إنّ أهمّ الإشكالات التي تطرح على العمل المرجعي هي:

 

أوّلاً: أنّ المرجع فرد وبموته يموت عمله معه باعتباره عملاً فرديّاً، ولابدّ للمرجع التالي من أن يؤسّس  ويبني من جديد.

 

وأمّا في العمل الحزبي، فإنّ الأمر ليس كذلك باعتباره عملاً جماعياً، لا ينتهي بموت هذا الفرد من القيادة، أو ذاك، بل يبقى الخطّ مستمراً.

 

ثانياً: أنّ المرجع ومهما كان عظيماً ونزيهاً يخطأ وتكثر أخطاؤه لعدم عصمته. بخلاف العمل الجماعي، فإنّ الجماعة يعضد بعضهم بعضاً وتقلّ أخطاؤهم واشتباهاتهم. وبهذا يرجح العمل الحزبي على العمل المرجعي.

 

ثالثاً: أنّ المرجعية أو ولاية الفقيه نوعاً من الديكتاتورية التي اُلبست لباس الدين والقداسة!

 

 الجواب عن الشبهة الاُولى:

 

أمّا الشبهة الاُولى وهي القول بأنّ عيب العمل المرجعي هو كونه عملاً فردياً ينهار ويفنى بموت المرجع ولابدّ للآتي الاستئناف من جديد، فإنّه قد يجاب عن ذلك ابتداءً ولأوّل وهلة بأنّ المرجع حين موته تبقى جهوده محفوظة فيتسلّمها المرجع اللاحق الذي يأتي بعده.

 

فالسيد البروجردي تسلّم المرجعية بعد السيد أبي الحسن وتسلّم مع المرجعية مشاريع السيد الاصفهاني في سبيل توعية وهداية المجتمع، ولم تفن هذه الأعمال والمشاريع بموته .

 

لعل صاحب الشبهة كان ينظر إلى إحدى نكتتين عندما وقع في هذا الاشتباه وهما:

 

أوّلاً: كان يرى أنّ المرجعية المسيطرة كانت تتفتت إلى مرجعيات صغيرة متعدّدة عند موت المرجع المسيطر، فمثلاً حين مات السيد البروجردي  تفتتت المرجعية بعده إلى عدّة مرجعيات في النجف الأشرف وقم المقدّسة.

 

فلعل صاحب هذا الرأي أراد القول بأنّ القوة العظيمة للمرجعية المسيطرة تتبعثر وتنتهي إلى عدّة قوى صغيرة بعد موت المرجع المسيطر، وأنّ توحيد القوى ووحدة المرجعية أمر فيه مصلحة عظيمة، وهذه المصلحة لم تكن تحفظ على الدوام بل كانت تضيع.

 

وعلى هذا يجب الانتقال إلى منهج آخر ينجو من هذه المشكلة، مشكلة تفتت القوى وتبعثرها.

 

ثانياً: ولعلها كانت مسألة الخشية من انتكاس المرجعية بعد موت المرجع المسيطر من مرجعية صالحة إلى مرجعية غير صالحة.

 

وذلك على أساس ما كتبه السيد الشهيد  1من انقسام المرجعية إلى مرجعية صالحة ومرجعية غير صالحة. ولا نقصد بهما المرجع العادل والمرجع الفاسد. وإنّما المقصود أنّ المرجعية تكون على نمطين هما:

 

1 ـ مرجعيّة تتبنّى الخطّ الإسلامي بالمعنى الذي يتضمّن أمرين:

 

الأوّل: أنّه يرى الإسلام كافلاً ومديراً لكل مجالات الحياة، ولا يراه مقتصراً على المجال العبادي الفردي فحسب.

 

الثاني: أمر نابع من الأوّل في واقعه وهو الإيمان بإقامة الحكومة الإسلاميّة. إذ هناك من يقول بأنّ إقامة الحكومة الإسلاميّة هي من شؤون الإمام الحجة عج والإسلام بخير ما دام الناس يصلّون ويصومون... .

 

فإذن المرجعية الصالحة هي تلك المرجعية التي تتبنّى نشر الإسلام الشامل لكل نواحي الحياة والتي تؤمن بحاجة الإسلام إلى حكومة وقوة والمؤمنة بتمكّن اتباعه من تطبيقه على أرض الواقع.

 

2 ـ المرجعية غير الصالحة وهي التي لا تتبنّى هذين الهدفين ولا تعني عدم صلاح المرجع بلحاظ الفسق .

 

وحينئذٍ لعل صاحب الشبهة أراد القول بأنّ القيادة المرجعية ولأنّها قيادة فردية سوف تبتلي بعيب احتمال الانتكاس والتحوّل من المرجعية الصالحة إلى المرجعية غير الصالحة بعد موت المرجع الأول.

 

وبذلك سيكون العمل المرجعي عملاً إصلاحياً بحتاً، ولا يمكن أن يكون عملاً جذرياً يغيّر وضع الاُمّة، إذ أنّ عمله ينتهي بموته ولابدّ من البدء من جديد مع مجيء المرجع الجديد الآخر.

 

وعلى هذا فإنّنا يجب أن ننتقل إلى نوع آخر من العمل، وهو العمل القائم على التنظيم الحزبي أو أن يؤسّس العمل المرجعي على أساس التنظيم الحزبي.

 

ونحن نريد هنا أن نرى هل أنّ العمل المرجعي إنّما تكون له القيمة التغييرية إذا رجع أو آل إلى العمل الحزبي بمعناه المعروف الآن - لا كل تكتّل أو تنظيم -، أو أنّ العمل المرجعي ذا القيمة التغييريّة عمل قائم بذاته غير تابع، وسنعرض لمسألتين في معرض الإجابة على هذه الشبهة:

 

الأولى: أنّنا يجب أن نلتفت إلى جانب الشرعية في الأعمال قبل أن نلتفت إلى أنّ هذا العمل سوف ينجح أو لا ينجح؟

 

فليس من الصحيح حساب النجاح مستقلاً عن حساب الشرعية.

 

والشرعية في قيادة الأعمال تنشأ من مسألة الولاية وقد ثبت لدينا أن هذه الولاية قد اُعطيت للفقيه الجامع للشرائط زمن الغيبة ولم تعط بيد الأحزاب. والحزب الذي يعتقد بهذا الأمر اعتقاداً حقيقياً وواقعياً لا اعتقاداً نظرياً، وعلى مستوى الشعارات لا إشكال عليه.

 

إنّ كلامنا هذا لا يشمل الأحزاب والتكتلات ذات المنهج الإصلاحي، بل يشمل التكتلات والأحزاب التي تريد أن تقود العالم وتريد أن تلي اُمور المسلمين.

 

الثانية: يجب أن نميّز بين فكرة المرجعية كفكرة وبين الواقع المعاش وخاصّة قبل إقامة الدولة الإسلاميّة المباركة.

 

فإنّ الواقع المعاش بالنسبة لبعض المرجعيات مبتل بهذا النقص المذكور وهو فردانيّة المرجع و انهيار عمله بموته، وذلك لأحد الأمرين الماضيين:

 

تفتّت المرجعيّة الكبيرة إلى مرجعيّات صغيرة، وخطر انتكاس المرجعيّة الصالحة إلى غير الصالحة. وكلا هذين الخطرين ينشأن من كون العمل المرجعي عملاً فردياً.

 

وقد طرح اُستاذنا الشهيد الصدر (قدس سره) اُطروحة المرجعية الصالحة والموضوعيّة، كحلّ لهذه المشكلة. وافترض (قدس سره) أنّ هناك جهازاً منظّماً ولكنّه ليس كالأحزاب بشكلها الهرمي المعروف، وهذا الجهاز يتألّف من كل الأجهزة العمليّة التي يحتاجها المرجع، ومن وكلائه في المناطق، وهؤلاء مكلّفون برفد المرجع بالمعلومات والأفكار والتصوّرات وغير ذلك مما يحتاجه المرجع في علمه، ويكون المرجع نفسه على رأس هذا الجهاز، وقد سمّى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) هذا الجهاز كجهاز بالمرجعية الموضوعيّة.

 

وحينئذٍ، - وكما يتصوّر السيد الشهيد - فإنّ موت المرجع سوف لا يفتّت عمله ولا ينهيه ولن يبدأ المرجع الجديد العمل من جديد ومن نقطة الصفر.

 

وباعتبار ثقة الاُمّة التي كسبها هذا الجهاز ضمن مرجعية ذلك المرجع الصالح، فستكون له - أي للجهاز - اليد الطولى في تعيين المرجع الجديد، وسيحول هذا الجهاز دون تعيين مرجع غير صالح -بالمعنى الذي قلناه للصلاح وعدمه وذلك بتوجيه الأنظار إلى مرجع صالح يقوم محل المرجع الراحل.

 

وأودّ أن اُلفت النظر هنا إلى مسألتين متعلّقتين ببحث السيّد الشهيد (قدس سره) اشتبه بهما البعض وهما:

 

الاُولى: الخلط بين فكرة ما سمّاه اُستاذنا السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) بالمرجعية الموضوعيّة و ما سمّاه بالمرجعية الصالحة. فهناك بحثان مندمجان في بحث واحد حول المرجعيّة الصالحة: وهي المرجعيّة التي تتبنّى الأهداف الخمسة التي أشار إليها اُستاذنا في مستهلّ حديثه.

 

والمرجعيّة الموضوعيّة: وهي المرجعية التي تتبنّى جهازاً بالمستوى الذي تحّدثنا عنه مختصراً

 

وعلى هذا  فليس كل مرجعية غير موضوعيّة غير صالحة كما يتصوّر البعض، إذ قد ترتأي المرجعية الصالحة العمل بغير ذلك الاُسلوب الذي طرحه السيّد الشهيد (قدس سره) في المرجعية الموضوعيّة، أو قد تريد ذلك الشكل من العمل ولكنّ الظروف قد لا تناسبه.

 

فالموضوعيّة والذاتيّة أي الفرديّة، إذن، عبارة عن اُسلوب العمل، والصلاح وعدم الصلاح، عبارة عن مضمون وأهداف العمل.

 

الثانية: أنّ الولاية الشرعيّة لا تكون بيد هذا الجهاز الذي تحدّث عنه اُستاذنا السيّد الشهيد (قدس سره) أي جهاز المرجعية الموضوعيّة وإنّما الولاية الشرعيّة بيد الفقيه.

 

فقد تخيّل البعض أنّ معنى المرجعية الموضوعيّة التي شرحها السيّد الشهيد (قدس سره) هو أنّ الولاية الشرعيّة تقع بيد هذا الجهاز، وهذا خطأ فقهيّ، إذ أنّ هذا الجهاز ليس فقيهاً ونحن أثبتنا الولاية للفقيه لا لغيره في بحوث سابقة، إلا إذا كان كلّهم أفراد جهاز المرجعية الموضوعيّة فقهاء، إذ يتشكّل منهم حينئذٍ ما اسميناه بشورى الفقهاء.

 

فالقيادة إذن بيد الفقيه، وقد يرى الفقيه أنّ العمل ضمن هذا الجهاز الجماعي ضامن لمصلحة المجتمع العامّة فيعمل به.

 

ولكنّه - أي الفقيه - لو رأى وفي اللحظات الحاسمة أنّ القرار الجماعي - وإن كان نتاج هذا الجهاز الجماعي - سوف ينتهي إلى أخطاء وأخطار، فإنّ حقّ الولاية الثابت له يمكّنه من إصدار القرار وكما يراه هو وبقطع النظر عن أي شي‏ء آخر.

 

وهذه المسألة قد جلّاها ووضّحها السيّد الشهيد  (قدس سره) في بحثه ذاك بقوله (قدس سره): وهكذا يظهر أنّ الفرق بين المرجعيّة الذاتيّة والمرجعيّة الموضوعيّة ليس في تعيين شخص المرجع الشرعي الواقعي، فإنّ شخص المرجع دائماً هو نائب الإمام، ونائب الإمام هو المجتهد المطلق العادل الأعلم الخبير بمتطلّبات النيابة. وهذا يعني أنّ المرجعيّة من حيث مركز النيابة للإمام ذاتيّة، وإنّما الفرق بين المرجعيّتين في اُسلوب الممارسة).

 

صحيح انّ القرار في المرجعية الفرديّة يكون بيد المرجع الفرد لا غيره. وأمّا في المرجعية الموضوعيّة فإنّ لجهاز المرجع أن يقرّر ولكن هذا لا يعني إعطاء الولاية بيد الجهاز لأنّ هذا - كما قلنا - فيه خطأ فقهيّ إذ الولاية بيد الفقيه حسب ما قرّرناه سابقاً وهذا الجهاز - إن لم يكن كل أعضائه من الفقهاء ليس بفقيه وليس له حقّ الولاية. وحينئذٍ، حتّى لو اُعطي هذا الجهاز حقّ إعطاء القرار فإنّ القول الفصل يبقى بيد الفقيه، إن شاء أمضى قرار جهازه وإن شاء بدّله إلى وفق ما يراه من المصلحة العامّة.

 

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أنّ صدور القرار من خلال جهاز المرجع يجعل هذا الجهاز أكثر فعاليّة ويشعره برابطة أكبر وأقوى بينه وبين ما كلّف به من أعمال، ويدفعه بصورة أشدّ نحو إنجاز المهام الملقاة على عاتقه ونحو العمل بما قرّره، بخلاف ما لو صدر القرار عن شخص المرجع الفرد وبشكل فرديّ. ومع هذا فإنّ القرار إذا كان صادراً عن شخص المرجع الفرد فإنّه قد يؤثّر في:

 

أوّلاً: سرعة التصميم وصدور القرارات، فإنّها في حالة صدورها عن المرجع الفرد تكون أكثر سرعة وحزماً بخلاف ما لو كانت صادرة عن جهازه.

 

ثانياً: وقد يؤثّر ذلك أحياناً على نزاهة القرار وكونه في حالة صدوره عن شخص المرجع أكثر نزاهة أو وعياً عمّا إذا صدر عن الجهاز، وذلك بلحاظ أنّ النزاهة المتصوّرة في شخص المرجع أو وعيه قد لا يساويها أو يشابهها نزاهة جهازه كجهاز.

 

ويتحصّل من هذا، أنّ العنصر الذي يحلّ تلك المشكلتين اللتين طرحتا في صدر البحث هما مشكلة تفتّت عمل المرجع بعد موته باعتباره عمل فرد، ومشكلة الخوف من تحوّل المرجعية الصالحة إلى غير صالحة عبارة عن موضوعيّة المرجعيّة الصالحة.

 

ويحلّ محلّ الموضوعيّة بالشكل الذي شرحه اُستاذنا  1في حلّ هاتين المشكلتين ما تمّ في إيران من تشكيل مجلس الخبراء.

 

الجواب عن الشبهة الثانية:

 

وهي ما يذكر من أنّ المرجع فرد والفرد تكثر أخطاؤه، فلابدّ لنا من الركون إلى عمل آخر غير فرديّ كي لا تكثر الأخطاء في القيادة.

 

إنّ هذا الكلام كان مذكوراً في أوائل أيام الحركة الإسلاميّة في العراق، ولكنّه لم يكن مذكوراً بهذا الشكل المشوّه حالياً، وإنّما كان بشكل آخر، فلم يكن يقال: إنّ القيادة يجب أن تكون جماعيّة حتماً، بل كان يقال: إنّ القيادة قد تكون جماعيّة وقد تكون فرديّة. إلا أنّ القيادة الفرديّة يجب أن تستفيد من مشورة أصحاب الاختصاصات كي لا تقع في أخطاء. ولكنّه - ومع الأسف - فإنّ المطالب أحياناً تتغيّر وتتبدّل وتتدهّور إلى أن أصبح يقال هكذا!

 

وعلى كل حال، فإنّ هذا العيب الذي يذكر وهو أنّ المرجع  فرد والفرد غير المعصوم يخطأ وتكثر أخطاؤه، هذا العيب قد التفتت إليه الشريعة الإسلاميّة وبيّنت علاجه.

 

ففي القرآن الكريم خاطب اللَّه تبارك وتعالى نبيه محمّدصلى الله عليه واله  خطاباً فيه علاج لهذا العيب وطالبه بتطبيقه والالتزام به وإن كان معصوماً لا يحتاج إليه وذلك لكي يبقى دستوراً للمسلمين، ويلحظه القادة الآخرون غير المعصومين، وتتربّى الاُمّة عليه أيضاً.

 

وهذا العلاج هو في قوله تعالى: وشاوِرهُم في الأمر إذ قرّر بذلك مبدأ الشورى في الإسلام. ولا يعني هذا، أنّ الرأي سيكون رأي الأكثريّة لا رأي القائد ولذا أردف سبحانه وتعالى قائلاً: فإذا عزمتَ فَتوكّلْ على‏اللَّه

 

فالرأي إذن رأي النبي ورأي القائد لا رأيى الشورى والأكثريّة.

 

وعلى هذا، فعلى القائد أن يستشير أصحاب الاختصاصات في كل مورد، للاستفادة من اختصاصاتهم وآرائهم ولكن يبقى الرأي الآخر له على ما يبدو من هذه الآية المباركة.

 

فالعلاج الذي طرحه الكتاب والسنّة، إذن لم يكن بمعنى القيادة للشورى وأنّ القيادة جماعيّة بل كان عبارة عن ضرورة الاهتمام بالمشورة والاستفادة من آراء الآخرين. وإن - كنّا - لا ندّعي أنّ القيادة لابدّ وأن تكون وعلى الدوام فرديّة، بل يمكن أن تكون جماعيّة أيضاً ولكن غاية ما في الأمر أنّها لو كانت جماعيّة لوجب أن يكون كل أعضائها من الفقهاء أيضاً وهو ما يسمّى اليوم ب’شورى القيادة ولا نخرج حينئذٍ عن أصل المدّعى وهو ولاية الفقيه.

 

وأمّا لو ركّبت القيادة الجماعيّة من الفقيه وغيره لخرجت عن مبدأ ولاية الفقيه قطعاً، لأنّ المركّب من الفقيه ومن غيره الفقيه، ليس بفقيه.

 

الجواب عن الشبهة الثالثة:

 

حيث يقال: أنّ الإيمان بالمرجعية أو بمبدأ ولاية الفقيه يعني نوعاً من الإيمان بالدكتاتوريّة؟! حيث تجعل كل الاُمور على وفق هذا المبدأ بيد الفقيه، يأمر بما يشاء وينهى عمّا يشاء ولا تترك للاُمّة أيّة حرية ولا يعتنى برأيها في الحكم، فتكمّ الأفواه، وتحبس النفوس التي في الصدور.

 

فهذه دكتاتوريّة اُلبست بلباس الدين وثوب السماء بحجّة أنّ اللَّه هو الذي أراد المرجع أو الولي الفقيه!

 

للجواب عن هذا الإشكال نقول: هناك عدّة نقاط ينبغي الالتفات إليها وهي:

 

أوّلاً: ينبغي الالتفات إلى الفارق الأساس بين الدكتاتوريات في العالم وبين مبدأ ولاية الفقيه الذي يقول به الشيعة في زمن الغيبة.

 

فالبلاد التي يحكمها فرد أو فئة ديكتاتوريّاً  وبالجبر والقهر والغلبة تكون نظمها واُسسها التي تطبّق - إن كانت تطبّق - هي نظم وقوانين من وضع ذلك الدكتاتور فرداً كان أو فئة.

 

أمّا الإسلام الذي حكم بولاية النبي صلى الله عليه واله ، ثم بولاية الأئمة: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ثم بولاية الفقيه (أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) ووفق الأدلّة الاُخرى المبحوثة سابقاً، تكون نُظُمها واُسسها عبارة عن تشريع سماويّ ويكون تطبيقها وتنفيذها على وفق معايير واُسس مفهوميّة وأخلاقيّة معروفة.

 

صحيح، أنّ هناك منطقة فراغ متغيّرة ومتبدلّة ويعود أمر ملئها إلى ولي الأمر، ولكنّ الأحكام الأوّليّة والأساسيّة والتي هي في دائرة واسعة جدّاً نازلة من السماء ومن اللَّه تعالى وفي القرآن الكريم والسنّة الشريفة، ونسبة الولي الفقيه الحاكم كنسبة الناس إلى هذه الاُسس والقوانين وهما على حدّ سواء، فلا يفضل بعضهم على بعض في مقام تطبيقها.

 

وهذا فرق أساس ومهم بين النظام الدكتاتوري ونظام ولاية الفقيه .

 

ثانياً: ما يوجد لدى الشيعة من شروط العدالة التي يجب توفّرها في الولي الفقيه. وهذا الشرط تفتقده الأنظمة الاُخرى. فأقلّ ظلم وأقلّ تخلّف يصدر من الولي يسقط ولايته لدى الشيعة والاُمة رقيبة عليه وعلى التجربة.

 

ثالثاً: أنّ الفقهاء عديدون - والحمد للَّه -، وعندئذٍ، فإنّ تعيين من سيلي اُمور المسلمين منهم، سواء كان أحدهم أو عدداً منهم وفق مبدأ شورى القيادة، هذا التعيين سوف تتدخّل فيه الاُمّة ولن تكون بمعزل عن الحكم وعن تشخيص الحاكم. وقد لا تكون الاُمّة قادرة على تشخيص الأفضل من الفقهاء مباشرة، فعندئذٍ، تختار الاُمّة خبراء منها، وهم بدورهم يختارون الأفضل ويشخّصونه.

 

الإشكالات المثارة على العمل الحزبي

 

لا نقصد بالعمل الحزبي ما يقول به البعض من أنّه كلّ عمل منظّم وحتّى العمل المرجعي إذا نظّم على وفق نظام الخبراء أو المرجعية الموضوعيّة فهو عمل حزبي، بل نقصد بالعمل الحزبي هذا الشي‏ء المعروف والمركوز في الأذهان من العمل الهرمي المتعارف عليه في قسم من البلاد والمؤلّف من قيادة وتحت إمرتها لجان وحلقات، وتحت هذه حلقات اُخرى، حتّى تنتتهي السلسلة إلى القاعدة الواسعة.

 

لقد اُشكل على العمل الحزبي بعدّة إشكالات نناقش منها ثلاثة:

 

الأوّل: اُشكل على هرميّة العمل الحزبي.

 

الثاني: واُشكل على سريّة قيادة الحزب.

 

الثالث: واُشكل على منهج العمل الحزبي واعتبر اُسلوباً غربيّاً وافداً.

 

تقويم الإشكالات الثلاثة:

 

إنّ مثيري هذه الإشكالات  - عادة - ما يتمسّكون بسيرة المعصومين: واعتبارها منهجاً في العمل السياسي والاجتماعي يجب أن يتبع، فيقولون في مقام طرح الإشكالين الأوليين أنّ قيادة المعصوم عليه السلام  في أيام بسط اليد كأيام الرسول‏صلى الله عليه واله  أو فترة ولاية الإمام علي عليه السلام وفي أيام التقية كأيام الأئمة الباقين :، لم تكن قيادة هرميّة بل كانت قيادة شعاعيّة.

 

فلماذا هذا التبديل في منهج القيادة؟.

 

وكذلك في مسألة سريّة القيادة، فقد كانت الأعمال الإسلاميّة عادة سريّة على القواعد التابعة لها فضلاً عن عموم الاُمّة على أساس مبدأ التقية وذلك في غير مرحلة سيطرة الإسلام وحكمه وضعف أعدائه، ولكن القيادة المتمثّلة بشخص الرسول‏صلى الله عليه واله  أو الإمام المعصوم كانت مُعلنة للمسلمين أو الشيعة. وإن كان هذا الأمر -سريّة القيادة - لا علاقة له بأصل مفهوم العمل الحزبي، إذ لا يقيّد العمل الحزبي بسريّة قيادته، وإنّما تفرض هذه السريّة نتيجة الظروف الصعبة التي يمرّ بها العمل وخشية بطش الأعداء بهم، يقول المعترض على سريّة القيادة هنا، بأنّ سريّة العمل أمر يمكن تفهمه، إذ كانت السنين الاُولى من عمر البعثة النبويّة سنين عمل سريّة، وكذلك كان عمل الأئمة : حتّى زمن الإمام العسكري عليه السلام  وقد ورد عن المعصوم‏عليه السلام  (التقية ديني ودين آبائي). ولكن مع هذا، فإنّ القيادة لم تكن سريّة أمام القواعد بل كانت مكشوفة. فكل أصحاب الصادق عليه السلام  - مثلاً - كانوا يعرفون أنّه هو الإمام مع كون أصل عمل التشيّع عملاً سريّاً وعلى أساس التقيّة، فالقيادة لم تكن سريّة آنداك فلماذا تكون الآن سريّة؟.

 

وبالمقابل، فإنّ مؤيّدي العمل الحزبي يجيبون عن هذه الإشكالات فيقولون: إنّ عمل المعصوم عليه السلام  دليل الجواز وليس دليل الوجوب، وأنّ الظروف والشروط لها مدخليّة في مثل هذه الأعمال وهي تختلف من وقت لآخر.

 

فصحيح أنّ قيادة الأئمّة : كانت شعاعيّة وكانت مكشوفة لدى القواعد، وإن كان أصل العمل سريّاً في بعض الأوقات، إلا أنّ هذا لا يدلّ على أنّ العمل يجب أن يكون هكذا دائماً، وإنّما دلّ عملهم على جواز ما فعلوا، ولا يفهم منه عدم جواز غيره إن تغيّرت الظروف والشروط. فكما أنّ أحداً لا يعترض على السفر بالطائرة لأنّ المعصوم عليه السلام  لم يسافر بها، فكذلك لا ينبغي الإشكال على العمل الحزبي لأنّ المعصوم عليه السلام  لم يعمل به.

 

ويردّ على هذا بأنّ هناك فرقاً بين اختلاف وسائل النقل في المثال وبين مسألة شكل العمل وهل يجب أن يكون شعاعيّاً أو هرميّاً؟.

 

والفرق هو أنّ تطوّر وسائل النقل راجع إلى تطوّر العلم، والمعصوم‏عليه السلام  لم يكن همّه الاهتمام باكتشاف العلوم الجديدة فهذه موكولة إلى عللها، بل كان همّه هو هداية البشر وقد هدى.

 

أمّا العمل الهرمي الحزبي فليس من الاكتشافات الطبيعيّة العلميّة، بل هو عمل اجتماعي كان بإمكان النبي صلى الله عليه واله  أو الإمام عليه السلام  أن يجعل أساس عمله هو الأساس الهرمي فلماذا جعله على ذاك الأساس الشعاعي؟.

 

أليس هذا دليلاً على أنّ العمل الشعاعي كان هو الأفضل، وإن كنّا لا نقول بحرمة العمل الهرمي، لأنّ الأصل هو الإباحة كما يقول الاُصوليون.

 

والذي اعتقده أنا، أنّه لا يمكن إعطاء قاعدة عامّة دائميّة شاملة لكل زمان ومكان، في مسألة هل أنّ العمل الشعاعي هو الأفضل أو أنّ العمل الهرمي هو الأفضل، وإن كان كلا النوعين جائزاً لو كنّا نتكلّم على مستوى الجواز والحرمة، لأنّ الأصل هو الإباحة فيهما. وتعذّر إعطاء قاعدة في تفاضل نوعي العمل راجع إلى أنّه متى ما توفّرت قيادة شعبيّة قوية عامّة جاذبة لأكبر قدر ممكن من المجتمع أمّا بجاذبية العصمة وعظمتها وكرامتها وأخلاقياتها، إذ للمرجعية عند الشيعة عظمتها واُبّهتها وقدّسيتها خصوصاً مع كون المعصوم‏عليه السلام  قد أوصى بها (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا..). فإنّ قيادة كهذه القيادة - بشرط أن تكون واعية وصالحة ومتحرّكة في زمن الغيبة الكبرى - تكون أقدر من القيادة الحزبيّة على جلب القوى الخيّرة وقيادة المجتمع نحو إقامة حكم اللَّه في الأرض.

 

وقد أثبتت التجربة هذا المدّعى أيضاً، إذ رغم تقدّم وضع الحركة الإسلاميّة من الناحية التاريخية على الوضع الذي كان في إيران، لم تفعل شيئاً على مستوى إقامة الدولة، وقد فعلت المرجعية في إيران أعظم عمل رأيناه، وقد نجح العمل المرجعي في الواقع قبل أن ينجح العمل الهرمي فيه.

 

وقد كان هذا نتيجة العمل المرجعي الواعي الذي كان له تلك الجذوة والتأثير في نفوس الاُمّة بحيث جذب أكبر عدد ممكن من أفراد الاُمّة، بخلاف ذاك العمل الهرمي الحزبي الذي قد يجذب وقد يكون جذبه أحياناً وفي دائرة معيّنة أكبر وأقوى وأشد تماسكاً، ولكنّه لا يملك ذلك التأثير الواسع الشامل الذي للعمل المرجعي. وعلى هذا فإنّه وفي مثل هذه الأحيان يكون العمل المرجعي هو العمل الأفضل.

 

وأمّا إذا لم يكن في البلد المعيّن أو لدى الجماعة المعيّنة مثل هذا الوضع، من باب عدم وجود المرجعية الصالحة كما أسماها سيدنا الشهيد 1أو كان العمل ضمن ظروف مجتمع سنّي لا يؤمن بالمرجعية ولا بقيادتها.

 

فحينئذٍ لا معنى لأن نرفض العمل بالمنهج الآخر إذ سيكون هذا المنهج حينئذٍ قوة من القوى إذا اُسّس وفق الاُسس والموازين الصحيحة وقد قال اللَّه تعالى وأعدُّوا لَهمُ ما استطعتُم مِن قوةٍ ولكن إذا اجتمعت القوّتان في بلد واحد، قوة العمل المرجعي وقوة العمل الهرمي الحزبي، فأي منهما هو الأصلح لقيادة المجتمع؟ وهل يمكن أن تكون هناك قيادتان للمجتمع؟ أو لابدّ من أن تكون هناك قيادة واحدة وإن كانت هناك قوتان؛ إذ الكلام هو في أنّ القيادة لمن وليس الكلام في وجود أو إنهاء إحدى القوتين أو في شرعيّة الوجود أو عدمه لهذه القوة أو تلك.

 

وسيكون الجواب هنا واضحاً وهو: إنّ قيادة الساحة للعمل المرجعي وليس للعمل الحزبي. وما دام العمل الحزبي لا يدّعي لنفسه قيادة الساحة وينضوي تحت قيادة المرجعية فهو عمل مقبول. ولو ادّعى ذلك لنفسه فهو منحرف ويحرم الانتماء إليه.

 

وأمّا لماذا كانت القيادة للعمل المرجعي لا للعمل الحزبي فإنّ ذاك راجع إلى سببين:

 

الأوّل: الشرعية.

 

الثاني: الواقع العملي في وضعنا المعاش الشيعي.

 

فالبنسبة للسبب الأوّل نقول: إنّ الشرعيّة هي ملاك المرجعية الدينيّة كما قال المعصومون : على ما مضى توضيحه من أنّ القيادة بيد الفقهاء نصباً كما هو رأي السيد الإمام ؛، أو انتخاباً كما هو رأي البعض. والمفروض بنا كمتشرّعين أن نلتزم بهذا الأمر التزاماً واقعيّاً عمليّاً، وليس التزاماً قوليّاً وعلى مستوى الشعارات، بل لابدّ وأن يكون العمل مطابقاً ومصدّقاً للقول والادّعاء، وأمّا لو خالف العمل الادّعاء فهذا غير صحيح.

 

وأمّا السبب الآخر:

 

فهو أنّ العمل المرجعي في وضع الشيعة أنجح من العمل الحزبي وإن اعترفنا للعمل الحزبي بحقّه في الوجود؛ وذلك لأنّ العمل المرجعيّ هو السيرة التي استمرّ عليها الشيعة منذ أوّل الغيبة الكبرى وإلى يومنا هذا، وهو الذي خطّط له الأئمة المعصومون: بقولهم: (مجاري الاُمور بيد العلماء باللَّه، الاُمناء على حلاله وحرامه) و (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا)، وغير ذلك.

 

وما دام الأمر كذلك فيجب على العمل الحزبي أن ينضوي تحت قيادة العمل المرجعي ولا يدّعي لنفسه القيادة.

 

ولو ادّعى لنفسه القيادة، فسيحمِّل الساحة ما لا تتحمّله وهو وجود قيادتين في آن واحد، الأمر الذي سيؤدّي إلى تفتّت القوى، وسَيُشْكل على العمل الحزبي بما أشكله هو على العمل المرجعي من أنّ العمل المرجعي يتفتّت ويتشتّت إلى قيادات متعدّدة بعد موت المرجع المسيطر.

 

إنّ وجود قيادتين في الاُمّة وفي آن واحد يوجب الغبش في الاُمور والمشاكل للاُمّة.

 

القيادة الحركيّة والقيادة الشرعيّة

 

وأمّا ما يقوله البعض، من أنّهم قيادة حركيّة في الاُمّة، والمرجعية الدينيّة قيادة شرعيّة، فهذا مغالطة واتّهام للقيادة الشرعيّة بأنّها ليست حركيّة.

 

إذ لو كانت القيادة الشرعيّة غير متحركّة لكانت قيادة غير صالحة، ولا قيمة لها ولا شرعيّة لها ولا ولاية لها لسكونها.

 

فإذا كنّا نؤمن بأنّ القيادة المرجعية قيادة غير متحركّة فإنّ هذا معناه أنّنا لا نؤمن بقيادة المرجعية.

 

وعليه فإنّ إعطاء مفهومين للقيادة، والفصل بينهما، لتكون إحداها شرعيّة، والاُخرى حركيّة، تمثّل الاُولى المرجعية الدينيّة، ويمثّل الاُخرى الحزب الإسلامي، هذا فهم خاطى‏ء لا يقول به إلا جاهل، أو مغرض. وإلّا فالمفروض أن يقال وبصراحة بانّ الحزب ليس قيادة للاُمّة، وإنّما هو حركة في الاُمّة تحت قيادة المرجعية والتي هي قيادة دينيّة وحركيّة في نفس الوقت.

 

أمّا الإشكال الثالث الذي دار على بعض الألسن حول الأحزاب الإسلاميّة وهو أنّ العمل الحزبي وبشكله الهرمي المعروف هو عمل ومنهج واُسلوب وفد إلينا وبصورة تدريجيّة من بلاد الغرب، ولم يكن متعارفاً عليه عندنا ولا مألوفاً لدى اُمّتنا، ولهذا فلا ينبغي لنا أن نعتني به ولا أن نفترض صلاحه.

 

فهذا الإشكال، إشكال غير صحيح، إذ ليس من الموضوعيّة ولا من المنطق أن نتّهم اُسلوباً أو منهجاً بالنقص وعدم الصلاح لا لشي‏ء إلا لأنّه قد راج أوّلاً في بلاد الغرب. بل المهمّ هو دراسة روح المسألة والنتائج المترتّبة عليها ثم معرفة مدى تطابقها مع المقاييس الفقهيّة العامّة الموجودة لدينا.

 

فإذا كان ذلك المنهج سليماً على وفق المقاييس المعطاة في فقهنا، أو على الأقلّ لا يوجد ما يمنع عنه، ولم يطبّق ذلك المنهج على وفق روح الغرب أيضاً، فلا مانع منه ولا إشكال فيه وإن كان منشأه الغرب.

 

نعم المهمّ أنّ هذا المنهج من العمل حينما يطبّق في مجتمعاتنا يجب أن تلحظ فيه:

 

- الظروف الاجتماعية الخاصّة بمجتمعاتنا.

 

- وفقهنا ومبادؤنا الإسلاميّة من ناحية اُخرى.

 

وأمّا ما نقصده بقولنا، إنّ هكذا عمل لا مانع منه بشرط أن لا يطبع عندنا بروح الغرب، فذلك لأنّ الأحزاب في البلاد الغربيّة عادّة ما تطبع بروح أنّ الحزب هو مصدر القوة.

 

فالحزب في الغرب ينافس الأحزاب الاُخرى على تسلّم زمام الحكم، ويكون عمله مشروعاً في تسلّم الحكومة وقيادة الدولة والمجتمع.

 

فوجود حزبين هناك  معناه وجود قوتين متنافستين على الحكم، وكل منهما يعمل من أجل أن تكون القوة النهائيّة وأن تكون الغلبة له.

 

وأمّا في بلادنا، وخصوصاً في بلاد الشيعة، فإنّ تطبيق هذا المبدأ وبهذه الروح من أكبر الأخطاء، وذلك كما - أشرنا إليه سابقاً - لأمرين:

 

الأوّل: من وجهة نظر فقهي، وذلك لأنّنا نؤمن بمبدأ ولاية الفقيه ونرى أنّ قوة الحكم يجب أن تكون بيد المرجعية.

 

فالعمل الحزبي لا بأس بأن يكون أحد أنماط الأعمال في بلادنا ولكن يجب أن لا يكون بهذه الروح الغربيّة، بروح الهيمنة والسيطرة وطلب الحكم لنفسه، فإذا صار هكذا نافى مبدأنا الفقهي الذي نؤمن به.

 

الثاني: من الناحية الواقعيّة: وهي أنّ الشيعة - بالذات - تمتلك قوة قبل قوة الأحزاب وهي قوة المرجعية. وهي - أي قوة المرجعية - أكثر جذباً وعمقاً في نفوس الاُمّة وأوسع قاعدة وأوضح نظافة وشرعيّة لدى الاُمّة.

 

وليس صحيحاً أن تنبري قوة حزبيّة لمنافسة المرجعية على الحكم.

 

وعلى هذا يتلخّص، أنّ المنهج الوحيد للعمل الحزبي في بلادنا والذي أراه صحيحاً هو أن تتحوّل الأجهزة الحزبيّة وكذلك سائر الأجهزة التي تعمل عملاً اجتماعيّاً سياسيّاً من أجل إرجاع كلمة اللَّه إلى الحكم وتطمح بالوصول إلى الحكم، كل هذه يفترض بها أن تكون مؤسّسات وأجهزة بيد المرجعية، وتكون هكذا حقيقة لا كشعار فقط.

 

هذا كله تنظيرٌ للعمل الإسلامي في جوّ شيعي قبل قيام حكومة الإسلام الصحيحة ـ في ذلك الجوّ ـ.

 

أمّا بعد قيام الحكم الإسلامي الصحيح والمنحصر بفرض كون قيادة الحكم بيد فقيه كفوء جامع للشرائط كما هو واقع فعلا في إيران الإسلام فليس للأحزاب الإسلامية ولا للمرجعيات الصالحة أن يعارضوا ولاية ذاك الفقيه أو لا يتفادوا لأوامره.

 

والأولى لدى الإمكان أن يصبح ذاك القائد هو المرجع الأعلى عند اجتماع شرائط المرجعية والقيادة فيه في وقت واحد كي تتحد قوة المرجعية وقوة القيادة، وما قاله السيد الإمام الخميني(قده) في أواخر حياته من الفصل بين المرجعية والقيادة إنما هو لحالات الضرورة وعدم إمكان القيادة للمرجعيات الفعلية لسبب من الأسباب.

 

وأخيراً ألاحظ أنّه قد يحتال بعض الأحزاب على مبدأ ولاية الفقيه أو على مبدأ قيادة المرجعية بالتستر بغطاء عالم ديني لغرض كسب صفة المشروعية أمام الناس من دون تسليمه قيادَه الحقيقي بيد المرجع كي يمنعهم عن زلاّتهم وأخطائهم في المفاهيم وفي التطبيات ويسيّرهم سيراً سُجحاً.

 

ومتى تغطّى حزب من الأحزاب الإسلامية بغطاء الشرعية لعالم ديني يجب على ذاك العالم بالدرجة الأولى أن يتدخل تدخّلاً حقيقاً في قيادتهم وحفظهم عن خطر الانحرافات والزلاّت فإن أبوا عن قيادته لهم أو عجز هو عن ذلك لأيّ سبب من الأسباب وجب عليه سحب الغطاء عنهم.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين