الولادة والنشأة والدراسة

 

في مخيم البطولة.. مخيم الشاطئ.. ولد الشهيد محمود عرفات الخواجا في السابع والعشرين من شهر يناير لعام 1960، وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط نشأ وترعرع في أحضان أسرته التي هاجرت من قرية حمامة في العام 1948، ليستقر بها المقام في مخيم الشاطئ، ولتعيش كما الآلاف من الأسر الفلسطينية حياة ملؤها الألم والمعاناة لغربتها عن مواطنها الأصلي في ظل الأوضاع الجديدة للاجئين الفلسطينيين.

 

وما إن تفتحت عينا الشهيد على الحياة حتى كان الاحتلال الصهيوني لقطاع غزة في العام 1967 ليشهد رفض والده العودة إلى عمله في الشرطة في ظل الاحتلال وكذا استشهاد عمه، فينشأ الشهيد على الإباء والرفض وتفضيل حياة البؤس والشقاء ويتغذى منذ نعومة أظافره على كراهية الاحتلال.

 

التحق الشهيد بالجمعية الإسلامية بمخيم الشاطئ ــــ والتي كان يرأسها في حينه الأستاذ / خليل القوقا، والذي  أبعدته سلطات الاحتلال في بداية الانتفاضة ــــ فتربى الشهيد في مقتبل عمره على مبادئ الإسلام العظيم وعشق تلاوة القرآن، الكريم، مما كان له الأثر في التحاقه بالجامعة الإسلامية وتفضيله ذلك على السفر للخارج حيث حصل الشهيد على قبول في كلية الطب في كل من ألمانيا والجزائر، وهكذا يكبر الشهيد ويكبر معه حبه للعلم والوطن، فتشهد ساحة الجامعة جانباً عن عطائه للإسلام ونضاله ضد الاحتلال. ونتيجة لعطائه ونشاطه الطلابي أصبح الشهيد عضواً في مجلس طلاب الجامعة.. مما يسر له ولزملائه أداء فريضة الحج لذلك العام.

 

 انتماؤه ومشواره الجهادي

 

ومع بداية ظهور الأفكار الجهادية والثورية في قطاع غزة على يد المفكر الإسلامي الدكتور فتحي الشقاقي. كان الشهيد محمود من أوائل الذين آمنوا بتلك الأفكار وتشبعوا بذلك الطرح الجهادي، فأصبح الشهيد عضواً بارزاً في حركة الجهاد الإسلامي والجماعة الإسلامية في الجامعة والتي ترأس قائمتها في انتخاب مجلس الطلبة بعد ذلك.

 

وعلى إثر نشاطه الطلابي ومشاركته الفاعلة اعتقل الشهيد للمرة الأولى لمدة شهر على يد قوات الاحتلال مع زملاء آخرين بتهمة حرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي في الدعاية الإعلامية لانتخابات مجلس طلاب الجامعة الإسلامية.

 

ولم يتوقف عطاء الشهيد على نشاطه داخل الجامعة بل امتد إلى مخيمه حيث نشأ فشارك في العديد من نشاطات الشباب المسلم في مساجد المخيم.. ولدوره الطليعي والبارز في نشر الفكرة الإسلامية والوعي الثوري اعتقل الشهيد مع مجموعة من إخوانه في العام 1983م، ليقضي في السجن خمسة أشهر بتهمة التحريض ضد الاحتلال ونشر كتيبات تدعو إلى تدمير إسرائيل.

 

وقد ترك السجن أثراً بالغاً في نفسية الشهيد الذي تربى على الإيمان وحب الوطن والجهاد في سبيل الله، ذلك السجن الذي شهد اعتقال أبيه وأخيه من قبل.

 

فخرج الشهيد من السجن وكله إصرار على مواصلة الجهاد ضد العدو بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وواصل الشهيد جهاده ونضاله فحاول الحصول على السلاح والمتفجرات، وكان له ذلك، ولكنه ما لبث أن اعتقل ليقضي مدة محكوميته البالغة أربع سنوات متنقلاً في سجون الاحتلال، وكان من نصيب والده أن اعتقل ستة أشهر على نفس القضية.

 

وفيما بعد وسيراً على طريق الجهاد والنضال اعتقل الشهيد إدارياً لمدة ستة أشهر ليشكل ذلك الاعتقال الخامس في حياة الشهيد في ظل الاحتلال.

 

وكما العشرات من مجاهدي ومناضلي الشعب الفلسطيني اعتقل الشهيد مرتين على يد سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود؛ تلك الاعتقالات التي تشهدها الساحة الفلسطينية إثر العمليات الاستشهادية التي ينفذها المجاهدون المسلمون.

 

علاقاته الاجتماعية

 

كان الشهيد ابن مخيمه وقليلون هم الذين لا يعرفون الشهيد في حياته، فقد عرفه الطلاب في الجامعة على مقاعد الدراسة، وعرفه الأشبال والشباب في ساحات المساجد، كما عرفه أبناء مخيمه آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وقد كان الشهيد ذا علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية.

 

وقد حرص الشهيد دوماً أن يسود مخيمه الوئام والوفاق بين الفصائل العاملة على الساحة، لذلك شارك لعدة مرات في لجان الإصلاح وتسوية النزاعات بين الفصائل في ظل الانتفاضة.

 

كما عرف الشهيد بحبه للمستضعفين وخدمة الجماهير، فكان متواضعاً ومتفانياً في عمله في وكالة الغوث، وكان الصوت الهادر ضد الظلم والإجحاف عندما قامت الوكالة بفصل 25 ممن عمالها، تصدر للدفاع عن حقهم في العمل وواصل جهوده إلى أن عادوا لعملهم بفضل الله.

 

حبه للعلم

 

عرف الشهيد بتفوقه الدراسي وحبه للعلم، فبعد حصوله على الإجازة العالية "الليسانس" من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية ــــ وبعد خروجه من المعتقل ورغم التزاماته الأسرية ــــ التحق الشهيد ببرنامج الدراسات العليا وحصل في العام 1993 على "دبلوم عام التربية".

 

حبه للرياضة

 

تعلق الشهيد بالرياضة منذ كان شبلاً في الجمعية الإسلامية ومارس الرياضة في نادي الشاطئ الرياضي وخاصة رياضة كمال الأجسام ورفع الاثقال، ولشدة حبه لها وتعلقه بها حرص على اقتناء أدواتها من ثم افتتح صالة رياضية لتدريب الناشئة، وفيما بعد خصص الجزء الأسفل من بيته لهذا الغرض.

 

حبه للشهادة والشهداء

 

لقد كان شهيدنا البطل طوال حياته مجاهداً في سبيل الله، محباً للشهادة وكان يرجو الله دائماً أن يرزقه الشهادة في سبيله، ولشدة حبه للشهداء فقد جعل اسم طفله الرضيع "علي" تيمناً بالشهيد علي العيماوي، وقد رزق الشهيد بخمسة أطفال أكبرهم مريم أحد عشر عاماً وشيماْ ونعيمة وعرفات وأصغرهم علي والذي بلغ خمسة وثلاثين يوماً، يوم استشهاد والده.

 

استشهاده

 

عُرف الشهيد منذ ريعان شبابه بانتمائه لــ (حركة الجهاد الإسلامي). وفي السنوات الأخيرة وربما العام 1993م عمل الشهيد مع الجهاز العسكري لــ (حركة الجهاد)؛ ذلك الجهاز الذي استطاع وخلال فترة وجيزة نسبياً تسجيل إنجازات هامة عبر عملياته العسكرية النوعية، خاصة تلك العمليات الاستشهادية الأولى من نوعها في تاريخ النضال والجهاد الفلسطيني، ولا غرو في ذلك (فالجهاد الإسلامي) دوماً طليعي متفرد.

 

ومنذ ذلك الحين وأجهزة الأمن الصهيونية تحاول إجهاض ذل العمل البطولي عبر العديد من الإجراءات ومن بينها اغتيال أولئك الفرسان القابضين على الجمر والذين أقضوا مضاجع بني صهيون وحققوا توازن الرعب مع الكيان الغاصب للقدس.

 

 إرهاصات الشهادة

 

وكأنه على موعد مع الشهادة، فقبل استشهاده بأيام قليلة اصطحب أولاده لزيارة مقبرة الشهداء، وفي البيت طلب من زوجته أن ترافقه لزيارة الشهداء كل يوم خميس، وفي اليوم الأخير قبل استشهاده توجه الشهيد على غير العادة لزيارة العديد من أقربائه وكذلك أهله وأخوته، وفي صباح يوم اغتياله أخبر زوجته أنه رأى في المنام ثلاثة مقنعين يطاردونه.

 

في صباح يوم الخميس 24 من المحرم 1416هــ الموافق 22 من يونيو 1995م حيث الشهيد متوجهاً لعمله، امتدت يد الغدر والخيانة لتصيب ذلك الفارس برصاصات غادرة، وتأكيداً للدور الموسادي في عملية الاغتيال، حلقت طائرة عسكرية إسرائيلية فوق المخيم ما يقارب نصف ساعة قبل اغتياله وحتى الساعة العاشرة صباحاً تقريباً، فيما كان المجرمون الثلاثة ينسلون من سيارة بيجو 404 ليصوبوا نيران أسلحتهم الحاقدة والكاتمة للصوت باتجاه بطلنا المجاهد.

 

لقد ترك الشهيد ذكرى طيبة في نفوس من عرفوه وخاصة أولئك الذين ظنوا أن الشهيد قد ابتعد عن الخيار الأمل حيث كان منعكفاً على نفسه ومبتعداً عن كل ما يتعلق بالجهاد الإسلامي من نشاطات، رغم أنه كان يقترب أكثر فأكثر من قلب العمل العسكري حاملاً روحه على كفه منتظراً الشهادة في كل لحظة، وقد علم بعد استشهاده أنه كان من القيادات العسكرية الهامة في حركته.

 

وهكذا ينضم شهيد جديد إلى قافلة الشهداء.. مجاهدي فلسطين.. وعاشقي القدس.. ودوما سيبقى المجاهدون شوكة في حلق بني صهيون ومن والاهم، ولن تستطيع يد الغدر والخيانة أن تنال من صمودهم وإصرارهم.