الإرهاب الصهيوني فكراً وممارسة
1- تمهيد:
يشكل الإرهاب السمة الرئيسة لفكر الصهاينة, وهذا المنهج نابع من نصوصهم التي خطوها وتضمنها العهد القديم (التوراة قسم منه) والتلمود, حيث زعموا أنهم شعب الله المختار مما ولّد عندهم حالة استعلاء ونزعة عدوانية ضد الأمم والشعوب, وأنتج ذلك, على امتداد تاريخ يهود حسب المصادر المتنوعة, نمطًا عنصريًا كانت له نتائج مؤذية على من يتمكنون منه. وبالمقابل أنتج ذلك حالات من العداء ضدهم من الشعوب التي يتوجهون إليها بالأذى, فعاشوا بسبب ذلك حالة من عدم الاستقرار, وسيبقون كذلك لأن ما يؤمنون به ويلتزمون به من نصوص وأفكار يجعل من الصعوبة بمكان أن تكون بينهم وبين أية مجموعة بشرية علاقات مستقرة.
إن نصوص المسيحية والإسلام والمصادر التاريخية تحمل لنا الكثير مما يبرهن على الروح العنصرية التي يعتمدها يهود, وصور عدوانهم طالت مختلف الناس بمن في ذلك الأنبياء صلوات الله عليه, أي أن عنصريتهم وعدوانهم لم ترع حرمة ولم تلتزم عهدًا أو ميثاقًا بل إن العنف والحقد والقتل كانوا من سمات سلوكهم.
ونذكر في هذا الباب هذا النص من إنجيل مرقس: «وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم وكان يسوع يتقدمهم وهم منذهلون يتبعونه خائفين فأخذ أيضًا الإثني عشر وابتدأ يقول لهم ما سيعرض له. هوذا نحن عائدون إلى أورشليم وابن البشر سيسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزأون به ويبصقون عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم».
والقرآن الكريم جاءنا بنصوص كثيرة تبلغنا عن عنصرية بني إسرائيل ويهود وعن عدوانهم واستباحتهم للحرمات, من هذه الآيات قول الله تعالى: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾
(آل عمران/181).
وقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾. (المائدة/ 80).
إن تتبع محطات التاريخ التي تدور حول بني إسرائيل أو يهود أو الصهاينة اليوم تحمل على الإقرار بأن العنف والعنصرية عنوانان أساسيان في المسيرة التاريخية لهذا الشعب.
و «تأتي الأحداث يومًا بعد يوم لتؤكد التزام يهود لأسلوب العنف تحقيقًا لأهدافهم. وإذا كانت اليهودية قد تحولت في الغالب, إن لم نقل بشكل شامل, إلى حركة صهيونية لها مشروعها السياسي الذي يهدف إلى إقامة «إسرائيل الكبرى» تحقيقًا لوعد مزعوم في نص محرف, فإن الصهيونية بكل أتباعها وتفرعاتها جاءت مبنية على يهودية ترى فلسفة العنف من أهم ما يمكّنها من الوصول إلى ما تريد».
ولهذه الغاية نرى أن قادة العدو الإسرائيلي قد حولوا مجتمعهم المغتصب لفلسطين إلى ثكنة عسكرية كبيرة فكل مواطنيها عسكريون مدربون ومسلحون, إن رئيس وزراء العدو نتنياهو يؤكد ذلك مبررًا بأن فعلهم هذا من أجل ردع المقاومة الحاصلة لهم والتي يسمونها إرهابًا, فيقول: «فمثلاً قطاع كبير من الشعب الإسرائيلي يتكون من رجال الاحتياط في الوحدات العسكرية, وكثير منهم يحمل السلاح الخفيف, الأمر الذي يقلل من إمكانية تنفيذ هجمات إرهابية ناجحة, وميزة هذه الوسائل لا تبدو نسبيًا ظاهرة للعيان كما ليس لها تقيد على حرية المواطنين, فالمواطنون لديهم الاستعداد بشكل كبير للهجوم الإرهابي المتوقع حدوثه».
السلاح موجود إذًا مع كل مواطن, ولا قيد على استخدامه ضد أصحاب الأرض العرب حيال أي هجوم, بل ضد أي هجوم متوقع, أي يتوهم هجومًا فيقوم بفعل قتل أو طرد للناس ولا قيد على أفعاله, وهو ما يسمى الحرب الاستباقية.
2- النزعة الإرهابية في الفكر اليهودي والصهيوني:
إن الأدبيات الدينية المعتمدة عند يهود في العهد القديم والتلمود عمادها نصوص تزرع روح الاستعلاء والعدوانية ضد كل من ليس يهوديًا. فهم –حسب زعمهم- شعب الله المختار, وما عداهم هم «غوييم» أي الأغيار
أو الأمميون, ولكن تلمودهم يحمل أوصافًا للغوييم تجعل منهم حيوانات بهيئة بشر.
يزعم يهود أنهم «شعب الله المختار» وقد صاغوا نصوصًا في «العهد القديم» تخدم فكرتهم هذه منها: «والآن إن امتثلتم أوامري وحفظتم عهدي فإنكم تكونون لي خاصة من جميع الشعوب لأن جميع الأرض لي».
ومنها: «لأنك شعب مقدس للرب إلهك وإياك اصطفى الرب إلهك أن تكون له أمة خاصة من جميع الأمم التي على وجه الأرض».
ونصوصهم الموضوعة تفيض بالعدوانية وروح العنف والقتل والدمار, وفي كل ذلك ينسبون الأوامر للرب مما يجعل للإجرام والعدوان قداسة في فكر يهود والصهاينة. ولمن يراهنون على سلام مع القاتل والمغتصب للأرض والمقدسات والمنتهك للحرمات, نذكر بعض ما جاء عند يهود في العهد القديم, فمن نصوصهم التي تبرز منهجهم العدواني هذا النص: «فاضرب أهل تلك المدينة بحد السيف وأبسلها بجميع ما فيها حتى بهائمها بحد السيف. وجميع سلبها أجمعه إلى وسط ساحتها وأحرق بالنار تلك المدينة وجميع سلبها جملة للرب إلهك فتكون ركامًا إلى الدهر لا تبنى بعد».
إن التربية عند يهود ليس فيها اعتبار لحرمات تخص سواهم, وإنما يتصرفون دومًا على أن ما لسواهم مستباح لهم يحرقون ويدمرون ويقتلون, وبعد ذلك يتسلحون بأن فعلهم هذا نابع من أوامر أمرهم بها الرب حسب زعمهم. جاء عندهم في سفر يشوع ما يلي: «ولما فرغ بنو إسرائيل من قتل جميع سكان العيّ في الصحراء وفي البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعهم بحد السيف عن آخرهم, رجع جميع إسرائيل إلى العيّ وضربوها بحد السيف. وكان جملة من قُتِل في ذلك اليوم من رجل وامرأة إثنا عشر ألفًا جميع أهل العيّ, ولم يرد يشوع يده التي مدها بالحربة حتى أبسل جميع سكان العيّ. فأما البهائم وسلب تلك المدينة فغنمها إسرائيل لأنفسهم على حسب أمر الرب الذي أمر به يشوع. وأحرق يشوع العيّ وجعلها تلّ ردمٍ إلى الأبد خرابًا إلى هذا اليوم».
إن نصوصهم تفيد بأنهم أعداء الإنسان وكل من ليس على مذهبهم, وهنا نص يؤرخون فيه لقتالهم مع بني مدين, فليتأمل القارئ مزاعمهم: «فقاتلوا مدين كما أمر الرب موسى وقتلوا كل ذكره... وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم وجميع بهائمهم ومواشيهم وأثاثهم غنموها. وجميع مدنهم مع مساكنهم وقصورهم أحرقوها بالنار».
« لا أجد داعيًا للإطالة, في عرض النصوص الواردة في العهد القديم, والتي تدعو كلها بني إسرائيل إلى إبادة أعدائهم, وحرق مدنهم, وسلب كل ما عندهم, لكن ما أوردته أريد أن يتبين القارئ من خلاله كيف يفكر ويخطط أصحاب الثقافة التوراتية, وقد يكون تبينه هذا مدخلاً كي يقتنع بأهمية الإعداد لمواجهتهم, ودفع خطرهم المحدق بكل الناس, فأطماعهم لا حدود لها, وهي تقف أو تنطلق وفق قدرتهم القتالية».
أما الثقافة التلمودية وهي الأبلغ أثرًا في الفكر الصهيوني فدرجة العنصرية فيها تفوق ما ذكرناه عن الثقافة التوراتية بكثير, ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن التلمود قد تمت صياغته في أواخر القرن السادس للميلاد, ولهذا نجد فيه نصوصًا كثيرة تصرح بتحقير المسيحية وتعاديها, وهذا ما دفع قادة أوروبا في القرون الوسطى إلى إحراق نسخ التلمود أكثر من مرة.
نكتفي بذكر هذا النص التلمودي لنأخذ فكرة عن روحية نصوص هذا السفر اليهودي الخطير بما يشيعه بين أتباعهم, وفيه قولهم: «الخارج عن دين يهود حيوان على العموم فسمه كلبًا أو حمارًا أو خنزيرًا, والنطفة التي هو منها هي نطفة حيوان, وقال الحاخام (أبار بانيل) المرأة غير اليهودية هي من الحيوانات, وخلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقًا لخدمة الذين خلقت الدنيا لأجلهم لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلاً ونهارًا حيوان وهو على صورته الحيوانية».
وإذا كان كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» غير مؤكد أمره أن كان من إنتاج يهود أو منسوب لهم لكن نصوصه تذهب المذهب نفسه الوارد في العهد القديم والتلمود, وما فيه يعبر عن الروح العنصرية نفسها, فقد جاء في البروتوكول الأول:
«لا علاقة للسياسة بالأخلاق قط, وإن الحكومة التي تسير بالأخلاق ليست حكومة رجال خبرة سياسية وبالتالي فإنها ليست مكينة في مقاعدها, إن الذي يريد أن يحكم عليه أن يعتمد على الخداع والمكر, وأن الاستقامة والصرامة اللتين هما فضيلتين شعبيتين, تصبحان نقيصتين في السياسة, لأنهما أشد فتكًا في الكيان الحكومي من أقوى الأعداء... إن حقنا يكمن في قوتنا... إن صاحب الحق هو الذي يملك القوة الكافية لتدمير كل المؤسسات, وكل نظام قائم».
إن هذا النص يأتي مع ما ورد آنفًا مبينًا مدى اعتماد اليهود الصهاينة على عنصر القوة, وكيف أنهم لا يبالون بالقيم والمبادئ, ولا يحترمون سواهم, وإنما كل همهم أن يحققوا ما يطمحون إليه مستبيحين كل شيء, ولا شيء محظور عندهم ما دام يساعد على تحقيق أهدافهم, هذه هي الروح المثقلة بالعنصرية وبالعدوانية التي أنتجت فكرهم السياسي والذي ترجموه ويترجمونه اليوم من خلال مشروعهم في اغتصاب فلسطين وما يحيط بها.
3- الإرهاب ملازم لمشروع دولة إسرائيل:
إن المشروع الإسرائيلي الذي أسس لكيان محتل مغتصب قام منذ خطوته الأولى على الإرهاب, فالأطماع بفلسطين جاءت تلبي أطماعًا للمنظمات الصهيونية, وفي الوقت عينه جاءت تلبي رغبة استعمارية غربية وأميركية لاحقًا في زرع جسم غريب عميل لهم يهدد أمن الأمة العربية والمنطقة عمومًا, ويقوم بحراسة مصالحهم.
إن دولة إسرائيل هذه قامت على الإرهاب من الأساس, فقد قامت المستعمرات على شكل تجمعات ممولة من الغرب ومدعومة منه, وتوافدت الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين في إطار تركيز مواقع استيطانية مسلحة تمهيدًا لإقامة الدولة المغتصبة.
لقيام الدول قاعدة هي توافر أرض يعيش عليها شعب, هذا الشعب ينظم سلطة ودستورًا ويقيم مؤسسات ومنها مؤسسات عسكرية لحماية أمن الدولة, أما دولة العدو فقد قامت بشكل مخالف لسنن قيام الدول, حيث تشكلت عصابات مسلحة ومالية لاغتصاب أرض, وقامت هذه العصابات بتهجيرها باتجاهين: تهجير أهل البلد من أرضهم وممتلكاتهم وتشريدهم وقتل بعضهم بغرض زرع الرعب فيهم, وتهجير يهود من مناطق عديدة في العالم من خلال الضغط أو افتعال حوادث أمنية وإقناعهم بأن يأتوا ليستوطنوا في فلسطين المحتلة.
إن تتبع مشروعات الاستيطان اليهودي المدعومة من الغرب كان الأساس في خططهم, فقد تلازم الغزو الصهيوني لفلسطين مع تأسيس العصابات المسلحة. فقد «تأسست أول منظمة عسكرية هي الحارس (هاشومير) في العام 1909. وتتابع بعد ذلك تأسيس المنظمات مثل فرقة البغّالة الصهيونية(1915), والفيلق اليهودي (1915-1916), والهاغاناه (1921), والبيتار (1923) والإرغون (1931), وشتيرن (1937), واللواء اليهودي(1939-1945), والجدناع (1939) والبالماخ (1941).
وقد انحلّ قسم من هذه المنظمات, واندمج بعض منها بالآخر, وكانت الهاغاناه هي المنظمة العسكرية الأولى التي ضمت إليها عدة منظمات وسيطرت مع ذراعها الضاربة البالماخ على الجانب العسكري من الغزوة الصهيونية, وغدت جيش الوكالة اليهودية ثم تحولت فيما بعد إلى جيش الدفاع الإسرائيلي يوم أن قامت الدولة».
إن الجيش البريطاني مدعومًا من الغرب عمومًا قدم للصهاينة كل الدعم والتسهيلات لممارسة العنف ضد الفلسطينيين تنفيذًا لأوسع عملية تهجير وإبادة لا تماثلها إلا عمليات الأوروبيين في القارة الأمريكية حين أبادوا وشردوا سكان البلاد الأصليين الهنود الحمر, وكأنهم أرادوا أن ينفذوا مشروعًا مماثلاً مرة ثانية في التاريخ.
وهكذا بدأت الهجمات اليهودية المسلحة على السكان العرب طوال العام 1947 والأشهر الأولى من العام 1948 إلى حين قيام الدولة المغتصبة في أيار/مايو من العام 1948. وفي حين كان «عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الإطلاق, غير مسلحين في الغالب, وفي وضع دفاعي, شنّت الهاغاناه والإرغون تسفائي ليئومي (الإرغون) ولومامي حيروت يسرائيل (ليحي أو عصابة شتيرن) ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسية الثلاث, حيفا والقدس ويافا, وكذلك في الريف. ونفذت سلسلة من الغارات الليلية, وعمليات التفجير العشوائية, وتدمير المنازل, والمجازر الهادفة إلى ترويع العرب وحملهم إلى الرحيل».
ومن الهجمات اليهودية المتعددة, وهي أكثر من أن تحصى, نذكر منها واقعتين كنموذج إلى الإرهاب الصهيوني في الممارسة:
1- حادثة تفجير فندق سميراميس في القدس التي حصلت ليلة 5 كانون الثاني/يناير من العام 1948 حيث فجرت الهاغاناه الفندق الذي يقع في ضاحية القطمون فقتل 12 مدنيًا عربيًا ونائب القنصل الإسباني وجرح اثنان من العرب. وكان بين القتلى أربع نساء وخمسة أطفال.
ولم يكتف الصهاينة بالمذابح وإنما أرادوا تدمير المؤسسات والاقتصاد والعمران, وقد صرح بذلك يفئيل يادين وهو من مسؤولي الهاغاناه مع مطلع العام 1948 حيث قال: «يجب أن نشل المواصلات العربية والاقتصاد, وأن نضيّق عليهم الخناق في الريف والمدن, فهذه هي الوسيلة لتدمير معنوياتهم».
وتوالت بعدها عمليات الإرهاب الصهيوني, وقد توزعت في الأرض المحتلة والدول المحيطة بفلسطين: مصر والأردن وسوريا ولبنان, ووصلت إلى مطار عينتيبة في أوغندا, وتونس والمفاعل النووي في العراق, ومن هذه المذابح التي تعطي بيانًا واضحًا عن المنهج الإرهابي للصهاينة فكرًا وممارسة مجزرة مدرسة بحر البقر في مصر ومجزرة قانا في لبنان يوم 18 نيسان/أبريل1996 ومجزرة الحرم الإبراهيمي التي نفذها غولدشتاين في ربيع العام 1994.
أما عن مصادرة الأراضي والمنازل والممتلكات والعدوان على المقدسات من حريق المسجد الأقصى في آب/أغسطس من عام 1969 إلى سرقة كنيسة القيامة والعدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية فإن القائمة تطول. وعن تدمير المنازل لإقامة المستعمرات على أنقاضها فحدث ولا حرج, فالفكر إرهابي والممارسات كذلك والمشروع توسعي ولا حدود لعدوانهم وأطماعهم.
إن المستعمرات التي بناها ويبنيها قادة العدو في الأرض المحتلة أشبه ما تكون بحصون طبيعية تتمتع بالاكتفاء الذاتي, ومبنية على أسس عسكرية على رؤوس الجبال وتقاطعات الطرق مما يمكنها من السيطرة على المناطق المجاورة ويسهل الدفاع عنها, ويرضي عقدة المجتمع الإسرائيلي بالشعور بالأمن.
« فهذه المستوطنات تقوم على وجود طلائع مدربة على السلاح, وسكانها جنود ومحاربون مثلما هم عمال ومزارعون, ووجودهم في هذه المستوطنات يغني إسرائيل عن الاحتفاظ بقوات عسكرية ضاربة على الحدود, ويوفر هذه الأيدي للمجال الإقتصادي. وتمثل هذه المستوطنات نقاط مقاومة وهجوم أمامية في الوقت نفسه».
فكل تجمعاتهم السكنية يؤسسون لها على أساس مذهب القوة, ويدربونها على العنف والإرهاب, وإذا أردنا أن نحدد نظرية الأمن الإسرائيلي ونتعرف على ركائزها فيمكن أن نجملها بالأمور التالية:
«1- القوة العسكرية المتفوقة سلاحيًا وتقانيًا وإعدادًا.
2- الارتباط الإستراتيجي بالولايات المتحدة.
3- إستراتيجية الردع.
4- منع البلدان العربية من إمتلاك السلاح النووي أو أي سلاح ذي تدمير شامل.
5- الحدود الآمنة والحدود القابلة للدفاع عنها».
وقد عملت إسرائيل مدعومة بالولايات المتحدة والغرب من أجل امتلاك السلاح النووي والأسلحة الأخرى لتؤمن التفوق العسكري في إطار خوض حرب نفسية تحمل فيها العرب على الاستسلام ـ هكذا تظن وتتوهم- وتعمل على هذا الأساس من خلال حملات إعلامية وسياسية, وتسعى مع أمريكا لإتمام حلف الشرق الأوسط الذي يريدون من خلاله نزع هوية الأمة وتحقيق أوسع عملية اجتياح غير جغرافية بل اقتصادية وثقافية وسياسية.
وقد بيّن الأخ كمال شاتيلا هذا الخطر بقوله: «إننا كعرب نواجه حربًا نفسية ضارية لا تقارن بحرب هتلر النفسية حينما اكتسح نصف القارة قبل أن تصل قواته العسكرية إليها, فالحرب النفسية ضدنا تتولاها وسائل إعلام متفوقة وكاسحة, تريدنا أن نستسلم لقوى وأوهام قبل أن نحاول التقاط الأنفاس والصمود... تريدنا أن نقتنع باستحالة النهوض من الكبوة لنترك مصيرنا بأيدي غيرنا يشكله وفق غاياته ومصالحه».
إن غاية الإرهاب الصهيوني المدعوم أمريكيًا وغربيًا أن تنجح الحرب النفسية وتستباح الأمة العربية من قبلهم. أما السلام المزعوم فأكذوبة لا تؤيدها الوقائع.
4- الإرهاب والعنصرية في ممارساتهم الحالية:
لم تغير الأحداث من النمط العنصري الإرهابي للصهاينة, ولا مؤتمر مدريد الذي ذهب إليه العرب راضين بالمظلة الأمريكية المنحازة بدّل من الأمر شيئًا, بل أسهم في ازدياد غطرسة العدو, وزاد من أطماعه في الأمة لأن المواجهة على أساس قطري بدل المواجهة القومية الشاملة هي التي يريدها العدو في الحرب أو على طاولة المفاوضات لأنها تمكنه من فرض شروطه.
« وحتى الآن لم نقرأ تصريحًا إسرائيليًا رسميًا يتخلّى عن مشروع إسرائيل الكبرى ولا عن أسس العقيدة الصهيونية... فعن أي سلام يتحدثون, وهم يأتون إلى طاولة المفاوضات معبئين بعقيدة عنصرية ملؤها العنف والقتل والإبادة والاستعلاء».
وإذا كان شمعون بيريز رئيس وزراء العدو الأسبق قد طرح مشروعًا متكاملاً لاجتياح الأمة العربية وذلك من خلال كتابه «الشرق الأوسط الجديد» يطول البحث لو أردنا الوقوف على تفاصيل مشروعه, إلا أننا نتوقف قليلاً مع رئيس وزراء العدو الأسبق نتنياهو الذي يعبر بشكل صريح عن دفائن النفس اليهودية والصهيونية حتى المستترة بالسلام المزعوم.
يقول نتنياهو مؤكدًا على ضرورة توفير أسباب القوة لدولة العدو الإسرائيلي لضمان تفوقها على العرب ما يلي:
« إن السلام بين إسرائيل وجاراتها، هو سلام ردع، وإن احتمال تحقيقه يرتبط بصورة مباشرة على قدرة إسرائيل في الردع. فكلما بدت إسرائيل أقوى، كلما أبدى العرب موافقتهم على إبرام السلام معها».
ويقول نتنياهو كذلك «لا أمن باستثناء الأمن الذي يعتمد على ردع المعتدي، وهذا هو السلام الوحيد الممكن تحقيقه حاليًا بين إسرائيل والعرب، سلام مسلح وحذر، يوفر لإسرائيل درجة كافية من القوة القادرة على ردع الجانب العربي عن استئناف الحرب».
هذه هي الحقيقة التي يبني عليها العدو، إنها الإرهاب واستخدام التفوق العسكري. وأمريكا منحازة له تموّله بما يحتاجه لهذه الغاية، ولم يجتمع هذا الشتات اليهودي من خلال المشروع الصهيوني من قوميات متعددة وبلاد مختلفة إلا لما يحمل من فكر عنصري ومنهج إرهابي ونوايا عدوانية توسعية.
إن متابعة مسار الانتفاضة الباسلة في فلسطين والتي بدأت في 28/9/2000 يبيّن موضوع منهج العدو الإسرائيلي العنصري والإرهابي، فبداية الانتفاضة نفسها كانت عندما عمد المجرم شارون مع بعض أعوانه ومرافقيه إلى الدخول إلى الحرم القدسي الشريف، ولما تصدى له حراس المسجد الأقصى، والمواطنون الموجودون حينها في رحاب المسجد انطلقت الشرارة، وكانت الانتفاضة.
ومع تصاعد الانتفاضة كان مزاج جماعة كيان العدو مزاجًا متطرفًا إرهابيًا وقد ظهر ذلك حين أسقطوا اهودا باراك، وأتوا بمجرم أكبر هو شارون الذي استلم السلطة في شهر شباط/فبراير 2001 مهددًا ومتوعدًا، وقطع على نفسه وعدًا بأنه سيسحق الانتفاضة في مائة يوم. ولم يكن في نيّته ومشروعه ولن يكون ما هو التزام بالقرارات الدولية، أو وقف التوسع والعدوان على حساب الحق الفلسطيني المشروع، وكان ذلك ولا يزال بتغطية من الشريك الأمريكي، وبدعم منه وصل في العام 2004 إلى 14 مليار دولار، وبسكوت أو عدم حراك فعلي باتجاه إعطاء الفلسطينيين بعض حقوقهم من قبل الدول والقوى في العالم التي نجدها تسعى لتنفيذ قرارات دولية ظالمة وغير محقّة في غير فلسطين.
لقد مارس العدو الإسرائيلي ولا يزال بقيادة المجرم شارون وبدعم أمريكي أكثر أنواع الإجرام وقد سقط جرّاء هذا الإجرام الوحشي حتى آخر العام 2004 قرابة 3856 شهيدًا بينهم مئات من الأطفال أو النساء والشيوخ، وعدد الجرحى تجاوز 52 ألفًا من كل الفئات والأعمار، وبين الجرحى من باتوا معوّقين، ورغم ذلك يعتقل العدو في سجونه أكثر من 3 آلاف منهم، أي من المعوقين.
وتجلّى الإجرام الإسرائيلي في الحجر بعد البشر حيث صودر 211624 دونمًا (الدونم 1000 متر مربع) لبناء جدار الفصل العنصري، كما أنهم جرّفوا من الأراضي الزراعية والمشجرة خصوصًا قرابة 72674 دونم، وأما عدد الأشجار المثمرة التي جرّفوها فيتجاوز المليون شجرة، وقد ردم ودمّر العدو ما يزيد على 265 بئر ماء، والمنازل المدمرة كليًا أو التي لحقت بها الأضرار تربو على 65 ألف منزل، ودمّروا قرابة 388 مصنعًا، وبذلك يكون الدمار قد شمل معظم المرافق والبنى وبشكل خاص تلك الاقتصادية منها، وهذا السلوك الإجرامي يبيّن أساليب العدو وحقيقة نواياه العدوانية التي تشمل الإنسان والأرض والعمران والاقتصاد والمقدسات لأنه يمارس كما هي عادته سياسة الأرض المحروقة.
ومن أشكال العدوان أن برلمان العدو أصدر أمرًا رقمه 5763 بتاريخ 31/7/2003 يمنع توحيد العائلات بين المتزوجين الفلسطينيين من الضفة الغربية بفتيات فلسطينيات من المقيمات في الأراضي المحتلة في العام 1948. ولم يتسجب العدو للقرار الصادر من الأمم المتحدة في 22/8/2003 الذي يطالب بإلغاء الأمر الصادر عن برلمان العدو، كما أنه ضرب بعرض الحائط ما صدر بالاتجاه نفسه عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ملاحظاتها الختامية (الفقرة 21) في الدورة (78) بتاريخ 21/8/2003.
هذا قليل من كثير من أشكال التمرد الإسرائيلي بدعم أمريكي من خلال حق النقض (الفيتو) على القرارات الدولية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأبرزها القرارت 194و242و338، فهذه القرارات تقضي بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة بما في ذلك العودة إلى حدود الرابع من حزيران، أي الانسحاب من الأراضي المحتلة في الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وسواها، وحق العودة للفلسطينيين إلى ديارهم. إن العدو يتمرد على كل القرارات ومع ذلك لم نرَ الأمريكي وسواه من الغيارى على الأمم المتحدة وقراراتها في موقع العامل بحسم وجديّة كي يلتزم العدو الإسرائيلي بالقرارات الدولية، وبالتالي يوقف عدوانه وجرائمه التي لم تشهد لها البشرية مثيلاً.
ولا بد من عرض الوجه المقابل ألا وهو فعل الانتفاضة ضد العدو الإسرائيلي حيث سقط أكثر من 1100 قتيلاً، وتجاوز عدد الجرحى عند العدو 11 ألف جريحًا أكثر من نصفهم من العسكر.
وفي تقرير مع نهاية العام 2002 تبيّن أن خسائر العدو المالية اليومية بمعدل 30 مليون دولار، وأن أكثر من 66 بالمائة من المنشآت السياحية قد أغلقت أبوابها، وأن الإيراد السنوي للسياحة كان يتجاوز قبل الانتفاضة أكثر من 7 مليارات دولار، وأصبح بعد الانتفاضة دون 500 مليون دولار (نصف مليار).
ومن آثار الانتفاضة على العدوّ أنه اضطر أن يخصص 30 بالمائة من ميزانيته للإنفاق لمواجهة الانتفاضة على الجيش والشرطة، وقد أثّر ذلك على قطاعات وخدمات، كما أن الانتفاضة كان لها أثرها في رفع نسبة البطالة التي تجاوزت 11 بالمئة، يضاف إلى ذلك استدعاء عشرات ألوف الجنود الاحتياطيين إلى الخدمة، فهذا له تكلفته المالية التي تبلغ 54 مليون دولار يوميًا، وله تكلفة أخرى في مواقع العمل التي تركوها، هذا بالإضافة إلى تراجع مستوى الاستثمارات القادمة إلى فلسطين المحتلة، ومن جهة أخرى فرّت رؤوس أموال عديدة، وعلى سبيل المثال كانت نسبة الأموال الآتية للاستثمار قبل الانتفاضة في النصف الأول من العام 2000 بحدود 11.34 مليار دولار، وقد تراجعت إلى 3.43 مليارات في النصف الأول من العام 2002، وقد تراجعت أكثر في السنوات اللاحقة والتراجع نفسه ظهر في حالة الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، وفرار مئات ألوف يهود من الأرض المحتلة.
5- خاتمة:
اليوم ونحن نقف أمام مفترق خطير، وحبات السبحة لا تزال تكرّ، والعدو يزداد غطرسة، ويحشد ما استطاع من آلة الحرب بمختلف أنواعها مدعومًا من أمريكا والغرب خاصة بعد احتلال العراق والعلاقة الجدلية بين اغتصاب فلسطين واغتصاب العراق وتطابق مشروع الغزو وأهدافه بين الأمريكي والإسرائيلي، لا بد لنا أن نضع إصبعنا على الجرح ونرسم استراتيجية المواجهة، ونقترح لذلك ما يلي:
1- الإعداد والاستعداد وتوفير القوة تحقيقًا لحركة مقاومة ومجابهة على قاعدة: إن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
2- الانتقال بالمواجهة وبإستراتيجية الصراع من القطرية إلى القومية ومن الانفراد بالموقف إلى التضامن العربي المواجه من خلال خطة موحدة تحت سقف جامعة الدول العربية.
3- الحفاظ على الوحدة الوطنية في بلداننا لأنها مستهدفة، فالتفتيت ومشروع الدويلات والصراعات في الجبهة الداخلية العربية كل هذه الأشياء تمكّن العدو من مخطّطه وتحقيق مؤامراته ضد أمتنا.
4- إعطاء الفرصة الكافية لشعب الأمة بكل قواه الحيّة كي يشترك في معركة المصير والوجود، لذلك من الأهمية بمكان أن تطلق الطاقات وتحشد الإمكانات في مختلف الميادين لجبه الخطر ودفعه تمهيدًا لتحرير الأرض والمقدسات واسترداد الحقوق.
5- كل الجهود يجب أن تنصبّ في خانة المعركة ضد العدو الصهيوني وضد المحتل الإسرائيلي والأمريكي وحلفائهما على أساس فكر المواجهة وثقافة المقاومة، وبالتالي لا يصح التلهي بأية نزاعات جزئية يثيرها هذا الفريق أو ذاك. ولنلتزم الشعار القائل: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا نداء أقدس من ندائها.
6- من المفيد عربيًا بعد رسم إستراتيجية للمواجهة رسمية وشعبية تحت سقف جامعة الدول العربية أن تستمر قوى الدعم لنا في منظمة المؤتمر الإسلامي والأصدقاء كافة من دول العالم الذين يؤيدون حقنا المشروع في استرداد أرضنا المغتصبة وحقوقنا المسلوبة في فلسطين والعراق وسائر المواقع في الأمة.
تعليقات الزوار