البعد العالمي للثورة الإسلامية

2007-08-20

 

إنّ ثورتنا تتمتع ببعد من أهم أبعادها، وهو البعد العالمي والدولي، فيجب أن لا يغفل لحظة واحدة عن هذا البعد. إن البعد العالمي والدولي ـ أي أقوال الشعب الإيراني وطريقه وأهدافه ـ يحظى بالحب والقبول لدى سائر شعوب العالم، أو على الأقل لدى بعضها.

وليس هكذا أن الشعب الإيراني قام بثورة، وأن الشعوب الأخرى تشاهده وتقول: إن هذا شيء يخصه ويتعلق به وبأوضاعه وأحواله ولا صلة لنا به أو فائدة.

فمن الممكن أن يرى المرء بعض الأحداث والتطورات التي وقعت في الكثير من البلدان ولكنها ظلت منحصرة بحدودها أو لم تحظ إلا بالقليل من الأصداء. ولكن الثورة الإسلامية في إيران كانت وما زالت وستظل لها أصداء واسعة. والسبب الأساسي في ذلك هو أن ثورتنا كانت من أجل الإسلام. وإنني لا أقول بأن الشعب لم يكن ساخطاً على أوضاع البلاد في زمن الحكم الطاغوتي أو أنه لم يكن يتطلع إلى التغيير، فالشعب كان ناقماً على كل شيء في زمن الطاغوت. ولقد كان الشعب يشعر بالشدة والهوان والضعة ومحو شخصيته عندما كان يفتح عينه ويشاهد الأوضاع في زمن الحكم الطاغوتي، سواء النظام البهلوي أو غالبية الحكومات التي سبقته. ومن الطبيعي أن الشعب كان يتطلع إلى تغيير أوضاعه المعيشية والحياتية والتغلب على هذه الشدائد التي كان مردّها إلى أمر واحد وهو أن أحداً لم يكن يعير أهمية لهذا الشعب ولا لعقيدته أو فكره وإيمانه.

لقد كان الشعب توّاقاً إلى الإسلام والتقاليد الإسلامية، ولكن أجهزة السلطة والحكم كانت تبث الدعايات ضد الإسلام. ولقد كانت أيدي السلطات تعمل على نشر الفساد الأخلاقي والسفور والابتعاد عن العادات والتقاليد الإسلامية وتفرضه على الناس. كما كانوا يسيئون إلى كل ما يحبه الناس ويحترمونه ويدوسون عليه أمام أعينهم. وهذا هو السرّ الرئيسي في الموضوع.

سبب حبَّ الشعوب للثورة الإسلامية

إنّ هذه الثورة كانت ضد القوى السلطوية في العالم، أي أنها نفت وتنفي كافة القوى نفياً باتّاً، وأن الشعب الإيراني قال ـ لا ـ لجميع قوى الاستكبار العالمي، ولهذا فإن كل الشعوب التي عانت وتعاني من ضغط إحدى هذه القوى تحب هذه الثورة لأنها تتحدث باسم هذه الشعوب وعلى لسانها.

إن ثمة الكثير من الشعوب التي تغلي قلوبها سخطاً وتشعر بالأذى والنقمة جرّاء الحضور الأمريكي والنفوذ الاستكباري وإقامة القواعد العسكرية والتدخل الاقتصادي ونشر الثقافة الأجنبية في بلادها، ولكنها لا تجرؤ على التنفس ولا تقوى على التحرك بسبب افتقارها إلى قائد ينطلق بهذا التحرك وبسبب ما يمارس عليها من تضييق خانق. وإن البلدان الرجعية الموالية لأمريكا هي غالباً من هذا القبيل. فعندما تجد هذه الشعوب أن شعباً حراً وقوياً وشجاعاً يرفع الشعار ويتحرك ويقف بصلابة في مواجهة النفوذ الأمريكي والثقافة الغربية والتدخل الاستكباري والحضور العسكري والاقتصادي والثقافي الأجنبي، فلا مناص من أن تخفق قلوبها بحب هذا الشعب وهذه الثورة.

فالبعد العالمي، يعني أن شعبنا وثورتنا يحملان رسالة للشعوب الأخرى تبشر بأنه لو تسلّح شعب بالارادة والتفّ حول قائد ومحور قوي، لكان بإمكانه أن يفعل المستحيل. وثمة رسالة لكافة المسلمين تنبِّئُهم بأنهم لو امتلكوا العزم والارادة، فإنهم سيستطيعون إعادة الإسلام إلى المجتمع وإقرار حكومته، وذلك رغم ما تسعى إليه الأيدي المعادية للإسلام على طول سنوات متمادية من إزالة الإسلام والقضاء عليه. وهذه هي رسالة شعبنا وثورتنا.

لا تفكروا بأن الشعوب الأخرى لم تفهم هذه الرسالة أو لم تسمعها؛ فما تشاهدونه في مراسم الحج من الدعم لكم ووقوف الآخرين بجانبكم من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط والدول العربية وتركيا وبقية الشعوب وإطلاقهم الشعارات معكم ومشاركتكم في المسيرات، لهو جواب في الحقيقة عن رسالتكم. وإن ما تشاهدونه اليوم من أكاذيب الاعلام الاستكباري ضد إيران يعود إلى أنهم يريدون تحويل أنظار هذه الشعوب عنكم. إن كل هذه الدعايات الكاذبة والمناقضة للواقع توضح أنه لو قرأ أحد هذه الأخبار العالمية بدون الاطلاع على أساليب عمل الاعلاميين، فإنه لن يتمالك حقيقةً من التعجب، وسيتساءل مع نفسه: عمّا وعمن وحول أي شعب أو بلد يتحدث هؤلاء؟! لأن الهدف من كل هذه الدعايات ضد إيران وضد الجمهورية الإسلامية وضد شعبنا العظيم والشجاع هو أن يدخلوا اليأس في قلوب الشعوب الأخرى ويصرفوا أنظارها عنّا.

مراقبة الإتجاه الحركي للثورة الإسلامية

تعتبر ذكريات مرحلة النهضة والثورة دائماً أحداثاً مفعمة بالمعاني والإرشادات التي توضح لنا وللأجيال القادمة اتجاه وخط سير وتحرك النهضة والثورة. وإن السبب في أنكم تجدون بعض هذه الذكريات أشد رسوخاً في الخواطر وبريقاً وجذابية في الأنظار هو أنها أفضل تعبيراً وتكريساً من ناحية عرض الخط العام للنهضة والثورة الإسلامية الظافرة. وذكرى الثالث عشر من آبان هي واحدة من هذه الذكريات.

وإنني أود في هذا الصدد أن نكون أكثر اهتماماً بعمق الفكر الإسلامي والقرآني وأن نطبق الشعار على مبناه الفكري حتى نستطيع معرفة قيمة الشعار بشكل أفضل بملاحظة عمق هذا المبنى، وبذلك يتسنى لنا أن نراقب بدقة الاتجاه الحركي في الثورة والذي يمثل اتجاه الثورة وخطها المستقيم. فينبغي الحفاظ على ذلك والاهتمام به بدقة وعناية، فذلك كفيل بالحيلولة دون ما يهددنا ويهدد الثورة من أخطار.

مهاجمة الثورة الإسلامية للإستكبار العالمي

من الآن فصاعداً يأتي دور الهجوم المبدئي لجنود وأبناء هذه الثورة الذين تحملوا الضربات، وهو أمر طبيعي، وقد أخطأ الذين تعجبوا من مهاجمة الثورة لأمريكا ونقمة أبنائها عليها؛ في حين أن هذا كان حدثاً طبيعياً تماماً، وكان لابدّ من وقوعه في بلادنا. وإن رد فعل الثوريين إزاء أمريكا التي تتحمل مسؤولية كل هذه المصائب خلال العقدين أو الثلاثة المتقدمة على الثورة هو أنه بمحض أن صار الشعب الثوري قادراً ومستطيعاً، فإنه لم يتوان عن إبراز ما يكنه من بغض إزاء المستكبرين والمتسلطين والعرابيد والمعتدين بكل ما في وسعه.

على الشباب أن يعرفوا لماذا نعارض تلك الحكومة أو ذلك النظام؟ وهل من الصحيح أن يتصور أحد أن موقفنا من قوى العالم الاستكبارية هو موقف مرحلي أو نفعي أو تكتيكي أو لا؟! إن هذا تصور خاطئ طبعاً؛ فمعنى ومفهوم الاستكبار هو مفهوم قرآني ولم يأت جزافاً في ثقافة ثورتنا. وإن مفهوم الاستكبار يقتضي أن يهبّ المسلمون والمؤمنون والنظام والثورة الإسلامية لمواجهته، وليس هذا بشكل نفعي ومرحلي وتكتيكي، بل إن هذه المواجهة مستمرة على الدوام.

فطبيعة الثورة هي هذه، ومادامت كانت هناك ثورة، فسيكون مثل هذا الأمر.

إن مفهوم الاستكبار في القرآن أساساً، هو عنصر أو شخص أو مجموعة أو جناح يعتبر نفسه فوق الحق، ولا يمتثل للحق، بل ويجعل من نفسه وقوته ملاكاً للحق! وإن أول مستكبر في التاريخ يصوره لنا القرآن هو إبليس: {أبى واستكبر}. فهو أول مستكبر.

وإنه لمن المستحيل أن نفرض انصراف مسلم أو مؤمن أو موحد عن عدائه لإبليس والشيطان حتى ليوم واحد أو لحظة واحدة. فخط الإسلام يعني في الأساس الخط المعارض لإبليس والشيطان.