في ضوء الخطاب التاريخي للإمام الخامنئي أمام ضيوف المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينية (1/10/2011) وتأكيد سماحته الصريح على (أن فلسطين هي أرض إسلامية موحدة وغير قابلة للتجزئة، وأن حدودها تمتد من البحر إلى النهر) تتجلى عظمة الموقف الرسالي والريادي لقائد الثورة الإسلامية، ودوره المحوري في مضمار وضع الأمة بمواجهة مسؤولياتها الحقيقية بعيدا عن أدنى تفريط بالثوابت والمبادئ، ومهما كلف الأمر من صعوبات وضغوط وتضحيات غالية.

 

لقد عزَّزت كلمة السيد القائد قناعة راسخة في نفوس المسلمين وأحرار العالم بأن "إسرائيل" هي كيان مصطنع لا يتمتع بأية مشروعية، حتى ولو حشد الاستكبار العالمي جميع إمكاناته السياسية والدعائية والعسكرية من أجل تسويق هذه "الأكذوبة".

 

ففي عالم اليوم أضحت المصداقية هي الفيصل في تحديد هوية الأمم والشعوب، وقد نسفت السلوكيات العدوانية الصهيونية المدعومة بالانحياز الأميركي ـ الأوروبي المطلق، أية أرضية يمكن لإسرائيل التبجح بها إمام المجتمع الدولي للتظاهر بأنها (حمامة السلام)، أو تلك الدولة الضعيفة المقهورة التي تطوقها شعوب بدائية تريد إلقاءها في البحر – كما تزعم تل أبيب أمام أنصارها في الغرب ـ.

 

وقد أعاد القائد الخامنئي إلى الأذهان عبارة سيدنا الراحل الإمام الخميني (قدس سره الشريف)، في معرض تقييمه الماهية التدميرية للكيان الصهيوني الغاصب، عندما قال قولته المشهورة "إن إسرائيل غدة سرطانية لابد من إزالتها من الوجود" حيث ثنى السيد القائد على هذا الموقف التاريخي الخالد لمطلق الصحوة الإسلامية العالمية، بتأكيده على (وجوب تطهير فلسطين من دنس الصهاينة) محذرا في الوقت ذاته من أي مخطط يهدف إلى تقطيع أوصال هذا البلد الإسلامي، معلنا رفضه لتقسيم فلسطين إلى دولتين، مذكرا أيضا بأن إسرائيل برهنت خلال العقود الستة الماضية على عدم وفائها لكل المواثيق والأعراف الدولية، وأن المجازر والممارسات الوحشية التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين العزّل طوال أكثر من ستين عاما، تقطع الشك باليقين أن التفاوض معها والوثوق بالوعود التي تطلقها هي وحماتها الأميركيون والأوربيون، هو مجرد وهم وخرافة وحلم بعيد المنال، لان التجارب الماضية أثبتت أن الاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها مع المطبعين، لم تكن سوى حبر على ورق، وهي في قاموس الصهاينة وسيلة للتحايل والضحك على الذقون.

 

في هذا المجال أوضح الإمام الخامنئي أمام المؤتمرين وهم رؤساء برلمانات ونواب وزعماء حركات وفقهاء ومفكرون ومناضلون يمثلون 100 دولة، أن (الصهيونية تشكل خطرا أخلاقيا وسياسيا واقتصاديا على المجتمع البشري برمته، وثغرة يتسلل منها الاستكبار العالمي لبسط هيمنته ونفوذه في المنطقة)، مشددا على أن التمسك بالإسلام هو السلاح الأمضى لإجهاض هذا المشروع التوسعي، وإعادة الاعتبار إلى الأمة التي تعيش حاليا مكاسب الصحوة الإسلامية المباركة، باعتبارها – وكما قال السيد القائد – أسست لمرحلة مفصلية جديدة في حياة الأمة الإسلامية.

 

وأمام ضيوف مؤتمر طهران الدولي الخامس أيضا جدد السيد الخامنئي موقف إيران الداعم للقضية الفلسطينية موضحا أن طهران لم تتراجع عن هذه المسيرة حتى في أصعب الظروف وأدقِّها، ولاسيما عندما شن الطاغية المقبور صدام حسين حربه الشعواء على إيران وثورتها الفتية، بإيعاز من أميركا وبريطانيا والدول الاستكبارية. فقد تحملت الجمهورية الإسلامية هذه الطعنة الغادرة، وصمدت مدة ثمانية أعوام تكابد العدوان الغاشم على البلاد والعباد، لكنها لم تنثن عن معاضدتها الحقوق والتطلعات العادلة والمشروعة لأهلنا في أرض الإسراء والمعراج، وقد ضربت بذلك أروع الأمثلة في الإيثار والصبر على المحن والشدائد وفي مقدمة ذلك تجرع مرارة تواطؤ البعض من الجيران والحكومات العربية مع الإستراتيجية الأميركية والأوروبية المناوئة لإيران ومنجزاتها العظيمة في مختلف المراحل.

 

وفي معرض تنويهه إلى أهمية عنصر المقاومة في بعث العزة والشموخ في نفوس أبناء الأمة المحمدية الكريمة، اعتبر الإمام الخامنئي أن الانتصارات الباهرة التي حققها أبطال المقاومة الإسلامية الباسلة في لبنان وفلسطين، أعطت صورة واضحة عن تعاظم دور التضحية والنضال والانتفاضة في العالم الإسلامي، وهو ما انعكس لاحقا في الثورات الشعبية في تونس ومصر واليمن وسواها، ضمن تحرك تغييري عظيم أطاح بمعاقل عتيدة طالما حاربت الأمة وتطلعاتها، فكان جزاؤها السقوط والانهيار ومحاكمة التاريخ.

 

ومن وجهة النظر العقائدية فإن تبني إيران نهج التزام قضايا الحق والعدل والمساندة دفاعا عن المظلومين في الأرض، وفي مقدمهم الشعب الفلسطيني، يملي عليها قيادة وحكومة وشعبا حماية الناس المضطهدين في تلك الأرض المغتصبة التي تنشر إسرائيل انطلاقا منها الشر والعدوان والإرهاب في العالم الإسلامي. وعندما يحض الإمام الخامنئي على واجب مناصرة القضية الفلسطينية فإن أبناء الأمة الإسلامية يدركون بأن هذا الموقف لا تشوبه شوائب السياسات اللعينة، لأنه نابع من مقتضيات التكليف الشرعي التي يعرفها الولي الفقيه العادل الشجاع، والزاهد التقي، الذي يخاف الله سبحانه وتعالى ويخشى معصيته في كل حركاته وسكناته.

 

وتتصدى طهران ومعها كل القوى الخيرة، لسياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في ما يرتبط بقضايا المحرومية والاستضعاف، باعتبار أن قراراتها، لا تميز بين الجهاد المشروع للفلسطينيين والإرهاب الإسرائيلي، وهي تحكم مسبقا بالمساواة بين الضحية والجلاد، دون تحديد المعتدي الحقيقي، وهم الصهاينة المدججون بالمقاتلات والقاذفات والصواريخ والدبابات والمدرعات التي لا تستخدم إلا في الحروب النظامية.

 

 في حين أن المواطنين الفلسطينيين الذين يدافعون عن أرضهم وأهلهم وأعراضهم ويكابدون الغارات الجوية الغادرة والحصار الاقتصادي الجائر في قطاع غزة منذ عدة سنوات، لا يملكون سوى بعض الأسلحة التقليدية، ومع ذلك فأنهم صابرون ومرابطون، وقد اعتصموا بحبل الإيمان والثبات والاستقامة، وتجلببوا بجلباب التضحية والفداء في سبيل إحقاق حقوقهم المشروعة التي تتجاهلها القرارات الأممية باستمرار، على خلفية سيطرة النظام الرأسمالي العالمي على ما يسمى بمؤسسات الشرعية الدولية وقراراتها العمياء.

 

لقد حمل الإمام الخامنئي الأنظمة الرسمية في العالم الإسلامي مسؤولية تكثيف الجهود والمتابعات من أجل اتخاذ المواقف والإجراءات اللازمة لمكافحة التعجرف الصهيوني، وإجبار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، على لجم تمرد إسرائيل وكبح جماح غطرستها، كما استنكر تجاهل المجتمع الدولي لكل نداءات جماهير الصحوة الإسلامية الداعية إلى ردع الكيان الصهيوني عن مواصلة عمليات توسيع مساحات المستوطنات وتهويد المسجد الأقصى، وما ينطوي عليه من تخريب وحفريات بالأحياء والمقدسات الدينية.

 

أما على مستوى المستقبل فإن سماحة الإمام الخامنئي ـ وقد أكد ذلك في كلمته إمام ضيوف الجمهورية الإسلامية ـ يرى إمكانية تطور الوقائع على الأرض في زمن الصحوة الإسلامية، لصالح الجماهير والفصائل الإسلامية والوطنية في فلسطين، وخلافا لأهداف إسرائيل، لأن النتائج القائمة أظهرت قيمة الثورات الشعبية الهادرة وتأثيرها في تغيير المعادلات الإقليمية والدولية عبر هذه المواجهة المصيرية، كما هو الحال لما حصل صيف 2006 عندما مني الجيش الصهيوني المعتدي بهزيمة مخزية على أيدي المجاهدين اللبنانيين المؤمنين الذين بدورهم أهدوا هذا الانتصار الباهر إلى إخوة الدين والعقيدة في أنحاء العالم، وهم أكثر من مليار و500 مليون مسلم.