
[2] 1996، 1997م.
تعليقات الزوار