المقدّمة

 

في أجواء الفِتَن المتعدّدة الّتي يعيشها عالمنا المعاصر، والوعي الّذي بدأ يتألّق لدى عامّة الناس جرّاء اتّباع قادتهم العظام، وانقياداً لولايتهم، وفي أجواء الحرب الناعمة والأساليب المتعدّدة والمتنوّعة الّتي يستخدمها العدوّ، حيث لم يجد مجالاً له في الحرب المباشرة، ولجأ إلى أفضل وسيلة له ألا وهي بثّ الفرقة والضغناء والشحناء في نفوس الناس، وإشعال الفتن في شتّى المجالات كي يتسنّى له الاصطياد في الماء العكر، وحياكة المؤامرات ووضع الخطط للسيطرة على المقدّرات. من هذا المنطلق كان بيان مجريات الفتن تكليفاً، وإظهار حقيقة الفتنة وأهلها وكيف يستفيدون منها لزاماً على أهل العلم والمعرفة، من هنا، كانت هذه الصفحات الماثلة أمامك عزيزي القارئ منتخبات من مواضيع حول الفتنة، استُلهمت من كتاب نهج البلاغة للإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

 

حيث كانت أكثر مشاكل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) زمن إمامته مشاكل فتنة؛ وقد واجهها (عليه السلام) بالتبصُّر والتدبير الإلهيّين.

 

إنّ بحث الفتنة في القرآن ونهج البلاغة بحثٌ مفصّل، وهو بحثٌ ضروريٌّ لا بدّ منه، فهو مورد ابتلاء في عصرنا الحاضر، ويحتاج إلى وقت طويل لبحث كافّة جوانبه المتعدّدة.

 

اختصرنا فيه على معالجة قيّمة من نهج البلاغة، تعدّ إنارة وإطلالة لكلّ باحث عن الحقيقة، ولكلّ روّاد المعرفة، ولكلّ من يبغي النجاة في ظلّ الفتن المستشرية في أقطار البلاد.

 

سائلين الله سبحانه أن يتقبّل منّا هذا العمل، عسى أن يجعله بمثابة مجذافٍ في السفينة لمن أراد النجاة.

 

مركز نون للتأليف والترجمة

 

الفتنة في اللغة

 

جاء في مقاييس اللغة وهو من متون اللغة، وفي كتاب العين للخليل بن أحمد: ".. يُقال فتنت أفتن فتناً، وفتنت الذهب بالنار، إذا امتحنته"[1].

 

وقال الفيّومي في المصباح المنير - وهو مختصٌّ بالاشتقاق -: "أصل الفتنة من قولك فتنت الذهب والفضّة إذا أحرقته بالنار ليبِن الجيّد من الرديء"[2].

 

استنباط لغويّ من لفظة "الفتنة".

 

1- وجود نوع من الضغط في هذا المصطلح.

 

2- الهدف: بيان الخالص من غير الخالص.

 

الفتنة في القرآن

 

إذا لاحظنا ما استنبطناه من لفظة "الفتنة" ونظرنا إلى الموارد الّتي استُعمل فيها هذا المصطلح في القرآن، لوجدنا أنّ المعنيين الآنفين أو أحدهما ينطبق على تلك الموارد، ومثال ذلك فإنّ مصطلح الفتنة ورد فيما يلي من الآيات القرآنية:

 

1- الامتحان: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾[3].

 

ففي موضوع الامتحان لا بدّ من وجود نوع من الضغط وكذلك فيه بيان للخالص من غير الخالص.

 

2- الشرك وعبادة الأصنام: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[4].

 

المراد من الفتنة هنا الشرك، وبديهيٌّ أنّ الصعوبات الموجودة في الشرك والتخلف فيه هي أسوء من أيّة صعوبات أخرى.

 

3- الضلال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم﴾[5].

 

ومن يرد فتنته أي ضلاله فلن يملك من الله شيئاً، وقد تدنّست قلوب هؤلاء إلى درجة لم تعد قابلة للتطهير، وحرمهم الله لذلك طهارة القلوب، فتقول الآية ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ وعمل الله مقرون بالحكمة دائماً, لأنّ من يقضي عمراً في الانحراف ويمارس النفاق والكذب ويخالف الحقّ ويرفض الحقيقة، ويحرّف قوانين الله تعالى لن يبقى له مجال للتوبة والعودة إلى الحقّ، وسوف يرتكس في الفتنة أي الضلال.

 

الاحتراق في النار: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾[6].

 

فالفتنة في الأصل اختبار الذهب في موقد النار ليمتاز الخالص من غيره، ومن هنا استعملت "الفتنة" في دخول الإنسان النار؛ لتمييز الصالح من الطالح، فالطالح إلى النار والصالح إلى جنّة النعيم في رفقة الأخيار.

 

الخداع: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنـزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾[7].

 

لا يفتنّنكم الشيطان أي لا يخدعكم.

 

ففي الآية تحذير لجميع أبناء آدم من كيد الشيطان وخداعه ومكره، ودعوة إلى مراقبته والحذر منه.

 

معنى الفتنة في نهج البلاغة

 

وردت الفتنة في نهج البلاغة بمعنيين اثنين:

 

أحدها: عدم تميّز الحقّ فيها من الباطل أصلاً، أو يكون كلا الطرفين له سهم من الحق ومن الباطل معاً، وهذا المعنى من الفتنة هو الّذي ورد في أوائل الكلمات القصار لأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ»[8].

 

إنّ كثيراً من المشاكل داخل الوطن الواحد وداخل الأسرة الواحدة يُمكن تقييمها حيث ليس بإمكان أحد الادعاء أنّ الحقّ إلى جانبه مئة بالمئة أو أنّ أحداً يقف إلى جانب الباطل مئة بالمئة. وهنا ينبغي أن لا يكون المرء منحازاً، وهذا ما يُشير إليه قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة: "إن أظهرتنا على عدوّنا فجنّبنا البغي وسدّدنا للحقِّ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة"[9]، وهذا يعني الدعاء طلباً لبيان السبيل في هكذا ظروف.

 

الثاني: الفتنة السياسيّة، بمعنى إلباس الباطل لباس الحقّ، ويُشير إلى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، حيث يقول: «إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ الله وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ الله فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ الله الْحُسْنى»[10].

 

وجاء في حديث أبي أيّوب الأنصاري أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعمّار: "سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السيف فيما بينهم، وحتّى يقتل بعضهم بعضا وحتّى يتبرّأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فإن سلك الناس كلّهم وادياً (وسلك عليّ وادياً) فاسلك وادي عليّ و..."[11].

 

الفتنة في كلام القائد (دام ظله)

 

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): "الفتنة يعني حادثة مليئة بالغبار بحيث لا يفهم الإنسان عدوّه من صديقه ومن يدخل الساحة بأغراض خاصّة ومن يحرّكه من خارج. يجب إخماد نار الفتنة باليقظة والتنبّه، فإذا ما حلّ التنبّه وسادت اليقظة في مجال ما كانت يد أهل الفتنة قاصرة بل عاجزة، وكلّما كان الكلام غير مناسب والعمل بدون هدف والاتّهام اعتباطيّاً والتصويب والتصويب على الآخرين غوغائيّاً كلّما كان أهل الفتنة فرحين مرتاحين"[12].

 

معرفة المجتمع وأبعاد الفتنة

 

وقد أوضح (عليه السلام) هذا الأمر بما لا مزيد عليه. إنّ كثيراً من الناس ليغفلون عن قيام الفتنة، فإذا هدأ غبارها وانطفأ أوارها التفتوا إليها!. وقد أشار الإمام (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في الخطبة 93 من نهج البلاغة، قال: «إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلَاتٍ وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً»[13].

 

إنّ الفتن لتأتي فيضيع الناس في أمواجها، فإذا أدبرت وانتهت عرف الناس حقيقتها ونهوا أمرها وأنّها أفخاخ وضعت أمامهم.

 

إنّ الفتن إذا أقبلت لا تُعرف، فإذا ذهبت فهم الناس ما كانت عليه الأمور، كالإعصار يضرب مدينة ويترك أخرى.

 

هذه هي حقيقة الفتن، فإذا لم تتوفّر البصيرة أضاع الكثيرون العافية!. واليوم، مقام الوليّ الفقيه حجّة فمن أراد أن لا يضيع في هذه المسيرة بين أمواج الفتن المتلاطمة وجب عليه التمسُّك بهذه الحجّة، وإنّ الحجّة الشرعيّة أمامنا في زمن الإمام (قدس سره) كانت تتمثّل في الإمام (قدس سره)، واليوم تتمثّل في مقام القائد المعظّم (دام ظله). نحن واقعاً نعرف سفينة النجاة في مسيرتنا اليوم.

 

أنواع المفتونين

 

المتأثِّرون بالفتنة نوعان:

 

الّذين صُبغوا بها عن معرفة بها واعتقاد وتصميم.

 

الّذين صُبغوا بها عن جهل وعدم معرفة، ويُستفاد من كلام الإمام عليّ (عليه السلام) أن لا تواجهوا هذا النوع الثاني من المفتونين، بل لا توجّهوا إليهم اللوم، قال (عليه السلام):"مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ"[14].

 

إنّ المفتون في الحقيقة مخدوع، ولذلك ينبغي فرز حسابه عن حساب الآخرين من المفرِّطين والمعاندين، بل ينبغي تعليمهم ونشر المعرفة بينهم، وهكذا كان أسلوب الإمام عليّ (عليه السلام) في حرب صفّين.

 

روى نصر بن مزاحم، قال: حدّثني يحيى بن يعلى، قال: حدّثني صباح المزني، عن الحارث بن حصن، عن زيد بن أبي رجاء، عن أسماء بن حكيم الفزاري، قال: كنّا بصفّين مع عليّ (عليه السلام)، تحت راية عمّار بن ياسر، ارتفاع الضحى، وقد استظللنا برداء أحمر، إذ أقبل رجل يستقري الصفّ حتّى انتهى إلينا، فقال: أيّكم عمّار بن ياسر.

 

فقال عمّار: أنا عمّار.

 

قال: أبو اليقظان؟ قال: نعم.

 

قال: إنّ لي إليك حاجة أفأنطق بها سرّاً أو علانية؟

 

قال: اختر لنفسك، أيّهما شئت.

 

قال: لا بل علانية.

 

قال: فانطق.

 

قال: إنّي خرجت من أهلي مستبصراً في الحقّ الّذي نحن عليه، لا أشكّ في ضلالة هؤلاء القوم، وأنّهم على الباطل، فلم أزل على ذلك مستبصراً، حتّى ليلتي هذه، فإنّي رأيت في منامي منادياً تقدّم، فأذّن وشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونادى بالصلاة، ونادى مناديهم مثل ذلك، ثمّ أقيمت الصلاة، فصلّينا صلاة واحدة، وتلونا كتاباً واحداً، ودعونا دعوة واحدة، فأدركني الشكّ في ليلتي هذه، فبتّ بليلة لا يعلمها إلّا الله تعالى، حتّى أصبحت، فأتيت أمير المؤمنين (عليه السلام)، فذكرت ذلك له فقال: هل لقيت عمّار بن ياسر! قلت: لا، قال: فالقه، فانظر ماذا يقول لك عمّار، فاتبعه، فجئتك لذلك.

 

فقال عمّار: تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي! فإنّها راية عمرو ابن العاص، قاتلتها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاث مرّات، وهذه الرابعة فما هي بخيرهنّ، ولا أبرّهنّ، بل هي شرّهنّ وأفجرهنّ. أشهدت بدراً وأُحُداً ويوم حنين، أو شهدها أبٌ لك فيُخبرك عنها؟

 

قال: لا.

 

قال: فإنّ مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر، ويوم أُحُد ويوم حنين، وإنّ مراكز رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب، فهل ترى هذا العسكر ومن فيه! والله لوددّت أنّ جميع من فيه ممّن أقبل مع معاوية يُريد قتالنا، مفارقاً للّذي نحن عليه، كانوا خلقاً واحداً، فقطعته وذبحته. والله لدماؤهم جميعاً أحلّ من دم عصفور، أفترى دم عصفور حراماً؟

 

قال: لا بل حلال.

 

قال: فإنّهم حلال كذلك، أتراني بيّنت لك؟

 

قال: قد بيّنت لي.

 

قال: فاختر أيّ ذلك أحببت. فانصرف الرجل، فدعاه عمّار ثمّ قال: أما إنّهم سيضربونكم بأسيافهم حتّى يرتاب المبطلون منكم، فيقولوا: لو لم يكونوا على حقّ ما أظهروا علينا، والله ما هم من الحقّ على ما يقذى عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم، حتّى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنّا على حقّ، وأنّهم على باطل[15].

 

نتائج الفتنة

 

تحدّث أمير المومنين (عليه السلام) عن ملامح الفتنة عندما تنتصر وعن مصير أصحابها، وما يلي اختصار لأقواله في هذا المجال:

 

1- سيادة الظلم على الناس

 

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا وَسَيْفاً قَاطِعاً وَأَثَرَةً[16] يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً»[17].

 

«أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ ...»[18].

 

والآية الكريمة: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً﴾[19] تشير إلى هذا المعنى، ففي الحقيقة إنّ شأن الحوادث الاجتماعيّة هو تأثيرها العامّ لا الفرديّ؛ فإذا ما توانى مجتمع ما عن أداء رسالته وتكليفه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي مجابهة أهل الفتنة ووضع حدٍّ لهم، فإنّ نار الفتنة ستحرق الأبرار مع الأشرار.

 

لأنّ أهل الفتنة الظالمين إذا نجحوا في تسلُّم مقاليد الحكم فإنّ ظلمهم أوّل ما يُصيب الصالحين.

 

وهذا ما نُلاحظه في التاريخ الإسلامي حيث تخاذل الناسُ عن نصرة الحقّ ممّا أدّى إلى تسلّم أهل الفتنة - الأمويّين والعبّاسيّين - الحكم فساد الظلم على الناس وخاصةً أهل الإيمان والولاية منهم. فقُتلوا وسُجنوا وعُذِّبوا...

 

2- تعطيل أحكام الإسلام والانحراف عن مبادئه

 

«أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ»[20].

 

وهذا ما رأيناه أيضاً في التاريخ الإسلامي، حيث عُطِّلت الحدود ودبّ الانحراف عن مبادئ الإسلام الأصيل، للانحراف عن نهج أهل البيت عليهم السلام، ونشأت المذاهب والمدارس كلٌّ يدّعي الحقيقة وفهم الإسلام.

 

3- فساد العلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة

 

«فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ...وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ ...»[21].

 

فإذا حكم أهل الفتنة والفساد فبالطبع سينتشر الفجور والفساد. ويزيد الفاجر الفاسق الشارب للخمر، وعبيد الله ومروان بن الحكم وغيرهم أبرز مصداق على الفساد، فإذا كان ربُّ البيت بالطبل ضارب فشيمة أهل البيت كلّهم الرقص.

 

4- قلّة المؤمنين العاملين المخلصين وملاحقتهم ومحاربتهم

 

«فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ ...»[22].

 

5- استئثار السلطات الحاكمة بالأموال العامّة

 

«وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ الله دُوَلًا، وَعِبَادَهُ خَوَلًا...وَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ»[23].

 

«وَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وَسَلَاطِينُهُ سِبَاعاً وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالًا وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً»[24].

 

وأظهر مثال على ذلك ما جرى في زمن عثمان حيث خصّص آله وذويه وغيرهم من أعيان قريش بالهبات الضخمة، فتولّد عن ذلك نشوء طبقة الرأسماليين الأرستقراطيّين وفي مقابلهم طبقة الفقراء والمحرومين.

 

6- الفتنة تودي بأصحابها في نهاية المطاف

 

«وَسَيَنْتَقِمُ الله مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْكَلًا بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَباً بِمَشْرَبٍ...»[25].

 

وقد رأينا من شارك في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) كيف كان مصيزره، جاءه يوم العقاب ولو بعد حين.

 

هذا غيضٌ من فيض المواضيع الّتي تُطرح حول بحث الفتنة؛ آملين أن يحفظنا الله تعالى من السقوط في مستنقع الفتنة وسيّما أنّ ظلمات الفتنة تُلبِّد الأجواء.

 

والّذي لا يرقى إليه الشكّ أنّ مدار الحجّة هو المدار الّذي يُشكِّل سبيل النجاة من الفتنة، وفي عصر غيبة وليّ العصر تبقى الحجّة الشرعيّة لنا ـ وسيّما في المجال السياسيّ ـ هي مواقف مقام القيادة المعظّم آية الله العظمى الإمام الخامنئي (دام ظله).

 

مصاديق بارزة للفتنة

 

حوادث ثلاث واجهها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانت مصاديق بارزة من مصاديق الفتنة. وأمّا مواصفات كلّ حركة من تلك الحركات فهي ما يلي:

 

الوقوف في وجه الولاية ومحاربتها:

 

وهذه هي العلامة الأساس لتلك الحركات الثلاث.

 

بعض الناس عندما يتحدّث عن الخوارج يصفهم بالعبادة والتمسُّك بالدِّين.. بينما الحقيقة والواقع أنّ هذه الصفة لم تكن تُشكِّل (العمود الفقري) في صفات الخوارج.

 

إنّ الصفة الأساس في صفات الخوارج أنّهم كانوا يواجهون الولاية ويُحاربونها، وهذا ما جرّهم نحو السقوط والانهيار، وإلّا فإنّ العبادة والتمسُّك بالدِّين ليست سبباً في السقوط والانحدار, لقد كان سبب سقوطهم هو محاربة الولاية.

 

عبادة الدنيا:

 

رؤوس الحركات الثلاث كانوا من "عبّاد الدنيا", فقد جاء في الخطبة الشقشقيّة: «فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»[26]، بَلَى وَالله لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا»[27].

 

والخلاصة أنّ عبادة الدنيا تكون في شكلين اثنين، أحدهما ظاهر والآخر مخفيّ، وقد كان الخوارج من عبّاد الدنيا سراً وفي الخفاء.

 

الشعارات الخدّاعة:

 

كان لدى المجموعات الثلاث شعارات خدّاعة لعوام الناس، فكان شعار الناكثين والقاسطين الطلب بدم عثمان. وأمّا شعار الخوارج فكان "لا حكم إلّا لله"، وكانوا مصرّين عليه وتمسّكوا به تمسُّكاً شديداً.

 

وأمّا قصّة عثمان فهي عجيبة وغريبة في تاريخ الإسلام، ولا يشكُّ أحد في أنّ عثمان كانت له هنات، وأنّ عليّاً (عليه السلام) وأصحابه كانت لديهم اعتراضات على ذلك وهذا من بديهيّات التاريخ.

 

ولقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يريد أن يحلّ المسائل سلميّاً، وقد نصح عثمان مراراً ولم ينتفع عثمان بنصح أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحصل ما لم يرد الإمام أن يحصل: "اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ، وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ"[28]، كان عثمان يفعل ما يُريد ودون استشارة من أحد، وكان يُفسد الأمور.

 

والإمام (عليه السلام) يقوم بمساعٍ حميدة، وأمّا طلحة فقد كان له دور في قتل عثمان، ويشهد على ذلك أنّ مروان بن الحكم (صهر عثمان) الذي شارك في حرب الجمل إلى جانب طلحة، قال لمّا تضعضع أهل الجمل: "لا أطلب ثار عثمان من طلحة بعد اليوم"[29] ثم انتحى له بسهم فأصاب ساقه ومات بعد ذلك، في الوقت الّذي كان فيه طلحة يطالب بدم عثمان!!

 

ما أكثر الحوادث المريرة الّتي سجّلها تاريخ الإسلام تحت شعار الطلب بدم عثمان!.

 

مواجهتهم بحزم:

 

واجه الإمام (عليه السلام) رؤوس الحركات الثلاث بحزم شديد، ولم يتسامح مع أحد منهم، فقال في نهج البلاغة: «قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»[30].

 

وهذا يعني أنّه لا يجوز المسامحة مع أحد من رؤوس الفتنة، يقول (عليه السلام): «فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي»[31].

 

كان الخوارج عشرين ألفاً، وكانت جباههم سوداء (من أثر السجود ظاهراً)، وقد نصحهم الإمام (عليه السلام) مراراً وتكراراً، وندم بعضهم وانفصل عن جماعة الخوارج، إلى أن صار عددهم أربعة آلاف فقط، وقد ذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل" أنّ الإمام (عليه السلام) أتمّ عليهم الحجّة وقال إذا لم تقبلوا فسأقتلكم، وهكذا كان، فقد قُتل منهم الإمام (عليه السلام) 3991 شخصاً وفرّ منهم منهم تسعة أشخاص فقط.

 

استخدام أسلوب الرحمة:

 

لقد استعمل الإمام (عليه السلام) مع المضلّلين أسلوب الرحمة والنصح والوعظ، وسعى إلى تعليمهم وإيقاظهم وأمهل أقطاب الفتنة قبل محاربتهم.

 

ومن نماذج هذا النصح:

 

أ- لعامّة الناس:

 

«أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ الْأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَحَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا»[32].

 

ب- لأصحاب الجمل (الناكثين):

 

«فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا فَإِنَّ الْآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ وَالنَّارُ»[33].

 

«وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَاسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَرَدَّا الْعَافِيَةَ»[34].

 

ج- لأهل صفّين (القاسطين):

 

أرسل إلى معاوية: «فَاتَّقِ الله فِيمَا لَدَيْكَ وَانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ...»[35].

 

وفي رسالة أخرى إلى معاوية: «فَاتَّقِ الله فِي نَفْسِكَ وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَاصْرِفْ إِلَى الْآخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ الله مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ»[36].

 

د- للخوارج (المارقين):

 

«فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ...»[37].

 

6- الظاهر الديني:

 

كان للحركات الثلاث ظاهر دينيّ، وكلّهم كان يؤذِّن يوميّاً للصلاة وكانوا يُصلُّون ويؤدّون صلاة الليل! وسائر العبادات الدينيّة.

 

7- شخصيات معروفة:

 

كان في الحركات الثلاث وجوه بارزة لها سوابق، ومنهم من كان من وجوه أصحاب النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كطلحة والزبير، ثمّ جاؤوا يواجهون الإمام عليّاً (عليه السلام).

 

8- إثارة الضجيج:

 

الحركات الثلاث كانوا يتوعّدون ويهدِّدون ويرفعون أصواتهم ويثيرون الضجيج: «وَقَدْ أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُوا وَمَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَلَا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ»[38].

 

ما الّذي يبعث المرء على دسِّ الفتن؟

 

من هم أهل الفتنة ولماذا يقومون بهذا العمل؟

 

يصف أمير المؤمنين (عليه السلام) رؤوس الفتنة بأنّهم ممّن «اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ»[39]، وهذا يعني أنّهم يقومون بأعمال الفتنة بهدف الوصول إلى السلطة والحصول على القدرة. وبعبارة أخرى فهم ليسوا ممّن يطلب الله أبداً فليس الدافع لهم في أعمالهم دافعاً إلهيّاً أبداً، هي الدنيا فقط ولا غير، والدنيا بأحلى حللها ممّا يجذب الإنسان عادة من المال والرئاسة والشهوة و...

 

كانت الحركات الّتي قامت بوجه الإمام (عليه السلام) ممّن يعبد الهوى، والمقصود بذلك رؤوسهم والمسؤولون منهم طبعاً، وسوف يتّضح فيما يأتي كيف أنّ الإمام (عليه السلام) تصرّف مع هؤلاء بشكل معيّن ومع القاعدة الشعبيّة التابعة لهم بأسلوب آخر.

 

الباعث لأهل الفتنة على الفتنة هو الدنيا:

 

يقول الإمام (عليه السلام) في الخطبة المعروفة بالشقشقيّة: «فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ: "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *، بَلَى وَالله لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا»[40].

 

نكث أصحاب الجمل ومرق الخوارج عن طاعتي، وأمّا أصحاب معاوية فهم القاسطون الظالمون لي وهم الطاغون الّذين لم يُطيعوني.

 

وقال (عليه السلام) في رجال التحقوا بمعاوية: «وإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا وَقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوهُ وَوَعَوْهُ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً»[41].

 

ويقول (عليه السلام) أيضاً في صفة طالبي الدنيا من رؤوس الناكثين:

 

«كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا يَمُتَّانِ إِلَى الله بِحَبْلٍ وَلَا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَعَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ وَالله لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا وَلَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا»[42].

 

نعم لقد كانت الحركات الثلاث تُقابل الإمام عليّاً (عليه السلام) وهي من عبّاد الدنيا فأمّا الناكثون والقاسطون فإنّ ذلك ظاهر فيهم، وأمّا الخوارج المارقون فقد ألبسوا طاعتهم للدنيا وعبادتهم لها لباس الزهد وهم يقرؤون القرآن وهذا بنفسه من أسوء أنواع عبادة الدنيا، وحبّ الدنيا.

 

ويصدق عليهم جميعاً عنوان البغاة, لوقوفهم بوجه الإمام عليّ (عليه السلام)، فالباغي من خرج على إمام عادل. بل مسألة قتال البغاة لا مستند لها سوى سيرة الإمام عليّ (عليه السلام)، وهي مسألة تناولها الشيعة والسنّة بالبحث والتحقيق.

 

وقد أُطلق على طلحة والزبير صفة الناكثين لأنّهم نكثوا بيعتهم للإمام عليّ (عليه السلام)، وأمّا معاوية وأصحابه فهم القاسطون لأنّهم ظلموا. وأمّا الخوارج فهم المارقون، وهذه الصفات أطلقها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قبل حيث قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا عليّ ستُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين»[43].

 

بعض أساليب الفتنة من وجهة نظر أمير المؤمنين (عليه السلام)

 

يُستفاد من كلماته (عليه السلام) أنّ عدّة أساليب وصفات عامّة يتّصف بها أهل الفتنة:

 

1- مخالفة القانون والخروج عن القانون الإلهيّ:

 

«إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ الله [44]، فالكتاب قانون الله في الأرض، قال تعالى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ»[45].

 

وقد أورد في كتاب النصّ والاجتهاد 106 موارد صريحة في الاجتهاد مقابل النصّ، فالنصّ إمّا قول الله تعالى وإمّا قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا حصل التجاوز على حرمة القانون الإلهيّ فعند ذلك تصبح الساحة مهيّأة للفتن والسعي في إشعال نارها، وهناك يطرح كلّ طرف ذوقه الخاصّ تحت عنوان القانون الإلهيّ.

 

2- تظاهر أهل الفتنة بالصلاح واستخدامهم للغدر والمكر:

 

فقد أرسل الإمام (عليه السلام) إلى معاوية: «قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ»[46]، «فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ»[47]، «فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ»[48].

 

وقال (عليه السلام) في حوار مع الخوارج: «أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً وَمَكْراً وَخَدِيعَةً: إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ الله سُبْحَانَهُ فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ؟ فَقُلْتُ لَكُمْ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ، وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ»[49].

 

وقال (عليه السلام) لمّا سمع الخوارج تقول: «لا حكم إلّا لله»: «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ»[50].

 

3- طرح محوريّة الشخص بدل محوريّة الحقِّ:

 

إنّ منطق أهل البيت عليهم السلام يُفيد أن كونوا مع الحقّ وسوقوا المجتمع نحونا وفي جميع الساحات وعلى جميع الأصعدة، وذلك سواء في الحكم على الآخرين أم في الدفاع عنهم، وبعبارة أخرى: اعرضوا الناس على الحقّ فلا يكون الأشخاص مقياساً للحقّ.

 

وقد جاء في الرواية، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: كنّا في مجلس أبان51 فجاءه شابّ فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب النبيّ صقال: فقال له أبان: كأنّك تريد أن تعرف فضل عليّ (عليه السلام) بمن تبعه من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: فقال الرجل: هو ذاك، فقال (أبان): والله ما عرفنا فضلهم إلّا باتّباعهم إيّاه[52].

 

هذا هو الملاك والمدار وعليه فإنّ في كلّ عصر جماعة لهم أوضاع خاصة وهم يوماً في الصراط المستقيم وآخر خارج الصراط. بل من الممكن أن يكون المرء منحرفاً أوّل النهار ثمّ يُصبح من أعاظم أهل الهداية، وقد أورد الشيخ الطبرسي كلاماً حول سحرة فرعون مفاده: «فكانوا أوّل النهار كفّاراً سحرة، وآخر النهار شهداء بررة»[53]، وهذا ليس ببعيد.

 

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «من دخل في هذا الدِّين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنّة زالت الجبال قبل أن يزول»[54].

 

وإنّ من كان متّبعاً للمعايير والملاك المذكور لتهتزّ الجبال ولا يهتزّ ولا يزول بل لا يعرض له الشكّ ولا التردّد، وكذلك كان عمّار بن ياسر وكبار صحابة أمير المؤمنين (عليه السلام)، لا يدخل الشكّ في قلوبهم.

 

ملاحظة هامّة:

 

إنّ المعصومين (عليهم السلام) هم صورة من صور تجلّي الحقّ تعالى: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»[55]. وإنّ هذا لا يرتبط بالشخصيّة الحقيقيّة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، بل يرتبط كذلك بشخصيّته الحقوقيّة، يعني الحسن (عليه السلام) مع الحقّ والحقّ مع الحسن، والحسين (عليه السلام) مع الحقّ والحقّ مع الحسين، واليوم بقيّة الله الأعظم (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) مع الحقّ والحقّ معه.

 

هنا.. ليس الحديث عن الرجال، بل الحديث عن تجلّي الحقّ.

 

وهنا أخطأ الخوارج حيث اعتبروا عليّاً شخصاً من الأشخاص، بل شخص من الّذين يُخطئون ويشتبهون، بينما كان عليهم أن ينظروا إليه على أنّه صورة وتجلّي النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهناك روايات تؤيّد هذا المعنى منها ما ورد أنّ "نفسه نفسي"[56]، أو أنّ "لحمه لحمي"[57]...

 

وفي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يُعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله»[58].

 

وقال (عليه السلام) في إحدى خطب نهج البلاغة: «وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ الله»[59]، وهذا ما يُهيّئ ساحة الفتنة.

 

جاء أحدهم إلى الإمام (عليه السلام) فقال: «يا أمير المؤمنين، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتجّوا إلّا على حقّ؟»[60]. وهذا هو معنى "ويَتَوَلَّى عَلَيْهَا.. ". هنا البصيرة، أن يعرض المرء الناس على الحقّ.

 

طلحة كان من جملة أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد شارك في "أُحُد"، وقد أُصيبت يده اليمنى في تلك المعركة فشُلَّت. والزبير كذلك كان على الصراط مقداراً من عمره، فكان مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومع عليّ (عليه السلام)، ثمّ أواخر عمره انحرف ولم يكفه ترك الحرب، وإن كان الّذي قتله لم يكن على الحقّ وقتله ظلماً، وذلك أنّ القتل ينبغي أن يكون بأمر الإمام المعصوم (عليه السلام)، ولا يخفى أنّ ترك الحرب لا يُعد توبة للزبير، إنّ من قام وأثار حرباً بهذه الصورة وبهذه النسبة من القتلى، ينبغي عليه أن يُصلِح بنفس المقدار الّذي أوجد فيه الانحراف: إلّا من تاب وبين وأصلح, «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا..»[61].

 

وقد شهد تاريخنا الإسلامي هكذا انهيارات، وقد شكّل طلحة أحد هذه الانهيارات والزبير كذلك.

 

كان أنس بن مالك أحد أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعندما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) منه الشهادة على حديث الغدير، لم يشهد، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن كنت كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة - البرص -»[62]، وكذلك كان.

 

وكان زيد بن ثابت من كتبة الوحي وصار من المقرّبين لدى معاوية، وأسامة بن زيد الّذي سعى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كثيراً لأجله، وهو وإن لم يكن من مخالفي الإمام عليّ (عليه السلام) غير أنّه لم يكن معه.

 

وحسّان بن ثابت كان شاعراً دعا له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً، وله قصيدة غرّاء في يوم الغدير في مدح الإمام عليّ (عليه السلام)، فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تزال يا حسان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك»[63]، ولكنّه لم يبقَ داخل الخطّ.

 

هذه عبرة من عِبرَ التاريخ كي لا يُغيّرنا الناس كما يشاؤون. إنّ ولاية الفقيه لها منشأ ومصدر إلهيّ، وإنّ مقام الحقّ هو مقام ولاية الفقيه. إنّ ولاية الفقيه تُشكِّل قطب الرحى أو البوصلة.

 

فإذا عملنا بما أمر كان لنا الأجر عند الله تعالى، سواء طابق ذلك الواقع أم لم يطابقه. ونحن لا ننظر إلى الوليّ الفقيه كوليّ وقائد سياسيّ، بل هو وليّ وقائد دين وهو نائب إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وذلك ممضى بالإمضاء العامّ لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فليس هو نائبه الخاصّ.

 

وهذا توقيع إسحاق بن يعقوب دليل على هذا الموضوع، حيث يقول الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحديث: «أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم...»[64].

 

وطبقاً لنقل الاحتجاج فإذا اتّخذ الوليّ الفقيه موقعاً فإنّ علينا أن نعرض كافّة الناس على ذلك الموقف، فهو محكّ.

 

لقد كان الزبير الرجل الثاني في جيش النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان هو الشخص الوحيد الّذي وقف في وجه مهاجمي بيت الإمام عليّ (عليه السلام)، فضربوه وكسروا سيفه فصاح: «يا معشر بني عبد المطلّب أيُفعل هذا بعليّ (عليه السلام) وأنتم أحياء؟»[65]. وهكذا في شورى الستّة كان إلى جانب الإمام عليّ (عليه السلام).

 

صعوبة ظروف الفتنة

 

يقول الإمام الخامنئي دام ظله: «في الظروف الّتي تُهيمن على الفتنة، يكون العمل أشدّ صعوبة، ويكون تشخيص الأمور أصعب، طبعاً، الله تعالى أتمّ الحجّة دوماً، ولم يترك للناس أن يقولوا لم نعرف ولا علم لنا ولم يُتمّ الحجّة علينا، ولم تُرسل من يُخبرنا، فلذلك ضللنا، وقد ورد هذا المعنى مراراً وتكراراً. إنّ يد الله تُشير في كلّ ناحية. والخلاصة نحن بحاجة لأن نفتح عيوننا»[66].

 

بعد أن تعرّضنا لثلاثة أساليب من أساليب أهل الفتنة، بقي التعرّض لأخطر أسلوب لهم، وهو الأسلوب الرابع (إلقاء الشبهات) بين النّاس.

 

إلقاء الشبهات

 

إلقاء الشبهة يعني إلباس الباطل لباس الحقّ، الشبهة يعني الباطل الذي ألبس لباس الحقّ، يقول الإمام (عليه السلام): «وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ»[67]، إذن هي باطل أُلبست لباس الحقّ.

 

وقد استفادت الحركات الثلاث من هذه الأداة في مواجهة الإمام عليّ (عليه السلام), اتّهموا الإمام عليّاً (عليه السلام) بقتل عثمان، وإنّ من عجائب التاريخ أنّ أكثر الناس سعياً في منع قتل الخليفة كان الإمام عليّاً (عليه السلام) نفسه، وهذا من المسلّمات تاريخيّاً، وهذا لا يعني عدم الاعتراض على عثمان بل كان يعترض على كثير من أفعاله وأعماله، ولكنّه كان يُريد أن تنتهي المسألة على غير ما انتهت إليه. وإنّ من مسلّمات التاريخ أنّ معاوية لم يكن يأسف لقتل عثمان، ولقد أرسل عثمان إليه أنّني محاصر فأرسِل إليَّ من يحميني، فأرسل جماعة وأوصاهم بعدم التدخُّل وأن يظلّوا في أطراف المدينة.

 

وقد رأوه يحمل قميصه الملطّخ بالدماء وهو يبكي بكاءً شديداً، ثمّ بعد سنة كانت الساحة جاهزة لإثارة الحرب بوجه الإمام (عليه السلام).

 

وقد استفاد الناكثون كذلك من هذه الأداة، فهذا طلحة الّذي شارك بنفسه في قتل عثمان، جاء ليقف بوجه الإمام عليّ (عليه السلام) مطالباً بدم عثمان!، لقد عملوا على إلقاء هذه الشبهة حتّى انطلت على السُذَّج من الناس، ولكنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يصف الأمر بقوله صراحةً: «.. وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ»[68].

 

ويقول (عليه السلام) لمعاوية: «وَلَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى، فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ»[69].

 

وهكذا فعل أصحاب النهروان، فقد عملوا على إلقاء الشبهات، فرفعوا شعار "لا حكم إلّا لله"، لا حكم إلّا لله يعني ينبغي أن يحكم قانون الله في المجتمع لا أنّ الله تعالى يحكم المجتمع، إنّ الله سبحانه يحكم عبر أسباب الحكم ومن ذلك أئمّة الحقّ عليهم السلام، فمن كلام له (عليه السلام) في الخوارج لمّا سمع قولهم "لا حكم إلّا لله": قال (عليه السلام): «كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلهِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا إِمْرَةَ إِلَّا لِلهِ وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ»[70].

 

هذا ما يبعث على الهرج والمرج، فالمجتمع لا يجوز أن يبقى بدون أمير أو حاكم.

 

وهذه الشبهة غير مختصّة بما مضى من الزمان، بل تشمل الماضي والحاضر وستظلّ تشمل مستقبل الأيّام، حيث يجب على أهل البصيرة أن يفتحوا أعين الناس على الحقائق بهدف تمييز الباطل عن الحقّ وتمحيصه.

 

سبيل النجاة من الفتنة

 

يستفاد من كلام الإمام (عليه السلام) أن هناك ثلاثة سبل للنجاة من الفتنة:

 

1- البصيرة

 

وتفسيرها على ضوء كلامه (عليه السلام): «وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ...»[71]، لقد كانوا يُصلّون ويصومون، وهذا معنى الفتنة، بل هذا مصداق بارزٌ من مصاديقها.

 

ولو أنّا وضعنا أنفسنا في موضع أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفي تلك الشروط والظروف...حيث كانوا عظماء وكبار...ونحن نعدّهم كباراً كما نعدّ أهل البيت عليهم السلام كذلك كباراً.. سلمان، المقداد، أبو ذر، عمّار، ولكن بعض الصحابة رغم قداسته تلك جاء ليحارب الإمام عليّاً (عليه السلام)، هذه هي الفتنة.

 

«وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ»[72].

 

فما هي هذه البصيرة؟!

 

ينبغي على حملة راية الدِّين أن يلتزموا بتلك البصيرة الّتي تحدّث عنها الإمام (عليه السلام).

 

وقد فسَّر الإمام (عليه السلام) ذلك في جملة موارد من نهج البلاغة، حيث كان يتحدّث عن بصيرته هو (عليه السلام)، قال: «وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَلَا لُبِّسَ عَلَيَّ»[73].

 

وهو الّذي يقول حول مواجهته لأصحاب الجمل والناكثين: «أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ»[74].

 

وأوضح من هذا ما ورد في الكتاب 62 وفيه يتحدّث أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الطرفين: ومن كتاب له (عليه السلام) إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولّاه إمارتها.. وقد جاء في البند الثامن منها: «وَإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي»[75]، هذه هي البصيرة، وفي هذا البيان نلاحظ إثبات البصيرة لنفسه وإثبات الضلال لجبهة الخصوم.

 

هذه البصيرة الّتي يتحدّث عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) ينبغي أن تتوفّر لدى حملة راية الدِّين، وإنّ السبيل للنجاة من الفتنة والخروج منها هو هذه البصيرة، وفي الخطّ الأوّل ينبغي أن يكون حملة الراية من أهل هذه البصيرة، فإذا لم يتزيّنوا بها فإنّ ذلك هو الفاجعة العظمى.

 

إنّ مسؤوليّة الحروب الثلاثة بوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) تقع على عاتق الخواصّ، سواء الّذين شاركوا في الحرب أم الّذين سكنوا..

 

«إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي»[76]: هو أن يعلم الناس موضع الحقّ وموقعه وسيّما حملة راية الدِّين فينبغي أن يتحلّوا بالصبر ويعرفوا موقع الحقّ.

 

والصبر له صور عديدة، فقد يتمثّل في الصبر على الحرب والآلام والسجن والتعذيب والنفي، وقد يتمثّل في تحمُّل الشتائم والسباب والاتهامات والاحتقار والافتراء. وجميع ذلك يكون لأجل إخراج الصالحين من ساحة المواجهة مع الكفر والنفاق والفساد.

 

ولكن بفضل الله إنّ الصالحين المجاهدين يعرفون أنّ طريق الجهاد والرسالة ليس مفروشاً بالورود بل هو طريق ذات الشوكة، فيه الكثير من الابتلاءات والفتن, فالذهب لا يلمع إلا في لهيب النار.

 

البصيرة سبيل النجاة الوحيد من الفتنة

 

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): «إذا لم تتوفّر البصيرة لديكم، فلا تعرفون الصديق، ولا تعرفون العدوّ فسترون أنّ العدوّ فجأة سيصوّب مدفع إعلامكم وكلامكم وتصرّفاتكم وأعمالكم نحو مكان يجتمع فيه أصدقاء لكم، لا أعداء»[77].

 

فإذا أردنا أن نعرف العدوّ ولا نُخطئ في تشخيص العدوّ فلا بُدّ من البصيرة، ولا بُدّ من البيان.

 

بعض الأخطاء الّتي يقوم بها بعض الناس - تلاحظون أنّ البعض في مجتمعنا سواء من العوامّ أم الخواصّ يخطؤون، والمتوقّع أن تكون أخطار النخبة أقلّ بينما نرى أنّ أخطاءهم وإن كانت قليلة إلّا أنّها من ناحية الكيفيّة كثيرة وكبيرة بل أكبر من أخطاء عامّة الناس - ولا نقول كلّ تلك الأخطاء - ولكن جلّها - ناتجة عن قلّة البصيرة أو عدمها، فاعملوا على رفع مستوى البصيرة لديكم، ومستوى المعرفة كذلك[78].

 

قد يكون السكوت أحياناً وعدم التدخّل في الأمور عاملاً مساعداً على الفتنة، ففي الفتنة يجب على الجميع أن يكونوا يقظين، وعلى الجميع أن تكون لديهم البصيرة»[79].

 

1- التقوى

 

«وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ»[80].

 

وهذا الكلام له (عليه السلام) يستند إلى آيتين من القرآن الكريم، فقوله (عليه السلام): «مَنْ يَتَّقِ الله»، من قوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾[81].

 

ولم يذكر الله تعالى متعلَّق قوله تعالى ﴿مَخْرَجًا﴾، وذكره أمير المؤمنين بقوله: «مِنَ الْفِتَنِ...»، وأمّا المقصود بالتقوى فهو التقوى القرآنيّة لا المتعارفة الّتي تُفسّر عادة ببعض آثارها وظواهرها. وأمّا التقوى بالمعنى القرآني فمفادها حفظ الحرمة الإلهيّة وفي جميع المجالات، وذلك واضح في الموارد القرآنيّة الّتي ورد فيها قول الله عزّ وجلّ: ﴿اتَّقُوا الله﴾، ومنه: ﴿اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾[82]، وهذا يعني تقوى اللسان. وقوله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[83]، وهذه التقوى تقوى العدل مع الخصوم والأعداء.

 

والتقوى السياسيّة أن يرى المرء ربّه حاضراً دائماً فيختار ما يُريده الله تعالى، وإنّ التمايز بين السياسة الدينيّة وغير الدينيّة يكمن في هذه النقطة. ومن هنا كانت سياسة الإمام عليّ (عليه السلام) سياسة إلهيّة وسياسة معاوية سياسة شيطانيّة. يقول الإمام في نهج البلاغة: «وَالله مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالله مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ»[84].

 

وأما قوله (عليه السلام): «ونُوراً مِنَ الظُّلَمِ»، فهو مأخوذ من سورة الأنفال، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً»[85].

 

3- سفينة النجاة

 

«أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ»[86]، يُشبِّه (عليه السلام) الفِتن بأمواج عاتية حيث لا تنجو الزوارق الصغيرة، فالنجاة من نصيب السفن العظيمة والثابتة، وهذا كناية عن أهل البيت (صلوات الله عليهم)، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

 

"مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق"[87].

 

واليوم سفينة النجاة بقيّة الله الأعظم (أرواحنا فداه)، وفي زمن غيبة وليّ العصر جانب الوليّ الفقيه، نائبه العام.

 

سبيل المواجهة مع أحداث الفتنة

 

يُستفاد من سيرة الإمام (عليه السلام) أنّه واجه أحداث الفتنة بأسلوب خاصّ، فكان له أسلوب مع رؤوس الفتنة وأسلوب آخر مع القاعدة. ولم يدخل الشكّ لحظة إلى قلبه ولا تردّد يوماً أبداً.

 

1- مواجهته مع رؤوس الفتنة:

 

وكان خلاصة كلامه (عليه السلام) أنّه إذا حصلت مداراة لرؤوس الفتنة ولو آناً ما فإنّ ذلك سيهدم بنيان المجتمع الإسلاميّ، ولذلك نُلاحظ أنّه (عليه السلام) كان يرى السكوت عنهم وعدم مواجهتهم يصل إلى حدِّ الكفر.

 

والخلاصة أنّه يُستفاد من كلامه (عليه السلام) عدّة مراحل لا بُدّ منها في مواجهة رؤوس الفتنة:

 

أ- التيقُّظ والانتباه والمراقبة:

 

خوفاً من سعيهم للاحتيال على الناس بل ينبغي مراقبتهم دوماً. وقد جاء من ينصح أمير المؤمنين بترك طلحة والزبير فقال (عليه السلام): «وَالله لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ[88] حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَيَخْتِلَهَا[89] رَاصِدُهَا[90] وَلَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَبِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَالله مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ الله نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا»[91].

 

إنّ التنبّه واليقظة أصل يجب وضعه في أعلى درجات الاهتمام.

 

ب- العمل بحزم:

 

قال (عليه السلام): «وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»[92].

 

وقد ورد هذا المضمون في خطبة أخرى له (عليه السلام):

 

«وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلَّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ»[93].

 

ويتّضح ذلك في خطبة من نهج البلاغة، قال (عليه السلام):

 

«أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي[94] وَلَا لُبِّسَ عَلَيَّ وَأيْمُ الله لَأُفْرِطَنَّ[95] لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُه ُ[96] لَا يَصْدُرُونَ[97] عَنْهُ وَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»[98].

 

2- مواجهته للقاعدة من الناس:

 

وبعبارة أخرى المضلَّلين الّذين انطلت عليهم الحيل وأنواع الخداع. وهنا كانت سيرة الإمام (عليه السلام) تصل إلى أقصى حدٍّ ممكن من المداراة، وكان (عليه السلام) يسعى لعدم جعل الناس كبش فداء، بل كان يعمل على أن يجعلهم يتيقّظون ويرجعون عن الغيّ والضلال، وعندما لاحظ أنّ بعض أصحابه يشذّ في القول مع أصحاب معاوية، قال (عليه السلام):

 

«إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللهمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ»[99].

 

وبعد أن سيطر على شريعة الفرات ترك الحرب برهة، فقال بعض أصحابه: لِمَ التواني في الحرب؟! ولقد أشاع بعض الناس أنّ عليّاً يخاف الحرب!، أو هو شكّ في كونه على حقّ؟!.

 

فخطب (عليه السلام) في الناس وقال: «أَمَّا قَوْلُكُمْ أَكُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَالله مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ فَوَالله مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا»[100].

 

دعوة القائد دام ظله لليقظة والحذر

 

يقول وليّ أمر المسلمين السيّد عليّ الخامنئيّ (دام ظله):

 

"اعلموا أنّ هؤلاء لا يزالون يضعون الخطط على الدوام. وهم ينهزمون دوماً، وأقول لكم هؤلاء في النهاية سيُهزمون. ولكن درجة اليقظة لدينا والتنبُّه لهما دور مباشر في درجة الخسارة الواردة.

 

«إذا كنّا متيقّظين فلا يستطيعون أن يوصلوا الضرر إلينا، وإذا كنّا غافلين، ونتعامل بردّة فعل عاطفيّة ونعمل بدون تدبُّر، أو ننام وما شابه فإن مستوى الضرر سيكون مرتفعاً، وإن كانوا في النهاية لن يوفّقوا»[101].

 

ـــــــــــــــ

 

[1] مقاييس اللغة، ج4، ص472.

 

[2] المصباح المنير، ج7، ص122.

 

[3] سورة العنكبوت، الآية: 2.

 

[4] سورة الأنفال، الآية: 39.

 

[5] سورة المائدة، الآية: 41.

 

[6] سورة الذاريات، الآية: 13.

 

[7] سورة الأعراف، الآية: 27.

 

[8] نهج البلاغة، الحكمة: 1.

 

[9] م. ن، الخطبة: 171.

 

[10] نهج البلاغة، الخطبة: 50.

 

[11] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج28، ص68.

 

[12] خطبة صلاة الجمعة في طهران بإمامة السيّد القائد، 8/5/1378ش.

 

[13] نهج البلاغة، الخطبة: 93.

 

[14] نهج البلاغة، الحكمة: 15.

 

[15] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، ج5، ص256.

 

[16] الأثرة: الاستبداد.

 

[17] نهج البلاغة، الكتاب 58.

 

[18] م. ن، الخطبة 166.

 

[19] سورة الأنفال، الآية: 25.

 

[20] نهج البلاغة، الخطبة 93.

 

[21] م. ن، الخطبة 108.

 

[22] نهج البلاغة، الخطبة 147.

 

[23] م. ن، الرسالة 62.

 

[24] م. ن، الخطبة 108.

 

[25] م. ن، الخطبة 158.

 

[26] سورة القصص، الآية: 83.

 

[27] نهج البلاغة، الخطبة 3.

 

[28] نهج البلاغة، الخطبة: 30.

 

[29] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، ج9، ص113.

 

[30] نهج البلاغة، الخطبة: 43.

 

[31] م. ن، الخطبة: 93.

 

[32] نهج البلاغة، الخطبة 182.

 

[33] نهج البلاغة، الرسالة 54.

 

[34] م. ن، الكتاب 137.

 

[35] م. ن، الرسالة 30.

 

[36] م. ن، الرسالة 55.

 

[37] م. ن، الخطبة 36.

 

[38] نهج البلاغة، الخطبة: 9.

 

[39] سورة الفرقان، الآية: 43.

 

[40] نهج البلاغة، الخطبة 3.

 

[41] م. ن، الرسالة 70.

 

[42] م. ن، الخطبة: 148.

 

[43] راجع: الخصال، الشيخ الصدوق، ص558.

 

[44] نهج البلاغة، من كلام له (عليه السلام) 50.

 

[45] سورة الإسراء، الآية: 9.

 

[46] نهج البلاغة، الرسالة 28.

 

[47] م. ن، الرسالة 48.

 

[48] م. ن، الرسالة 64.

 

[49] م. ن، الكتاب 122.

 

[50] م. ن، حكمة 198

 

[51] أبان بن تغلب من أعاظم أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) كذلك، وقد نقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) ثلاثين ألف حديث وعن الإمام الصادق (عليه السلام) 15 ألف حديث، وقد قال له الإمام الباقر (عليه السلام): "إجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك"، وعندما توفّي أبان قال الإمام الصادق (عليه السلام): "أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان". انظر: رجال النجاشي، ص10.

 

[52] رجال النجاشي، ص12.

 

[53] تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج4، ص333.

 

[54] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج2، ص105.

 

[55] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج1، ص97.

 

[56] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص314.

 

[57] م. ن، ج36، ص318.

 

[58] م. ن، ج40، ص126.

 

[59] نهج البلاغة، الخطبة: 50.

 

[60] الأمالي، الشيخ الطوسي، ص134. وتتمّة الرواية: "فقال (عليه السلام): يا حارث، إنّك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزت عن الحقّ، إن الحقّ والباطل لا يعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ باتباع من اتبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه".

 

[61] سورة مريم، الآية: 60.

 

[62] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج32، ص96.

 

[63] م. ن، ج21، ص388.

 

[64] الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص283.

 

[65] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج28، ص229.

 

[66] من كلام للسيّد القائد المعظّم في لقاء جمع من الطلبة وأهل العلم في الحوزة، 2/9/1388ش.

 

[67] نهج البلاغة، الخطبة: 38.

 

[68] نهج البلاغة، الخطبة: 137.

 

[69] م. ن، الرسالة 6.

 

[70] نهج البلاغة، الخطبة: 40.

 

[71] نهج البلاغة، الخطبة: 173.

 

[72] م. ن، الخطبة: 173.

 

[73] نهج البلاغة، الخطبة: 10.

 

[74] م. ن.

 

[75] م. ن، الكتاب: 62.

 

[76] نهج البلاغة، الخطبة: 10.

 

[77] لقاء أعضاء مكتب السيّد القائد وحرس المكافحة (وليّ الأمر)، 21/5/1388ش.

 

[78] لقاء أعضاء مكتب السيد القائد وحرس المكافحة (وليّ الأمر)، 21/5/1388ش.

 

[79] من كلام للسيّد القائد المعظّم في لقاء مجلس خبراء القيادة، 2/7/1388ش.

 

[80] نهج البلاغة، الخطبة: 183.

 

[81] سورة الطلاق، الآية 2.

 

[82] سورة الأحزاب، الآية 70.

 

[83] سورة المائدة، الآية 8.

 

[84] نهج البلاغة، الخطبة: 200.

 

[85] سورة الأنفال، الآية 29.

 

[86] نهج البلاغة، الخطبة: 5.

 

[87] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج44، ص76.

 

[88] اللدم: نحو من الضرب.

 

[89] يختلها: يخدعها.

 

[90] الراصد: الرقيب والذي يقعد بالمرصاد أي الطريق للحراسة.

 

[91] نهج البلاغة، الخطبة: 6.

 

[92] م. ن، الخطبة 43.

 

[93] م. ن، الخطبة: 54.

 

[94] ما لبّست على نفسي: ما خدعتها بالأماني ولا خدعتني بالكواذب.

 

[95] لأفرطنّ: لأملأنّ.

 

[96] ماتحه: مالئه.

 

[97] الصدور: ضد الورود، وصدر عنه رجع وانصرف.

 

[98] نهج البلاغة، الخطبة: 10.

 

[99] م. ن، الخطبة: 206.

 

[100] نهج البلاغة، الخطبة: 55.

 

[101] من كلام السيّد القائد دام ظله في لقاء الطلّاب والنخب العلميّة، 4/6/1388ش.