نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام عام 1403هـ

2007-08-27

نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت الله الحرام

ذي الحجة 1403 هـ ق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أُهنّئ جميع المسلمين بحلول عيد الأضحى الإسلامي الكبير، العيد الذي يُذكّر الأفراد الواعين بالتضحية الإبراهيمية، العيد الذي يقدم دروس الفداء والجهاد في سبيل الله المتعال إلى أبناء آدم وأصفياء الله وأوليائه؛ وعمق الجوانب التوحيدية والسياسية لهذا العمل لا يدركه سوى الأنبياء العظام والأولياء الكرام (عليهم الصلاة والسلام) وخاصّة عباد الله.

شيخ الموحدين ومحطم الأصنام العالمي هذا علّمنا وعلّم البشرية أنّ التضحية في سبيل الله ذات جوانب سياسية وقيم اجتماعية أكثر من الجوانب التوحيدية والعبادية.

علّمنا وعلّم الجميع أن نقدّم أعزّ ثمار الحياة في طريق الله، أن نفدي أنفسنا وأعزتنا ونقيم دين الله والعدل الإلهي، ثمّ نُعيّد.

بيّن لنا ذرية آدم أن مكة ومنى محل تضحية العاشقين، ومكان نشر التوحيد ورفض الشرك؛ والتعلّق والأعزّة شرك أيضاً.

لقّن أبناء آدم دروساً معطاءة في الجهاد على طريق الله و(علّمنا) أن نبلغ العالمين (دروس) التضحية والتفاني من هذا المكان، أن نقول للعالم: يجب التفاني من أجل الحق وإقامة العدل الالهي وقطع يد المشركين، وتقديم كل شيء حتى مثل إسماعيل، ذبيح الله، كي يبقى الحق خالداً.

محطم الأصنام هذا ونجله العزيز محطم الأصنام الآخر سيد الأنبياء محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) علّما البشرية أنّ الأصنام، مهما كان لونها، يجب أن تُحطَّم، والكعبة التي هي أم القرى وما امتدّ منها حتى آخر نقطة في الأرض وإلى آخر يوم من حياة العالم ينبغي أن تظهر من لوث الأصنام مهما كانت الأصنام، هياكل أم شمس أم قمر أم حيوان أم إنسان. وأي صنم أسوأ وأخطر من الطواغيت على مرّ التاريخ! ابتداءً من زمان آدم صفي الله ومروراً بإبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله (صلّى الله عليهم وآلهم أجمعين) حتى آخر الزمان حيث يرفع نداء التوحيد من الكعبة محطم الأصنام الأخير.

أليست القوى الكبرى في زماننا أصناماً كبرى تدعو الناس إلى طاعتها وعبادتها والخضوع إليها، وتفرض نفسها عليهم بالقوة والمال والتزوير؟!

مكة المعظمة هي المركز الوحيد لتحطيم هذه الأصنام؛ ابراهيم الخليل في أول الزمان وحبيب الله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وابنه العزيز المهدي الموعود (روحي فداه) رفعوا ويرفعون نداء التوحيد في آخر الزمان من الكعبة. قال الله تعالى لإبراهيم: {وأذّن في النّاس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق…}.

وقال: {… وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}.

وهذا التطهير يشمل كل الأرجاس وعلى رأسها الشرك المذكور في صدر الآية الكريمة.

وفي سورة التوبة نقرأ: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله …}.

والمهدي المنتظر على لسان كل الأديان وبإجماع المسلمين يرتفع نداؤه من الكعبة، ويدعو البشرية إلى التوحيد، والجميع يرفعون نداءهم من مكة؛ وعلينا أن نتبعهم، ونعلن كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة من ذلك المكان المقدس ونكسر الأصنام، وبالنداءات والدعوات والتظلم وفضح (الظالمين) وعقد الاجتماعات الحية المدوّية في محل تجمع المسلمين بمكة المكرمة، وندمي الشياطين وعلى رأسهم الشيطان الأكبر في "العقبات" ونطردهم، ليكون حجّنا حج خليل الله وحبيب الله وولي الله المهدي العزيز وإلاّ قيل في حقنا "… ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج…"!!

من المؤمل أن يدعو حجاج بيت الله المحترمون من أية فرقة كانوا ومن أي مذهب، في المواقف والمشاعر المحترمة بشكل جماعي لنصرة الإسلام على الكفر العالمي، ويرفعوا صوتهم ويدعوا بصوت بليغ ليقظة المسلمين وحكوماتهم. لعلّ الله ببركة الدعاء في مهبط الوحي ومحل كسر أصنام الجاهلية، يتفضل ويعيد مجد وعظمة صدر الإسلام إلى المسلمين، ويقطع أيدي الأجانب والطامعين من بلاد الإسلام ويغدق رحمته على عامة المسلمين، إنه غفور رحيم.

وثمة موضوعات يلزم أن أذكّر بها حجّاج بيت الله الحرام وعامة المسلمين، وإن طرحت كراراً:

1 ـ من الأمور المهمة التي يلزم الحجاج المحترمين وعلماء القوافل أن يصرفوا وقتهم الشريف فيها، تعليم وتعلّم مسائل الحج، فالتقصير فيها قد يؤدي إلى مشقة كبيرة، مثل بطلان الحج أو البقاء في الإحرام.

على العلماء الأعلام في القوافل أن يدعوا حجاج قوافلهم ويعقدوا لهم مجالس درس للمناسك، ويجب على الحجّاج أن لا يقصّروا لحظة في التعلم، وأن يبذلوا ما بوسعهم في التلقّي ويؤدوا مناسكهم عن علم بالمسائل.

2 ـ كلّنا نعلم وعلينا أن نعلم أنّ ما جرى على المسلمين منذ قرون، وخاصة خلال القرن أو القرنين الأخيرين، حيث انبسطت يد الحكومات الأجنبية في البلدان الإسلامية، وخيّمت ظلالهم المشؤومة لتنشد الظلمات في بلاد المسلمين، وأبادت ذخائرهم التي وهبها الله لهم وتبيدها باستمرار، (إنّما كان بسبب) غفلة المسلمين عن المسائل السياسية والاجتماعية الإسلامية، (هذه الغفلة) فرضت على الجماهير المسلمة المحرومة بواسطة المستعمرين وعملائهم المتغربين والمستشرقين، حتى إن أغلب علماء الإسلام ظنّوا ويظنّون أن الإسلام منزّه من السياسة، ولا يجوز للإنسان المسلم أن يتدخل في السياسة!

الطامعون المحتالون سعوا أن يحرفوا الإسلام كالمسيحية بيد عملائهم المسمّين بالمثقفين، ويدفعوه إلى الانزواء، ويحصروا العلماء في إطار المسائل العبادية، ويقيدوا أئمة الجماعات في المساجد ومجالس العقد والزواج، ويجعلوا المتدينين منهمكين في الذكر والدعاء؛ والشباب الأعزاء في اللّهو والمجون، ويخرجوهم من ساحة الشؤون السياسية والاجتماعية ومن الاهتمام بشؤون المسلمين ومشاكل البلاد الإسلامية. وقد نجحوا أيّما نجاح في هذا الأمر، واستغلوا جهلنا وغفلتنا، وجّروا بلاد المسلمين إلى الاستعمار، أو الاستغلال، واستخدموا كثيراً من سلاطين المسلمين وحكامهم، وعلى أيديهم جرّوا الشعوب إلى الاستضعاف والاستغلال، وأصبحت التبعية ومظاهر الفقر والفاقة وتبعاتها تخيّم على الجماهير المكبّلة. واليوم أيضاً تستمر غفلة المسلمين، ويواصل عملاء الاستعمار دعاياتهم وتتمادى القوى الكبرى في سيطرتها ونهبها، كما يعمق وعّاظ السلاطين العملاء تراجع المسلمين وجهلهم وغفلتهم و{… إنا لله وإنا إليه راجعون}.

3 ـ من المسائل التي تحول دون نشاط المسلمين والمستضعفين في العالم للخروج من قيود وأغلال المستغلِّين، وتبقيهم في حالة ركود وتخلف، هي الدعايات الواسعة التي يقوم بها المتغربون والمستشرقون، إما بأمر من القوى الكبرى أو عن ضيق أفقهم، في جميع أنحاء العالم الإسلامي والمستضعف، والدائرة حول: أنّ العلم والمدنية والتطور خاص بالجناحين الأمبريالي والشيوعي؛ وهؤلاء ـ وخاصة الغربيين والأمريكيين ـ ذو عنصر أسمى، والباقون من عنصر رديء وناقص، وإنّما تطور أولئك بسبب سموّ جنسهم، وتأخر هؤلاء بسبب نقص عنصرهم؛ بعبارة أخرى أولئك بشر متكاملون، وهؤلاء في حالة تكامل وسيبلغون التكامل النسبي بعد ملايين السنين! ومن هنا فالسعي من أجل التطور غير ذي جدوى، ولابد من التبعية للغرب الرأسمالي أو الشرق الشيوعي؛ أي ليس لدينا شيء من أنفسنا، ولابد أن نأخذ كل شيء من القوى الكبرى الغربية أو الشرقية؛ العلم، المدنية، القانون، التطور... وترون هذا اليوم الأسود الآن، حيث بسبب هذا التفكير الذي فرضوه علينا يقل اقبال الزبائن على شراء البضائع الممتازة الداخلية والتي لا ينقصها سوى أنها داخلية، وهذه نفسها إن وضع عليها اسم غربي يزداد زبائنها! الأقمشة الايرانية يجب أن توضع في حاشيتها حروف أجنبية ولاتينية كي تجد لها مشترين، والأمراض التي تعالج بشكل جيد في داخل البلاد، يجب أن تعالج في الخارج! وهذا اللون من الفهم يسود (بيننا) في وقت يذهب فيه بعض العلماء والكتاب غير المسلمين إلى أن المدنية والعلم انتقلا من الإسلام إلى أوربا، وكان المسلمون سبّاقين في هذا المضمار مستدلين على ذلك بشواهد حيّة.

لابدّ أن نقول إن جامعاتنا كانت تدار بأيدي مجموعة متغربة مهزومة أو عميلة، وكان العلماء الملتزمون أقلية، وكانوا قد سلبوهم القدرة، وتلك الأكثرية المتغربة كانت تجعل الشباب مبهورين بالغرب، وترسلهم أفواجاً إلى الخارج؛ وفي الخارج كانت اليد الاستعمارية تفعل فعلها، وتبقي الشباب في المستوى الذي يريده المستعمرون، ويعيدونهم إلى بلدانهم محمّلين بالأفكار الغربية وغير الإسلامية وغير الوطنية. وتلك مأساة القرن الأخير للبلدان الإسلامية وأمثالها، فافهم التفاصيل من هذا الموجز.

4 ـ من الموانع التي تحول دون تصدي المسلمين للدفاع عن بلدانهم هي الدعايات الواسعة الرامية إلى تضخيم القوى الأجنبية؛ فيما مضى كانوا قد صنعوا من البريطانيين بيد ما يسمى بالمثقفين والدارسين المتغرّبين عملاقاً، فرضوا على الحكومات الغافلة والشعوب المكبّلة (قبول هذه الفكرة) وهي: أنهم لو تكلّموا مع فرّاش سفارة بريطانيا بكلمة حادّة فإن ايران تتعرض للفناء! وأن علم السفارة إذا رفرف على بيت أي مجرم فسيصان من العقاب! وإشارة سفير بريطانيا إلى الحكومة وإلى رئيس الوزراء كانت كافية لتنفيذ الأوامر تنفيذاً أعمى.

واليوم قد صنعوا من هاتين القوتين الكبريين وخاصة أمريكا في بلاد المسلمين مثل ذلك العملاق بل أكبر جثة وأطول قرناً، ويظنون أنهم لو قالوا لأحد هذين القطبين كلمة ولو صغيرة فإن البلاد ستباد. وبأوهام فجّة، ومقارنة عصرنا الراهن بالعصور السابقة وترويج العملاء المتغربين لمثل هذه الاشاعات، جعلوا المسلمين يائسين من الدفاع عن حقوقهم، وجريمة هؤلاء المهزومين المتظاهرين بالوطنية لا تقل عن المجرم الأصلي.

5 ـ ما العمل اليوم؟ ومن أجل تحطيم هذه الأصنام، ما الواجب الملقى على عاتق مسلمي العالم والمستضعفين؟ أحد طرق العلاج، الذي هو أساس كل علاج والقاضي على جذور كل المشاكل والحارق لأساس الفساد، هو وحدة المسلمين بل جميع المستضعفين والمقيّدين بالأغلال في العالم. وهذه الوحدة التي حثّ عليها الإسلام الشريف والقرآن الكريم، تتحق بالدعوة والتبليغ الواسع، ومركز هذه الدعوة مكة المعظمة في زمن اجتماع المسلمين لأداء فريضة الحج؛ بدأ بها إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله ويواصلها في آخر الزمان بقية الله (أرواحنا لمقدمه الفداء). الخطاب يوجّه إلى إبراهيم خليل الله أن يؤذن في الناس بالحج ليأتوا من كل أقطار العالم ويشهدوا منافعهم، وهذه منافع المجتمع؛ المنافع السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية. ليأتوا ويشهدوا أنك أنت النبي قد قدمت أعز ثمار حياتك في طريق الله، وعلى جميع ذرّية آدم أن يتأسّوا بك، ليشهدوا أنك كسرت الأصنام، وألقيت ما سوى الله جانباً، شمساً كان أم قمراً أم هياكل أم حيوانات أم بشراً، وقلت، وحقاً قلت: {.. وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين…}. وعلى الجميع أن يتأسّوا بشيخ التوحيد وشيخ الأنبياء العظام.

في سورة التوبة حيث الدعوة إلى مجمع عام في مكة نقرأ {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر أنّ الله بريء من المشركين ورسوله…}.

إعلان البراءة من المشركين في موسم الحج، وهو إعلان سياسي ـ عبادي، أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ولابد أن يقال ـ في هذه الحالة ـ لذلك الواعظ العميل الذي يرى الهتاف ضد أمريكا واسرائيل والاتحاد السوفيتي خلافاً لمراسم الحج:

هل التأسي برسول الله واتباع أمر الله مخالف لمراسم الحج؟!

هل أنت وأمثالك من الوعّاظ الأمريكيين تخطّئون فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الله؟!

هل التأسي بتلك الشخصية الكبرى وإطاعة أمر الله تعالى مخالف للإسلام؟!

أتنزهون مراسم الحج من البراءة من الكفار؟!

أتغطون على أوامر الله ورسوله من أجل مصالحكم الدنيوية! وترون البراءة من أعداء الإسلام ومن محاربي المسلمين ومن الظالمين ولعنهم كفراً؟!

نأمل أن لا تصغي الحكومة السعودية لوسوسة هؤلاء الوعّاظ الغافلين عن الله، وأن تطلق الحرية للمسلمين ـ كما وعدت ـ في مراسم الحج والبراءة من الكفار والمشركين، وتنسجم في هذا العمل خاصة مع الحجّاج الإيرانيين والفلسطينيين واللبنانيين والأفغانيين الذين تعرضوا لعدوان الكفار، ليعلنوا بصوت واحد عن العدوّ المشترك لجميع المظلومين.

وأنا أطلب بشكل مؤكد من الحجّاج الايرانيين وسائر حجّاج بيت الله الحرام أن يراعوا النظم والهدوء، ويعملوا بأوامر مندوبي فضيلة حجة الإسلام السيد الموسوي الخوئيني، وأن يعتبروا كل المسلمين إخوة لهم ويتعاملوا معهم بشكل يليق بمسلم ملتزم.

من المؤمل أن الحكومة السعودية تنسق أيضاً مع الحجاج الايرانيين الذين ليس هدفهم سوى التظلّم من الظالم الغدّار المعتدي على البلدان الإسلامية المتدخل دون مبرّر في شؤونهم؛ وبالتعاون ووحدة الخطى والكلمة يدينون الكفار المعتدين على حرمة الإسلام ليكون حج هذا العام إن شاء الله بشكل يرضي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 ـ من الأمور التي يلزم التذكير بها لقيام المسلمين والمستضعفين في العالم ضد الطامعين الدوليين والمستكبرين المسعورين، أن القوى الظالمة تنفذ أهدافها المشؤومة بشكل عام عن طريق التخويف والتهديد أو بواسطة أبواقهم الإعلامية أو بواسطة عملائهم المحليين الخونة، بينما لو وقفت الشعوب بوعي ووحدة أمامهم لما استطاعوا أن ينفذوها، والشواهد على ذلك كثيرة، وأحسن شاهد على ذلك في دول المنطقة ايران وأفغانستان.

ايران ـ كما نعلم وتعلمون ـ كانت مستسلمة تماماً لأمريكا، وكان الشاه المخلوع الخائن قد جعل هذا البلد في جميع الأبعاد تابعاً لأمريكا، وايران كانت قاعدة عسكرية لأمريكا.. الجيش بيد مستشاريها، والثقافة بيد المأجورين، والشاه والحكومة والمجلس كانوا من الخدم والمستسلمين، والاقتصاد في تبعية لمن هو أسوأ منهم، والشاه المخلوع في المنطقة أقوى شرطي، وحماته أمريكا والبلدان التابعة الأخرى. ومن حيث المعدات العسكرية.. كان غنياً جداً، مع ذلك فالشعب الايراني العظيم الفاقد للقدرة العسكرية والمعدات والتنظيم، وبيد خالية وإيمان قوي مستلهَم من الإسلام، وبعزم راسخ وبالاعتماد على الله وعلى النفس، حطّم في مدة قصيرة بشكل اعجازي الأصنام الوهمية المصنوعة بيد المتغربين، وطوى صفحة الظلم التي امتدّت ألفين وخمسمائة عام، وألغى أسطورة صنّاع التأريخ ونحتة الأصنام.

وأفغانستان تصدّت بقدرة الإيمان والاتكال على الله للهجوم الخياني للاتحاد السوفيتي تلك القوة الاسطورية، وللجيش المقتدر للحكومة الغاصبة والحزب الخائن، بحيث ينبغي أن نقول إن الاتحاد السوفيتي يعيش في ندم واضطراب لهجومه الظالم، وهو متحيّر كيف يخرج من أفغانستان دون إراقة ماء الوجه.

وهكذا، فالشعب المقتدر والعلماء الملتزمون هم الذين طردوا فرنسا وبريطانيا الغاصبة من الجزائر والعراق.

هذه وأمثالها كافية لتحطيم سدود الرعب الوهمية المصنوعة بيد المستعمرين والمستغلّين، ولإيقاظ المسلمين والحكومات الإسلامية من نومهم الثقيل، ولإبطال الطلسم المزيف والسحر الشيطاني، ولإخراج المسلمين والحكومات الإسلامية التي تمتلك مليار إنسان وشريان حياة الشرق والغرب والأراضي الواسعة الغنية، من سحر الارعاب والتخويف، ولأخذ العبرة من ايران التي قطعت، بسكانها القليلين البالغين بضعاً وثلاثين مليون، يد كل القوى من أرضها وكسرت كل القيود والاغلال الاستعمارية، وطردت جميع المستشارين والغزاة من الوطن العزيز، وللإعراض عن الأبواق الاستعمارية التي تصف ايران، بصوت واحد منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية حتى الآن، عن طريق نشر الإشاعات والأكاذيب، بأنها بلد يشرف على السقوط والافلاس، وليثمنوا هذه القدرة الإسلامية التي هدفها اعلاء كلمة المسلمين وقطع يد الظالمين كي لا تمتد إلى ثرواتهم الموهبة لهم، وتعمل باستمرار على احلال السلام والصفاء والأخوة الإيمانية بين الإخوة المسلمين؛ وليعملوا أن البلدان المقتدرة الانتهازية التي لا هدف لها سوى السيطرة على البلدان الإسلامية والمستضعفة تبقيهم في مواضع الشدة وحيدين، وليس لكلمة الوفاء معنىً في قاموسهم.

7 ـ لو تحققت ـ إن شاء الله ـ الوحدة بين المسلمين وبين حكومات البلدان الإسلامية، وهو ما أراده ـ الله ورسوله وأمرا واهتمّا بها ـ تستطيع حكومات البلدان الإسلامية بمساندة الشعوب أن يكون لها جيش دفاعي مشترك احتياطي يزيد عدده على مئة مليون مدّرب، وجيش من مئات الملايين في خدمة العلم، وبذلك تكون لهم أكبر قوة في العالم. واليوم ـ إذ لم يحصل هذا ـ تستطيع الحكومات الإسلامية في المنطقة وأطرافها أن يكون لها جيش احتياطي من عشرات الملايين، وجيش من أكثر من عشرة ملايين مجنّد تحت خدمة العلم للدفاع عن البلدان الإسلامية، وهذا أيضاً يفوق القوى؛ ومن المؤمل أن تفكر حكومات المنطقة في هذا الأمر وتخطط له في ظل راية الإسلام فقط بمعزل عن (الفوارق) اللغوية والعنصرية والطائفية، لتنجو من عار الخضوع للقوى الكبرى ولتذوق حلاوة الاستقلال والحرية. ويلزم لإيجاد مثل هذه القوة أن تدرس كل حكومة بالتفاهم مع شعبها مثل هذا المشروع الحيوي للدفاع عن وطنها وتستوحي هذا الأمر من البلد الإسلامي ايران الذي يدافع عن نفسه وعن إخوته المسلمين.

ايران اليوم، مع كل مشاكلها ومصاعبها وما يواجهها من عقبات وحصار، تستهدف أن تدرب جميع شبابها عسكرياً، وحسب التقارير تدرب حتى الآن ما يقارب من مليون مقاتل احتياط يهبّون حاملين السلاح للدفاع عن وطنهم الإسلامي متى ما لزم (الأمر) وأوعز إليهم بذلك. الحكومات الإسلامية و(حكومات) المنطقة هي أيضاً بإمكانها ـ إن عاملت الشعب كمعاملة حكومة ايران وكانت إلى جانب الشعب وأحسّ الشعب بخدمتها أيّاه ـ أن يكون لها في بلدانها مثل ذلك، ويصبح ذلك مقدمة لما أمر به الإسلام العظيم.

وإنه ليستوجب الأسف أن الإسلام مجهول في جميع أبعاده، وظلّ طوال التأريخ خلف حجب الاستعمار.

أسأل الله العظيم أن يزيح هذه الحجب السوداء ويقرّ عيون المسلمين بجمال الإسلام الجميل، ليعلم العالم ما جاء به الإسلام إلى العالم.

والذي تستهدفه التعاليم الإسلامية هو التعايش السلمي على المستوى العالمي؛ ومن المؤمل أن يتحقق ذلك بتعجيل ظهور مهدي آخر الزمان (أرواحنا فداه)، ووصول البشرية إلى الكمال والسعادة الأخروية، وفّق الله الجميع لذلك.

8 ـ على المسلمين وخاصة مظلومي المنطقة أن يعلموا أن اسرائيل، بتغيير الوجوه الذي قد يستهدف خداع المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين، لا تكفّ عن متابعة هدفها المشؤوم المتمثل بالسيطرة على بلدان المسلمين من النيل إلى الفرات، وأمريكا التي تبرز مخالبها وأنيابها في المنطقة تساند بشكل كامل رموزاً كإسرائيل التي تنفذ جرائمها في المنطقة، ولا يجوز أن نبعد ألاعيبهم السياسية عن أنظارنا؛ والذين يساندون اسرائيل يجب أن يعلموا أنهم بحمايتهم لها يقوّون أفعى قاتلة، إن واتتها الفرصة ـ لا سمح الله ـ تهلك الحرث والنسل في المنطقة. يجب عدم اتاحة الفرصة لهذه الأفعى الزاحفة الخطرة. وكذلك صدام المجرم ـ إن واتته الفرصة ـ فخطره لا يقل عن خطر اسرائيل. ويلزم من أجل استتباب أمن المنطقة الآن، حيث أوصلت القوات الايرانية المسلحة ـ أيّدها الله تعالى ـ بمساعدة الله المتعال، جرثومة الفساد هذه إلى شفا هاوية الهلاك، وجعلت من بطل القادسية موجوداً بائساً، أن تكف دول المنطقة عن مساعدته، فبذلك صلاح دينهم ودنياهم، وإن سنحت له الفرصة فإنه لا يرحم أية حكومة من حكومات دول الخليج الفارسي وغيرها.

لقد رأيتم أنه الآن، إذ يواجه هزيمة نكراء، قال في كلمة: "على العرب أن يقبلوا زعامة العراق!!" ولا تشكّوا أنه لو أتيحت له القوة فلا يكتفي بالقيادة.

إن الدول التي تلقت صفعة من ايران تخوفكم عبر أبواقها الدعائية من ايران من أجل مصالحها ولإيقاع الشعوب أكثر في الانحلال؛ ولكن على الحكومات أن تعلم أن إيران ـ اتباعاً لتعاليم الإسلام ـ تعاملم جميعاً ـ إن انصاعوا للمعايير الإسلامية ـ بالأخوة والمساواة. إلاّ أنها لا تسمح لنفسها إطلاقاً أن تسالم شخصاً أنزل بنا كل هذه الخسائر والجرائم. والشعب العراقي العزيز يترقب انتصار ايران ليتخلصوا من لدغ هذا العقرب السامّ؛ ونأمل باذن الله أن لا يطول هذا الانتظار {… أليس الصبح بقريبٍ}؟!.

9 ـ على الحجاج الايرانيين المحترمين وزوّار الحرمين الشريفين أن يعلموا أنهم يتجهون إلى زيارة بيت الله والحرم الشريف لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور أبناء الرسول العظام (صلوات الله عليهم) من بلد ثار لتحقيق الأهداف الإسلامية وطرد الظالمين من الوطن العزيز، وهم محطّ أنظار الإخوة المسلمين من جميع أنحاء العالم، ووكالات الأنباء وصنّاع الأكاذيب والأبواق الدعائية لأعداء الإسلام لهم بالمرصاد يراقبون أعمالهم وأقوالهم، ومستعدون ليصنعوا من القشّة جبلاً، وليملأ العالم بإشاعاتهم. وفي هذه الحالة فإنّ أدنى انحراف وخطأ وعثرة تصدر عنهم ـ إضافة إلى أنها أمام الله العظيم ورسوله الكريم ـ هي في حضور سائر زوّار الحرمين الشريفين، وستكون بعوارضها ذنباً كبيراً وخطأ عظيماً، لأنّ بعض الأعمال والأقوال ـ إضافة إلى عدم تناسبها مع حرمة الحرمين الشريفين ـ تؤدي إلى وهن الجمهورية الإسلامية، ولا سمح الله، إن هذه الجمهورية الإسلامية التي قامت لإعلان حاكمية الله وتطبيق أحكام القرآن السماوية المقدسة تضره بوجه آخر بواسطة أعمال هؤلاء وتصرفاتهم؛ وهؤلاء المترقبون للمعايب والثغرات والمطاعن يبدأون بنشر الإشاعات ضد الإسلام والجمهورية الإسلامية وبتشويه وجه الإسلام النيّر والجمهورية الإسلامية، فتسجل ذنوبهم في صحيفة أعمال هؤلاء الذين ذهبوا لأداء عبادة وفريضة الحج!

يلزم الحذر من وقوع أعمال غير مدروسة أو طرح أقوال باطلة، وعلى كل شخص أن يراقب أصدقاءه والقريبين منه، وينهجوا الخطط الإنسانية، الإسلامية الصحيحة التي توضع من قبل ممثلي سماحة حجة الإسلام السيد الموسوي الخوئيني، وأن لا يتعدّوها، فيؤدي إلى الهرج والمرج وإلى إزعاج الزائرين.

وعلى الشرطة السعودية ومسؤولي أمور الحج والزيارة والحكومة السعودية أن يفهموا أنّ الحجّاج الايرانيين جاؤوا من بلد ثوري عانى من ظلم الغرب والشرق ونهبهم، وأنقذ نفسه بتأييد الله تعالى وبنهضته العامة من براثن القوى الكبرى، ونال الاستقلال والحرية بالهمّة الفائقة للرجال والنساء والصغار والكبار، وبدّل نظام الشاه الأمريكي الظالم إلى نظام إسلامي جماهيري، وطرد المستشارين والجواسيس الأمريكيين والسوفيت أو اعتقلهم، (أن هؤلاء قد جاؤوا) للتشرف بزيارة بيت الله الحرام والمرقد المطهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة المسلمين (عليهم السلام)، انهم ضيوف الله ورسوله، وإهانتهم والتعدّي عليهم إهانة وتعدّ لأصحاب ضيافتهم العظام، خاصة ان هؤلاء الضيوف جاؤوا ليلبّوا ـ مع أداء مناسك الحج ـ نداء ابراهيم خليل الله ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتلبيتهما تلبية لله تعالى.

تعاملوا مع أولئك الذين هاجروا {… من كل فج عميق} نحو الله ورسوله الأعظم بلطف وصفاء ومحبّة وأخوة إسلامية، ولا تؤذوا ضيوف الله ورسوله.

هؤلاء جاؤوا لأداء مناسك الحج والبراءة من المشركين والكافرين الذين تبرّأ منهم الله ورسوله.

اعتزّوا بهؤلاء الضيوف الملتزمين، واستفيدوا من قدرة نظام إسلامي مقتدر لقمع عدّو الإسلام والمسلمين، اسرائيل الغاصبة، ولقطع يد سيدتها أمريكا رأس أعداء الإسلام والبلدان الإسلامية، وبدّلوا مكة، بالتنسيق بين حجّاج أرجاء العالم، إلى مركز للصرخة بوجه الظالمين، فذلك واحد من أسرار الحج، والله غنيّ عن تلبية البشر وعبادتهم.

إلهي!

احفظنا من أتباع الشيطان والنفس الأمّارة.

صُنّا من حب الجاه والمقام والدنيا والذات.

أنقذ حكومات البلدان الإسلامية من الخوف أمام القوتين اليسارية واليمينية، وعرّفهم واجباتهم الإسلامية الإنسانية.

واهد الشعوب وحكومات البلدان الإسلامية لتحقيق الوحدة والأخوّة.

وتفضّل برحمتك وعطائك الخاص على الحجّاج الايرانيين الذين يتحملون على طريق هدفك الكبير العناء والتعب والاهانة والسجن والقسوة.

واقطع يد الطامعين من بلاد المسلمين.

واهدنا إلى مراضيك.

وانصر جيوش الإسلام في الدفاع عن أراضيهم وعن مظلومي المنطقة.

واخذل اسرائيل الغاصبة المعتدية وأمريكا وروسيا الظالمتين.

وشدّ أزر الإسلام والمسلمين، واحفظهم من شرّ الأجانب، إنّك ولي النصر والنعمة. والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أوليائه المعصومين سيّما بقية الله في الأرضين (أرواحنا فداه).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

روح الله الموسوي الخميني