القسم الأول: نقاط بشأن الثقافة والآداب الفرنسية القسم الثاني: العلاقات بين فرنسا والجمهورية الإسلامية الإيرانية القسم الثالث: دعم فرنسا لجرائم الكيان الصهيوني القسم الرابع: الأوضاع في فرنسا القسم الخامس: مقارنة الثورة الفرنسية بالثورة الإسلامية في إيران

القسم الأول: نقاط بشأن الثقافة والآداب الفرنسية

فكتور هيجو راوية فنان لبطولات الشعب الفرنسي في حملة نابليون على روسيا من كلمته في لقائه عدداً من المدراء والناشطين الثقافيين في مضمار الدفاع المقدس بتاريخ 27/09/2000 م لاحظوا الأعمال الفنية الكبرى في العالم، الكثير منها تركّز على بطولات الشعوب، حتى عندما تمنى تلك الشعوب بالهزائم. في ما يخص هجوم نابليون على روسيا هناك راويان فنيان كبيران لهذا الحدث أحدهما فرنسي هو فكتور هوغو، والثاني روسي - الطرف المنهزم الذي انهزم في بداية الأمر - هو تولستوي. الطرف المنتصر قد يطلق بعض التقارير عن الحدث طبعاً، ولكن لاحظوا أنه في كتاب ذلك الطرف المهزوم يجري تصوير تلك الهزيمة بنحو يبعث على شموخ الشعب المهزوم وكبريائه. بمعنى أن الفنان يستخرج من تحرك الشعب تلك النقاط القيمة التي يمكن له أن يراها، ويبرّزها ويسلط الأضواء عليها ويجليها ويجعلها براقة بألوانها، ويعرضها على الأنظار.

الفرنسي جان بول سارتر خدعوه أيضاً في ما يخصّ موضوع فلسطين من خطبتي صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 31/12/1999 م

كان للهيمنة الصهيونية الغاصبة على فلسطين ثلاثة أركان: أحد الأركان الثلاثة هو القسوة تجاه العرب. تعاملهم مع أصحاب فلسطين الأصليين كان قاسياً وشديداً وعنيفاً. لم يكونوا يرأفون بهم أو يدارونهم أبداً. والركن الثاني هو الكذب على الرأي العام العالمي. وقد كان في هذه الأكاذيب على الرأي العام العالمي الكثير من الأعاجيب. لقد كذبوا بواسطة وسائل الإعلام الصهيونية التي كانت بيد اليهود - كانت هذه الأكاذيب تطلق قبل ذلك وبعده - إلى درجة أنهم أخذوا أحد الرأسماليين اليهود بسبب هذه الأكاذيب! والكثيرون صدقوا أكاذيبهم هذه. وحتى هذا الكاتب الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي - جان بول سارتر - الذي كنا نحن أيضاً في شبابنا لفترة قصيرة من المعجبين به وبأمثاله، استطاعوا أن يخدعوه. جان بول سارتر هذا كتب كتاباً قرأته قبل ثلاثين سنة. كتب يقول: «شعب بلا أرض وأرض بلا شعب»! أي إن اليهود شعب بلا أرض، وجاءوا إلى فلسطين التي كانت أرضاً بلا شعب! ما معنى أنها كانت أرضاً بلا شعب! كان هناك شعب يعمل، وهناك شواهد كثيرة. يقول أحد الكتاب الأجانب إن مزارع القمح كانت في كل أرض فلسطين أشبه بالبحر الأخضر الذي يشاهد على مدّ البصر. ما معنى أرض بلا شعب؟! لقد أوهموا العالم أن فلسطين كانت أرضاً متروكة خربة بائسة، وجئنا نحن فعمّرنا تلك الأرض وأحييناها! كذب على الرأي العام! كانوا يحاولون دوماً أن يظهروا بمظهر المظلوم، وهكذا هم اليوم أيضاً! في هذه المجلات الأمريكية - مثل التايم ونيوزويك - التي اطلع عليها أحياناً، إذا وقع أبسط حدث لعائلة يهودية يضخّمون صور الأطفال وتفاصيلهم وأعمارهم ومظلوميتهم، لكنهم لا يشيرون حتى أبسط إشارة إلى مئات بل آلاف حالات القسوة ضد الشباب الفلسطينيين والعوائل الفلسطينية والأطفال الفلسطينيين والنساء الفلسطينيات داخل فلسطين المحتلة وفي لبنان!

محاكمة الفرنسي روجيه غارودي نموذج للحرية الغربية من كلمته في لقائه أهالي مشهد وزوار الإمام الرضا (ع) في الحرم الرضوي الطاهر بتاريخ 21/03/1999 م

في البلدان الغربية اليوم لا يسمح للصحف بنشر أشياء سلبية ضد الصهاينة! يكتب أحدهم في كتاب له إن اليهود ضخموا المذابح* التي ارتكبها ضدهم هتلر في الحرب العالمية الثانية. وإذا بهم يوقفون ذلك الكتاب، وليس هذا وحسب بل يأخذون الكاتب للمحاكمة! هكذا يتصرفون هم أنفسهم تجاه الحرية! ثمة اليوم في أنحاء العالم بلدان تحت مظلة الدعم الأمريكي وو مظلة هؤلاء السادة الذين يتشدقون بالحرية لا يسمح فيها لأحد حتى بكتابة سطر واحد خلافاً لما يراه الحكام في تلك البلدان! في أوساطهم وفي صلاة الجمعة تعطي الأجهزة الاستخبارية خطيب صلاة الجمعة ورقة ليقرأها على المنبر! إذا كنتم أنصاراً للحرية فلماذا لا تتحدثون عن هذه الأمور؟ لقد أحرز الشعب الإيراني هذه الحرية منذ عشرين سنة. لقد منحتنا الثورة الحرية والقدرة على التعبير عن الرأي والشجاعة. لقد حرّرنا الإسلامُ. والآن صار الأمريكان أنصاراً لشعار الحرية ويريدون باسم الحرية بث الخلافات والنزاعات بين الناس! لماذا تشيعون الخلافات؟ من أجل أن لا يستطيع مسؤولو البلاد القيام بمهامهم. ولهذا أؤكد على وحدة الكلمة. * روجيه غارودي كاتب فرنسي مسلم كان هذا رأيه في كتابه الأخير فأقاموا له محكمة!

ميشيل زيفاغو وفكتور هوغو كاتبان فرنسيان معروفان قرأتُ كتبهما. من حوار صميمي لقائد الثورة الإسلامية مع جماعة من الشباب والأحداث بتاريخ 03/02/1998 م

ثمة كاتب فرنسي معروف هو ميشيل زيفاغو له الكثير من الكتب. لقد قرأت معظم رواياته في تلك الفترة. وكاتب فرنسي معروف آخر هو فكتور هوغو استعرت كتابه «البؤساء» لأول مرة من مكتبة الروضة الرضوية عندما كنت شاباً حدثاً. وبالطبع لم أقرأه كله بل قرأت مقداراً منه. وقرأته بعد ذلك مرة أو مرتين.

قرأتُ رواية «عائلة تيبو» للكاتب الفرنسي روجيه مارتين دوغار وهي رواية أومانية من القرن التاسع عشر من كلمته في الجلسة الثامنة من جلسات تفسير سورة البقرة بتاريخ 16/10/1991 م

الإنسان المادي الذي يضحّي بنفسه في سبيل الوطن، لو سأله سائل في ذروة مشاعره المتأججة: لماذا تضحي بنفسك وتخسر حياتك؟! تريد أن تموت ليحيى الوطن؟ عندما لا تكون على قيد الوجود فما فائدة أن يكون هذا الوطن أو لا يكون؟ لماذا تموت ليحيى غيرك؟ طبعاً الإنسان المادي لا يعترف بهذا، إنما لو سألوه لتحدث عن الأهداف السامية والضمير وما إلى ذلك، ولكن يمكن العثور على مثل هذا الاعتراف في ثنايا كلام الواعين والأذكياء منهم. قرأت رواية للكاتب الفرنسي روجيه مارتين دوغار باسم «عائلة تيبو». ترجمت إلى الفارسية ولأنني من السابق على معرفة بهذه الكتب الأدبية اطلع أحياناً على مثل هذه الأشياء وأجد نقاطاً مهمة هناك. إنه على ما يبدو من أنصار النزعة الأومانية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. أنصار النزعة الإنسانية الذين يعتقدون أن حب الإنسان والإنسانية، والحب والضمير الإنسانيان حالة بإمكانها أن تملأ فراغ الأفكار الدينية والإيمان الديني والجاذبيات الدينية، كانوا قد كتبوا الكثير من الكتب قبل انتشار الماركسية، ومنهم هذا الكاتب روجيه مارتين الذي شرح القضية في كتابه بشكل جيد جداً. طبعاً هو لا يصرح بهذا إنما يذكره على لسان بطل روايته الذي يفكر مع نفسه عندما يصاب بمرض عضال: ما كانت فائدة جهودي وأتعابي؟ ويسجل مذكرات ويعرض الأحوال التي تمليها النزعة الأومانية على الإنسان ويشرح ذلك الشعور الحتمي لهذه النزعة الأومانية، ويمكن هناك إدراك هذا الشيء تماماً. يقول هناك إن فائدة الحياة هي أن يصيب الإنسان الملذات! والواقع أنه لا يوجد غير هذا طبقاً للنظرة الكونية المادية.

حيلولة بعض البلدان الأوربية (مثل فرنسا) دون تحول اللغة الإنجليزية إلى لغتهم العلمية من كلمته في لقائه بأساتذة الجامعات بتاريخ 06/08/2013 م و من النقاط التي سجّلتها ومن المناسب أن أكررها هي استخدام التقدم العلمي في البلاد لنشر اللغة الفارسية. اللغة مهمة جداً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء.. أهمية اللغة الوطنية لبلد من البلدان لا تزال غير معلومة بالنسبة للكثيرين. يجب نشر اللغة الفارسية. يجب زيادة النفوذ الثقافي لللغة الفارسية على مستوى العالم يوماً بعد يوم. اكتبوا بالفارسية، وانحتوا المفردات الفارسية، وأوجدوا المصطلحات والكلمات بالفارسية. لنعمل ما من شأنه أن يضطر الذين ينتفعون من التقدم العلمي لبلادنا في المستقبل إلى تعلم اللغة الفارسية. ليس من الفخر أن نقول إن اللغة العلمية في بلادنا هي اللغة الأجنبية الفلانية. في اللغة الفارسية من الإمكانيات والسعة بحيث يمكن التعبير عن أدق وأظرف العلوم بهذه اللغة. لدينا لغة ذات سعة وإمكانيات كبيرة. كما أن بعض البلدان الأوربية لم تسمح بتحول اللغة الإنجليزية إلى لغتها العلمية - مثل فرنسا وألمانيا - وحافظت على لغاتها باعتبارها اللغة العلمية في جامعاتها.

تصاعد النقاش حول موضوع الحرية إلى ذروته في الغرب مع أحداث الثورة الفرنسية الكبرى من كلمته في ملتقى الأفكار الاستراتيجية الرابع بتاريخ 13/11/2012 م

الحقيقة أن موضوع الحرية شهد ازدهاراً منقطع النظير عند الغربيين خلال القرون الثلاثة أو الأربعة، منذ عصر النهضة فما بعد. سواء في العلوم الفلسفية أو في ميدان العلوم الاجتماعية أو في مجالات الفنون والآداب، قلّ ما طرح موضوع في الغرب خلال القرون الثلاثة الأخيرة كما حصل بالنسبة لموضوع الحرية. ولهذه الحالة سببها العام وأسبابها الإضافية المحيطة. السبب العام الرئيسي هو أن هذه القضايا الأساسية الأصولية من أجل أن تنطلق تحتاج إلى أحداث محفزة، أي إن طوفاناً يؤدّي في الغالب إلى انطلاق هذه النقاشات الأساسية. ففي الحالات العادية لا تنطلق نقاشات وبحوث عميقة مهمة حول هذه الأفكار الأساسية. يجب أن تقع حادثة معينة تمهّد الأرضية لتلك النقاشات. وذكرتُ طبعاً أن هذا في معرض الإشارة للسبب الأصلي الذي سوف أذكره، وهناك عوامل وأسباب جانبية. لقد كان ذلك الحدث بالدرجة الأولي هو النهضة - النهضة في مجموعة البلدان الأوربية من إيطاليا التي انطلقت فيها النهضة إلى بريطانيا وفرنسا والبلدان الأخرى - ثم كانت هناك ظاهرة الثورة الصناعية التي انبثقت في أواخر القرن السابع عشر وبدايات القرن الثامن عشر في بريطانيا. الثورة الصناعية نفسها كانت حدثاً كالانفجار دفعت البشر إلى التفكير، وحضّت المفكرين على التعمّق في تفكيرهم. وبعد ذلك، توفرت في أواسط القرن الثامن عشر إرهاصات الثورة الفرنسية الكبرى - التي كانت أرضية اجتماعية لقيام ثورة عظمى - في منطقة لم يكن فيها مثل هذه الثورات. وطبعاً كان قد حدث نظير ذلك بأبعاد أصغر في بريطانيا قبل نحو مائة أو مائتي عام. لكن ما حدث في بريطانيا لم يكن يقبل المقارنة بما حدث في الثورة الفرنسية. إرهاصات الثورة الفرنسية هي الاستعداد والجاهزية داخل المنظومة، أي الشيء الذي كان يتفاعل تحت جلد المجتمع وكان المفكرون يرونه ويخمّنونه. وأقول لكم إن المقدار الذي استقاه أمثال مونتسكيو أو روسو من واقع المجتمع الفرنسي ليصوغوه فكراً، لم يستفده واقع المجتمع الفرنسي من أفكارهم. وهذا ما يمكن لأي متأمّل وناظر أن يراه. تعلمون أن مونتسكيو نفسه كان خارج فرنسا. وكان هناك واقع. قبل أن يقع الانفجار الكبير في سنة 1789 - وكان بالتالي انفجاراً هائلاً فيه الكثير من الخسائر والخراب - كانت تقع تحت جلد المجتمع والمدن والبلاد الكثير من الأحداث تدلّ على أن شيئاً يحدث وآخذ بالتكوين والظهور. وقد طرحوا قضية العقل في إطار موضوع الحرية. لا، أقول لكم إنه في الثورة الفرنسية الكبرى ربما كان عدد من المستنيرين يتحدّثون بطريقة معينة، إلا أن ما لم يكن مطروحاً على أرض الواقع العملي هو العقل والعقلانية والنزوع إلى العقل. كلا، لم يكن هناك سوي قضية الحرية، وفي الغالب الحرية من قيود الملكية والحكومة الاستبدادية المتسلطة منذ قرون، وسلطة البوربون المهيمنين على كل مفاصل حياة الناس. ولم يكن الأمر يقتصر على جهاز البلاط، إنما كان كل واحد من الارستقراطيين في فرنسان ملكاً بحد ذاته. ما سمعتموه عن الباستيل وسجناء الباستيل لا يرجع لتلك الأيام القليلة التي سبقت ذلك الحدث. ربما يعود أمر الباستيل إلى قرون من الزمان، حيث استمر الباستيل هو الباستيل. أي إن الوضع كان مضطرباً غير منظم. وحينما كان المفكرون من أمثال فولتير وروسو ومونتسكيو يرون هذا الوضع، ولديهم قدرة على التأمّل والتفكير، فقد كانوا يصلون إلى بعض النتائج، ويطلقون بعض الكلام والآراء، لم تكن لتؤخذ بنظر الاعتبار على صعيد الواقع والممارسة العملية في فرنسا. وانظروا لتروا أن الخطب التي كان يلقيها كبار الخطباء آنذاك - ميرابو وغيره - لم تكن لها صلة بكلام مونتسكيو وفولتير، إنما كانت كلها عن فساد الأجهزة الحاكمة واستبدادها وما إلى ذلك. هذا هو واقع الثورة الفرنسية. كانت الثورة الفرنسية الكبرى بمعنى من المعاني ثورة فاشلة وغير تامّة. بعد ما لا يزيد عن أحد عشر أو اثني عشر عاماً من الثورة ظهرت امبراطورية نابليون القوّية، وهي ملكية مطلقة لم تكن حتى للملوك الذين سبقوا لويس السادس عشر المقتول في الثورة! أراد نابليون أن يتتوّج فجاءوا بالبابا ليضع تاج الملوكية على رأس نابليون، لكن نابليون لم يسمح بأن يضع البابا التاج على رأسه، إنما أخذه منه ووضعه بيديه على رأسه! هذه أمور هامشية نذكرها بين قوسين. وفي معرض المقارنة مع ثورتنا لا بأس من الالتفات إلى نقطة هي أن ما حال دون وقوع مثل تلك الأحداث والفجائع في ثورتنا - بشكل من الأشكال على الأقل أو حتى بدرجة أقلّ - هو وجود الإمام الخميني. ذلك القائد الذي كان متبعاً ومطاعاً من قبل الجميع، وهو الذي لم يسمح بذلك، وإلا ثقوا أنه حتى لو لم تكن لتحدث مثل تلك الأحداث لكانت وقعت أحداث شبيهة لها. خلال العشرة أعوام أو الاثني عشر عاماً ما بين الثورة وظهور نابليون وتسلطه، تولّت زمام الأمور ثلاث فئات قتلت كل واحدة منها الفئة التي سبقتها وقضت عليها وأمسكت هي بزمام الأمور، وجاءت الفئة التالية فقتلت هذه وقضت عليها. وكان الناس يعيشون منتهي الفوضى والبؤس والتعاسة. كانت هذه الثورة الفرنسية، وقد كانت ثورة أكتوبر السوفيتية على نفس هذه الشاكلة من نواح عديدة - أي كانت شبيهة بالثورة الفرنسية الكبرى - لكن كان هناك وضع خاص وعوامل متنوعة أخري وجّهت الناس وسيطرت عليهم بشكل من الأشكال. لا بأس من التنبّه لهذه الأمور. للأسف لا نري اهتماماً بنقاط هذه الثورات في المحافل والأوساط التي أنا على صلة بها، سواء الأوساط المختصّة بالتاريخ أو الأوساط الجامعية ذات العلاقة. وتعلمون طبعاً أن فرنسا شهدت وقوع عدة أحداث. منها الثورة التي وقعت في نهاية القرن الثامن عشر.. الثورة الفرنسية الكبرى. وبعد قرابة أربعين سنة، وقعت ثورة أخري، وبعد حدود عشرين عاماً حدثت ثورة أخري.. ثورة شيوعية. وقعت أول ثورة شيوعية في العالم في فرنسا. وشكلوا هناك المجاميع الشيوعية. وبالتالي فإن هذه العوامل هي التي أدّت إلى نمو وتصاعد هذه الحركة الفكرية: النهضة بالدرجة الأولي. وبالطبع فإن النهضة لم تكن حدثاً دفعياً. لكن أحداثاً كثيرة وقعت طوال المائتي عام الأولي من النهضة، منها الثورة الصناعية، ومنها الثورة الفرنسية الكبرى. وهذه الأمور بحد ذاتها طرحت فكرة الحرية، لذلك عمل الغربيون عليها وعالجوها. كتب الكثير من الفلاسفة آلاف البحوث والدراسات والكتب عنها. ظهرت في كل البلدان الغربية مئات الكتب المدوّنة حول الحرية. وبعد ذلك حين انتقلت هذه الفكرة إلى أمريكا عملوا عليها هناك بنفس الطريقة. إلى ما قبل الثورة الدستورية لم يكن لنا ظروف من ذلك القبيل، بحيث تخلق تياراً فكرياً حتى نفكر في قضية الحرية. وكانت الثورة الدستورية فرصة جيدة جداً. كانت الثورة الدستورية حدثاً كبيراً جداً وعلى صلة مباشرة بقضية الحرية، لذا كان من المناسب أن تثير بُحيرة تفكيرنا العلمي الهادئة - سواء على صعيد أوساط رجال الدين أو غيرها من الأوساط - وتخلق طوفاناً وتطلق تياراً، وقد فعلت ذلك، فطرحت الأفكار حول الحرية، ولكن كانت هناك نقيصة كبيرة لم تسمح لنا بالسير في الطريق الصحيح. والنقيصة هي أن الأفكار الغربية بدأت قبل أعوام من الثورة الدستورية - ربما قبل عقدين أو ثلاثة عقود من الثورة الدستورية - تتغلغل إلى أذهان مجموعة من المستنيرين الإيرانيين عن طريق الأمراء ورجال البلاط والسلطة وبعض الارستقراطيين. وحين نقول المستنير فإن المستنير في تلك الفترة كان يعادل الارستقراطي. أي لم يكن لنا مستنير من غير الطبقة الارستقراطية. كان المستنيرون بالدرجة الأولي من رجال البلاط والتابعين والمرتبطين بالسلطة. هؤلاء هم أول من تعرّف على الأفكار الغربية ذات الصلة بالحرية. لذا حينما تخوضون في قضية الحرية في الثورة الدستورية بإيران - وهي قضية معقدة كثيرة الضجيج - تجدون نفس الميول الغربية المناهضة للكنيسة التي ارتبطت بفكرة الحرية، ظهرت هنا على شكل مناهضة للمسجد ولرجال الدين وللدين. والمقارنة بين الوضع هنا والوضع هناك مقارنة مع الفارق. توجّه النهضة الغربية أساساً كان توجّهاً مناهضاً للدين والكنيسة، لذلك تأسست على النزعة البشرية والنزعة الإنسانية والأومانية. وبعد ذلك كانت كل التحرّكات الغربية على أساس الأومانية، وبقيت هكذا إلى اليوم. على الرغم من كل الفوارق فإن الأساس أساس أوماني، أي إن الأساس هو الكفر والشرك - ولو اتسع المجال سأتحدث في ذلك - ونفس هذه الميول وفدت إلى هنا. تلاحظون أن الكاتب المستنير والسياسي المستنير وحتى رجل الدين القريب من المستنير حينما يكتب عن الثورة الدستورية يكرّر نفس كلام الغربيين ليس إلا. لذلك لم تحصل ولادة وتوالد فكري يذكر. لاحظوا، هذه هي سمة الفكر التقليدي المستعار. حينما تأخذون الوصفة من الجانب الآخر لتقرؤها وتعملوا بها فلن يعود معنى للولادة والتوالد. أما إذا أخذتم العلم أو الحوافز أو الأفكار عن الجانب الآخر فنعم، سوف تعملون ويكون هناك توالد وإبداع. وهذا ما لم يحدث، لذلك لم يحدث توالد بعد ذلك، ولم يظهر أي كلام جديد أو أفكار جديدة أو منظومة فكرية جديدة - كالمنظومات التي للغربيين - عن الحرية. الكثير من المفكرين في الغرب لديهم منظومات فكرية بخصوص الحرية. النقود التي اجترحت على الليبرالية القديمة، وكذلك النقود التي وردت بعد ذلك على الوصفات الجديدة لليبرالية، والليبرالية الديمقراطية، والأشياء التي ظهرت بعد الليبرالية في القرون السابع عشر أو السادس عشر مثلاً، كل واحدة منها منظومة فكرية لها بداية ولها نهاية وتجيب عن أسئلة عديدة. ولم تُجترح حتى واحدة منها في بلادنا. هذا على الرغم من كثرة مصادرنا. لا نعاني من فقر في المصادر كما أشار الإخوة الأعزاء. أي بوسعنا حقاً إطلاق منظومة فكرية مدوّنة وكاملة عن الحرية تجيب عن كل سؤالات الحرية الكبيرة والصغيرة. وبالطبع فإن هذه العملية تتطلب همّة وليست بالعمل السهل. إننا لم نفعل ذلك. مع أن لدينا مصادر لكننا أتينا بمنظوماتهم الفكرية، وكل واحد حسب الأماكن التي كان له صلة بها، فالذي كان على صلة بالنمسا استقي مما قاله المفكرون النمساويون، والذي كان يجيد الفرنسية استلهم ما قاله الفرنسيون، والبعض كانوا على صلة ببريطانيا وألمانيا فقلّدوا ما قيل في اللغتين الإنجليزية والألمانية، فكانت الأعمال أعمالاً مستعارة. والذين كانوا يعتبرون معارضين للحرية لدغوا في الواقع من نفس هذا الجُحر - أي إن الفريقين لدغوا من جُحر واحد - هم أيضاً واجهوا هذا الكلام لأنهم وجدوه كلاماً مناهضاً للدين والله.

ترجمة كتاب ابن سينا إلى الفرنسية نموذج لمرجعية إيران العلمية في القرنين الخامس والسادس للهجرة من كلمته في لقائه النخبة الشباب بتاريخ 03/09/2007 م اجعلوا هدفكم أن يصل شعبكم وبلدكم خلال فترة معينة إلى حيث يكون مرجعاً علمياً وتقنياً لكل العالم. ذات مرة قلت في اجتماع للشباب النخبة: اعملوا ما من شأنه وخلال فترة معينة - قد تكون خمسين عاماً أو أربعين عاماً - إذا أراد أحد العلماء الاطلاع على آخر النتاجات العلمية اضطر إلى أن يتعلم اللغة الفارسية التي كتبتم بها أعمالكم وكتبكم العلمية، كما تضطرون اليوم لإتقان اللغة الأجنبية الفلانية من أجل مراجعة المصادر والكتب وقراءتها بغية التوفر على بعض العلوم. اعملوا ما من شأنه أن تكون لبلادكم مثل هذه المكانة في المستقبل وأنتم قادرون على ذلك. فقد كان الوضع على هذه الشاكلة في يوم من الأيام. كان الناس في العالم يترجمون كتب العلماء الإيرانيين إلى لغاتهم، أو يتعلمون تلك اللغة من أجل أن يستطيعوا فهم ما كتبه علماؤنا. ولا بأس أن تعلموا أن كتاب «القانون» لابن سينا في الطب ترجم للفارسية قبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، في زمن رئاستي للجمهورية! لقد تابعت الموضوع، وكلفت بعض الأفراد، وسمعت بعد ذلك أن مترجماً كردياً جميل الإنشاء حسن الذوق قد ترجم هذا الكتاب للفارسية، وترجمته الفارسية موجودة اليوم. لم يكن كتاب القانون حتى ذلك الحين قد ترجم للفارسية، وابن سينا كتبه بالعربية، والحال أنه ترجم للفرنسية قبل مئات السنين! أي إنهم كانوا بحاجة لهذا الكتاب فترجموه. لاحظوا، هذه هي المرجعية العلمية. إنهم مضطرون لترجمة كتبكم أو لإتقان لغتكم.

رواية الكاتب الفرنسي المشهور ستاندال من كلمته في لقائه التنظيمات الطلابية في جامعات طهران بتاريخ 14/01/1999 م

رواية ستاندال المعروفة - الكاتب الفرنسي الشهير صاحب كتاب «الأحمر والأسود» - من الروايات التي ترجمت لكل اللغات خلال مائة عام. وقد ترجمت إلى الفارسية قبل سنين. شاب بصفات النبي يوسف يدخل إلى بيت، والبيت طبعاً بيت أعيان وأشراف إلى حدّ ما وليس مثل بين عزيز مصر، وليس هذا الشاب أيضاً مثل النبي يوسف. تقع له نفس تلك الحادثة بالضبط أي إن سيدة البيت تقع في حبه. والأحداث التي تقع بين تلك المرأة وهذا الشاب تجسيد للقذارة؛ القذارة الجنسية والخيانة والدناءة وإخلاف العهود وكسر المواثيق والشهوات والغرق في الأهواء والنزوات! استندال من كبار كتابة القصة في الثقافة الغربية! يعتبر استندال - كاتب هذه الرواية - وبسببها من الروائيين الأوائل في فرنسا! وروايته هذه من روايات الدرجة الأولى وإحدى أفضل عشر روايات معروفة في العالم!

نمو الفكر الليبرالي في فرنسا بعد عصر النهضة من كلمته في جامعة «تربيت مدرس» بتاريخ 03/09/1998 م

أذكر هنا نقطة: في الإسلام، يقررون لهذه الحريات المذكورة - الحريات الاجتماعية - امتيازاً أكبر مما تقرره المدارس الغربية. طبعاً تفاسير الليبرالية كثيرة جداً. أي منذ تطور الفكر الليبرالي في فرنسا وأوربا ومن ثم في كل العالم عقب عصر النهضة، وأفضى إلى الثورة الفرنسية، ثم استخدم بشكل محرف في حروب استقلال أمريكا، وظهر ذلك الميثاق الأمريكي - وكل هذه الموضوعات تتطلب فرصاً أوسع لمناقشتها - عرضت لحد الآن العشرات من التفاسير لليبرالية، وخصوصاً في الآونة الأخيرة. في الفترة الأخيرة كتب المنظرون الأمريكان دائماً في هذا الخصوص.

جانب من الأدب الفرنسي أنفق على بطولات فترة الحرب من كلمته في لقائه أعضاء مجلس تخطيط الإذاعة والتلفزيون بتاريخ 05/03/1991 م

أذكر شيئاً آخراً يلوح أنه على جانب من الأهمية. لا تسمحوا بزوال واضمحلال تلك الروح الجهادية التي سادت الإذاعة والتلفزيون خلال فترة الحرب المفروضة. تلك الروح شيء إيجابي جداً. أنا لا أقول طبعاً بثوا مارشات عسكرية. ليست لدينا حرب حتى تبثوا مارشات عسكرية، أو تقدموا تقارير حربية، لكن حرب السنوات الثمانية ليست بالتالي تلك الأعوام الثمانية فقط، إنما حرب الأعوام الثمانية تاريخ بأكمله. لاحظوا الأدب الفرنسي، لا شك أن جانباً من هذا الأدب خصّص لبطولات فترة الحرب. كانت هناك حرب لأربع سنوات قضى الفرنسيون سنتين أو ثلاثاً منها وهم يعانون ضغوطاً شديدة ولحقتهم هزائم، لكنهم أبدوا مختلف أنواع البطولات سواء في ساحة المعركة أو في الكفاح الشعبي داخل باريس أو في إطار العلاقات الإنسانية وما شاكل. لاحظوا كم تكررت هذه المعاني في الروايات الفرنسية. مع أني غير مطلع على أشعارهم لكنني قرأت بعض الروايات الفرنسية التي ترجمت للفارسية. بقيت آثار تلك الأيام في أفضل رواياتهم وأرقى أعمالهم. لاحظوا كم من الكتب كتبت حول الثورة الروسية وكم هو حجم الفخر والاعتزاز الذي تركوه للآخرين. هذه ليست أشياء تنفد وتنتهي، بل هي أشياء يجب أن تبقى وتسجل.

مقتل الآلآف من البشر في باريس محذوف من التاريخ من كلمته في لقائه أعضاء قسم التاريخ في إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 28/01/1992 م

حصل تحريف في التاريخ، أو بتعبير أصح يجب القول إنه تم استغلال التاريخ وتوظيفه بسوء. أحداث العالم وقعت ولا يمكن تغيير ما وقع، لكنهم ولغرض استفاداتهم المتنوعة - وهذه الاستفادات بدورها تمثل طيفاً واسعاً عظيماً - حذفوا جوانب من هذا الواقع والأحداث ولم يسمحوا بوصول صوتها إلى أسماع أحد، وتلاعبوا بجانب آخر وركزوا على جوانب معينة وضخموها، واختلقوا جوانب بشكل جذري ولم تكن موجودة أصلاً. ويمكنكم ملاحظة نماذج لذلك في تاريخنا الإسلامي، وتعلمون حالات كثيرة من هذا القبيل. ومثل هذه الحالة موجودة في تاريخ العالم أيضاً وفي التاريخ الحاضر. مثلاً عندما يجري الحديث عن العصبيات الدينية كم بالمائة من شعب إيران وكم بالمائة من شعوب أوربا والغرب يعلمون أنه ارتكبت ذات يوم، من منطلق العصبيات الدينية، مذبحة دامية - تعرف باسم مذبحة سان بارتلمي - في مدينة باريس قتل فيها الآلآف خلال ليلة واحدة؟ كانت هذه حادثة دينية، أي حرباً بين البروتستانت والكاثوليك. كان حكام فرنسا في ذلك الحين من الكاثوليك، لكن أميراً منهم - وكان من سلالة والوا - صار بروتستانتياً. واجتمعت ملكة فرنسا كاترين دومديسي مع رئيس وزرائها الذي كان قساً واسمه الكاردينال ريشليو، واتخذوا قراراً فقتلوا خلال ليلة واحدة حتى الصباح آلاف البشر في باريس، لمجرد العصبية الدينية! كم بالمائة من شعب فرنسا اليوم يعلم بهذا الحدث؟ لقد استؤصلت هذه القطعة من التاريخ أصلاً، ولا يسمحون بإذاعتها في العالم. وكم من شعبنا يعلمون بها؟ ولاحظوا اليوم كم من الأشخاص والبلدان - بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية - تتشمت بهم أوربا لتعصبهم الديني، لكنهم يحذفون هذه الحادثة من التاريخ! هذا استغلال للتاريخ.

جذور الحرية في فرنسا منح امتيازات لطبقات خاصة من المجتمع من خطبتي صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 09/01/1987 م

لو تأمل المتأمل في قضايا العالم الغربي اليوم ودرس مشكلاتهم سيدرك بكل وضوح أن رأي الأكثرية ورغبة الأكثرية تخلقها جماعة معينة من الناس: العصابات الاقتصادية والعصابات السياسية، وفي بعض البلدان مثل أمريكا هناك العصابات الصهيونية القوية أو التابعون للتنظيمات السياسية والاقتصادية المختلفة. لو أردتم العثور على جذور الحرية الغربية، أي تلك التي أرسيت في القرن الثامن عشر في فرنسا، وشاعت بتأثير من الثقافة الغربية في أمريكا وأوربا ومناطق أخرى، فإن جذور هذه الحرية عبارة عن إرادة الطبقات الممتازة في المجتمع، إرادة الرأسماليين وأصحاب الشركات وأصحاب الكارتلات الاقتصادية الدولية الناشطة، والشركات متعددة الجنسيات، تلك التي حينما ترى ضرورة بأن يتولى شخص زمام الأمور ويصبح رئيساً للجمهورية ليطبق مخططاتهم وسياساتهم الاقتصادية تنفق كل الإمكانيات وتستخدم كل وسائل الإعلام العامة وهي غالباً خاضعة لهم من أجل توجيه الرأي العام نحو الحزب الفلاني أو الشخص الفلاني وتوجيه أصوات الشعب نحو ذلك الشخص الذي يريدونه.

إشارة إلى حرب الخمار وإهانة مسجد في فرنسا من نداء القائد العام للقوات المسلحة إلى تجمع قادة جيش العشرين مليوناً بتاريخ 23/11/1989 م

في أوربا وفي البلدان التي تعتبر نفسها مهد الحضارة والديمقراطية يتعرض المسلمون للتمييز وهضم الحقوق وحتى القمع والإرعاب، ويدانون صراحة بجريمة التزامهم بالإسلام. ما أطلق عليه في الأسابيع الأخيرة «حرب الخمار» في فرنسا وبعض البلدان الأوربية الأخرى، هو في الواقع حرب مضطربة وصبيانية يشنها زعماء الثقافة الغربية ضد الظواهر التي يعتبروها قفزة خاطفة للثقافة الإسلامية ومؤشراً على النفوذ المتزايد للإسلام، وقد فقدوا في مواجهتها صبرهم ووقارهم إلى درجة أن رؤساء عدة بلدان هرعوا فجأة للنضال ضد عدد من الفتيات الصغيرات المتعبدات وعدد من العوائل المسلمة الملتزمة. هؤلاء هم أنفسهم الذين دوّت هتافات دفاعهم المنافق عن الحريات والنزعات الفردية في أسماع العالم. عندما يتعلق الأمر بالاعتراض على كاتب سبّ بوقاحة مقدسات مليار مسلم ينقلبون إلى أنصار لحرية التعبير عن الرأي والعقيدة الفردية، ولكن عندما يتعلق الأمر بامرأة أو طفلة مسلمة صغيرة تريد أن ترتدي ثيابها طبقاً لعقيدتها الدينية تنسى الحرية الفردية ويصطبغ كل شيء بلون آخر، وتسمى كل أشكال السلوك اللاأخلاقي والمناهض للحريات والحقوق الفردية كفاحاً ضد الرجعية. أف على المرائين الكذابين المنافقين. في الكثير من البلدان الأوربية تتعرض الأقلية المسلمة للتمييز والأذى والإهانة، لكنهم يتدخلون في كل أمور البلدان الأخرى تحت عناوين الدفاع عن حقوق الإنسان، ولا يتورعون حتى عن تأجيج الدوافع القومية والدينية في الحالات التي يرونها ضرورية لهم، ولا يشيرون أدنى إشارة إلى الحقوق المضيعة لهؤلاء المظلومين، ويمضون بصمتهم وأحياناً بأعمالهم الجورَ الذي يتعرض له المسلمون. وفي بعض البلدان الآسيوية تواجه الأقليات المسلمة الكبيرة نفس هذا المصير، وكما يعلم الجميع فإن المجتمع الإسلامي اليوم يتعرض لظلم واسع ومنفلت. في مناطق شتى من العالم ينظر أعداء الإسلام ببغضاء وحقد عميق للمساجد التي هي مقرات لحرية الإنسان وأماكن لعلاقة الإنسان بربه ومنتديات لكسب الوعي حيال شيطنة شياطين المال والعسف، ويحاربون ما استطاعوا نشاطاتها ووجودها. يتعرض المسجد الأقصى اليوم، وهو قبلة المسلمين الثانية من حيث الأهمية والذي تحول والحمد لله إلى مقر للوعي والكفاح، يتعرض لوقاحة الصهاينة وتطاولاتهم القذرة، وتتعرض المساجد في فرنسا والهند أيضاً للإهانات والهدم. مجموعة هذه الأحداث والكثير من الحوادث المماثلة لها تجسد بوضوح حقيقة خطيرة فحواها أن عتاة العالم ومدراء نظام الهيمنة في العالم اليوم يعتبرون الإسلام خطراً كبيراً ويرون انبعاث حياة الإسلام المحمدي الأصيل في إيران تهديداً جدياً لا لمصالحهم الإقليمية وحسب، بل أيضاً لمصالحهم العالمية المتبلورة عملياً في الحفاظ على نظام الهيمنة وتكريسه - أي تقسيم بلدان العالم إلى مهيمنة وخاضعة للهيمنة - وعلى هذا الأساس نراهم يصطفون بكل قواهم وقدراتهم أمام الإسلام، ويركزون عداءهم وعنادهم أكثر على ينبوع الأمل في هذا الفيض الإلهي أي الثورة الإسلامية المنتصرة والنظام الإسلامي المقدس في إيران.

القسم الثاني: العلاقات بين فرنسا والجمهورية الإسلامية الإيرانية

لماذا يتهمون الجمهورية الإسلامية بمناصرة الإرهاب والحكومة الفرنسية لا تلقي القبض على الإرهابيين في بلدها؟ من خطبتي صلاة عيد الفطر بتاريخ 24/03/1993 م

الجمهورية الإسلامية لا تناصر الإرهاب. أنتم الذين تتهمون الجمهورية الإسلامية تنحازون للإرهاب وتدعمون الإرهابيين! لماذا لا تلقي حكومات بلدان فرنسا وألمانيا وأمريكا وغيرها من البلدان القبض على هؤلاء الإرهابيين الذين اعترفوا بأنفسهم بزرع القنابل في إيران، وهم في بلدانهم؟! لماذا لا يحاكمونهم؟! لماذا لا يلاحقونهم باعتبارهم إرهابيين؟! إذا كانوا صادقين ومعارضين حقاً للإرهاب فلماذا لا يعاقبونهم؟! ثم تراهم يتهمون الجمهورية الإسلامية ويفترون عليها بأنها تناصر الإرهاب!

سياسة الفرنسيين غير الذكية في معاداة شعب إيران (على الرغم من عدم وجود مشاكل لنا مع الفرنسيين عبر التاريخ) من كلمته في الروضة الرضوية المطهرة بتاريخ 21/03/2013 م

طبعاً هناك أعداء آخرون لا نعدّهم من الدرجة الأولى.. هناك العدو الصهيوني، لكن الكيان الصهيوني ليس بمستوى يسترعي النظر في صفوف أعداء الشعب الإيراني. أحياناً يُهدّدنا زعماء الكيان الصهيوني بالهجوم العسكري، ولكن أعتقد أنهم يعلمون، وإن كانوا لا يعلمون فليعلموا أنه إذا صدرت عنهم حماقة، فإن الجمهورية الإسلامية سوف تسوّي «تل أبيب» و«حيفا» بالتراب. والحكومة البريطانية الخبيثة أيضاً تعادي الشعب الإيراني، وهي من الأعداء التقليديين والقدماء للشعب الإيراني، لكن الحكومة البريطانية تمارس دور المكمّل لأمريكا في الساحة. الحكومة البريطانية ذاتها لا استقلال لها من نفسها حتى يعتبرها الإنسان عدواً مستقلاً، بل هي تابعة لأمريكا. و بعض الحكومات الأخرى لها عداؤها أيضاً. وأرى من المناسب هنا أن أقول إن ساسة الحكومة الفرنسية أبدوا في السنوات الأخيرة حالات عداء واضحة تجاه الشعب الإيراني. هذا عدم وعي من الساسة الفرنسيين. الإنسان العاقل وخصوصاً السياسي العاقل يجب أن لا يندفع أبداً لتبديل طرفٍ ليس بعدوّ له، إلى عدوّ له. لم تكن لنا مشكلة مع الحكومة الفرنسية ومع بلد فرنسا، لا طوال التاريخ، ولا في الحقبة الراهنة، لكن السياسة الخاطئة التي بدأت في زمن ساركوزي، ولا تزال الحكومة الحالية أيضاً تواصل نفس الطريق للأسف، هي معاداة الشعب الإيراني. نعتقد أن هذه ممارسات خاطئة، وأعمال يعوزها التدبير والتعقل، وخطوات غير واعية. حين يتحدث الأمريكان يقولون «المجتمع العالمي». يسمّون عدد قليل من البلدان «المجتمع العالمي»، وعلى رأسهم أمريكا، ومن خلفها الصهاينة والحكومة البريطانية وبعض الحكومات الصغيرة الأخرى! المجتمع العالمي لم يكن أبداً في صدد معاداة إيران والإيراني وإيران الإسلامية.

القسم الثالث: دعم فرنسا لجرائم الكيان الصهيوني

من كلمته في لقائه حشداً من التعبويين والناشطين في مشروع «الصالحين» بتاريخ 21/11/2012 م

هذه الجرائم الوحشية التي ارتكبت في غضون الأسبوع الأخير في غزة، والمرء يندهش حقاً من مستوي وحشية ساسة الكيان الصهيوني، هذه الجرائم يجب أن تهزّ ضمير العالم الإسلامي، ويجب أن تكتسب هذه الحركة الشعبية العظيمة في العالم الإسلامي روحاً جديدة بسبب ما يحدث. العدو لا يقعد عاطلاً، ولهذه الأحداث أبعاد متنوعة: أولاً هي تدل على مدي وحشية الكيان الصهيوني ودمويته. كم هم متوحّشون وبعيدون عن الضمير الإنساني، حيث يهاجمون الناس الأبرياء العزّل غير العسكريين بهذه الطريقة! يتعجّب الإنسان حقاً ويحتار إذ يجد أنهم لم يشمّوا ريح الإنسانية. وهم في مقابل العالم الإسلامي ومقابل نظام الجمهورية الإسلامية، وهم خصوم الجمهورية الإسلامية في الأروقة والأوساط العالمية. إنهم أناس لم يشمّوا ريح الإنسانية. هذا أحد أبعاد المسألة، وهو على جانب كبير من الأهمية. بعد آخر من أبعاد القضية هو أن زعماء النظام الاستكباري يتعاملون مع هذه القضية بوقاحة تثير دهشة الإنسان. أي إنهم لا يمتنعون عن التقطيب في وجه هذا الكيان القاسي الشيطاني وحسب، ولا يمتنعون عن صدّه عن أعماله وحسب، بل ويعاضدوه ويقوّوه ويشجّعوه ويدعموه! لقد أعلنت أمريكا دعمها صراحة، وأعلنت بريطانيا دعمها، وأعلنت فرنسا دعمها. هؤلاء هم زعماء عالم الاستكبار. هؤلاء هم الذين ليس للشعوب المسلمة اليوم في أعماق قلوبهم عدو أعنف وأكثر كراهية منهم. هؤلاء كلهم يعلنون دعمهم صراحة. يمكن قياس مستوي ميل العالم الاستكباري للأخلاق والمعنوية من هذه الحادثة. كم هم بعيدون عن الإنسانية! طيب، هم يدعمون سياسياً لأغراضهم السياسية الفاسدة، فلماذا يتشدّقون بحقوق الإنسان إذن؟! أمريكا التي لا تتخذ موقفاً حيال هذه الأعمال الوحشية العنيفة، بل وتدعمها، هل يعود من حقها التشدّق بحقوق الإنسان؟ هل من حقها أن تنصّب نفسها قاضياً يحاكم الشعوب والحكومات في مجال حقوق الإنسان؟ هذه وقاحة مضاعفة. وكذلك فرنسا، وكذلك بريطانيا. سوابق تصرفاتهم وسلوكهم في العالم الإسلامي، والجرائم التي ارتكبوها، والمذابح التي اقترفوها، والضغوط التي مارسوها ضد الشعوب المسلمة في البلدان المختلفة، هذه أمور لم تنسها الشعوب المسلمة، واليوم أيضاً يدعمون نظاماً دموياً وحشياً كالكيان الصهيوني، ويدافعون عن أعماله. هذا بدوره بعد آخر من أبعاد القضية.

مشكلات فرنسا ناجمة عن سياسات الشبكة الصهيونية الخبيثة من كلمته في لقائه الطلبة الجامعيين بمحافظة كرمانشاه في تاريخ 16/10/2011 م

الكثير من المشاكل القائمة حالياً في البلدان الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ناجمة عن سيادة سياسات الشبكة الصهيونية الخبيثة على حكومات هذه البلدان. إنهم يخافون من أصحاب الرساميل والشركات الصهاينة وهم كثر في العالم. وكذا الحال في أمريكا أيضاً. تملق الصهاينة أسلوب شائع بين الساسة الأمريكان. والحال كذلك في أوربا أيضاً بدرجات معينة. حينما تعلم الشعوب - سواء الشعب الأمريكي أو الشعوب في أوربا - أن كثيراً من هذه التعاسة وليدة الهيمنة الشيطانية لهذه الشبكة فلا ريب أن دوافعهم ومحفزاتهم ستتضاعف وتحركاتهم سوف تشتد. قد تقمع أمريكا الناس اليوم بقوات الشرطة بل بقوات الجيش - ولهذا الأمر سوابقه، فقبل سنوات ظهرت حركة في شيكاغو فتدخّل الجيش، وأظن أن الحدث كان في زمن كلينتون وإبّان حكم الجماعة التي سبقت بوش - وهم لا يتورّعون عن هذا أبداً، يأمرون الجيش بالتدخل ويقمعون الناس ويضربون ويقتلون ويتشددون في السجون فيقمعون هذه الحركة لكنها لا تنتهي وتبقي ناراً تحت الرماد، وسوف تتأجج وتتصاعد ألسنتها ذات يوم بحيث تحرق كل هذا البناء الورقي الاستكباري والرأسمالي، وتجعله رماداً وهشيماً.

القسم الرابع: الأوضاع في فرنسا

قمع روجيه غارودي مؤشر عدم حرية الأفراد في الغرب وفرنسا من خطبتي صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 12/05/2000 م

أعطوني صحيفة واحدة يمكن ذكرها في كل أوربا وأمريكا لا تعود للرأسماليين! إذن، الصحافة عندما تكون حرة معنى ذلك حرية الرأسمالي ليقول ما يريد ويشوّه سمعة من يريد، ويضخم شخصية من يريد، ويوجّه الرأي العام إلى أيّ اتجاه يريد! هذه بالتالي ليست حرية. إذا ظهر شخص ينتقد الصهيونية - مثل ذلك السيد الفرنسي * الذي وضع عدة مجلدات ضد الصهاينة وقال إن قولهم بإحراق اليهود في أفران إحراق البشر ليس بحقيقة - فسوف يتعاملون معه بطريقة أخرى! إذا لم يكن الشخص تابعاً للرأسماليين ولمراكز القوى الرأسمالية فسوف لن يستطيع قول كلمته ولن يصل صوته لأسماع أحد ولن يتمتع بحرية التعبير عن الرأي! نعم، الرأسماليون أحرار يقولون عن طريق صحفهم وإذاعاتهم وتلفزيوناتهم ما يحلو لهم! ليست هذه الحرية ذات قيمة. إنها حرية تمثل قيمة سلبية. يجرّون الناس إلى التحلل وعدم الإيمان، ويشعلون حرباً في أي مكان أرادوا، ويصنعون سلاماً مفروضاً في أي مكان شاءوا، ويبيعون السلاح أين ما شاءوا. هذا معنى الحرية عندهم! * روجيه غارودي الكاتب الفرنسي المسلم.

ذلة الشعب الفرنسي نتيجة عمالة المسؤولين الفرنسيين لأمريكا والصهيونية/ سبيل العلاج بأيدي الشعب الفرنسي نفسه من كلمته في لقائه خمسين ألفاً من قادة التعبئة من كافة أنحاء البلاد بتاريخ 20/11/2013 م

ليعلموا، وكما سبق أن قلنا، أن الشعب الإيراني يحترم كل شعوب العالم «اِمّا اَخٌ لَكَ فى دينِك اَو شَبيهٌ لَكَ فى خَلقِك» (14)، لكن تعامل الشعب الإيراني مع المعتدي والمتطاول تعامل يبعث على ندمه. سيوجّه للمعتدي صفعة لا ينساها أبداً. يرون أنفسهم مضطرين مقابل الكيان الصهيوني ومقابل الشبكة الرأسمالية الصهيونية أن يقولوا بعض الأحيان شيئاً، وهذا مدعاة هوانهم وذلتهم. الكيان الصهيوني في الواقع كيان أركانه مهزوزة بشدة، وهو كيان محكوم عليه بالزوال، لأنه كيان مفروض بالقوة والعسف، وما من ظاهرة أو موجود يظهر وينوجد بالقوة والعسف ويمكن أن يستمر، وهذا الكيان أيضاً لا يمكن أن يستمر. دفاع المدينين بشكل من الأشكال للشبكة الرأسمالية الصهيونية عن هذا الكيان الصهيوني البائس، مدعاة لإراقة ماء وجوههم. وبعض الأوربيين للأسف يتملقون ويذهبون مقابل هذه الكائنات التي يستحيف المرء أن يسمّيهم بشراً - فهؤلاء الساسة والرؤساء في الكيان الصهيوني يشبهون الوحوش حقاً ولا يمكن تسميتهم بشراً - ويتملقونهم ويهينون أنفسهم ويهينون شعوبهم. اكتسب الشعب الفرنسي ذات يوم اعتباراً سياسياً بسبب أن رئيس جمهورية فرنسا في ذلك الحين لم يسمح لبريطانيا بدخول السوق الأوربية المشتركة لأن بريطانيا تابعة لأمريكا وتدور في فلكها، وهذا ما أكسب فرنسا اعتباراً ومكانة سياسية حيث ارتفع رصيد الحكومة الفرنسية في العالم يومذاك لأنها وقفت بوجه أمريكا ولم تسمح لبريطانيا المرتبطة بأمريكا الدخول في السوق الأوربية المشتركة. هكذا يكتسب الشعب اعتباره. والآن يذهب ساسة نفس ذلك البلد لا مقابل أمريكا بل في مقابل الصهاينة المشؤومين الأنجاس ويبدون الصغار والتواضع، ويتسببون في مهانة الشعب الفرنسي وذلّته، وهذا ما يجب أن يعالجونه بأنفسهم طبعاً.

نفور الشعوب الأوربية (و الشعب الفرنسي خصوصاً) من الحكومة الأمريكية من كلمته في لقائه تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات بتاريخ 03/11/2013 م

في سنة 2001 أو 2002 للميلاد - أي قبل عشرة أعوام أو أحد عشر عاماً - خمّن المسؤولون الماليون الأمريكان وقالوا إننا في سنة 2011 أو 2012 سيكون لدينا فائض في الإيرادات بمقدار أربعة عشر ألف مليار دولار.. دققوا جيداً.. في سنة 2011 كان تخمينهم لسنة 2011 و2012 هو إنهم قالوا سيكون لنا في سنة 2011 و2012 أربعة عشر ألف مليار دولار إضافية من الإيرادات. والآن نحن في سنة 2013 ولديهم نقص بمقدار سبعة عشر ألف مليار دولار، لا أنهم لم يحصل لديهم إضافة وفائض في الإيرادات وحسب. معنى ذلك أنهم أخطأوا في حساباتهم بمقدار ثلاثين ألف مليار دولار! هذا هو وضعهم الاقتصادي ووضع حساباتهم. مثل هذا الوضع يوجد اليوم في الجبهة المقابلة لنا. والاختلافات كثيرة كما تلاحظون. ثمة مصالح مشتركة تربط بينهم - بين الأوربيين والأمريكيين - وإلّا هم على علاقات سيئة في أعماقهم. الشعب الفرنسي يكره الأمريكيين ويمتعض منهم. وفي قضايا متعددة من قبيل قضية سورية أراد الأمريكان الهجوم فلم يستطيعوا إشراك أقرب الدول إليهم في هذه القضية، أعني بريطانيا التي قالت إننا لن نشارك في الهجوم. هذا في حين عندما هجموا على العراق تعاونت معهم نحو أربعين دولة، وحين هاجموا أفغانستان تعاونت معهم أكثر من ثلاثين دولة. هكذا هو وضع الأمريكان الآن، لكن وضعنا جيد جداً. لقد تقدمنا وزاد اقتدارنا وزاد وعي شعبنا. وهم طبعاً يمارسون ضغوطهم. يجب أن نصبر على هذه الضغوط ونتحمّلها ونتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الذاتية. هذا طريق عقلائي يجب أن نسير فيه. طبعاً قلنا ونكرّر: نحن نؤيّد الجهود التي تبذلها الحكومة المحترمة والمسؤولون في البلاد، فهذه عملية وتجربة من الممكن أن تكون مفيدة. إنهم يقومون بهذه العملية فإذا آتت نتائجها فنعمّا ذلك، وإذا لم يحصلوا على النتيجة المطلوبة فليكن معنى ذلك أنهم يجب أن يقفوا على أقدامهم من أجل حل مشكلات البلاد. ونكرّر مرة أخرى توصيتنا السابقة: لا تثقوا بالعدو الذي يبتسم لكم. هذا ما نوصي به مسؤولينا وأبناءنا الذين يعملون في السلك الدبلوماسي، فهم أنباؤنا وشبابنا. توصيتنا لهم: احذروا من أن توقعكم الابتسامات المخادعة في الخطأ. ودققوا في دقائق ما يقوم به العدو.

مشكلات فرنسا ناجمة عن سياسات الشبكة الصهيونية الخبيثة من كلمته في لقائه الطلبة الجامعيين في محافظة كرمانشاه بتاريخ 16/10/2011 م

الكثير من المشاكل القائمة حالياً في البلدان الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ناجمة عن سيادة سياسات الشبكة الصهيونية الخبيثة على حكومات هذه البلدان. إنهم يخافون من أصحاب الرساميل والشركات الصهاينة وهم كثر في العالم. وكذا الحال في أمريكا أيضاً. تملق الصهاينة أسلوب شائع بين الساسة الأمريكان. والحال كذلك في أوربا أيضاً بدرجات معينة. حينما تعلم الشعوب - سواء الشعب الأمريكي أو الشعوب في أوربا - أن كثيراً من هذه التعاسة وليدة الهيمنة الشيطانية لهذه الشبكة فلا ريب أن دوافعهم ومحفزاتهم ستتضاعف وتحركاتهم سوف تشتد. قد تقمع أمريكا الناس اليوم بقوات الشرطة بل بقوات الجيش - ولهذا الأمر سوابقه، فقبل سنوات ظهرت حركة في شيكاغو فتدخّل الجيش، وأظن أن الحدث كان في زمن كلينتون وإبّان حكم الجماعة التي سبقت بوش - وهم لا يتورّعون عن هذا أبداً، يأمرون الجيش بالتدخل ويقمعون الناس ويضربون ويقتلون ويتشددون في السجون فيقمعون هذه الحركة لكنها لا تنتهي وتبقي ناراً تحت الرماد، وسوف تتأجج وتتصاعد ألسنتها ذات يوم بحيث تحرق كل هذا البناء الورقي الاستكباري والرأسمالي، وتجعله رماداً وهشيماً.

القسم الخامس: مقارنة الثورة الفرنسية بالثورة الإسلامية في إيران

مقارنة الثورة الفرنسية الكبرى والثورات اللاحقة في فرنسا بالثورة الإسلامية في إيران من كلمته في لقائه حشداً من الطلبة الجامعيين بتاريخ 10/08/2011 م

مهما أجلْتُ النظر في التحوّلات التي حصلت على مدى القرون الثلاثة الماضية، وهي قرون الثورات الكبرى لا أجد حالة مشابهة للثورة الإسلاميّة ـ وأنتم أيضاً ادرسوا هذه التحوّلات فلعلكم تجدون بعض الحالات؛ فالتحوّل الذي حصل في الدور الأوّل لهذه الثورة، تواصل في الأدوار التالية أو في العقود اللاحقة على تلك الوتيرة ذاتها، حاملاً راية الأهداف ذاتها ومنطلقاً نحو تلك الغايات وبذات التوجّهات. وربّما لم تتواصل بعض هذه التحوّلات مثلما هو الحال بالنسبة إلى الثورة السوفيتية، أو تواصل واستمر ولكن على مدى فواصل زمنية طويلة رافقتها محن ومصاعب ووقائع مريرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الثورة الفرنسية الكبرى، وكذلك استقلال أمريكا. ونحن نعبّر عن ذلك بكلمة الثورة أو أي شيء آخر. وفي ختام المطاف تحققت تلك الأهداف الأولى بنحو أو بآخر، ولكن بكثير من المشقّة والعناء، أو بعد مدّة مديدة. ومثال ذلك الثورة الفرنسية الكبرى. وتوصف الثورة الفرنسية بالكبرى لأنه أعقب تلك الثورة ثورتان أو ثلاث ثورات أُخرى وقعت في فرنسا على مدى خمسين أو ستّين سنة؛ بيدّ أن تلك الثورة الأولى التي وقعت في عام 1789 كانت هي الأهم والأكثر تأثيراً ـ ولكي يبقى هذا التاريخ في أذهانكم فهو: ألف ثمّ بعده سبعة، وثمانية، وتسعة! وهذا هو العام الذي وقعت فيه الثورة الفرنسية الكبرى ضد الحكم الملكي هناك. وهذا هو ذات الوضع الذي حصل في إيران؛ إلا أن الأسرة الملكية التي كانت تحكم في فرنسا كانت طبعاً أشدّ قوّة وأكثر رسوخاً من الأسرة البهلوية المتردّية التي كانت تحكمُ بلدنا! كانوا من أسرة آل بوربون التي حكمت فرنسا على مدى عدّة قرون. وكان بعض الملوك من هذه السلالة ذوي سطوة وشوكة. لقد وقعت هذه الثورة في العام الذي ذكرته لكم، وهو عام 1789 للميلاد. كانت هذه الثورة شعبيّة بمعنى الكلمة؛ أي كان للشعب حضور فيها حقّاً ـ كما هو الحال في ثورتنا ـ وكان القادةُ قادةً شعبيين تماماً وكانوا يحملون أفكاراً نيّرة ويتطلّعون إلى بناء مجتمع جماهيري. والشيء الذي كان مطمح أنظارهم لم يكن آيديولوجياً ولا عقائديّاً، وإنّما كانوا يرومون إقامة حكومة شعبية، وكانوا يرومون تأسيس حكم ديمقراطي. وبعد ذلك العام بثلاث أو أربع سنوات أزيحت المجموعة الأولى التي قامت بالثورة، على يد فئة موغلة في التطرّف؛ وأُعدم عددٌ من أفرادها. ثمّ إن هذه الفئة المتطرّفة سيطرت على الحكم. وبقيت في الحكم مدّة تناهز الخمس سنوات. ونتيجة للصرامة التي اتّبعوها مع أبناء الشّعب، هبّ الشعب كردّ فعل على ذلك وعزلهم عن الحكم، وأُعدِم قسم منهم؛ وهكذا سيطرت على دفّة الحكم فئة ثالثة. أي خلال مدّة تتراوح بين إحدى عشرة سنة إلى إثنتي عشرة سنة؛ حتّى عام 1800، سيطرت على الحكم ثلاث جماعات؛ وكانت كلّ جماعة منها تنكّل بالجماعة التي سبقتها وتقضي عليها. وعلى امتداد الإحدى عشرة سنة الأولى أُعدِمَت شخصيّات سياسيّة معروفة من الجماعات الثورية. ثمّ إن تلك الفوضى التي استفحلت ـ ومن الطبيعي أن تستفحل الفوضى في بلد يتّصف بمثل هذه الخصوصيّات والظروف ـ أرهقت أبناء الشعب؛ فانبثقت على إثر ذلك لجنة من ثلاثة أشخاص وكان نابليون أحدهم. كان نابليون حينها ضابطاً شاباً وكانت له فتوحات في مصر ـ وقصصه كثيرة وطويلة ـ أكسبته شهرة مهّدت له ليكون رئيساً لهذه اللجنة المؤلّفة من ثلاثة أفراد، ثمّ أصبح بعد ذلك ملكاً وإمبراطورا. و هكذا فإن البلد الذي مُني بكل هذه الخسائر، وأسقط النظام الملكي، وأُعدم لويس السادس عشر وزوجته، دخل تحت مظلّة الحكم الملكي مرّة أُخرى، واستولى نابليون على مقاليد الحكم. كان نابليون طبعاً شخصية عسكرية قويّة ونشطة وقدّم لفرنسا أعمالاً كبرى، وله إنجازات غير عسكرية أيضاً، إلا أن معظم أعماله كانت عسكرية؛ حيث إنه ضمّ إلى فرنسا عدّة بلدان أوربية وهي إيطاليا وإسبانيا وسويسرا. وغزا عدّة بلدان أوربية وضمّها إلى فرنسا أيضاً، ولكن من بعد خلع نابليون انفصلت تلك البلدان عن فرنسا الواحدة تلو الأُخرى؛ بمعنى أن تلك الفتوحات كانت غير مستقرة. إنّ ذلك البلد الذي قدّم كل تلك الخسائر وأقام حكومة شعبية، تحوّل بكل سهولة إلى الحكم الملكي مرّة أُخرى. وفي أعقاب نفي نابليون ووفاته ـ أي ما يقارب عام 1815 ـ سيطرت على حكم فرنسا حكومة ملكية استمرت مدّة تناهز الخمسين سنة، ورافقتها طبعاً تحوّلات بالغة الصعوبة والمرارة ومثيرة للأسى. ولو أنكم قرأتم ما كُتب في فرنسا من كتب وروايات في القرن التاسع عشر، لوجدتم فيها بكل وضوح معالم هذه الثورات وهذه المحن والوقائع المريرة التي ألمّت بالشعب الفرنسي؛ ومن هذه الكتب كتب فيكتور هوغو وبلزاك وغيرهما. وبعد ذلك؛ أي في عام ألف وثمانمائة وستين ونيّف، وقعت ثورة أُخرى هناك وخُلع الإمبراطور نابليون الثالث ـ الذي كان من أقارب نابليون ـ وأُقيم حكم جمهوري. وحتّى هذه الجمهوريات تبدّلت أيضاً وأصبحت الجمهورية الأولى، وتلتها الجمهورية الثانية، ثمّ الجمهورية الثالثة، إلى أن وصلت الأمور إلى الوضع الذي أصبحت عليه دولة فرنسا الآن، حيث تحكم هناك حكومة ديمقراطية. لقد واجهت الثورة الفرنسية هذه الوقائع المريرة. وهو ما يعني أنها منذ انطلاقتها لم تكن ذات قدرة تأهّلها لتتبوّأ مكانتها بين أبناء شعبها ويكتب لها الدوام والاستمرارية. وهذه الظواهر والوقائع اكتنفت تقريباً جميع التحوّلات التي وقعت على امتداد هذه الحقبة الطويلة التي استغرقت مائتي سنة أو مائة وخمسين سنة ومائة سنة في عالمنا هذا. لقد وقع ما يماثل هذا في أمريكا أيضاً. فالثورة الأمريكية ـ بمعنى تحرير أمريكا من تسلّط الحكم البريطاني ـ وقعت قبل الثورة الفرنسية بخمس أو ست سنوات؛ أي في حدود عام 1782. طبعاً لم يكن عدد نفوس أمريكا يومذاك يتعدّى الخمسة ملايين نسمة. ونهض الشعب يومها وأقام حكومة وجاءت إلى الحكم شخصيات من تلك الشخصيات المعروفة من أمثال جورج واشنطن وغيره. بيد أن الأمور هناك سارت على ذات المنوال أيضاً. فبعدما قاموا بتلك النهضة الأولى كابد الشعب الأمريكي الويلات، واندلعت هناك حروب أهلية تدعو إلى الدهشة والاستغراب. ففي واحدة من الحروب الأهلية ـ وكانت أعظم الحروب الأهلية تلك التي نشبت بين الشمال والجنوب؛ أي إن رحى تلك الحرب قد دارت في الواقع بين الشمال الشرقي والجنوب الشرقي؛ لأن غرب أمريكا قد أصبح تواً تحت سلطة هذه الدولة ـ قُتل مليون شخص على أدنى تقدير على مدى أربع سنوات. وطبعاً لم تكن هناك إحصائيات في ذلك الوقت، وإنّما هذا قول من كتبوا ومن تحدّثوا حول تلك الحروب. ومن بعد ذلك وعلى نحو تدريجي ومن بعد مضي مائة سنة تقريباً على استقلال أمريكا وصلت الحكومة إلى نوع من الاستقرار، واستطاعت مواصلة مسيرها ضمن التوجّهات السابقة. طيب، هذا عن الثورات. ولنأت الآن على ذكر أشباه الثورات ومنها التي وقعت في الشرق الأوسط وخاصّة في شمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث إنها في الواقع لم تكن ثورات، وإنّما كان معظمها انقلابات. ففي أواخر الخمسينات وأوائل الستّينات وقعت في بلدان شمال أفريقيا ـ أعني في مصر وليبيا والسودان وتونس ـ حركات ثورية ذات اتجاه يساري. وكانت كل هذه البلدان بلداناً ثورية. وباستثناء عدد معدود من الذين قاموا بتلك الثورات، انحرف الباقون وهم ممن قام بهذه الثورات عن مسارها، إلا أن الثورات ذاتها كانت ثورات يسارية، ومناهضة لأمريكا، ومناهضة لبريطانيا أو مناهضة لفرنسا. هكذا استقطبوا الشعب إلى الساحة، إلا أن الذين كانوا على رأس تلك الثورات انحرفوا في الواقع العملي عن مسارها، وانحدروا صوب تلك القوى الاستعماريّة! وكان منهم بورقيبة في تونس، لقد كان بورقيبة قائداً للثورة التونسية؛ بل إنه هو الذي صنع الثورة التونسيّة؛ غير أنه تحوّل إلى عنصر عميل للغرب ولفرنسا. ومن بعده جاء بن على أيضاً. أو في مصر، كان أنور السّادات من أنصار جمال عبد الناصر، وكان ممن ساهموا في صنع ذلك الانقلاب أو حسب تعبيرهم ثورة الضباط الأحرار. لقد كان شعار حركة الضباط الأحرار في زمان جمال عبد الناصر هو «تحرير فلسطين»، إلا أن الحال وصل بهم إلى حدّ الصلح مع غاصبي فلسطين، والتآمر ضد الشعب الفلسطيني. وفي الآونة الأخيرة وصلت الأمور إلى حدَّ التعاون مع الصهاينة لمحاصرة الشعب الفلسطيني، وفرض الحصار على غزّة من أجل القضاء على الشعب الفلسطيني! أي إنهم غيّروا اتجاه حركتهم مائة وثمانين درجة عن الاتجاه الأوّل للحركة. نعم، هكذا كانت الحركات. أي إن الثورات كانت تنحرف لعوامل شتّى، أو إنها كانت تنحرف منذ البداية، أو بعد مدّة وجيزة. وهذا الانحراف قد يستغرق أحياناً عشرات السنوات. ففي بلد مثل فرنسا استمر هذا الانحراف سبعين ونيّفاً من السنين، إلى أن استطاعت الثورة أن تحقّق تدريجياً قسماً من أهدافها وليس كلّ أهدافها. الثورة الإسلاميّة استثناء بين كل هذه الثورات. كانت الثورة الإسلاميّة حركة انبثقت بأهداف محددة، ورغم أن تلك الأهداف كانت محدّدة، لكنّ بعض مفاصلها كانت عامّة وكليّة، ثم تبلورت تدريجياً، واتّضحت، وتبيّنت مصاديقها. ولكن كانت الأهداف أهدافاً واضحة.

مقارنة الثورة الإسلامية في إيران بالثورة الفرنسية الكبرى من كلمته في لقائه المشاركين في ملتقى «الآفات التي تهدد الثورة» بتاريخ 06/03/1999 م

أريد أن أقول لكم إن ثورتنا عظيمة جداً وهي أرقى وأعلى بكثير من تقديرات وتقييمات المراقبين الدوليين. إنها قوية جداً من حيث البنية - وسأذكر ذلك باختصار - ولهذا السبب رغم كل ما واجهته هذه الثورة من هجمات وضربات ومحاصرة وحظر بدرجات أكبر من كل الثورات التي أعرفها، فإن الأضرار التي لحقت بهذه الثورة أقل بكثير من كل الثورات الكبيرة الأخرى في العالم. لقد سجلت هنا مقارنات لثورتنا بثلاث ثورات معروفة - يعرفها السادة بدرجات تزيد أو تنقص - وطبعاً توجد غيرها حالات ونماذج أخرى، لكن هذه الثورات الثلاث هي المهمة. إحدى الثورات هي الثورة الفرنسية الكبرى - من بين الثورات القديمة التي تفصلنا عنها أكثر من مائتي سنة - والثورة الثانية هي الثورة الروسية - والتي تعتبر قريبة من زماننا إلى حد ما - وهي من أضخم الثورات في القرون الأخيرة. والثورة الثالثة ثورة إسلامية أعني بها ثورة الجزائر التي كانت بحق ثورة. الواقع أنه لا يمكن للمرء تسمية تلك الانقلابات التي حصلت في أفريقيا وأمريكا اللاتينية باسم ثورة، لا يمكنه تسميتها ثورات بثقة كبيرة. لقد شاهدت بعض الأماكن التي ثارت - بلدان أفريقية وغير أفريقية، موزنبيق وزيمبابوي وما حصل في الهند - إذا أمكن تسميتها ثورات! لقد شاهدناها عن كثب، لا تمتلك أيّ منها خصوصيات تسمح بمقارنتها بالثورة الإيرانية. لكن تلك الثورات الثلاث تقبل المقارنة بالثورة الإسلامية في إيران إلى حدّ ما. وطبعاً اعتقد أن مقارنتها هي الأخرى عملية علمية جدّ محبّبة وماتعة، وما أجمل أن يقوم بعض الأشخاص بهذه العملية! إنها عملية علمية بمعنى علم الاجتماع وبالمعنى التاريخي أيضاً. لقد انقضى على ثورتنا عشرون عاماً، ولكم أن تنظروا إلى الثورة الفرنسية الكبرى بعد عشرين سنة، وإلى ثورة أكتوبر بعد عشرين سنة، وإلى ثورة الجزائر بعد عشرين سنة. انظروا إلى ما بعد عشرين سنة من الثورة الفرنسية الكبرى - نحو سنة 1809 م - وستجدون أن الشيء الذي تغيّر بالمقارنة إلى عهد لويس السادس عشر هو شخص الملك! في سنة 1809 م. كان في فرنسا ملك اسمه نابليون بونابارت يتولى زمام الأمور. إمبراطور تتوّج وكان يحكم كملك بالمعنى الحقيقي للكلمة! لم يكن لأصوات الشعب والحرية بذلك المعنى الذي سعت من أجله الثورة الفرنسية أي وجود في حياة الناس في ظل الحكم النابليوني المطلق! نعم، الفارق الآخر هو أن لويس السادس عشر كان ملكاً ضعيفاً بينما كان بونابارت قوياً جريئاً. الشيء الذي يمكن لفرنسا اليوم أن تعتبره مفاخر بونابارت هو أنه فتح إيطاليا والنمسا وبلجيكا - هذه هي أعماله - وإلّا لم يكن لبونابارت بعد عشرين سنة من الثورة أية مفاخر وأمجاد من حيث مبادئ الثورة - وتلك الأفكار التي تحدث عنها جان جابلوسيه وفولتير وآخرون - إذ لم تكن موجودة في الحكومة الفرنسية على الإطلاق! طبعاً لو نظرتم في هذه الأعوام العشرين ورأيتم ما حدث في فرنسا لوجدتم بحق أن ثورتنا العظيمة الشامخة هي أرقى ظاهرة يمكن أن تذكر بين هذه النماذج. خلال تلك الأعوام العشرين - قبل أن يتولى نابليون زمام السلطة - تناوبت ثلاث مجاميع على السلطة باسم الثورة. الجماعة الأولى هي جماعة الثوار الذين ربما سمعتم أو قرأتم قصتهم، حيث ارتكبوا أعمال عنف عمياء لا تنسى، وسبّبوا دماراً كبيراً مسجلاً في تاريخ فرنسا! على كل حال قاموا بثورة كان يمكن تحملها إلى حد ما. و بعد نحو خمسة أعوام تولت الجماعة الثانية زمام الأمور وقمعت الجماعة الأولى! وتم إعدام الشخصيات الثورية البارزة بلا استثناء تقريباً! كانت هذه الجماعة الثانية جماعة المتطرفين الذين اتهموا الثوار الأوائل بالاستسلام فأعدموهم. وجاءت الجماعة الثالثة واتهمت الجماعة الثانية بالتطرف والتشدد، فأعدمت بعضهم ونفت الكثيرين منهم، واستمر هذا النفي لسنين طويلة! إذا كنتم قد قرأتم «البؤساء» لفكتور هوغو، ثمة في بداية الرواية قصة رجل مسنّ كانت من نخبة هذه الجماعة الثانية. إلى حين التاريخ الذي تبدأ فيه رواية فكتور هوغو - بدايات القرن التاسع عشر، أي نحو سنة 1825 م وربما أكثر - كان هذا الرجل المنفي موجوداً حاضراً، وتلاحظون في الرواية أحداثاً ذات صلة بهذا المنفيّ وما كان يفعله وما يقوله وكيف كان لا يزال خائفاً! بعد أن قامت الجماعة الثالثة بمهماتها - طبعاً بمنتهى الضعف - مهّدت السبيل لتولي نابليون زمام السلطة، وحلّ نابليون بشطارته ونبوغه وبفضل الأوضاع المضطربة في فرنسا، على رأس السلطة وأعاد النظام الملكي، ولكن لا ملكية سلالة البوربون التي كان لويس السادس عشر وأمثاله من شخوصها. طبعاً استمر هذا الوضع إلى حين كان نابليون على قيد الحياة، وبعد أن مات عادت نفس تلك السلالة - أي ملوك البوربون ولويس الثامن عشر وأمثاله - إلى السلطة وبقيت فرنسا لعشرات الأعوام تعيش ظروف اضطراب وعدم استقرار، إلى ما بعد نحو مائة سنة من الثورة الفرنسية. هذه حقاً أمور عجيبة وقصصاً مهمة! الخلاصة هي أن فرنسا على مدى مائة سنة من الثورة كانت مثل سفينة تتقاذفها الأمواج، حيث جاء العديد من الملوك وذهبوا! بعد نابليون عاد البوربون للحكم وذهبوا، إلى أن جاء الشيوعيون إلى السلطة وذهبوا هم أيضاً، إلى أن انتظمت الجمهورية الفرنسية أخيراً بعد قرن ونيف من الزمان على الثورة الفرنسية! و لكم أن تقارنوا هذا بما بعد عشرين عاماً في ثورتنا. إننا الآن على رأس الذكرى العشرين للثورة، لاحظوا ما حدث هناك وما حدث هنا!

الحرية التي رفعت الثورة الفرنسية شعارها أدنى بكثير من الحرية في الإسلام من خطبتي صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 05/12/1986 م يجب أن أشير إلى نقطة مختصرة - وربما لا تتسع هذه الخطبة لأكثر من هذا - وهي أن نرى هل يوجد في المعارف الإسلامية وفي النصوص الإسلامية شيء اسمه الحرية أم لا. قد يتصور البعض أن الأديان لا توافق أبداً الشيء الذي يسمونه الحرية، وأن الحرية الاجتماعية والحريات الفردية وكون الإنسان حراً ظهرت لأول مرة في أوربا، وأفكار من قبيل أن الإنسان حرّ وكل إنسان يولد حراً طرحت لأول مرة قبل نحو مائتي سنة في الثورة الفرنسية الكبرى مثلاً. ويقولون إنها لمساع عبثية محاولاتكم إلصاق فكرة الحرية بالإسلام، فالإسلام وباقي الأديان لا شأن لها بالحرية، وهذا المفهوم الاجتماعي والسياسي الشائع في العالم اليوم مفهوم أوربي وغربي وناجم عن الثورة الفرنسية الكبرى والثورات الغربية والمدارس الغربية، فما علاقته بالإسلام؟ لنرى هل يوجد مفهوم في الإسلام باسم الحرية أم لا؟ في الإجابة عن هذا السؤال يجب القول: على العكس، فمفهوم حرية الإنسان طرح في الإسلام قبل قرون طويلة من طرحه في أوربا، فهو فكرة مطروحة في الإسلام قبل قرون من تفكير المفكرين والمستنيرين والثوار والقادة الأوربيين بأن يجعلوا حرية الإنسان أحد حقوقه الأساسية. وإذا أخذنا الحرية بمعناها الراقي والسامي والشامخ الذي يعني حرية روح الإنسان من الأدران والأهواء والنزوات والرذائل والأغلال المادية، إذا كان هذا قصدنا من الحرية فإن هذا المفهوم لا يزال إلى اليوم مما تختص به المدارس الإلهية، أما المدارس الغربية والأوربية فلم تشمّ حتى ريحه، وتلك الحرية التي رفعت شعاراتها في الثورة الفرنسية الكبرى في القرن الثامن عشر وبعد ذلك في العالم الغربي لهي أصغر وأقل وأضيق نطاقاً وأتفه قيمة بكثير من هذه الحرية التي جاء بها الأنبياء الإلهيون والمدارس الإلهية. إذا أخذنا الحرية بهذا المعنى فستختص بالمدارس الإلهية.